د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10584
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بلغت بي السّن 60 سنة، وفقني الله فيها إلى ختم القرآن الكريم مائات المرّات تلاوة وتدّبرا، وكنت في كل مرّة أختم فيها التّلاوة، أتوقف حائرا متسائلا عن الغاية التي أرادها سبحانه وتعالى من قوله: "... ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم..."(1). المثير للحيرة والتساؤل في هذه الآية/الحكم التي أتت واضحة في صياغتها بما لا يجعلها قابلة للتأويل، رغم الوضوح بقي مصطلح (الخزي) يمثل لغزا محيّرا لم أفهم الغاية الإلهية من ربطه بالظرف المكاني والزماني في آن واحد (الدنيا) وأخر سبحانه العذاب لظرفية غير ملموسة (الآخرة) في الوقت أنّ الاستعمال المتداول بين النّاس (العذاب في الدنيا) لمَ للعذاب من بعدٍ حسّي في الدنيا. فرحت أفكر في المسألة وعدت إلى التفاسير القديمة والرّاهنة، لكنها اتفقت وأجمعت على تفسير الآية الكريمة نصّا دون أن يبحث أصحابها الأجلاء في ما يمكن إعتباره ربط المعنوي بالدنيوي والمادي بالغيبي، وانتهى بي الأمر إلى تقدير متواضع بأنّ في ذلك دلالة على مطلقية وشمولية الخزي الموجّه للإنسان دون استثناء حيثما كان وأنّى تواجد. لكنّي لم مقنعا لذاتي وظلّ التساؤل قائما في ذهني، لماذا اقترن الخزي بالدّنيا وارتبط العذاب بالآخرة وليس العكس؟
لم تكن حيرتي متصلة بالمعنى اللّغوي لمصطلح الخزي الذي شرحه ابن منظور في لسان العرب بقوله: " والخِزْيُ السُّوءُ. خَزِيَ الرجلُ يَخْزَى خِزْياً وخَزىً؛ عن سيبويه: وقع في بَلِيَّة وشَرٍّ وشُهْرةٍ فذَلَّ بذلك هانَ... وقال أَبو إِسحق في قوله تعالى: ولا تُخْزِنا يومَ القيامة؛ المُخْزَى في اللغة المُذَلُّ المَحْقُورُ بأَمْرٍ قد لزمه بحُجَّة، وكذلك أَخْزَيْته أَلْزَمته حُجَّةً إِذا أَذْلَلْته بها"(2). فمن النّاحية اللّغوية الخزي هو العار والذّلة نتيجة إقامة الحجّة التي تدين المخزِّي لخروجه على القاعدة الاجتماعية السائدة أو إخلاله بخلق أجمع عليه المجتمع. لا خلاف ولا اختلاف على المعنى المتّفق عليه، ويبقى مرّة أخرى السؤال قائما ما هي علامات ومظاهر الخزي التي عندما تبصرها العين المجرّدة لا تخطئها فيستخرج العقل الواعي من ذاكرته مصطلح الخزي دون غيره مثل (الذّلة والعار... الخ) ليقترن البعد النّظري للّفظ بالبعد المادي فتكتمل الصورة ويحصل المعنى المراد...
وبينما كنت أتابع الأحداث في مصر فجر يوم 19/08/2013 وكانت الساعة قد تجاوزت الواحد صباحا بقليل، حتى قطعت القناة برنامجها الحواري لتعلن خبر إلقاء القبض على مرشد الإخوان في مصر الدكتور محمد بديع (فتلخبطت) مشاعري، وأحسست بضيق في صدري ممزوج بابتهاج، وتضاربت الصور في مخيّلتي وتداخلت القراءات الفورية بالاستنتاجات الذّاتية المتسّرعة في خاطري إلى درجة كذّبت فيها الخبر الذي ما لبث أن تأكد بالصورة. في اللّحظة التي ظهر المرشد العام على الشّاشة بملابسه الدّاخلية البيضاء، تحيط بكتفيه ذراع أحد ضبّاط فيما يشبه العناق حتى قفزت لا شعوريا آية الخزي إلى ذهني، ذلك لأنّي رأيت رؤي العين مصطلح الخزي مجسّدا بكل صفاته المادية، وأدركت دون عناء ولا جهد أن ملامح وجه الرّجل ونظراته في تلك الآونة تحديدا، ما كان لإمرئ أن يصفها ويحدّد ما تعكسه من مشاعر الحزن المشوب بالارتياح. كان المرشد في قمّة الذّلة (L’humiliation suprême) التي يمكن أن تصيب إنسيا. لقد شاهدت ما لم أره طيلة ستة عقود من عمري، رأيت ولمست خزي الدّنيا مجسّدا ماديا (أجارنا وأجاركم الله). أبصرت "بورتريه" اختلط فيه الخوف بالرّجاء والحزن بالأسى واللّوعة باليأس والإحباط بالنّقمة والغيظ بالعجز، فأفرزت كلّها مجتمعة حالة من الشلّل شبه التّام لجسد شيخ منهك، يوشي في لحظة منسابة (لن تتكرر) عن انفصال الروح عن الجسد، وكأنّ الرجل في حالة اقتناع وتسليم بالأمر الواقع مع شيء من الاستبشار والرّضا ونفحة من فرحة !!!...
قد يبدو للقارئ توصيفي صارخ التّناقض، لأنّ في الجمع بين المصيبة التي حلّت بالرّجل والحديث عن إحساسه بالإبتهاج المتسرّب من تيه نظراته، ليشّق القناع الفلاذي الذي ارتسم في غفلة منه على وجهه، ليوحي للنّاظر بقوّة شخصيته وصلابة شكيمته من ناحية، وحتى لا يثير الشّفقة عليه من ناحية ثانية، في نفس الوقت الذي يسعى فيه لحجب ضعفه من ناحية ثالثة؛ يستدّل على ذلك بمحاولاته اليائسة في التّركيز على عدسات التّصوير بما يشبه النّظرات الثّاقبة التي كانت تصارع نفسها وهي تجتهد في تبليغ رسالة الصبر والجلد... لكنّ سرعان ما تنكسر تلك النظرات المنهكة، فيطبق عليها جفنان مترهلان، مثقلان بالهزيمة، تؤكد انكسار نفس صاحبها رغم ما كان يبديه من ثبات ورصانة قال عنها التّوانسة القدمى: "الطير الحرّ إذا وقع في الشّرك لا يتخبط"(*).
إلتقى الكبرياء الإخواني التقليدي بالهزيمة، فاجتمعت المصيبة بالبهجة فحصل الخزي في الدنيا نتيجة تمزّق أصاب الروح دون أن تغادر الجسد، لعل هذا هو التّوصيف القرآني الذي كان يفترض أن نستخلصه من كل آيات الخزي التي وردت كلام الله، وأكاد أزعم ممّا تقدّم أنّ الخزي مقدّمة لعذاب الآخرة، ولعل الله أراد أن يمدّ أولي الأبصار بصورة مادية أولية عن صورة مجر\ذدة لا تدركها الأبصار... بدا لي شخصيا أنّ المرشد العام وكأنّه ميّت لم يمت، فكان في عزلة تامة عن عالم المحسوسات، وفي غيبوبة أخذته في رحلة ماورائية يستكشف فيها آخرته. كل العوالم تختلط في ذهن المرشد/الإله مذّلة القبض، فضيحة السقوط، الإصرار على إنكار سقوطه من عرش الرّبوبية الذي كان يعتليه في زمن الوهم والزّيف... هنا يتجلّى الخزي مرّة أخرى، إله صاغر؟ !... يكتشف حقيقة حجمه الإنساني، وقد لامست قدماه أديم الأرض، وتثاقلت مشيته في الأرض بعد المشي في الأرض مرحا، وانحنت رأسه بعد أن بلغت الجبال طولا، وعلم علم اليقين وقوعه في المعصية وتأكد أنّه خالف ما نهاه عنه ربّه " ولا تمش في الأرض مرحا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا "(3).
كما حضرني وعينايا تقع على المرشد العام للإخوان، هذا الفرعون الذي "... استخف قومه فأطاعوه إنّهم كانوا قوما فاسقين"(4) فوظّف ممثله في رئاسة الدّولة الرئيس المعزول محمد مرسي الذي أصدر الإعلان الدستوري المحصّن لقراراته في 21/12/2012 حتى وصف بالفرعون، وما غاب عن الجميع أنّ القرار كان محصنا لقرارات المرشد العام للإخوان التي كانت تملى على الرئاسة. كان المرشد وأعوانه في مكتب الإرشاد على امتداد حكمهم يجيّشون الأتباع ويأخونون الدّولة، تحسّبا لمَ قد يحدث وقد حدث، فكانت القرارات والتّعليمات الموجّهة للأنصار، ترويع الآمنين وإحراق البلاد وإزهاق الأرواح وشلّ الحياة، فحقّ في المرشد ساعة ضبطه قوله الله تعالى: " فاليوم ننّجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنّ كثيرا من النّاس عن آياتنا لغافلون"(5)، مشهد لم نحضره ولم نره لكن آمنا به وصدّقنا الرّواية القرآنية، واليوم يتجسّد أمام الدّاني والقاصي وكأنّ تاريخ الكبر والتّعنت والصلف والتّعالي والاستخفاف يعيد نفسه بكل جزئياته.
وبشيء من التّدبر في الآية السّابقة ولو حاولنا إسقاطها على مسألة الخزي في الدّنيا يتبادر للذّهن سؤال جديد، لماذا لم يخزي الله فرعون في الدّنيا وأجّل عذابه للآخرة؟ يفهم هذا السّياق من قوله " فاليوم ننّجيك ببدنك"، حيث حفظ الله جسد الفرعون من التّلف المادي وألقى به على الشاطئ، ليكرّم بالدّفن باعتبار أنّ " إكرام الميّت دفنه"، كما يفهم من مضمون الآية أنّ الله اكتفى بالجزء الثاني من الآية (عذاب الآخرة). اتفق الشّراح أنّ فرعون آمن وأسلم قبل غرقه بلحظات " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين"(6)، تفسير حسن لكنه منقوص، ذلك لأنّ الإيمان والتّسليم المتأخر لم ينج الفرعون من عذاب الآخرة، لكنه أعفاه من خزي الدنيا... غير أنّ إرادة الله شاءت أن ينجو المرشد العام للإخوان ببدنه وروحه ليذيقه "الخزي في الدنيا" أمام أعين أنصاره (قوم فرعون الزمان الرّاهن) الذين تنحني جباههم لتقبيل يد مرشدهم، وفي ذلك ركوع مادي للهامة، مسبوق بسجود معنوي (السّمع والطّاعة) والرجّل يتمتع بألوهية مبطنة وإن خفت على النّاس ما كانت لتخفى على الله.
كان الفرعون القديم صادقا مع نفسه ومع قومه، اعتقد وصدّق أنّه إله وساعده أتباه في ترسيخ عقيدته، كما كان صريحا في كفره، واضح (سلوك الرّبوبية)، لم يخدع ولم يخادع... كفر بدّعوة الحقّ لاعتقاده أنّه هو الحق ذاته وأنّ الحقّ (دعوة نبي الله موسى عليه السّلام) كان يسعى للإطاحة به ليحلّ محلّه بين قومه، ويغيّر طبيعة اإنتاج المجتمعي الفرعوني القائم على فكرة استعباد الأقوياء للضعفاء. لم يرفض الفرعون إله موسى بل خلط بين موسى النّبي وموسى الإله في اعتقاده، بدليل أنّه آمن وأسلم ولو في الرّمق الأخير من حياته. لكن المرشد العام كان يتصرف كفرعون وفي نفسه كثير من التّعالي على سفهاء القوم من أتباعه من ناحية، فأضلّهم عن سبيل الله وهو يعلم علم اليقين أنّ سلوكه، شرك فاضح ومفضوح، وكفّر وزندق من لم يؤمن بربوبيته من ناحية أخرى فحقّ عليه قوله تعالى: " ثاني عطفه ليضّل عن سبيل الله له في الدّنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق"(7).
لقد رأينا وشاهنا وجها مسوّدا يعكس حالة من أشدّ حالات تقطّع الدّاخلي للنّفس البشرية بين الكبر والاستعلاء على الذّات أولا وعلى الخصم ثانيا وعلى الأتباع ثالثا. كان الرّجل يصارع في صمت حقيقة ضعفه البشري وفي نفس الوقت يستعلي على الموقف برمّته رافضا التّسليم بضآلته وتفاهته (وهو الذي كان يحيي ويميت)، فجأة يكتشف آدميته ذات التّركيبة الضعيفة الفانية، وهو الذي طغى وتجبّر وبداخله رجع صدى فرعون الذي جاهر "... فقال أنا ربّكم الأعلى"(8).
سقط الرّب الأعلى ومعه تاريخ 85 سنة من الدّعوة والكفاح السياسي المغشوش والمزيّف. سقط الرّب فانهار المعبد بأكمله فافتضح المستور وانكشفت البواطن وتعرّت النّوايا، كل ذلك وغيره ارتسم على تقاسيم وجه المرشد العام للإخوان، الدكتور محمد بديع الذي عجز عن مواراة وجهه عن النّاس أو دسّ رأسه في التّراب من الذّل، غير أنّه بلغ درجة الخزي فبدا متماسكا ونظراته تفضح صمته المدّوي وهو يردّد " يا ليتني كنت ترابا"(9).
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
19-03-2019 / 12:13:36 hanan
num
كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار
23-08-2013 / 08:45:18 فوزي مسعود
نموذج للكتابات الايديولوجية الحاقدة
هذا المقال نموذج للكتابات التي تكون فيها الاحقاد الايديولوجية متحكمة في النص، بحيث لاينتبه الكاتب لانه نزل لمستويات وضيعة جدا من البدائية التي تحتفي وتبتهج باهانة الناس واعتقالهم من طرف العسكر.
ولايعرف الكاتب في خضم بهجته المتخمرة انه بمثل هذه الكتابات ليس فقط يقدم صورة سيئة عن نفسه وانما يخدم مباشرة الطرف الذي يهاجمه
19-03-2019 / 12:13:36 hanan