المولدي اليوسفي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 73
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انتصرت قوى ما سمي بالحلفاء في نهاية حرب (1939-1945) ورتب المنتصرون خريطة العالم على مصالحهم فكانت الكتلة الرأسمالية وتضم دول أوروبا الغربية بما فيها تلك التي كانت مع دول المحور أثناء الحرب مثل إيطاليا و اسبانيا وألمانيا الغربية [ في نهاية الحرب قسم المنتصرون ألمانيا بين الكتلتين فكانت ألمانيا الغربية مع الكتلة الرأسمالية وألمانيا الشرقية مع الكتلة الاشتراكية] انضمت إليهم اليابان تحت مظلة الولايات المتحدة مقابل الكتلة الاشتراكية وتضم معظم دول أوروبا الشرقية تحت مظلة الاتحاد السوفياتي وبما أن تلك القوى لم تكن متفقة أساسا فقد سعت إلى تقسيم العالم بين الكتلتين. هذا لا ينفي تقاطع مصالحهما أحيانا مثل عدم السماح بتشكل قوة سياسية مستقلة عنهما وخاصة منع تبلور قوة إسلامية فكلاهما عرف هيمنة الدولة العثمانية وهذا ما جعلهم يتفقان دون تفاهم على إيجاد الكيان الصهيوني الذي زرعته المملكة المتحدة بجلب العصابات الصهيونية في أرض فلسطين عندما كانت تحت انتدابها وزودتها بالمال والسلاح والرجال للاعتداء على أهل الأرض ودفعهم للهجرة وأوجدت لهم مخيمات لتسهيل مهمة العصابات الصهيونية. بعد 1945 تولت الولايات المتحدة القيام على شأن الصهاينة تساندها في ذلك كل القوى الاستعمارية وساندها الاتحاد السوفياتي بكونه أول من اعترف بالكيان لما أوجدته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
مثل إيجاد الكيان اشكالا منذ البداية وتعلم القوى الدولية يقينا ذلك. لقد زرع الكيان الصهيوني في فضاء رافض له. فلا الثقافة تقبل به إذ يعلم الجميع ان الثقافة الإسلامية كانت عموما أحسن فضاء احتضن اليهود لكنها لا تقبل بكل الأحوال هيمنته ولا سلطته ولا تاريخ المنطقة يقره فقد طاردت منذ قرون كل سلطة ذات مرجعية دينية غير الإسلام والحروب الصليبية خير دليل. إلا أن زارع الكيان والمساندين له يعلمون أنهم زرعوه للهيمنة على الكيانات السياسية التي "أوجدوها" لمنع نهضة عربية أو وحدة إسلامية. لا يسمح المجال بالتوسع في هذه النقطة ولكن دليلها ظهر في السنين الأخيرة. لقد تجسد ما اشرت إليه بإقرار جل عواصم المنطقة، رغبا أو رهبا، بالخضوع للكيان الصهيوني واعتباره قوة إقليمية يسعى لإرضائها واتقاء شرها بل يرى البعض فيها حامية من الخطر الإيراني الذي لا يخفي سعيه لاحتواء مساحات متزايدة في الشرق الأوسط، تحت شعار"انتقام أتباع الحسينين والزينبيين من ورثة اليزيد" وهو شعار يرفع لتجييش الشارع الشيعي، فأوجد الإيراني ذراعا له فاعلا في لبنان تلته سوريا تلاها العراق ثم اليمن وقد تطول القائمة ان استمر الحال على ما هو عليه. في هذا المسار تتقاطع مصالح الغرب مع مصالح الجمهورية الإيرانية مع فارق في منهج الإنجاز ففي حين تسعى إيران لكسب الشارع العربي استعدادا لانتفاضة تسعى للتحكم فيها، يتمسك الغرب بالحكومات العربية لاطمئنانه لقوة هيمنتها على الشارع العربي.
هذا المشهد اهتز تحت تأثير السابع من أكتوبر 2023. لقد ارتبكت مواقف العواصم الغربية بما فيها الإدارة الأمريكية فبعد أن تسابقت لمواساة الكيان بعد 07/10/2023 بدأت تراجع حساباتها امام فعل طوفان الأقصى لا أقصد أنها خفضت من مساندتها للكيان وإنما وعيها ببروز فاعل مقاوم أزاح السلطة الفلسطينية التي أوجدوها كمصاحب في المشهد السياسي سرعان ما ألغاه الكيان عندما رآه عاجزا عن لجم الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية المساند للمقاومة في غزة. هذه الحالة فرضت التحاور مع فاعل لا مرغوب فيه إقليميا وهو المقاومة في غزة بمختلف مكوناتها وكان واضحا الاضطراب الأمريكي فتارة نرى أمريكا طارحة لمقترحات نيابة عن الكيان وطورا نجدها عنصرا فاعلا بين المحاورين وهو ما يختلف مع حقيقتها كأهم محارب في المعركة وحالتها هذه تدفعها لمزيد البذل بالمال وبالسلاح وبالرجال وفي هذا إنهاك لميزانيتها المنهكة أساسا (ستضطر قريبا لإعادة رفع سقف الدين مع ما يعني ذلك من تبعات ستمس لا محالة المواطن الأمريكي) يضاف هذا لمسألة الانتخابات وما يمثله ترامب من أزمة غير خافية فإن فاز يوتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي واليابان اذ يراهم متمتعين بالحماية الأمريكية دون مقابل ويرفع عاليا حالة التوتر بين شارع العرب وحكامهم بما سيدعم به الكيان وإن خسر فقد لا يخضع لحكم الصندوق وله في الشارع الأمريكي ما قد يدفعه لمغامرة ما !!!! (لا يسمح المجال بالتوسع أكثر).
استطاع الغرب إبطال الفعل العربي في المنطقة ومكن الكيان من تزعمها. لكن تداخل الفاعلين يجعل المنطقة في غليان مستمر مع انعدام المتنفسات أو المبردات. فالساحة السورية مثلا مرجلا تطبخ فيه مشاريع مختلفة ويتدافع فيها عديد الفاعلين [روسيا، الكيان، أمريكا، إيران، تركيا، مع لاعبين آخرين ربما أقل أهمية ممن ذكروا مثل مصر، السعودية، ....] وهذا ما يجعل سورية مرشحة لكثير من الاحتمالات كاستعادة بشار لزمام الأمور بعد تحول فيمن يقف وراءه أو تراجع وربما تعاظم الدور الإيراني وقد تكون الأحوال في العراق أقل توتر لكنها لا تنعم بأمن مطمئن ويتحرك فيها نفس الفاعلين بسوريا وإن كان بأقل حدة. كما قد تشهد الأردن اضطرابات إن ساند الشارع أهله بالضفة الغربية وليس الوضع اليمني بخاف على أي متابع .... وتمثل إيران عنصرا أساسيا في المشهد الشرق أوسطي عموما فالمساحات التي عددناها تشهد فعلا إيرانيا وإن اختلف من مساحة إلى أخرى. وقد تغير إيران بعض مواقفها إن "اطمأنت" (!!!!) لعهود غربية على صلة بمشروعها النووي. وأما إن تأبطت شرا (وهذا مستبعد الآن اللهم إن وكل لها الأمر في إطار ما أشرت إليه من تفاهمات إيرانية/ غربية). فالجمهورية الإيرانية أهم مصدر صداع الشرق الأوسط لعدم وضوح أهدافها. كما لا ننسى أن روسيا والصين تتابعان ما يجري دون كف أياديهما فيما يخدم مصالحهما. فلما يجري في الشرق الأوسط امتداد في غرب مصر إلى المحيط الأطلسي وكذلك لأحداث السودان والقرن الافريقي وأدوار بعض أذرع الغرب (الامارات مثلا) تأثير على مجريات احداث الرق الاوسط. كل هذا لا يجب أن يظلل على ما تسعى اليه تركيا كقوة إقليمية بدأت تفرض بعض ما تريد وتسعى إلى إعادة ترتيب بعض الأوراق. كما لا ننسى أن جل القوى الدولية ترنو لموضع قدم في هذه المنطقة لأهميتها ألم يقل مهندس الخارجية الامريكية هنري كيسنجر أن من يملك الشرق الأوسط يملك العالم؟
-------
المولدي اليوسفي
أستاذ محاضر، علم اجتماع سياسي، الجامعة التونسية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: