البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 336


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


المقاومة تُعدّ قيمة إنسانية تتجاوز الحدود والأزمنة، فهي التعبير الأعلى عن إرادة الإنسان في مواجهة الظلم والطغيان، والسعي لتحقيق العدالة والحرية. تمثل المقاومة إرادة جماعية تتغذى من التضحيات والآمال، وتنبثق من الظلم الاجتماعي والسياسي. واحدة من الخصائص الأساسية للمقاومة هي أنها لا تعتمد على شخصيات القادة فقط، بل تمتد لتشمل الشعوب بأكملها، وتستمر حتى بعد رحيل القادة، إذ يصبح القادة رموزًا للإلهام، ويظل جوهر المقاومة حاضرًا في قلوب الناس وعقولهم.

إن قيمة المقاومة تتجلى في تحرر الشعوب واستعادة حقوقها المسلوبة، وفي قدرتها على خلق هوية جماعية تناضل من أجل العدل. المقاومة ليست مجرد أفعال مباشرة ضد العدو، بل هي أيضًا ثقافة تُكرس لحقوق الإنسان وكرامته، وتُعزز من روح التضامن بين الأفراد. إنها تتجاوز البعد العسكري لتشمل كل أشكال الاحتجاج، مثل العصيان المدني، والمقاومة الثقافية، وحتى الحياة اليومية في ظل ظروف قمعية، وهو ما يظهر في العديد من حركات التحرر حول العالم. من هنا، تبرز أهمية المقاومة كقوة تحولية تُعيد تشكيل وعي الشعوب، وتحفز الأفراد للانخراط في العمل الجماعي من أجل تحقيق العدالة والمساواة.

من المهم التأكيد على أن موت القادة، رغم تأثيره الكبير على الروح المعنوية للحركات المقاومة، لا يعني نهاية المقاومة. على العكس، فإن رحيل القادة في كثير من الأحيان يكون نقطة تحول تُشعل الروح النضالية وتعزز الوحدة بين الناس. الأفكار التي يبثها القادة والتضحيات التي يقدمونها تصبح في كثير من الأحيان وقودًا يستمر في إلهام الأجيال اللاحقة. في أمريكا اللاتينية، هناك العديد من الأمثلة التي تؤكد هذا المبدأ بوضوح.

يعتبر إرنستو "تشي" غيفارا من أبرز الشخصيات الثورية في تاريخ أمريكا اللاتينية، وقد لعب دورًا حاسمًا في الثورة الكوبية بجانب فيدل كاسترو، قبل أن يكرّس حياته لنشر الثورة في بقية دول أمريكا اللاتينية. عندما قُتل في بوليفيا عام 1967، لم تكن تلك النهاية لحركات المقاومة، بل كان العكس. تحوّل غيفارا إلى رمز عالمي للثورة والحرية، وظلت أفكاره تلهم أجيالًا من الثوار في كافة أرجاء العالم. الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية استمدت قوتها من تضحياته ورمزيته، واستمرت في نضالها ضد الأنظمة الديكتاتورية والإمبريالية.

سيمون بوليفار هو مثال آخر على كيف تستمر روح المقاومة بعد رحيل القادة. بوليفار، الذي قاد حركات التحرر في العديد من دول أمريكا الجنوبية ضد الاستعمار الإسباني، لم تكن وفاته عام 1830 نهاية لنضاله من أجل الحرية. بل على العكس، حلمه بتوحيد شعوب أمريكا الجنوبية ظل حاضرًا في وعي الناس، وألهم حركات التحرر التي تلت ذلك. لقد أصبح بوليفار رمزًا للوحدة والحرية، وتجسد إرثه في الاستقلال التام لمعظم دول القارة.

وفي المكسيك، كان فرانسيسكو مادييرو قائدًا للثورة المكسيكية ضد النظام الديكتاتوري لبورفيريو دياز. ورغم اغتياله عام 1913، إلا أن مقتله لم ينهِ الثورة، بل أدى إلى تعميق روح المقاومة واستمرار النضال الشعبي، الذي أسفر في النهاية عن تغييرات جذرية في النظام السياسي والاجتماعي للمكسيك. هذه الثورة كانت تعبيرًا عن إرادة الناس في مواجهة الاستبداد، مما يؤكد أن موت القادة لا يُطفئ جذوة الكفاح، بل يزيدها اشتعالًا.

سلفادور أليندي في تشيلي يُعدّ أيضًا مثالًا على استمرار المقاومة بعد رحيل القادة. أليندي كان رئيسًا اشتراكيًا منتخبًا، وسعى لإصلاحات تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية. ورغم الإطاحة به في انقلاب عسكري بقيادة أوغستو بينوشيه عام 1973، إلا أن وفاته لم تكن نهاية النضال من أجل الديمقراطية في تشيلي. بل على العكس، ظل الشعب يقاوم النظام الديكتاتوري لسنوات طويلة، حتى أُعيدت الديمقراطية في نهاية المطاف عام 1990. أليندي أصبح رمزًا للصمود والدفاع عن الحقوق الديمقراطية، وظلت حركته تلهم الناشطين حتى بعد رحيله.

من خلال هذه الأمثلة، يمكن القول بأن المقاومة تتجاوز الأشخاص لتستمر من خلال الأفكار والمثل التي يؤمن بها الناس. إن موت القادة لا يعني نهاية المقاومة، بل قد يكون أحيانًا بداية لتجديد القوة والتصميم على تحقيق الأهداف. هذه القيمة الجوهرية للمقاومة تجعلها حركة مستمرة، تُعبّر عن رفض الإنسان للخضوع وعن رغبته العميقة في العيش بكرامة وعدل. إنها دعوة إلى الأمل والتحدي، وهي شهادة على قدرة البشر على النهوض دومًا، حتى في أحلك الظروف، دفاعًا عن الحرية والكرامة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورة، المقاومة، القيادة، الزعامة، بوليفار، غيفارا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-09-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  دور البرلمان في تنظيم الثورة التكنولوجية لضمان الاستدامة الاقتصادية
  أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب
  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، عمر غازي، المولدي اليوسفي، محمد الياسين، محمد اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، د - محمد بنيعيش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الهادي المثلوثي، سفيان عبد الكافي، رضا الدبّابي، أبو سمية، المولدي الفرجاني، أحمد بوادي، أحمد النعيمي، حسن الطرابلسي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، عبد الرزاق قيراط ، جاسم الرصيف، صلاح الحريري، فهمي شراب، إياد محمود حسين ، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، فوزي مسعود ، خالد الجاف ، د. خالد الطراولي ، رمضان حينوني، طارق خفاجي، يزيد بن الحسين، محمد أحمد عزوز، محمد شمام ، عبد العزيز كحيل، د. أحمد بشير، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، محمد عمر غرس الله، فتحي الزغل، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، د - عادل رضا، د - شاكر الحوكي ، فتحـي قاره بيبـان، رافع القارصي، سلام الشماع، محمد علي العقربي، مصطفى منيغ، د. طارق عبد الحليم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، موسى عزوق، حميدة الطيلوش، وائل بنجدو، عزيز العرباوي، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، علي عبد العال، تونسي، يحيي البوليني، محمود طرشوبي، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، صباح الموسوي ، رشيد السيد أحمد، د - صالح المازقي، محمد العيادي، ياسين أحمد، د - مصطفى فهمي، ضحى عبد الرحمن، ماهر عدنان قنديل، محرر "بوابتي"، حاتم الصولي، د- محمد رحال، محمود فاروق سيد شعبان، الناصر الرقيق، طلال قسومي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الطرابلسي، نادية سعد، صالح النعامي ، عراق المطيري، كريم السليتي، سيد السباعي، محمود سلطان، أحمد الحباسي، أنس الشابي، مراد قميزة، العادل السمعلي، سلوى المغربي، سامر أبو رمان ، د. عبد الآله المالكي، د - الضاوي خوالدية، عمار غيلوفي، علي الكاش، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، عبد الله زيدان، أشرف إبراهيم حجاج، صلاح المختار، إسراء أبو رمان، إيمى الأشقر، د- محمود علي عريقات، كريم فارق، عبد الله الفقير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، فتحي العابد، سامح لطف الله، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- جابر قميحة، عواطف منصور، محمد يحي، مصطفي زهران، أحمد ملحم، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز