د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6085
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
توطئــــــة
قدمنا هذه المداخلة في احتفاليات الذّكرى السّتين لإندلاع الثّورة الجزائرية، ضمن ندوة دولية نظّمتها جمعية البحوث والدّراسات لاتحاد النغرب العربي تحت عنوان: " العلاقات التّونسية-الجزائرية، بين ثوابت الماضي ورهانات المستقبل"، وكان ذلك بتونس العاصمة يومي 12-13 نوفمبر 2014.
وقد اخترنا تجنّب الخوض فيما أصبح متداولا بين العامة والخاصة، والتّركيز على بعض آليات الفتور المزمن في العلاقات التّونسية الجزائرية، من زاوية سوسيو-تاريخية، انطلاقا من ملاحظة الواقع بالبصر، وتحليله بالبصيرة، ومن ثمّة كتابة رأينا بالعقل.
مقدمـــــة
في البداية أوّد أن أشير إلى أنّ العلاقة التونسية الجزائرية المعاصرة تنقسم إلى فترتين تاريخيتين، فترة ما قبل ظهور الدّولة الوطنية التي انتهت باستقلال الجزائر، وفترة بداية بناء الدّولة الوطنية التي لا تزال مستمرة إلى اليوم.
اتّسمت الفترة الأولى إجمالا بمناصرة الشّعب التّونسي للثّورة الجزائرية سياسيا في المحافل الدّولية والأممية، إضافة إلى تقديم الدّعم اللّوجستي/الشّعبي للمجاهدين الجزائريين من إيواء وطعام وكساء وسلاح وعلاج... الخ، وذلك بعد أن ترّسخت تلك الثّورة المجيدة في التّصورات الاجتماعية التونسية تحت راية الجهاد المقدّس ضدّ المستعمر، فتبنّاها "التّوانسة" دون تحفظ وبذلوا في سبيلها النّفس والنّفيس. وأترك تفاصيل تلك المرحلة للسّادة الدّكاترة المتخصّصين في تاريخ المغرب العربي الحديث، لأوجّه اهتمامي على مرحلة الاستقلال من زاوية علم الاجتماع.
لقد باركت تونس والعالم العربي استقلال الجزائر سنة 1962م، وانتظر الشّعبان استمرار التّعاون بين البلدين وتطويره إلى وحدة (بقطع النّظر عن شكلها)، لكن وللأسف ما حدث كان العكس، حيث انكفأت كلّ دولة على نفسها، وتقوقعت خلف حدود رسمها الاستعمار الفرنسي في دهاء، ليقطع طريق الوحدة على بعض الحكّام العرب مسكونين بفكرة الوحدة العربية. ماذا طرأ على العلاقات في الجانب الرّسمي، أي على مستوى القيادة؟
المستوى السّياسي
بالرّغم من الانزواء، ظلّت العلاقات بين الجارتين لحسن الحظّ خالية من كلّ توتر حدودي، كما حصل بين الجزائر والمملكة المغربية سنة 1963م الذي " بلغ ذروته بنشوب حرب حدودية في أكتوبر 1963، عرفت بحرب الرّمال"(1). لم يمنع هذا الانكماش الرئيس الرّاحل "الهواري بومدين" من عرض مشروع الوحدة على الرئيس الرّاحل "الحبيب بورقيبة" رحمهما الله سنة 1973.
قدّم الرئيس "بومدين" عرضه خلال زيارة دولة أدّاها إلى تونس على رأس وفد ضمّ أبرز أركان الدّولة الجزائرية، كان من بينهم السيد: "عبد العزيز بوتفليقة" وزير الخارجية آنذاك، والرّئيس الحالي للجزائر. جاءت تلك الزّيارة بعد أشهر قليلة من اخفاق محاولة العقيد "القذافي" رحمه الله، في اقناع "بورقيبة" وحكومة السيد "الهادي نويرة" اللّيبرالية بالوحدة بين ليبيا وتونس.
تميّز الرّاحل "بومدين" بالمرحلية والواقعية السّياسية في عرض مقترحه، محاولا استغلال نرجسية "بورقيبة" بالتأكيد على منهجية الخطوة-خطوة التي يفخر بها رئيس تونس. يظهر ذلك في قوله: " هذه الوحدة -نحن نعملها- لن تنزل علينا جاهزة من السّماء، علينا انجازها قطعة قطعة، خطوة بعد أخرى. إنّي جئتكم اليوم لأقترح عليكم وضع حجر الأساس لهذا البناء الشّامخ، إنّنا نريد البدء من البداية والبداية هي أنتم ونحن. إنّها الوحدة بين الجزائر وتونس. هذه الوحدة كما أراها، هي مساهمة في التّضامن العربي... إنّها أول حلقة في سلسلة كبيرة. نريد أن نجعلها- معكم- تشمل المغرب الكبير أولا، ثم تمتد إلى الأمة العربية الإسلامية فيما بعد." (2).
اصطدم العرض الجزائري برفض تونسي جاء مجزء. تمّ الجزء الأولى بحضور أعضاء الوفدين في اللّقاء الرّسمي حيث وعد "بورقيبة" في دبلوماسية مهذّبة بالتّفكير في الأمر قائلا: " نعم يجب علينا أن ننظر في الأمر... لما لا نقيم أولا بعض المشاريع المشتركة، عندنا مشاريع يمكنكم تمويلها، كما لدينا مشاريع أخرى يمكنكم المساهمة فيه. أنظر لما لا ننشىء معملا للإسمنت سويا في نفطة وتوزر؟ وفي الميدان السّياحي، لما لا ننجز مطارا هناك أو مركّبا سياحيا؟ ماذا ترون؟ يمكننا في اعتقادي البدء هكذا..."(3).
أمّا الجزء الثاني من الرّفض التّونسي فقد تمّ صبيحة اليوم الثّاني للزّيارة، خلال لقاء منفرد بين الرئيسين، نقل الرّاحل "بومدين" حواره نصّا لمرافقيه قائلا: " طلب منّي الرئيس "بورقيبة" أن تتنّحى الجزائر عن القطاع القسنطيني لصالح تونس"، وأردف معلّقا على ذلك بقوله: " إنّ تونس ليست ناضجة للوحدة"(4).
جاء الجزء الثّاني من الرّد فيما يمكن أن نسمّيه بالشّرط التّعجيزي/اللّبق من استنباط "بورقيبة" كي يقطع الطّريق على النّوايا الوحدوية للجزائر، وباعتقادي كان "بورقيبة" يخشى أن تبتلع الجزائر تونس رئيسا وبلدا. منذ ذلك التّاريخ انقطع الجانبان التّونسي والجزائري عن الخوض في هذه المسألة. ونتيجة لذلك الرّفض، عادت الجزائر إلى الانغلاق في سياسة القلعة(*) التي اتبعتها منذ الاستقلال، وحافظت بفضلها على توازناتها السّياسية الإقليمية والدّولية، محترمة عدم التّدخل في شؤون الغير الدّاخلية، ورفض تدخل الغير في شؤونها الدّاخلية.
باستقراء تلك الزّيارة يمكننا القول بأنّ الرئيس "بومدين" قد استحضر شراسة "بورقيبة" الذي خالف فيها كلّ الأعراف الدّبلوماسية، وهو يحقّر العقيد "القذّافي" في شخصه ويهزأ من مقترح الوحدة الذي عرضه على الملء سنة 1972 في قاعة البالماريوم. عن تلك الحادثة تحدّث المرحوم "محمد مزالي" في كتابه: نصيبي من الحقيقة " كان بورقيبة ينصّت إلى الخطاب في غرفة نومه بواسطة الراديو فامتطى أول سيارة وجدها في قصر قرطاج ودخل البالماريوم فجأة وافتك الميكروفون من يد الزّعيم اللّيبي قائلا: إنه اكتسب شرعيته لا بالمدّرعات والانقلابات، بل استمدها من الشّعب وهو إن تكلّم فباسم وطنه تونس لا باسم الأمة العربية"(5).
التقى رفض تونس للفكر الوحدي مع نظرية القلعة الجزائرية، لتستقر العلاقة بين البلدين على عتبة الاحترام المتبادل، والنّدية، والتّعاون عند الضّرورة بما يضمن مصالحهما المشتركة، كما هو الشأن في السّنوات الأخيرة (التّعاون الأمني والاستخبراتي في مقاومة الإرهاب). لمريمنع فتور العلاقات بين الجارتين من إبرام عديد الاتفاقيات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التي تمّ التوقيع عليها بين حكومتي البلدين وقد فاق عددها 115 اتفاقية من أهمها:
- اتفاقية الإقامة لسنة 1963
- الاتفاقية التّجارية والتّعريفيّة لسنة 1981
- اتفاقية نقل المسافرين والبضائع والعبور عبر الطّرقات البّرية 2001
- الاتفاق حول التّرتيبات المؤقتة المتعلّقة بضبط الحدود البحرية بين البلدين لسنة 2002.
- توقيع البلدين ( بأحرف ميّتة) على وثيقة اتحاد المغرب العربي بمدينة مرّاكش في 17 فيفري 1989 مع كل من المغرب وليبيا وموريتانيا، واتفاقية التّعاون الثقافي بين دول اتحاد المغرب العربي في 11/11/1992م.
إلى جانب هذا العائق السّياسي توجد مجموعة من الموانع الأخرى المجهولة لدى العامة والتي لا تقّل فاعليتها عمّا تقدّم ذكره، وأقصد الخلفيات الإيديولوجية والنّفسية التي أقام عليها كلّ من الرّجلين (ولا أقول البلدين) فكره السّياسي التّنموي، وأهمّها على الإطلاق، " الانحياز في ظلّ عدم الانحياز تحت مظّلة الحرب الباردة إلى أحد المعسكرين اللّيبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والإشتراكي بزعامة الاتحاد السّوفياتي قبل انهياره"(6).
في تلك الفترة انظّمت تونس إلى المعسكر الأول لوقوفه معها بمساعدات عينيّة، (قروض ونقل تكنولوجيي)، ومعنوية (برامج إصلاحية وخبرات في شتّى المجالات). وهو ما يتماشى وخلفية "بورقيبة" اللّيبرالية العلمانية. في الوقت الذي انحازت فيه الجزائر إلى المعسكر الإشتراكي بنفحة إسلامية، نظرا لتركيبة شخصية "بومدين" المتميّزة بالقدرة على الجمع بين المتناقضات " فبدأ ينتقل شيئا فشيئا من منطق الثّورة الى منطق الدّولة [...] فحاول المزج بين الاشتراكية والإسلام وبين "فرانتز فانون" و"أبوذر الغفاري""(7).
تمخّض عن ذلك التّباين بين الشخصيتين، تنافر في التّوجهات الثّقافية، واختلاف في الأولويات التّنموية منها على سبيل الذّكر لا الحصر:
1/ تمسّك الرّاحل "بومدين" بسياسة التّعريب إلى آخر أيامه باعتبارها معركة قومية عربية، في حين تخلّ المرحوم "بورقيبة" تحت ضغوط المؤسسات الدولية المانحة عن تجربة التّعريب التي بدأت وانتهت بسرعة (1965/1969)، إضافة إلى ميوله الشّخصية للفرنكوفونية والدفاع عنها كمقوّم أساسي للحداثة التي عمل طيلة فترة حكمه على غرسها في المخيال الجمعي للشّعب التّونسي وتحويلها إلى معيش يومي.
2/ اعتمدت الجزائر على التّصنيع الثّقيل والتّسَّلح في تنميتها مستعينة بخبرات وتكنولوجيا روسية في المجالين المدني والعسكري. في نفس الوقت اتجهت تونس إلى تطوير القطاعات الاجتماعية والخدمية مثل التّعليم والثّقافة والصّحة وتنمية السّياحية وتعصير الإدارة، انطلاقا من قناعة "بورقيبة" بأنّ تنمية العباد وتغيير تصوراتهم التقليدية، تسبق تنمية البلاد، فالبنية الفوقية لديه أهمّ من البنية التّحتية.
3/ اتفّق الرئيسان دون سابق ترتيب على تهميش القطاع الفلاحي، فأدخلا بلديهما في تبعية غذائية أشدّ خطورة من كلّ تبعية أخرى.
4/ ميغالومية(8)(mégalomanie) الرجلان جعلتهما يتوهّمان امتلاك الحقيقة، فنصّبا كلّ منهما نفسه وصيا، عاقلا على شعب قاصر، فشرعنا لعنف الدّولة واستبدادها. رغم اختلاف السّياسات من حيث التّباين الإيديولوجي والمنهجي عند الرئيسين، فقد أثبت التّاريخ أنّهما قد توصّلا إلى نفس النتيجة: فشل النّموذجين التّنمويين في كل من تونس والجزائر.
لم يمنع خلو المنطقة الحدودية الفاصلة بين غرب تونس وشرق الجزائر من النّفط والغاز من مرور العلاقة بينهما ببعض التّوتر التي لا تكاد تظهر حتى تختفي بفضل تعقّل الدّولتين.
من اللّحظات الحرجة القليلة التي عرفها البلدان نذكر احتجاج الدّولة الجزائرية على الدّولة التّونسية في حادثة هرب العقيد "الطّاهر زبيري" من نظام "بومدين" وطلبه اللّجوء السّياسي في تونس، منتصف سبعينات القرن الماضي. يقول العقيد في مذّكراته: " قام عبد المالك بن حبيلس، سفير الجزائر بتونس، بأمر من حكومته تبليغ الرئيس التّونسي احتجاجا شديد اللهجة، عبرت فيه السّلطات الجزائرية الرّسمية عن استيائها على قبولهم لجوئي السّياسي لديهم، معتبرة ذلك (أي قبول اللّجوء) لا يساعد على حسن الجوار ولا على توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين والجارين. ردّ الرئيس التّونسي الحبيب بورقيبة في بساطة وواقعية وشيء من الطّرافة السّياسية: مسؤولو الثّورة الجزائرية كلهم مرّوا من تونس، ولو لم يأتِ الطاهر زبيري لجاء بومدين..."(9).
فيما تقدّم كشف عن أحد المحرّكات الرئيسية المعّطلة التي تسبّبت في إضعاف (affaiblissement) العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي تنطوي برأينا إلى جانب ذلك على جوانب ذات دلالات أعمق، تخفي بدورها ميكانزمات سوسيولوجية كامنة والتي نعتبرها من المانع الرئيسية لتطّوير العلاقات التّونسية الجزائرية كي تحقّق طموحات الشّعبين.
المستوى السوسيولوجي
يتمحور المستوى السّوسيولوجي حول عنصرين أساسيين لعبا دورا حاسما في الحفاظ على الوضع الرّاهن "statu quo" للعلاقة التّونسية الجزائرية. وسأستعير مفهومين أساسيين من الفكر الماركسي، وهما الرأسمالية الوطنية (Le capitalisme national) وكبار ملاّك الأراضي (Les grands propriétaires terriens) والدّور الطّبقي الذي لعبته سلبا كلّ شريحة في مجال تأثيرها على الدّولة هنا وهناك. قد يعيب علينا البعض الإستئناس بمفاهيم ماركسية، باعتبار انتهاء هذا الفكر من السّاحة المعرفية، خاصة بعد سقوط جدار برلين وتفكّك الاتحاد السّوفياتي.
وإن اختفت الماركسية كإيديولوجيا، فإنّ مفاهيمها المتعدّدة، لا تزال فاعلة وقادرة على تحليل الأوضاع العربية تحت مسميّات جديدة.
1 - الرأسمالية الوطنية
عملت ولا تزال الرأسمالية الوطنية في كلا البلدين رغم هشاشتها التّاريخية على تجميد العلاقات بين البلدين، وعدم تطويرها من خلال انشغال منظّمات الأعراف، واتحادات الصناعة والتّجارة، والغرف التّجارية المختلفة (وهي مسميات جديدة لرأسمالية وطنية موّزعة على تشكيلات متخصّصة) بالبحث عن شراكة أوسع، وأكثر ربحية مع الرأسمالية العالمية، للظّفر بصفقات مع الأسواق العالمية وفي مقدمتها السّوق الأوروبية.
قدّمت الرأسمالية في كلّ من الجزائر وتونس مصالحها الطبقية على المصالح المشتركة لبلديهما، ممّا أدخلهما في منافسة غير شريفة لكسب الأسواق الخارجية. استغلت هذه الشّرائح الثّرية علاقتها الإتنو-مالية بالسّلطة وأصحاب القرار، في الضّغط على الحكومات كي تقدّم التّنازلات تلوى الأخرى لشركات متعدّدة الجنسيات، ومستثمرين أجانب، ومن يرعى مصالحهم في عالم المال والأعمال (المؤسسات المالية المانحة) من أجل كسب سريع ووفير، تمّ على حساب تطوير علاقات أفقية تخدم على المدى المتوسط والبعيد مصلحة الشّعبين ولعلّ أولها تجسيد الاستقلال ونحت سيادة الدّولتين.
2 – كبار ملاّك الأراضي
كان لكبار ملاك الأراضي ومنظماتهم في البلدين دورا محوريا في تثبيط ذات العلاقات بين الشّعبين، بتنافسهم المجحف في تلبية حاجة السّوق الأوروبية المشتركة من ذات المنتوجات الفلاحية التي تُنْتَجُ في كلا البلدين. لقد أدّى جشع هذه الطّبقة في القضاء المباشر على فلاحة كانت بالأساس طبيعية (BIO)، وتهجير أهلها وتحقيرهم في أعينهم وأعين الجميع، محدثة تشوّهات اجتماعية وثقافية هيكلية، وعاهات اقتصادية مستديمة في كلّ من تونس والجزائر.
من سخرية الأقدار وبعد مرور سنوات طويلة على سياسة " فرق تسد" التي مارستها لوبيات الفلاحة والغذاء الأوروبية، استهجن الاتحاد الأوروبي ذلك المنهج، ودعت بعض أجهزته المختصة بلدان المغرب العربي إلى توحيد مواقفها وسياساتها. يقول الكاتب والصحفي "إدريس ولد القابلة" في مقاله: "الغريب في الأمر، هناك جهات وقوى أجنبية تدعو وتدفع إلى قيام تعاون مغاربي. فأوروبا [...] أصبحت تدرك الآن أنّ مشاكل المغرب العربي لا يمكن حلّها بتلك العلاقات الثنائية, وبالتّالي أضحت تتّجه نحو الإقرار بالحلّ الإقليمي لها, لا سيما فيما يتعلق بإشكالية الهجرة و التنمية"(10).
ورغم دعوة الأوروبيين لا يزال اكبار ملاك الأراضي في كلّ من تونس والجزائر، وعبر منظمات مهنية/طبقية، يتنافسون فيما بينهم في استرضاء الغرب من ناحية، وهم عاجزون على توفير الأمن الغذائي لبلدانهم. ويبقى السؤال مطروحا، ما فائدة شعبينا من منظمات رسمية (صناعية و/أو فلاحية)، تقدّم مصالحها الطّبقية على مصالح بلدانه وتدّعي الوطنية أكثر من كلّ الوطنيين؟
الخاتمــــــــــــة
في انتظار ميلاد جيل سياسي، مغاربي جديد يكون أكثر إقداما وجرأة في التّعامل مع القضايا الثانئية والقضايا المغاربية والدّولية، أتمنّى على السّادة والسّيدات رؤساء ورئيسات الجامعات المغاربية، والسّادة والسّيدات عمداء وعميدات الكلّيات، والسّادة والسّيدات رؤساء ورئيسات الأقسام أن يفتحوا في المستقبل القريب، (بعيدا عن مفهوم التوأمة) قنوات التّعاون العلمي بين هذه المؤسسات، ويشجّعوا على بعث مجلاّت علمية، أو حوليات جامعية مشتركة، ترسل عن طريق البريد العادي أو الإلكتروني لكلّ الأكاديميين. من شأن مثل هذه النّشريات أن تعرّف بجهود علمية لا تجد طريقها إلى القارئ المغاربي، وتفتح أفقا مغلقا أمام كثير من الأساتذة المبتدئين وبعض الطّلبة الجّادين.
ليس مستحيلا على إرادة أكاديميين أجلاّء من ذوي العقول المستنيرة، والوطنية اللاّنفعية العمل على تبادل خبراتهم العلمية، وتأسيس مختبرات بحثية جماعية، والتّفكير في تأطير مشترك لرسلات الدكتوراه والماجستير، ومناقشاتها أمام لجان علمية مختلطة(**)، والقيام بزيارات لمختلف الجامعات المغاربية لإلقاء محاضرات وطرح أراء وعرض رؤى من شأنها أن تؤسس لمدارس نظرية مغاربية، تغنينا وطلبيتنا عن استيراد المعرفة من الغرب. لا علم لي شخصيا بما قد ينطوي عليه هذا المقترح من عقبات قانونية، ومهما كانت تلك العقبات فإنّ بإمكان الإخوة من أهل الاختصاص تذليلها، عسانا أن نقطع خطوة إيجابية، تحيي ضمير حكّام قتلوا أحلام شعوبهم(11).
في انتظار أن يتحقّق ذلك تبقى العلاقات بين تونس والجزائر في جميع المجالات دون المؤمّل، يلخّصها في عفوية وتلقائية المثل الشّعبي التّونسي القائل: " صباح الخير يا جاري، أنت في دارك وأنا في داري"(12)، من أجل ذلك عنوننا بالنّصف الأول للمثل هذه المداخلة المتواضعة، علما وأن ما يتفاخر به ساسة البلدين من وضع "حسن جوار"، يجد دلالته في متن مثل تونسي آخر " كلّ فول لاهي في نوّارو".
----------------
1) عبد الهادي بوطالب من كتاب: نصف قرن من السّياسة، عن دار الزّمن للنّشر 2001.
2) الكاتب الصحفي عبد الله بوفولة، مقال بعنوان هواري بومدين وخزانة الأسرار. منتدى مكتوب الإلكتروني 4/11/2011.
3) عبد الله بوفولة، المصدر السّابق
4) نفس المصدر.
*) سياسة القلعة، مصطلح استعمله أحد المحلّلين السياسيين الأمريكان في وصف السياسية الجزائرية القائمة على مبدأ الابتعاد عن الصراعات الخارجية ما أمكنها ذلك والحرص على تحصين قدراتها الدّاخلية والدّفاعية لحماية أمنها وتأمين استقرارها.
5) محمد مزالي من كتاب: نصيبي من الحقيقة، الوسط التونسية 2008
6) صالح المازقي، كتاب: هبات ولعنات دول المغرب العربي. الدار المتوسطّية للنّشر تونس 2014
7) نقلا عن موقع ألجيريا ماكس الإلكتروني. دراسة بعنوان الجزائر في عهد بومدين بتاريخ 11/3/2011.
8) ميغالوماني: جنون العظمة
9) العقيد الطّاهر زبيري كتاب: نصف قرن من الكفاح. مذكرات قائد اركان الجيش الجزائري. الحلقة 14 الشّروق الجزائرية 2011.
10) "إدريس ولد القابلة" في مقاله: المسار المغاربي ينتظر التّفعيل، المنشور على "موقع الحوار المتمدّن الإلكتروني" بتاريخ 10/10/2003
**) هنا اسمحوا لي بالتّنويه بمجلّة العلوم الاجتماعية والإنسانية (التّواصل)التّابعة لجامعة "باجي مختار" بعنابة، وأمانتها العلمية التي اتصلت بي مشكورة عن طريق بريدي الإلكتروني وشرفتني بضمّي إلى هيأتها العلمية كخبير لتقويم وابداء الرأي في بعض المقالات والدّراسات العلمية المتخضّصة، أعدّها باحثون جزائريون قبل نشرها.
11) " إلى شعوب قتل حكّامها أحلامها" إهداء كتابي: هبات ولعنات دول المغرب العربي، عن الدّار المتوسطية للنشر تونس 2014.
12) مثل شعبي تونسي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: