د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8135
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقديــــــــــــــــــم
بعد طول تأمل في استقالة السيد حمادي الجبالي، رئيس الحكومة المؤقتة في تونس وقد كنّا كتبنا بكل وضوح عن صدق صاحب مبادرة الخروج من أزمة "تقاسم كعكة السلطة" في تونس. قلنا في حينه أنّ الرجل قد ارتقى بفكره السياسي إلى مرتبة رجال دولة بعد أن أحسّ بضرورة التّحرر من تقاليد حركة سياسية ذات مرجعية دينية، حيث تربت عقيدته وتفتقت رؤيته النظرية لعالم السياسة. وعد الرجل بالاستقالة في حال فشل مبادرته، وقد فشلت فعلا رغم كل المشاورات والحوارات التي أجراها مع جميع الطيف السياسي، فكان السيد الجبالي في مستوى الوعد وانتهى به المطاف إلى تقديم استقالته. إلى هذا الحدّ واعتمادا على موضوعية التحليل، كان لزاما على الباحث تجنّب الحكم على النوايا، خاصة والمسألة سليمة شكلا.
إشكالية المقــــــــال وفرضياته
لكن من حق أي باحث أن يستقري المستجدات، محاولا استشراف المستقبل السياسي لتونس من خلال كل المعطيات المتاحة أمامه... ينبني المنهج الاستقرائي على إشكالية وفرضيات، تترتب عنها نتائج قد تؤيدها الأيام وقد تخطئها. ينطلق هذا المقال من الإشكالية التالية: لماذا لم يستقيل السيد حمادي الجبالي إلى الآن من الأمانة العامة لحزب حركة النّهضة؟ يقودونا هذا التساؤل المحوري إلى بناء الفرضيات التاليلة:
1/ بعد عجز السيد الجبالي وحكومته المؤقتة عن تحقيق القدر الأدنى من أهداف الثورة سيعتزل الحياة السياسية والعمل الحزبي ليتفرّغ لشؤونه الخاصة.
2/ نظرا لتفردّه بالقرار السياسي وتجاهله لمجلس شورى النّهضة، محدثا بذلك صدعا وانقساما بداخلها، سيعمل السيد الجبالي على تأسيس حزب جديد، يحقق من خلاله أطروحاته السياسية التي قد تكون متضاربة مع حزبه الأم.
3/ عدم فصل السيد الجبالي من حركة النّهضة يدعو للشّك باعتبار فصله أو رفته هو النتيجة الطبيعية لمَ اسميته في مقالات سابقة "خلع البيعة" التي عادة ما تكلّف صاحبها ما هو أكبر وأخطر من العزل والإقصاء، بعد أن حمل كفنه على كفيه يصبح المارق على الجماعة، في حكم المرتد الذي يجب إقامة حدّ الرّدة عليه، بإهدار دمه (فكأن الجماعة هي الإسلام وخالع البيعة مرتد عن دينه). هنا لم يتجاوز ردّ فعل الحركة رفض المبادرة سياسيا، دون التّعرض لمعاقبة السيد الجبالي لا بالتّلميح ولا بالتّصريح وهذا سلوك مريب، يوحي للباحث بوجود خطة خفيّة، محكمة، نسج خيوطها وضبط مراحلها، عقل علماني، عال الدّقة وشديد الدّهاء.
إطلالة على التاريـــخ
قبل الاستطراد في تحليلنا السوسيو-سياسي، سأعرّج على التاريخ المعاصر للحكومات التونسية ورؤسائها (دون إطالة) لتحديد مكانتهم وأدوارهم داخل منظومة حكم شهدت تغيّرات متنوعة لأسباب مختلفة.
دخل السيد حمادي الجبالي العمل الحكومي في 24 ديسمبر2011 وكان نكرة لدى جلّ التونسيين الذين لم يسمعوا باسمه ولم يعلموا عنه شيئا قبل ترؤسه الحكومة الانتقالية الثالثة بعد الثورة. بعد خمسة عشر شهر أعلن استقالته في 19 فيفيري 2013 مبررا ذلك بفشله وفشل حكومته، مقدّما اعتذاره لشعب خاب ظنه في حكومة منبثقة [شرعيا] عن المجلس الوطني التأسيسي. تميّزت فترة حكم السيد الجبالي بصفته تلك بالتّعثر والارتجال في ظل انعدام برنامج عمل وأهداف محدّدة، فكان العمل الحكومي مهتزا حتى وصفت الحكومة بحكومة الأيادي المرتعشة.
من نتائج فترة حكم السيد الجبالي تجذّر الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة التّضخم المالي الذي أضّر بعامة الشعب وخصوصا الطبقة الوسطى التي أحسست بالتّفقير والتّدني الاجتماعي، لأول مرّة بشكل مباشر ودون مقدّمات. بالإضافة إلى انسداد الأفق وارتفاع منسوب الإحباط الجماعي وضبابية المشهد الرّاهن وعتمة المستقبل؛ ذلك لأن السيد رئيس الحكومة احتكر كل أدوار ومهام السلطة التّنفيذية، بما فيها الصلاحيات التقليدية لرئيس الجمهورية فتحوّل متفرجا سلبيا، مهمّشا ومبعدا عن مسرح لعبة السلطة. لقد أثقلت المهام المزدوجة كاهل رئيس الحكومة السابق، فتضاءل حتى صار أصغر من المنصب، رغم تظاهره بالحزم المقنّع بابتسامة بلاستيكية لا روح فيها، تربّى عليه وإخوانه المنتمين لحركة النّهضة منذ لحظة الانتماء إليها. فكان أداؤه إجمالا غير مقنع وهو المسؤول الأول عن الجانب التّنفيذي في الدولة.
رغم سلبيات فترة حكم السيد الجبالي إلا أنّه غادر السلطة عَلَمًا، مكلّلا بالتّقدير والإجلال في سابقة تاريخية لم يعرفها كل الذين سبقوه في الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة؛ وأعني استقالته الحرّة والإرادية، ليشّذ عن تقليد الإقالة أو الانقلاب على رأس الدولة، كما فعل الحبيب بورقيبة مع محمد الأمين آخر بايات الدولة الحسينية. خرج السيد الجبالي من باب الوزارة الأولى ليدخل بوابة تاريخ تونس كأبرز رئيس حكومة من بين كل سابقيه. من كان أولائك وكيف غادروا السلطة؟
رؤساء حكومات فترة محمد الأمين باي:
*) المرحوم الطاهر بن عمّار الذي لم تعمّر فترة حكمه سوى 22 يوما (20 مارس 1956/ 11 أفريل 1956) عن الحزب الحر الدستوري.
*) المرحوم الحبيب بورقيبة (11 أفريل 1956/ 25 جويلية 1956) عن الحزب الحر الدستوري الجديد. أطاح بمحمد الأمين باي وبعرشه ليعلن الجمهورية التونسية الأولى ويتولى رئاستها.
رؤساء حكومات الدولة الوطنية خلال فترة الحبيب بورقيبة:
*) المرحوم الباهي الأدغم (7 نوفمبر 1969/ 2 نوفمبر 1970) عن الحزب الاشتراكي الدستوري.
*) المرحوم الهادي نويرة (2 نوفمبر 1970/ 23 أفريل 1980) عن الحزب الاشتراكي الدستوري.
*) المرحوم محمد المزالي (23 أفريل 1980/ 8 جويلية 1986) عن الحزب الاشتراكي الدستوري.
*) السيد رشيد صفر (8 جويلية 1986/ 2 أكتوبر 1987) عن الحزب الاشتراكي الدستوري.
*) السيد زين العابدين بن علي (2 أكتوبر 1987) عن الحزب الاشتراكي الدستوري. أطاح بالرئيس بورقيبة في (7 نوفمبر 1987) فكان ثاني رئيس للجمهورية.
رؤساء حكومات فترة زين العابدين بن علي:
*) السيد الهادي البكّوش (7 نوفمبر 1987/ 27 سبتمبر 1989) عن الحزب الدستوري الديمقراطي.
*) السيد حامد القروي (27 سبتمبر 1989/ 17 نوفمبر 1999) عن التّجمع الدستوري الديمقراطي.
*) السيد محمد الغنوشي (17 نوفمبر 1999/ 14 جانفي 2011) عن التّجمع الدستوري الديمقراطي. تاريخ خلع الرئيس بن علي وقيام الثورة.
رؤساء حكومات مؤقتين بعد الثورة، فترة الرئيس المؤقت فؤاد المبزّع:
*/ السيد محمد الغنّوشي لفترة انتقالية (14 جانفي 2011/ 27 فيفري 2011) مستقلا بعد حلّ التّجمع الدستوري الديمقراطي إلغاء العمل بالدستور .
*) السيد الباجي قائد السبسي، ثاني رئيس حكومة مؤقتة بعد الثورة (27 فيفري 2011/ 24 ديسمبر 2011) مستقلا في غياب الأحزاب والدستور.
رئيس حكومة مؤقت، فترة المنصف المرزوقي
*) السيد حمادي الجبالي (24 ديسمبر 2011/ 9 فيفيري 2013) عن حزب حركة النّهضة، أول رئيس حكومة مؤقتة في هذه الفترة التي لا تزال ممتدة إلى حين اجراء انتخابات برلمانية والتوافق على دستور جديد للبلاد.
*) السيد علي العريض (22 فيفري 2013...) "رئيس حكومة معيّن" عن حركة النّهضة، بصدد اجراء مشاورات لتشكيل ثاني حكومة مؤقتة في فترة الرئيس المنصف المرزوقي... في انتظار أن يحظى تشكيله الحكومة بثقة المجلس التأسيسي لا يزال في حالة الوجود بالقوّة إلى أن يتحوّل إلى الوجود بالفعل.
قراءة واستنتاجات
تداول على رئاسة الحكومة في تونس ثلاثة عشر رئيسا بتسميات مختلفة، من الوزير الأكبر في عهد البايات إلى رئيس حكومة مرورا بكاتب دولة للرئاسة ووزيرا أولا. تدّل كل تسمية على صلاحيات ومسؤوليات حاملها من ناحية وتتحدّد مكانته في الجهاز التّنفيذي للدولة وعلاقته برأسها من ناحية ثانية.
أما الصلاحيات فكانت قانونا محدّدة بنصوص ظاهرها استقلالية عن الباي في العهد الحسيني وعن رئيس الجمهورية بعد الاستقلال؛ وظاهرها تبعية مطلقة ومسؤولية ثقيلة يتنصل منها رئيس الدولة ليلقيها كاملة على كاهل من كان يعتبرهم بورقيبة كتبة أو مستكتبين خاصين لديه، فحق فيهم المثل الشعبي التونسي (الاسم العالي والمربط الخالي).
كسرت القاعدة التاريخية بعد الثورة، فتحوّل رئيس الحكومة (وإن كانت مؤقتة) إلى المسؤول الأوحد عن السلطة التّنفيذية لتطبيق السياسة العامة للبلاد. افتتح السيد الباجي قائد السبسي هذا الوضع الجديد في سنة 2011 وقد عبّر عن ذلك في إحدى ندواته الصحفية قائلا بلهجة تونسية حادة: " ما انحبش شكون يشاركني في الحكم"، علما وأنه حكم دون غطاء حزبي ولا انتماء سياسي، فكان مستقلا حتى عن رئيس الجمهورية المؤقت بعد الثورة الذي عيّنه بمرسوم.
فيما عدى السيدان محمد الغّنوشي أول رئيس حكومة مؤقتة بعد 14 جانفي 2011 والسيد قائد السبسي لم تشهد الوزارة الأولى استقلالية عن الحزب الحاكم، فكانت الخلاّط الأمثل لدمج الحزب بالدولة وخلق الفوضى بين السلطات الثلاثة. خلف السيد الجبالي سلفه السيد قائد السبسي في رئاسة الحكومة وورث عنه ظاهريا الانفراد بالقرار، إلا أنّ انتماءه إلى حزب الأغلبية النّسبية داخل المجلس الوطني التأسيسي وتقدّمه العددي على حليفيه في السلطة (المؤتمر والتّكتل)، خولّ حركة النّهضة ترشيح رئيس حكومة ائتلافية (الترويكا)؛ جعلت الرجل حبيس سجنين، سجن النّهضة ومجلس شورتها وسجن الحكومة وآليات التّنفيذ التي اكتشف شدّة تعقيدها ومدى تضاربها مع غايات الحركة المعلنة والمبطّنة، المتعارضة أساسا مع متطلبات المرحلة.
كفكاوية() المشهد السياسي
ليست مبالغة ولا ترفا فكريا إذا وصفنا المشهد السياسي في تونس بأنّه مشهدا كفكاكويا، إذا اعتبرنا مبادرة السيد الجبالي خروجا عن قوانين النّهضة ورفضا لمنهج عملها السياسي، فعلا سياسيا متعدّد الأوجه، لا يفرز إلا اغترابا، يقتل في المجتمع آدميته من بعد تبلّد مشاعره ويحوّل نور نهاره إلى ظلام دامس وحلمه إلى كابوس. يعيش المجتمع التونسي بكل طبقاته الاجتماعية إلى جانب نخبه السياسية والفكرية بعد الثورة عبثية سياسية من خلال تجربة فردية وجماعية في نفس الوقت، فريدة من نوعها بعد ثورة فريدة من نوعها، فشلنا جميعا في تحديد هدف أصيل لها وعجزنا عن اختيار قائد لها.
لعل هذا الفشل الجماعي الذي تحدّث عنه السيد الجبالي في خطاب استقالته واعتذاره عمّا ولّده ذلك الفشل من أحداث وسلوكيات لاعقلانية خالية من المعاني ولا تحمل دلالات، فجّرت سيلا من العنف والسخرية السوداء، شملت السياسة والسياسيين وجوانب حياة الناس أجمعين.
قد يرمي البُعْدِ الكافكاوي في المشهد التونسي إلى ضخّ جرعات زائدة من الإحباط في النّفوس الثائرة حتى تأخذ السآمة منها مأخذها فتنصرف عن البحث في خطورة بقاء السيد حمادي الجبالي، أمينا عاما لحزب حركة النّهضة وتغفل عن تداعياته. تبدأ الإجابة العقلانية بالتّركيز على الفرضية الثالثة التي طرحناه آنفا دون اعتبار الفرضيتين الأولى والثانية؛ لأنّ السيد الجبالي لن يتخلى عن العمل السياسي ولن يؤسس حزبا منافسا للنّهضة. عند هذه النقطة تتضح النّوايا النّهضوية المبيّتة ومخططتها السرّية للاستيلاء على البلاد واستعباد أهلها والقضاء المبرم على ثورتهم ومسح تاريخهم ومسخ وجودهم.
استقراء المخطط النّهضاوي
من السّهل علينا الآن استشراف ما تخطط له حركة النّهضة التي أوهمت المحلّلين في الداخل والخارج أنّها على حافة التّفكك وذلك من خلال انشقاق وهمي لأمينها العام عن خطها الإستراتيجي، بوصف رئيس الحكومي قبل أن يستقيل. لا أحد ينكر أن البلاد دخلت في نفق مظلم، وأنّ الأزمة ازدادت حدّة باغتيال الشهيد شكري بلعيد، وأنّ البلاد قد تنزلق إلى آتون حرب أهلية. فكرة سوداوية يسعى (حكماء) حركة النّهضة لغرسها في اللاوعي الجماعي لدى التونسيين، لخلق حالة رهاب أو فوبيا من المستقبل، تفقدهم التّركيز على تدّني شعبية الحركة في الشارع التونسي الذي اكتشف ضحالة فكرها السياسي في إدارة الشأن العام وجهلها بأبجدية وأدبيات التخطيط التّنموي.
يبدو أنّ بعض قيادات الحركة استشعروا خروجهم الوشيك من السلطة ودخولهم في المستقبل القريب إلى صف المعارضة وبالتالي سيذهب حلمهم بعودة الأصالة وتقويض الحداثة أدراج الرياح. وعملا بالمثل الشعبي "اتعشى به قبل ما يتسحّر بيك" وحتى تضمن لا بقاءها في الحكم فحسب، بل الاستحواذ على قمته، شرعت في تنفيذ خطّة متكاملة العناصر، متماسكة الأركان من حيث التّوقيت أولا والوسيلة ثانية والهدف ثالثا...
الخطوات العملية لمخطط النّهضة
أما الهدف فهي رئاسة الجمهورية، كاملة الصلاحيات باعتبارها الغلاف الخارجي للدولة الدينية و/أو دولة الخلافة التي سيأتيها الأعداء صاغرين قبل الأنصار. لتحقيق هذا الهدف الرئيس الذي لم تتأسس الحركة إلا من أجله، علينا النّظر في الخطوات العملية المؤدية للغرض الأسما.
الخطوة الأولى أو الفصل الأول:
لقد تمّ انجاز الخطوة الأولى أو الفصل الأول على مرحلتين أو في مشهدين، بامتياز كبير وبدقّة متناهية من حيث النّص والإخراج. المشهد الأول (افتعال أزمة سياسية بكل تجاذباتها وصراعاتها واغتيالاتها، انتهت باستقالة رئيس الحكومة). المشهد الثاني (الباس السيد الجبالي لبوس الوطني، الغيور على البلاد والعباد). كنتُ ولا زلتُ أول الشاهدين على ذلك والمؤيدين/المدافعين عنه؛ وكم تمنيت لو كانت نهاية المشهد الثاني من الفصل الأول باستقالة الرجل من الأمانة العامة لحركة النّهضة حتى لا يجرؤ أحد على التّشكيك في صدقه ومصداقيته، تحوّل المسألة برمّتها إلى مسرحية رديئة، يسقط ويتساقط كل أبطالها في مزبلة التاريخ... لكن الاستقالة لم تأت بعد
الخطوة الثانية أو الفصل الثاني:
أما الفصل الثاني الذي يجري إعداده وتهيئة المناخ الملائم لإخراجه، فهو الحملة الانتخابية الرئاسية التي ستُجبر النّهضة على انجازها وهي لا تزال الكتلة الأغلب في المجلس الوطني التأسيسي بمعية حليفيها. يبدو من استقراء الواقع السياسي للحركة، أنّها تشكو غياب شخصية، قوية تتمتع بمواصفات مرشّح رئاسي قادر على الفوز بالمنصب الرّفيع بعد أن خيّبت آمال ناخبيها في التأسيسية. شخصية مزدوجة التّركيبة، ظاهرها وطني وباطنها نهضاوي، فلن تجد حركة النّهضة أفضل من السيد حمادي الجبالي (بطل المرحلة الانتقالية) بــ "شهامته" و"وطنيته" و"غيرته" على التونسيين، لتقدّمه مرشحا عنها لرئاسة الجمهورية.
مشهد يعيد لذاكرتنا بشيء من الاختلاف التاريخي (طبعا)، تكتيك الراحل الحبيب بورقيبة في جويلية 1956 الذي ما كان ليصل إلى الرئاسة إلا بوطنيته وغيرته على شعب مُسْتَغْفَلٍ، رفض آنذاك زعيما غير الحبيب بورقيبة. فهل يرضى السيد حمادي الجبالي أن يخادع الله وهو يعلم (السيد الجبالي) أنّ الله خادعه؟...
ما زلت عند حسن الظنّ بالرجل الذي جاء إلى الحكم نكرة و"غادره" علم ما لم يثبت لديّ بالأدلّة القاطعة سوء نيّته. وما هذا المقال إلا قراءة لخروج أحسبه مشرّفا واستقراء لخطّة أستشعر أنها مبيّتة. أسأل الله أن لا يكون السيد الجبالي أحد عقولها المدّبرة، خطة تُعَرَّفُ في علم الاجتماع السياسي بالانقلاب الأبيض... كذلك فعل الرئيس السابق ابن علي مع من ائتمنه على حكمه وفضّله على غيره من كوادر الدولة المنافقين/المخلصين فرفعه إلى سدّة رئاسة الحكومة، ليطيح بصاحب الفضل بقرار طبّي فكان انقلابا أبيضا... أرجو أن لا يكون السيد الجبالي مشاركا في سيناريو النّهضة (كما نستشفه من سلوكياتها المريبة وهي التي لم تتخلص من سريتها والتآمر خلف الأبواب المغلقة)، كي لا يكون مكانه في أسفل درجات التاريخ في الدنيا ولا يتبوأ مقعده في الدّرك الأسفل من النّار مع المنافقين في الآخرة... والله يعلم السّر وأخفى وهو وحده المطلّع على خائنة الأعين وما تخفي النّفوس.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: