البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار

كاتب المقال محمد علي العقربي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 328


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في كل صراع بين الحق والباطل، يبرز رجال جعلوا من أجسادهم جسورًا للحرية، وسلاحهم عزيمة لا تنكسر أمام قوى الظلم. الشهيد يحيى السنوار "أبو إبراهيم" كان من أولئك الرجال الذين واجهوا العدو الصهيوني ليس فقط بسلاحٍ في اليد، بل بروحٍ ثورية وقلبٍ ينبض بالإيمان بالحق. في ساحات المعركة، كان يحيى السنوار يحمل بندقيته، لا ينتظر نصراً من السماء فحسب، بل يؤمن أن الجهاد هو العمل والقتال حتى آخر نفس وآخر رصاصة. وعندما نفدت ذخيرته، لم يستسلم؛ بل التقط عصا، تلك العصا التي رمى بها في وجه الأعداء، وكأنه يُلقي بآخر رمح في ترسانة المقاومة،ليقول للعالم كله : إن سلاح الحق لا ينفد أبداً.

لتلك اللحظة البطولية، صدى من التاريخ البعيد يعود إلى ذاكرتنا. تذكرنا بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي واجه جبروت قومه ورموز طغيانهم. يومها لم يكن في يد إبراهيم إلا مطرقة، ولكنه حملها وكأنها جيش بأكمله. نزلت تلك المطرقة على الأصنام، لتكسر أوهام الباطل وتعلن انتصار الروح الحرة التي لا تُباع ولا تُشترى. مطرقة إبراهيم لم تكن مجرد أداة لتحطيم الأصنام، بل كانت رمزًا للتحدي الثوري الذي يقف في وجه القوى الطاغية، تلك التي تؤمن بأن الحجارة والأصنام قوة تحميها. وفي هذه القصة نجد صدىً لما فعله يحيى السنوار، وهو يُلقي بعصاه في وجه العدو بعد أن نفدت ذخيرته. لقد كانت العصا هي صوته الأخير في ساحة المعركة، إشارةً إلى أن الجهاد لا يتوقف عند نفاذ السلاح، بل يمتد إلى ما بعده، إلى ما في الروح من إيمان وشجاعة لا تنكسر.

لقد جسد يحيى السنوار بروحه وفعله قاعدةً من قواعد الثورات الكبرى: "الروح الثائرة هي السلاح الذي لا يُقهر". كان يعلم أن المقاومة ليست مجرد ذخيرة ورصاص، بل هي إرادةٌ تبقى حتى آخر رمق. يحيى لم يكن يقاتل ليرى النصر بعينيه، لكنه كان يقاتل ليكون لبنةً في بناء النصر الذي سيأتي، ولو بعد رحيله. كانت تلك اللحظة التي رمى فيها عصاه وكأنها صيحة في وجه العدو: "قد تنتهي الذخيرة، لكن لا تنتهي الثورة". إنها قاعدةٌ قتالية ثورية تعلمها كل المجاهدين الذين واجهوا المستعمرين والطغاة عبر التاريخ: "النصر لا يُقاس بعدد الرصاصات، بل بعدد القلوب المؤمنة بالحق".

إن روح يحيى السنوار استحضرت مقولة الثائرين: "البندقية التي لا تحمي كرامة صاحبها، ليست بندقية للثورة". كان يؤمن بأن السلاح هو وسيلة، لكنه ليس الغاية. فالمقاومة ليست فقط في القتال، بل في الإيمان بالقضية حتى لو لم يبقَ بيدك إلا عصا أو حتى حجر. وكما قالها غيفارا: "الثائر الحقيقي هو الذي يحارب حتى لو كان وحيدًا". ويحيى لم يكن يومًا وحيدًا، فقد كان بجانبه إيمان لا يهزم، كان لديه التاريخ الذي ينطق بقصص الثوار الذين سبقوه، وكان لديه إرث الأنبياء.

لقد رسم الشهيد السنوار بدمائه قاعدةً جديدة في فنون القتال الثوري: "إذا نفدت ذخيرتك، فلا تفقد عزيمتك". هذه القاعدة ليست فقط تكتيكًا عسكريًا، بل هي فلسفة ثورية عميقة تؤمن بأن القوة لا تكمن في الأسلحة، بل في الروح الحرة التي تقاتل حتى آخر رمق. كما أن الشهيد السنوار بفعله هذا، كرّس قاعدة أخرى في فن القيادة الثورية: "القائد هو الذي يكون أول من يُقاتل وآخر من يُغادر". لقد كان السنوار على رأس المعركة، يقود بالقدوة لا بالكلمات، ويعلم أن القائد الحق هو من يُلقي نفسه في النار قبل أن يطلب من غيره ذلك.

وفي النهاية، فإن استشهاد يحيى السنوار لا يعني نهاية القصة، بل هو بداية مرحلة جديدة من الصراع، كما كانت مطرقة سيدنا إبراهيم بدايةً لتحرير قومه من عبودية الأصنام. لقد كتب السنوار بدمائه فصلًا آخر في كتاب الثورة الفلسطينية، فصلًا يعلّم الأجيال القادمة أن المقاومة لا تموت بموت الرجال، بل تحيا في كل قطرة دم تُسفك في سبيل الحق. وكما انكسرت الأصنام أمام مطرقة إبراهيم عليه السلام ، ستنكسر قوة الاحتلال أمام إرادة الشعوب التي تؤمن بالحرية والكرامة.

إن يحيى السنوار سيبقى خالدًا في ذاكرة النضال الفلسطيني والعربي، رمزًا ، القائد الذي لم يتخلَّ عن سلاحه حتى آخر لحظة، والذي علّمنا أن الروح الثورية هي السلاح الأقوى، وأنها قادرة على تحطيم كل أصنام الباطل، مهما عظمت.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، طوفان الأقصى، فلسطين، إسرائيل، السنوار،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-10-2024  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  دور البرلمان في تنظيم الثورة التكنولوجية لضمان الاستدامة الاقتصادية
  أجهزة صناعة الوعي: السلاح الناعم للهيمنة على الشعوب
  العبور الجديد: مصر بين نصر أكتوبر وإعمار غزة
  المشترك الوطني ومراكمة الإيجابيات: دروس من التجربة التونسية الحديثة
  عودة ترامب إلى البيت الأبيض: فوز حاسم وتحولات سياسية
  الروح الثورية: من مطرقة النبي إبراهيم إلى عصا الشهيد السنوار
  من بوليفار إلى غيفارا: كيف يظل النضال مستمرًا بعد رحيل القادة؟
  التفكيك الاجتماعي: آلية للسيطرة والهيمنة في العصر الحديث
  تونس في حاجة إلى صفقة جديدة: دروس من تجربة روزفلت في مواجهة الكساد الكبير
  من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، صالح النعامي ، طلال قسومي، محمد شمام ، عواطف منصور، مراد قميزة، سلوى المغربي، عبد الغني مزوز، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، أحمد ملحم، د - المنجي الكعبي، عبد الله الفقير، سفيان عبد الكافي، د. أحمد محمد سليمان، رمضان حينوني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، العادل السمعلي، إسراء أبو رمان، فتحـي قاره بيبـان، أ.د. مصطفى رجب، فتحي الزغل، سلام الشماع، عبد الرزاق قيراط ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العراقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، المولدي الفرجاني، د. طارق عبد الحليم، نادية سعد، أحمد الحباسي، د. أحمد بشير، عبد الله زيدان، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، سليمان أحمد أبو ستة، ياسين أحمد، د - الضاوي خوالدية، رافد العزاوي، د. عبد الآله المالكي، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمار غيلوفي، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم فارق، موسى عزوق، د - شاكر الحوكي ، أنس الشابي، فهمي شراب، د. عادل محمد عايش الأسطل، سيد السباعي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عزيز العرباوي، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، المولدي اليوسفي، سامر أبو رمان ، جاسم الرصيف، صباح الموسوي ، فتحي العابد، مجدى داود، أشرف إبراهيم حجاج، عمر غازي، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، محمد يحي، ماهر عدنان قنديل، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، محمود طرشوبي، حاتم الصولي، حميدة الطيلوش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الناصر الرقيق، صفاء العربي، إياد محمود حسين ، د - محمد بن موسى الشريف ، صلاح المختار، محمد عمر غرس الله، حسن عثمان، محمد اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، د.محمد فتحي عبد العال، رافع القارصي، وائل بنجدو، كريم السليتي، يحيي البوليني، د- محمد رحال، عبد العزيز كحيل، أبو سمية، رضا الدبّابي، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، منجي باكير، عراق المطيري، خبَّاب بن مروان الحمد، فوزي مسعود ، أحمد النعيمي، د- هاني ابوالفتوح، محمد علي العقربي، علي الكاش، سعود السبعاني، علي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، تونسي، د - مصطفى فهمي، محمد الطرابلسي، محمد العيادي، محمود سلطان، الهيثم زعفان، بيلسان قيصر، الهادي المثلوثي، صلاح الحريري، طارق خفاجي، أحمد بوادي، يزيد بن الحسين، محمد الياسين، حسن الطرابلسي، محرر "بوابتي"،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز