البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

ماذا ربح اليسار العربي من حربه على الإسلاميين؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2732



هي حرب مهما خففنا من وصفها ستظل حربًا مستعرةً منذ الاستقلال عن الاستعمار المباشر في الخمسينيات في كل قطر عربي، لم تعرف هدنة حتى عندما كان الإسلاميون يغيبون في السجون لعقود طويلة، كم كلفت هذه الحرب الأقطار العربية وشعوبها؟ كم خسرت هذه الشعوب من وقت ومال وطمأنينة نتيجة هذه الحرب؟ سؤال الكلفة أكبر من قدرتنا على التقدير، لكننا نحاول منذ وقت طويل فهم الأسباب التي اتخذ على أساسها اليسار العربي الماركسي والقومي بكل تنوعاته الحزبية والثقافية موقف رفض مطلق للتعايش مع الإسلاميين بل التفرغ عمليًا لمطاردتهم من كل موقع يظهرون فيه، وهل ما زالت هذه الأسباب قائمة؟

الحالة التونسية حالة مدرسية
أعني أن اليسار التونسي في علاقته بالإسلاميين بتونس يمكن اعتباره نموذج تحليل مثالي لهذه العلاقة العدوانية التي تشق الساحات العربية السياسية منها والثقافية، وقد قرأت ليساريين عرب زمن بن علي يغبطون اليسار التونسي على فلاحه في محق الإسلاميين، لكن هل محقهم فعلًا أم محق نفسه؟

سبق اليسار الإسلاميين إلى الجامعة لأسباب كثيرة ليس هذا مكان عرضها، لكن لم يتأخر الإسلاميون في الظهور والمنافسة على الساحة الطلابية، ومنذ أواسط السبعينيات تقريبًا توقف اليسار عن معارضة السلطة الحاكمة عمليًا وتفرغ لحربه على (الخوانجية)، فصنفهم في الرجعية ووصمهم بالظلامية واحتكر لنفسه وصف التقدمية وقاد معركة دامية دفع فيها الإسلاميون أثمانًا باهظةً من أرواحهم وأجسادهم.

كانت بين مكونات اليسار خلافات عميقة وكان العنف بينهم حاضرًا، لكن نقطة الإجماع الوحيدة لديهم هي محاربة التيار الديني الرجعي الظلامي ومنعه من الوجود.

لقد كانت السلطة تراقب هذه الحرب ولا تتدخل، بل نعتقد أنها صبت عليها النار في ردهات كثيرة لتؤججها وتغنم من خلالها سلامًا يسمح لطبقة المال والأعمال أن تعمل في هدوء، ومن هذه الزاوية تظهر حرب اليسار حربًا بالوكالة تديرها السلطة لمصلحة طبقتها الحاكمة، لكن ماذا يقبض اليسار بالمقابل؟

يسار من الموظفين ليس أكثر
اليسار الذي نراه أمامنا بعد نصف قرن من الحديث اليساري - ولا أقول التفكير - نراه فقيرًا وبعضه بائس، ورغم الخدمات التي يقدمها لطبقة رأس المال هل اشتغل بالمجان؟ نعم تقريبًا إننا نجد منه نخبة جامعية ونخب تحتل مواقع الفعل الثقافي وتسيطر على الذوق وتصنعه على هواها غالبًا. مجموعة موظفين كبار يتمتعون بمنافع الإدارة مثل السيارة الإدارية ووصولات البنزين خاصتها، لكننا لا نجد تيارًا فكريًا وسياسيًا منتظمًا وفاعلًا بما قد يجعلنا نستنتج أن حرب اليسار مع الإسلاميين هي حرب سياسية على قاعدة التنافس السياسي.

ليست هذه الحرب في جوهرها إلا دفاع موظف صغير عن كرسيه أن يسحبه من تحته منافس أقوى منه، بعيدون نحن هنا عن خطاب التقدمية والنضالية اليسارية ورثة كل المجد اليساري المقاوم للإمبريالية، فاليساري التونسي من هذه الزاوية موظف يضع ربطة عنق أنيقة ويغطي رأسه بقلنسوة تشي جيفارا وكانت السلطة تعرف ذلك معرفة يقينية فتركت باب التوظيف الراقي مفتوحًا لليسار مثل تمليكه بلا وثيقة لجان الانتداب في الجامعة ولجان توزع الدعم السينمائي والمسرحي في وزارة الثقافة، فقد استعمل اليسار هذه المواقع لمحاربة الإسلاميين، لكن لم نر له مكاسب مادية أو سياسية ذات بال.

الموظف الوظيفي
هل هو خيار مدروس ضمن الحرب؟ أن يمسك اليسار مفاصل الإدارة والثقافة ويحرم منها الإسلاميين؟ نظن أنه الخيار الوحيد الذي سمحت به السلطة وطبقتها المتحكمة فعلًا في البلد، ما نلاحظه في الحالة التونسية واتضح أكثر بعد الثورة أن هناك هدنة دائمة بين المؤسسات الاقتصادية الخاصة واليسار المالك الحصري للنقابات، وهذه النقابات حاربت بقوة كل حكومة كان فيها وجود إسلامي وخربت مرحلة السنوات العشرة من أجل أن لا يكون هناك إسلامي في السلطة، لكنها لم تحدث خدشًا بسيطًا على واجهة مؤسسة اقتصادية خاصة، فهل هناك خوف حقيقي من الإسلاميين في السلطة حتى يتحالف عليهم رأس المال مع النقابات؟

نميل إلى النظر من هذه الزاوية، الإسلاميون عنصر طارئ في معادلة توزيع منافع السلطة، ووجوده الكثيف يربك عملية تقسيم المنافع فضلًا على أنه قوي ويمكنه الاستيلاء خاصة بأسلوب الصندوق الانتخابي فهو لعبته المفضلة، لذلك وجب منعه بكل السبل من الوصول إلى السلطة بعد أن ترسخ فشل القضاء عليه ودفنه.

تكفل الموظف اليساري بهذا الدور الوظيفي بعد الثورة خاصة، ونتذكر جيدًا والتاريخ لا شك سجل في دفاتره أن الإضرابات التي تفتعلها النقابة اليسارية كانت تتم في القطاع المهني الذي ترعاه وزارة فيها وزير إسلامي أو غير معاد للإسلاميين، لقد كان الأمر مفضوحًا أمام كل مراقب، فماذا ربح هذا الموظف الوظيفي؟ لقد حافظ على موقعه وراتبه وسيارته الإدارية.

هل ستستمر هذه المعركة مستقبلًا؟
إن عمر القُرَاد من عمر الدابة التي يمتص دمها، فإذا هلكت هلك على إثرها، ونرى الدابة/الدولة في حالة تنذر بفناء قريب إلا بمعجزة، وأعتقد أن التفاف اليسار الوظيفي حول قيس سعيد خاصة بعد انقلابه على المسار الديمقراطي علامة على أن الموظف الوظيفي يستشعر كرسيه يرتجف تحته وأن دوره قد ينتهي بنهاية من يستخدمه.

لقد وصل كثير من الناس إلى طرح السؤال عن جدوى هذه المعركة وما دخل المواطن بها؟ لقد اهتزت صورة اليساري التقدمي حامي المجتمع من الرجعية والظلامية، وفي مواقع كثيرة رمم آخرون صورة الإسلامي (مرادف الإرهابي) التي خربها الإعلام اليساري، فقد كانت شحنة الحرية التي اخترقت البلد بعد الثورة بمثابة نور باهر فضح أكاذيب كبيرة كان الناس ملفوفين داخلها كما يلف رضيع في قماط.

ويشعر كثيرون الآن أنهم غير معنيين بهذه المعركة وأنه يمكنهم بناء علاقة خاصة (على كيفيهم) مع الإسلاميين دون المرور بإعلام اليسار وخطابه، وهذه في تقديري ضربة قاضية لليسار الوظيفي ولمن يستخدمه، إنها الضربة التي تنهي دور اليسار وتعيده إلى حقيقته البسيطة، إنه ليس يسارًا وإن ادعى.

انتهت المهمة يا رفيق وقد سرع بنهايتها انقلاب السيسي في مصر وانقلاب قيس سعيد في تونس، ويجري الآن حديث مباشر بين طبقة رأس المال والإسلاميين في أفق تقاسم السلطة دونك، ولا تنس أن نظام الوظيفة ينتهي دومًا بتقاعد.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، اليسار التونسي، اليسار العربي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-05-2022   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمد رحال، د. خالد الطراولي ، عمر غازي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الياسين، صباح الموسوي ، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، خالد الجاف ، د. أحمد بشير، سامر أبو رمان ، محمد يحي، إيمى الأشقر، سلوى المغربي، د - محمد بنيعيش، د.محمد فتحي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، علي الكاش، يزيد بن الحسين، د - الضاوي خوالدية، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، أبو سمية، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، د - عادل رضا، رافد العزاوي، محمد العيادي، مجدى داود، رافع القارصي، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، د - صالح المازقي، محمد أحمد عزوز، عبد الله زيدان، المولدي الفرجاني، محمد الطرابلسي، د. صلاح عودة الله ، صفاء العراقي، أنس الشابي، د. طارق عبد الحليم، الهادي المثلوثي، أحمد الحباسي، أ.د. مصطفى رجب، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، أحمد ملحم، رضا الدبّابي، رمضان حينوني، حسن عثمان، أحمد النعيمي، علي عبد العال، مصطفي زهران، مراد قميزة، د. أحمد محمد سليمان، منجي باكير، محمود فاروق سيد شعبان، ضحى عبد الرحمن، د - مصطفى فهمي، ياسين أحمد، محمد عمر غرس الله، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الرزاق قيراط ، سلام الشماع، محمد علي العقربي، فتحي العابد، إسراء أبو رمان، طارق خفاجي، د- محمود علي عريقات، حاتم الصولي، حميدة الطيلوش، جاسم الرصيف، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، خبَّاب بن مروان الحمد، طلال قسومي، صلاح المختار، فتحـي قاره بيبـان، نادية سعد، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، إياد محمود حسين ، أشرف إبراهيم حجاج، الهيثم زعفان، عبد الله الفقير، سعود السبعاني، مصطفى منيغ، صالح النعامي ، عزيز العرباوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- جابر قميحة، كريم السليتي، بيلسان قيصر، عمار غيلوفي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، وائل بنجدو، يحيي البوليني، سامح لطف الله، محمود طرشوبي، سليمان أحمد أبو ستة، صفاء العربي، عبد العزيز كحيل، تونسي، كريم فارق، صلاح الحريري، عواطف منصور، رشيد السيد أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- هاني ابوالفتوح،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء