البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أثر غزة..

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 200



إن الأمة التي تنبت نبات المقاومة وتحارب حرب المقاومة لهي أمة حية لا تموت؛ كيف لا وقد واجهت حربا كونية ووجد فيها رجالها حاضنة شعبية لم تهن ولم تحزن ولم تتخل عنهم وتؤثر السلامة في المنافي فأذهلت العالم بصبرها وصمودها.

هذه الطليعة بثت الروح في خلاياها التي ماتت بفعل طلائع مزيفة كانت تتبجح بنضال لم نر أثره ولم نسمع منه إلا نواح الهزائم المتتالية منذ خمسين عاما.

مناحة ما بعد النكسة

ونقول نكسة حتى لا نذهب في نقاش جانبي عن كونها نكبة ثانية فاقت الأولى في تخريب النفوس، انتشر بعدها وبسببها أدب عربي كثير وفي كل قطر عربي تقريبا ينوح على أمة ميتة لا تتنصر أبدا. بدأه نزار قباني بقصيد طويل منه "أنعى لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة"، وللطرافة كان هذا الشاعر يسكن في حضن سلطة هي عنوان الهزيمة. وفشت هذه المناحة في كل مكان تؤلف قصيدا واحدا وتكتب رواية متشابهة لا تتغير فيها إلا أسماء الشخصيات، وكانت الندوات والعكاظيات تتناسل من بعضها بنفس الوجوه وبنفس الأسماء لتقول جملة واحدة "لقد انهزمنا إلى الأبد ولم يعد هناك أمل في النهوض". لذلك لما جاءت اتفاقيات سلام مع العدو انقلب هؤلاء القوّالون الحزانى إلى القول بالواقعية وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.

وتحول القول الأدبي العربي بأقلامهم وسينماهم في مجمله إلى تبرير ما يجري، وعاد بعض خطاب التعايش السلمي متسربلا أحيانا بخطاب إنسانوي تحت يافطة اليسار العالمي المتحد لكن هذه المرة بحقوق الإنسان الكونية، وتحولت قضية التحرير إلى قضية حقوقية يمكن علاجاها بقرارات محاكم دولية دون نبش مسألة الأرض والتاريخ والعقيدة. لقد كان هذا القول الذي نجد منه أمثلة كثيرة من المغرب إلى العراق أقوى تأثيرا من هزيمة 1967 العسكرية ومن الأثر التدميري لاتفاقيات السلام، لقد كانت جيوش من المثقفين الذين يعيشون في حضن السلطات هم من يقود عملية تثبيط العزائم وبث روح الاستسلام في الشعوب.

انزياح المناحة إلى حرب أهلية

وبمرور الوقت انزاح هذا القول من اتهام الأنظمة العربية بصناعة الهزيمة وخذلان الشعوب إلى لعن الحركات الإسلامية التي صارت فجأة هي سبب الهزيمة. لقد حصل هذا التحول بلا مقدمات، فقد حلل الأدباء المشهد وانتهوا بقدرة عجيبة إلى أن سبب الهزائم العربية ليس الأنظمة التي تبين أنها تقدمية؛ بل الفكر الديني ومن يحمله ومن يحاول إحياءه بين الناس.. هؤلاء هم من ينظم ولائم لأعشاب البحر أو الطحالب التي تعشش في عقل الأمة.

ومولت الأنظمةُ الشعراءَ والأدباء ونشرت لهم ومكنتهم من صناعة الثقافة بوزارات وموازنات ودوريات ومؤتمرات وجوائز دسمة؛ من أجل محاربة الفكر الديني وتناسي من أبرم اتفاقيات التطبيع والاستسلام ومن حوّل قضية التحرير إلى قضية مفاوضات وعرائض تظلّم ومسكنة إلى الأمم المتحدة. كان تمليك الثقافة ووسائلها لليسار العربي قائد المناحة العربية المشتركة هو جزء من سياسة مضمرة انتهت بكسر عزيمة الشباب وتحويل آمالهم وشغفهم إلى مطالب غريزية لا تشبع ولو أغرق فيها الشاب حتى الموت.

هذه الروح المهزومة هي التي فتحت سوق المخدرات والجنس والهجرة بما هي تخلّ عن أوطان وتاريخ، فمفعول ثقافة التيئيس والتتفيه التي صارت تدخل كل بيت ملك جهاز بث وجهاز دش أو ربط بالنت (بحسب المرحلة) حول الشعوب العربية إلى أفراد أو جزر منعزلة، وألغى كل لُحمة كانت تضم الناس حول قضية أو مطلب مشروع. وكان نسيان قضية تحرير الأرض هو الهدف الكامن خلف إغراق الناس في غرائزهم، ولا عجب أن يكون هذا الإغراق ممولا من بلدان النفط التي لم تستعمل تكنولوجيات البث المتقدمة إلا في هذا الغرض.

من هذه الروح المحبطة ما نطالع اليوم من سخرية من المقاوم وهو يواجه قوى نووية مدججة بالسلاح. كيف لهذا المقاتل الضعيف أن ينتصر؟ لكن هذا المقاتل الأعزل إلا من عقيدته ينتصر على الأرض ويغير واقع اليأس والإحباط بأمل كبير وعظيم وواعد بإنهاء مناحات اليسار الثقافي الذي يقف في لحظة المعركة مع اتفاقيات أوسلو ويبرر الاستسلام.

يوجد أدب جديد

وإن لم يكتب فتجب كتابته أدب يقدم صورة عن المقاتل المنتصر قبل المعركة وبعدها المقاتل الذي لا ينخذل بالتثبيط. قد يكون أدبا على شكل معلقات تحريضية في مرحلة ما (وهو ما نسمع بعضه الآن تحت تأثير مباشر للمعركة وصورها) ولكنه حتما سيتطور إلى نص هادئ طويل النفس يقدم النصر على الهزيمة ويبث في الأرواح أملا بتحرير الأرض وتحرير الإنسان، وإنهاء هذه الحالة الغريزية التي تشد الإنسان إلى بطنه وفرجه كأنه سائمة بلا هدف ولا معنى، أدب يقوم أولا على التحرر من النماذج والخطط والصور التي انتجت خارجه والتي عرفت انتصاراتها وهزائمها وانتحر بعضها بمناحاته الخاصة باسم الوجودية العدمية.

ففي زمن هزيمة الأدباء العرب النائمين في أحضان الأنظمة تحول أدب الوجودية العدمية الخارج من الحرب العالمية الثانية إلى نبوءات أدبية يقتدي بها كتاب وشعراء يبكون إنسانا مهزوما لم يعرفوه؛ لكنهم استبطنوه وقاسوا أنفسهم عليه.

لقد حررت غزة وقبل أن تنهي معركتها الميدانية الإنسان العربي من الخوف والهزيمة، ونراها حررت النص الأدبي والخيال الثقافي عامة من أدب الهزيمة ومن الأدباء المهزومين ومن الفن الهابط ومن الغريزية الفنية التي أفشاها في الناس فنانون وأدباء وصناع رأي ثقافي مهزومون، وكات أغلبيتهم من اليسار واليسار الفرنسي خاصة في بلدان شمال أفريقيا.

نرى غزة تمسح هذه الذلة والمسكنة وتدعو إلى تحرير الخيال وتحرض على قول منتصر، وهي الإشارات التي وجب أن يتلقفها الأدباء فينهوا المناحة اليسراوية التي مولتها السلطة. لقد خلقت غزة الإنسان العربي وولّدته من رحم هزائم طويلة وسيكون بعض نصرتها إطلاق أدب العرب المنتصرين من سجون اليسار الثقافي المتفرنس منه خاصة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-11-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، حاتم الصولي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، يزيد بن الحسين، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، جاسم الرصيف، د. كاظم عبد الحسين عباس ، وائل بنجدو، عراق المطيري، د. مصطفى يوسف اللداوي، صباح الموسوي ، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بوادي، نادية سعد، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، سامح لطف الله، سلوى المغربي، د. خالد الطراولي ، أبو سمية، محرر "بوابتي"، د. أحمد محمد سليمان، محمد العيادي، طلال قسومي، الناصر الرقيق، أنس الشابي، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، عواطف منصور، د. طارق عبد الحليم، صلاح المختار، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، فتحي الزغل، مراد قميزة، محمد يحي، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، يحيي البوليني، فوزي مسعود ، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، ماهر عدنان قنديل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مصطفى منيغ، مجدى داود، محمد الياسين، رافع القارصي، علي عبد العال، الهيثم زعفان، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمد رحال، منجي باكير، د - صالح المازقي، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، صلاح الحريري، إيمى الأشقر، عمار غيلوفي، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - محمد بنيعيش، كريم السليتي، حسن الطرابلسي، حسن عثمان، محمود سلطان، تونسي، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، سيد السباعي، عبد الرزاق قيراط ، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، ضحى عبد الرحمن، أحمد الحباسي، د.محمد فتحي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، فتحي العابد، د. أحمد بشير، إياد محمود حسين ، المولدي الفرجاني، كريم فارق، عبد الله زيدان، العادل السمعلي، رضا الدبّابي، أحمد النعيمي، محمود طرشوبي، سلام الشماع، رافد العزاوي، صفاء العربي، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة