البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

قضايا دستورية

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6349


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


سرعان ما تقفز الى السطح بعض المسائل التي لو تدبر المرء قليلاً في شكلها ومضمونها لردها الى حجمها من الاهتمام الاجتماعي أو السياسي فضلاً عن القانوني أو الدستوري. من ذلك النقاب في تونس، منعه أو التضييق على حمله، أو التصرّف في التقنين بشكل يحظره، كالخمر أو كل نوع من الممنوعات في الدين والدستور لدى بعض الدول المتشددة في الدين وتطبيقاته أو تشريعاته إذا صح التعبير في الحياة العامة.
وفي تونس شأننا دائماً التميّز حتى في الدين، موجباته وممنوعاته، بين تشريع من تشريعاته نخوّله في قوانيننا وآخر لا نأخذ به.
والمباحات عادة لا يشرّع لمنعها، ولكن قد يقنن لها لكي لا تخرج الى المضار التي تضرِب القوانين على أيدي من يأتيها أو يتسبب بها.

ولذلك قفز النقاب الى مسألة دستورية فجأة بسبب الحريات للفرد المحفوظة بنص الدستور، ومن ذلك حرية اللباس بشرط المواضعات والحشمة وما الى ذلك من أخلاقيات المجتمع والمواءمة بين الحياة الخاصة والحياة العامة. وليس فقط بسبب الحريات ولكن أيضاً بسبب الإرهاب المنصوص على مقاومته في الدستور بما تشرعه الدولة من قوانين وتضع له من وسائل.
وهنا تأتي صفته المزدوجة كخطر يمكن المساس به فيكون المساس بالدستور ويمكن تركه فيكون المساس بحق الدولة أو واجبها في مقاومة الإرهاب.

ولو عدنا الى منطق عدم الانفعال في المعالجة للظاهرات الاجتماعية أو السياسية التي تطرأ بسبب تطور الحياة لقلنا إن كثيراً من المسائل المتعلقة بالدين والحريات لو ترك المجتمع على سجيته فيها أو الأمة على دينها وديندنا فيها لما خَلقنا لأنفسنا كأفراد أو أحزاب أو مشرّعين في برلمان ذي غرفة أو غرفتين مشاكل وحرجاً كم نحن في غنى عنه لصيانة وحدتنا القومية وتحدياتنا للأخطار المحدقة بأمتنا حقيقة وازدهار حياتنا حقيقة.
فالسفساري والشاشية والجبة وغير ذلك من ملابسنا الوطنية، كان لأكثر زعماء الحركة الوطنية والإصلاحية موقف عدم المس منها بداعي الحداثة أو التغيير المطلوب بسبب التقدم الاجتماعي أو الثقافي ونحوه حتى لا يدخل لنا من الخلاف عليها ضعف على مقاومتنا للاستعمار ذاته، الذي كلنا نعرف أنه كان يريد أن يغيّرها ليغير في نمط حياتنا وتفكيرنا في كل شيء، حتى نتماهى به من أجل أن يستوعبنا في منظومة نمطه الخاص في الدين والحياة. وبذلك نكون قد ضيعنا على أنفسنا فرصة وحدتنا القومية والدينية لحربه بقوة لاستعادة حريتنا المفقودة على دولتنا أو دولنا بسببه.

ولكننا بعد الاستقلال حتى حين أرادت السلطة الوطنية أن تحدث الإصلاحات التي كانت تراها أو تبيت لها أو تتوخاها لترضى عليك اليهود والنصارى كما يقول القرآن الكريم، لم تلبث أن اصطدمت وخلقت رفضاً ومقاومة انتهت الى وأد كثير من مشاريع الاصلاحات الأخرى المتطرفة أكثر نحو الحداثة.

لأن الحداثة ليست استجلاب حداثات أجنبية لتوطينها في أرض غير أرضها وفي دين غير دينها أو في ثقافة غير ثقافتها، وإنما هي أخْذ الأمم بالحداثة التي تتماهى مع شخصيتها أو تزيد شخصيتها تمكيناً في عصرها دون نفرة مع غيرها.

والأمم التي تقبل بالتنوع داخل مجتمعاتها لأنه يثريها ولا يعيقها عن الانسجام العام تحو تأكيد شخصيتها وقوتها وتلاحم فئاتها وطبقاتها، لا ترغب في الالتفاف على قوانينها لتمنع كل مفردات ذلك التنوع والغنى في المشهد العام لحياتها أو حتى المساس من بعض تلك المفردات.
لأن الأقليات في اللباس أو في غيره تجد دائماً تعبيرها المناسب للدفاع عن اختياراتها وإن اضطرها ذلك الى نوع من المقاومة.
وإنما جاء الإرهاب في بعض تعريفاته من الفئات والأقليات المحرومة من حق لها بحسب تقديرها هي نفسها فما بالك بإقرار غيرها لها بذلك الحق وربما بالتعاطف معها في دفاعها عنه.

وإذا كان مانع الإرهاب ومانع الحريات أحدهما والآخر يسمح للمجلس التشريعي أن يقنن لحظر النقاب لحفظ الحريات دستورياً والتوقي من الإرهاب دستورياً كذلك. فلا أحد بإمكانه خارج المجلس أن يعترض على إرادة مجلس منتخب، ولكن الاصلاحات وإن خرجت مخرج القوانين والضغوط النفسية والاجتماعية ونحو ذلك من الإكراهات لفرضها، فإن عاقبة الانقلاب على تلك الإصلاحات والقوانين المشرعة لها لا تكون بمنأى عن الإرادة الشعبية والديمقراطية التي لها أصولها ومشروعياته في التعبير عنها في الدولة، والتي تتمثل أحياناً في الاستفتاء أو في العصيان المدني أو الاضرابات أو الاضطرابات. وكل مظاهر الردة على كل ما ليس بشعبي ولا ديني قويم يمكن للمجتمعات أن تنفض يدها من يد أصحابه أو الداعين له.

ولو اختصرنا هذا التوتر بسبب قضية الحجاب أو النقاب أو السفساري أو نحو ذلك من الألبسة والاقنعة التي تجد كثيراً من الفئات سِتْرها أو حشمتها أو زيتنها فيه، وشرّعنا لكل من يتردد في الكشف عن هويته أو عما وراء نقابه من شخصية أو ظرفية يخفيها فعقابه أضعافاً عقاب البسيط من النقاب.

أليس تُراجع هوايات الأشخاص حتى المعلومين بمظهرهم ولباسهم ولا ترقى لهم شبهة، فتخطئ العين أو التقدير في حقيقتهم وإذا هم تحت طائل التوقيف لمخالفة أو جرم أو نحوه. فليس لمتخف حتى ولو لم يلبس النقاب أن يمتنع من الإدلاء بشخصيته لشرطيّ أو حرسيّ أو جنديّ أو ديوانيّ، أو كل عون من أعوان الدولة عند المراقبة والتحرّي. فإذا تعلق الأمر بمنقبة واضطرت غير ما مرّة للتوقف من أجل الكشف عن هويتها بأسلوب من أساليب التحقيق دون مساس بحشمتها أو صونها أو عرضها أو كرامتها، فهذا لقاءَ تشبّثها بنقابها. فلماذا نبحث عن قوانين لجعلها تنزع الحجاب أو النقاب في يومها وليلها وكامل وقتها من أجل لحظة (أو لحظات) تفتيش تقتضيها أن تبوح بمن هي أو بما تحمل لأن نقابها ربما يخفي حقيقة من حقائقها كمجرمة أو مخالفة.

فكثير مما أدخلْنا في الدستور من المسلمات بالضرورة كالإسلام والعربية والمعتقد والحريات كان أحرى بنا أن نرفع مقامها فوق الدستور، ونتقيد فيه وفي قوانينه بما هو أسلم للمجتمع تدقيقه من مسائل حياتنا العادية في المعاملات والواجبات. وإلا لانطلقنا من النقاب الى الجبة والبرنس وغطاء الرأس أياً كان ما يخفي وما وراءه، حتى دراهم المرء التي كان يخفيها الرجل فوق جلدة رأسه والمرأة تأتمنها في صدرها.
فلا ننسى أن كثيراً من المسلمات في حياتنا إنما أصبحت محل أخذ ورد في دساتيرنا من الأول بالتدخل الخارجي في شؤوننا المستهدف لحرياتنا وظللنا تحت تلك الضرورة الأجنبية بسببه للتدقيق فيها لغايات في نفسه لا للتسليم لنا بها في حياتنا دون تدخل من جانبه فيها أو نية تحريفنا عنها وإدخال البلبلة في وحدتنا بسببها.

ولم تسلم بعض النفوس بعد استقلالنا من المضيّ على النحو الأجنبي في إثارة المسائل أو المسلمات لجعلها تخضع الى رؤاهم ونزواتهم في الحكم إما للسيطرة على الدين أو حصر مكانة العربية في الرسمية حتى لا تشمل ما هو أوسع من ذلك. ونرى نتائج كل ذلك في مفردات مقاومة الإرهاب بقصد التخلص من أسبابه لا مسبباته.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا، منع النقاب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، د. عبد الآله المالكي، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، رضا الدبّابي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود طرشوبي، د- هاني ابوالفتوح، د.محمد فتحي عبد العال، يحيي البوليني، محمد أحمد عزوز، عواطف منصور، فتحي العابد، د- محمد رحال، ماهر عدنان قنديل، الهادي المثلوثي، د - عادل رضا، تونسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، صفاء العراقي، سامح لطف الله، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، علي عبد العال، مصطفي زهران، مصطفى منيغ، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، د. طارق عبد الحليم، مجدى داود، د- جابر قميحة، عبد الله الفقير، د - محمد بن موسى الشريف ، إياد محمود حسين ، صالح النعامي ، يزيد بن الحسين، نادية سعد، أحمد النعيمي، فوزي مسعود ، سعود السبعاني، سلام الشماع، د - مصطفى فهمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - المنجي الكعبي، أبو سمية، المولدي الفرجاني، حسن الطرابلسي، سيد السباعي، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، د - صالح المازقي، محمد شمام ، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، فتحـي قاره بيبـان، إيمى الأشقر، مراد قميزة، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد يحي، رمضان حينوني، محمد العيادي، فهمي شراب، الهيثم زعفان، سلوى المغربي، طلال قسومي، سامر أبو رمان ، د- محمود علي عريقات، عراق المطيري، أحمد بوادي، رافد العزاوي، د - الضاوي خوالدية، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رافع القارصي، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، عمر غازي، أنس الشابي، الناصر الرقيق، د. مصطفى يوسف اللداوي، محرر "بوابتي"، أحمد ملحم، حسن عثمان، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الياسين، عزيز العرباوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بنيعيش، د. أحمد بشير، حاتم الصولي، أحمد الحباسي، صلاح الحريري، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، إسراء أبو رمان، فتحي الزغل، عمار غيلوفي، محمود سلطان، صلاح المختار،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء