د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6547
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقول " جاي تولسون" أحد الكتَّاب الأمريكيين البارزين في شؤون الثَّقافة والفكر والدين، وهو يكتب حاليًّا في مجلة U.S. News & World Report. وكان رئيسًا لتحرير The Wilson Quarterly وكتب في عدة صحف ومجلات أخرى، أبرزها "الواشنطن بوست" و "وول ستريت جورنال" الآتى :
" إن الخلافة الإسلامية فكرة عميقة الجذور في الذَّاكرة الثقافيَّة للعالم الإسلامي، ووُجدت في أشكال مختلفة على مدى ألف وثلاثمائة عام تقريبًا، وامتدت سلطة الخلافة عبر ثلاث قارات من هذه البلاد، التي تُعْرَف الآن بباكستان إلى منطقة الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى ما يعرف الآن بأسبانيا والبرتغال، كما أنَّ معظم تاريخ المسلمين كان تحت ظلّ دولة الخلافة، وما يؤكد ذلك هو أن هذه الاستبيانات التي أُجْرِيت على شعوب أرْبع دول إسلاميَّة، كشفت أنَّ ثلُثي هذه الشعوب يؤيِّدون توحيد البلاد الإسلاميَّة في دولة واحدة أو خلافة واحدة ". : ( أحمد إبراهيم خضر، حتمية المصالحة مع دولة الخلافة الخامسة
رسالة جون شيا إلى الرئيس أوباما ( www.alukah.net/Culture/0/9534/
ويقول الدكتور " أحمد محمد عوف " فى مقالته بعنوان " :الخلافة العثمانية من الإجحاف إلى الإنصاف : " فهذه الخلافة قد جاهدت في سبيلِ الله منذ إنشائها عام 1250م، وظَلَّت في رباطٍ لم ينقطع، حتى انطوى تَحت لوائها العالَم ( النصرانى ) في شرقي أوربا، ودخل في دينِ الله الملايين من ( النصارى ) هناك، فهي خلافة فاتحة، وَسَّعَت رقعة العالم الإسلامي لأول مرة في تاريخ الإسلام، عندما فتحت أقطارًا أوربيَّة، وإسقاطُها للإمبراطوريَّة البيزنطية كان لطمةً كبرى للغرب، حتى اعتبروا هذا الفتحَ الإسلاميَّ للقسطنطينية بدايةَ العصر الحديث، فلقد أحْيَت عصرَ الفتوحات الإسلامية الكبرى بعد مواتٍ لأكثرَ من خمسة قرون، ومَيْزَة الفتوحات العثمانية أنَّ الذين قاموا بها أتراكٌ مسلمون، وليسوا عربًا، كما كان في الفتوحات الكبرى إبَّان الخلافة الراشديَّة والأُمُوية، وهذا يدُلُّ على أن الإسلامَ قد أصبح عالميًّا
" www.alukah.net/Culture/1042/27908/
ولهذا يقول الشيخ "مصطفى صبرى" : " أن الدول النصرانية أقامت من أعياد المسرة والفرح على وفاة السلطان محمد فاتح العثمانى، مالم يقم مثلها فى الدنيا على وفاة أحد " ( مصطفى صبرى، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، دار إحياء التراث العربى بيروت ج1 ص 80). كما احتفلت احتفالا بليغا بظهور " مصطفى كمال أتاتورك " وألفت عنه أكثر من ستمائة كتاب.
من الواضح أن مايخشاه الغرب حقيقة من أى فراغ ينجم عن اسقاط أية ديكتاتورية كان يحميها ويقف وراءها ليس هو مجرد الخوف على تدفق النفط إليه وإنما هو – فى المقام الأول - الخوف من أن يكون البديل هو تمهيد الطريق لعودة دولة خلافة إسلامية ثرواتها ونفطها ومصادرها للمسلمين وليس لأعدائهم، تقوى وتنتشر وتهدد أوربا والعالم بأسره مثلما كان الحال مع الدولة العثمانية آخر قلاع الخلافة الإسلامية.
والواقع أن مفهوم " التدخل لأسباب إنسانية " على المسرح السياسى والفكرى، وإن ظهر فى العقود الأخيرة من القرن العشرين بسبب هذه الأفعال الوحشية التى ارتكبت فى حق البشر فى بعض دول العالم، فإن تبرير هذا التدخل لإنقاذ هؤلاء البشر كان يخفى وراءه تدخلا للإستيلاء على ولايات الدولة العثمانية والقضاء عليها قضاء مبرما.
ويُعَرَّف مفهوم " التدخل لأسباب إنسانية " humanitarian intervention بأنه :" أحد أشكال التدخل الأجنبى القهرى الذى تستخدم فيه القوة لإيقاف أو معارضة انتهاكات حادة لحقوق الإنسان كالقتل الجماعى أو الإبادة الجماعية فى دولة ما بشرط ألا ينتمى الضحايا إلى جنسية الدولة المتدخلة ".
Robert Kolb , Note on humanitarian intervention
www.icrc.org/eng/assets/files/other/irrc_849_kolb.pdf
لكنه من المهم أن يعرف المسلمون ثلاث حقائق أساسية فيما يتعلق بهذا المفهوم خاصة وأن هناك تحركات فعلية تستند إليه مع تطورات الأحداث فى ليبيا :
الحقيقة الأولى : هى أن هذا المفهوم ليس بالمفهوم الجديد، ولكنه جزء من اختراع سياسة القوة الأوربية، وأنه تطور مرتبطا بالسياسة الأوربية فى تعاملها مع الدول الشرقية فى القرن التاسع عشر، وكان يُطبَّق كنوع من التبرير الأخلاقى للتدخلات المتكررة من القوى الأوربية فى ولايات دولة الخلافة العثمانية. ومن ثم كان الاستناد إلى هذا التبرير الأخلاقى ذريعة لإعطاء هذا التدخل شرعية قانونية.
الحقيقة الثانية : أن البعد الصليبى هو أحد أبعاد هذا المفهوم، ويظهر ذلك فى أن أحد المقاييس الأساسية المبررة للتدخل طبقا لهذا المفهوم هو : "أن حكومة ما تنتهك وفقا لحقها السيادى داخل حدودها ما تعتبره الدول الأوربية انتهاكا لحقوق الإنسان سواء بوسائل تناقض مصالحها، أو بسبب الإفراط فى استخدام القسوة والظلم مما يعتبره الأوربيون جرحا عميقا للأخلاق والمدنية المسيحية ".
الحقيقة الثالثة : "أن التدخل لأسباب إنسانية " هو الانسياب الطبيعى لاتجاه القوى الأوربية فى التمويه عن دفاعها عن مصالحها الاستعمارية بالاستناد إلى ما يعتبرونه تعاليم دينية سامية.
Hans Kochler , Humanitarian Intervention in the Context of Modern Power Politics , www.i-p-o.org/humanit_intervention.htm
وتكشف هذه الحقائق الثلاث عن الطبيعة الصليبية الاستعمارية للمفهوم، خاصة مع ارتباطه بجهود الغرب الدؤوبة ونجاحه فى القضاء على آخر دولة للخلافة الإسلامية.
وفى الثانى من شهر مارس الحالى 2011 كتب " ريتشارد سيمور" مقالة خاصة بعنوان " التدخل لأسباب إنسانية فى ليبيا : بعث للإيديولوجية الإمبريالية "
ربط فيها بين التطورات الحالية فى ليبيا وما يسميه بإيديولوجية " التدخل لأسباب إنسانية " كشف فيها عن الآتى :
أولا: وجود تحالف بين الخبراء فى شئون الأمن والسياسة والسفراء للترويج لهذه الإيديولوجية.
يقول " سيمور" :" الأمر الذى يصيبنا بالدهشة هو أنه وسط هذا الانتفاضات التى يشهدها العالم العربى، نلاحظ أن هناك تحالفا بين خبراء الأمن، والسياسة، والسفراء، ومسئولوا الاتحاد الأوربى على الترويج لهذه السلعة المتسخة التى تسمى بالتدخل لأسباب إنسانية ".
ثانيا : أن الغرب يطوع موقفه مع الجانب الذى تتحقق فيه مصلحته سواء أكان القذافى أو الثوار.
يقول " سيمور" :" كانوا فى الماضى يسلحون القذافى، ويبيعونه لمستمعيهم عبر العالم على أنه مجنون سابق ظهر الآن على المسرح. ولكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى يبحثون الآن عن الطريق الذى سيستخدم فيه القذافى هذه الأسلحة. لقد انتظروا وراقبوا وأطلقوا التصريحات التى رأووا فيها أن نظام القذافى قد انتهى، وذلك ليتجنبوا أى ذَلة كالتى وقع فيها "جو بايدن" و " تونى بلير" حينما كانوا يشيدون بشجاعة القذافى أو ينكرون نعته بالديكتاتورية. الأهم من هذا الآن هو أنهم الآن مستعدون للوقوف إلى جانب الثورة الليبية. العديد منهم الآن يبحث عن ثغرة. " أن مارييى سلوتر" رئيسة شعبة سياسة التخطيط السابقة فى الخارجية الأمريكية تدندن الآن حول التدخل. "دافيد كاميرون" يرفع سلاح احتمال وجود أسلحة كيماوية لتبرير التدخل وفرض الحظر الجوى على السماء الليبية، هذا إلى جانب وجود ثورة على وشك أن تقتلع القذافى، وربما لا تكون هذه الثورة الأخيرة ضد الديكتاتوريات التى تحميها الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط. إن أى متابع للأنباء القادمة من ليبيا يرى أن القذافى معلق الآن فى بضع جيوب قليلة. فهو قد فقد معظم جيشه وشرطته، ومساندة القبائل التى كانت تقف وراءه. والثوار يتقدمون ويزحفون إلى آخر قلاعه. لا يستطيع النظام استعادة المدن التى فقدها مما يعنى أن القذافى انتهى سياسيا وعسكريا. إن المجازر التى ارتكبها القذافى مروعة حقيقة، ولا يمكن احترام ادعاءاته بأنه يدافع عن المكتسبات التاريخية لليبيا، وهذه المجازر لن توقف سقوط النظام " ولهذا فإن هذه المبررات تعكس كيف تغير موقف الغرب لتأييد الثوار بعد أن كان مدافعا عن القذافى بعد تصالحه مع الغرب.
ثالثا : إيديولوجية التدخل لأسباب إنسانية تعبر عن شكل من أشكال العنصرية قوامه أن شعوب الشرق الأوسط شعوب قاصرة وفى حاجة إلى مساندة الغرب دوما.
يقول " سيمور" : " إن إيديولوجية التدخل لأسباب إنسانية هى شكل من أشكال الأبوية العنصرية التى تؤكد على رؤية الغرب لشعوب الشرق الأوسط على أنها شعوب قاصرة لا تستطيع حماية نفسها من الديكتاتورية بدون مساعدة من الدول اليورو- أمريكية، وحتى إذا فعلت ذلك وأوجدت نظاما بديلا فإن هذا لن يجعلها قادرة على تأسيس والحفاظ على مجتمع ديموقراطى". ولعل مطالبة الثوار للأمم المتحدة ومجلس الأمن للتدخل لحمايتهم من دكتاتورية القذافى ما يؤكد هذا التصور عند الغرب، فلن تكون مساندة الغرب للثوار فى إسقاط القذافى بلا ثمن.
رابعا : هناك قلق بالفعل تعبر عنه الصفوة الغربية من فهم العرب لأهداف الغرب ومما قد تؤول إليه الأوضاع بعد سقوط القذافى.
يقول سيمور:" :" هناك فى الحقيقة خوف واضح تبديه الصفوة الأوربية الأمريكية من خبراء الأمن والسفراء مثل "دانييل بايبز" و" نيال فيرجسون " من أن العرب يدركون أن التدخل لأسباب إنسانية ليس إيثارا من الغرب لمصلحة الشعوب، ولهذا فهم يخشون من حدوث فراغ سياسى بعد سقوط القذافى. وهم يتساءلون : هل العرب مستعدون للتعامل مع الديموقراطية، هل سيتيح هذا الفراغ لتنظيم القاعدة للدخول إلى الساحة الليبية ؟ مالذى سيحدث بالنسبة لأسعار النفط ؟.. إنهم يعرفون ان الأمل فى بقاء القذافى ضعيف، ولهذا نجدهم مهتمين بطبيعة الشعور بـمدى ( استقلالية ) القوى السياسية التى ستحل مكانه ".
ينتهى " سيمور" إلى القول بأن ما يعتقده هو : " أن الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، وخبرائهم ومفكريهم يفكرون فى طريقة تتسلل بها الولايات المتحدة إلى هذه الاضطرابات الثورية، بحيث تجد تبريرا لإسقاط عسكرى فى موقف تجد فيه أن مصالحها مهددة. إن محاولة تغليف هذا الميدان المعقد من الصراع السياسى والاجتماعى بهذه الإيديولوجية المتهدمة من " التدخل لأسباب إنسانية " يعطى فقط " نقطة دخول " تبحث عنها الولايات المتحدة وحلفائها. لكن الدعوة لـ"التدخل لأسباب إنسانية "لن تفعل شيئا لإنقاذ الليبيين الذين أثبتوا أنهم قادرون على إنقاذ أنفسهم ".
Richard Seymour ,"Humanitarian Intervention" in Libya: The Revival of Imperialist Ideology , www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid...
هذه صورة موجزة عن مفهوم "التدخل لأسباب إنسانية"، وخلفيته التاريخية، يظهر فيها أن ما يظهر على السطح فقط هو خشية الغرب على مصالحه، لكن الذى يختفى وراء ذلك هو خشية الغرب من عودة دولة الخلافة الإسلامية. فآخر دولة لهذه الخلافة وضعت الحصار على فيينا فى قلب أوربا مرتين، ووقفت فى طريق أوربا حاجزا منيعا وسورا حصينا، وحالت دون أطماعها، وألزمتها بكف غاراتها بأنواعها على بلاد المسلمين، وحرست كيان الإسلام فى عهدها الطويل، فوضع الغرب مائة مشروع لتقسيمها.
نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية www.magmj.com
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: