البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الدراسات القرآنية و ظلال الفكر الاستشراقي

كاتب المقال رمضان حينوني    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8590


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا نزال و نحن في بداية القرن الواحد و العشرين ، نعيش تداعيات فكر صنعته مجموعة من الدارسين العرب ، تأثرت بالفكر الغربي عموما و الاستشراقي خصوصا ، و حاولت أن تضع نفسها في وضع وسط بين ترديد الطرح الاستشراقي و الأخذ به و الحماسة له ، و بين إظهار الانتماء الإسلامي و إبعاد أية شبهة تمس عقائدهم و علاقتهم مع الدين . لكن ، إلى أي مدى يمكننا أن نعتمد فكرهم علما أنهم بدوا في بعض أعمالهم منحازين لمناهج البحث الغربية التي تعاملت مع القرآن على أنه موروث بشري ؟

و هؤلاء يوسمون عادة بالعقلانيين العرب ، و يحسبون عادة على الفكر الاستشراقي بوصفهم تلاميذ المستشرقين ، فقد ذهب الدكتور طه حسين في مرحلة معينة من حياته إلى اعتبار القرآن الكريم " كتابا ككل الكتب الخاضــعة للنقد ، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها ." ثم يستطرد قائلا لطلاب كلية الآداب : " و العلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائيا عن قداسته التي تتصورونها ، و أن تعتبروه كتابا عاديا ، فقولوا فيه كلمتكم …" (1) وفي ذلك احتذاء واضح بدعاوى المستشرقين ، أصحاب الفكرة أساسا , و التي غطوها بغطاء مناهج النقد و غيرها .

و الذين تشبعوا بالفكر الاستشراقي كثيرون ، حتى و إن كان بعضهم قد تراجع عن كثير من آرائه . وقد لعبت الجامعة المصرية في النصف الأول من القرن الماضي دورا حاسما في انتشار هذا الفكر ، حين سعت إلى جلب المستشرقين و تشجيعهم على التدريس بها ، من هؤلاء : الدكتور يوسف شاخت ، وميجيلانجيلو غويدي ، و لويس ماسنيون ، و كارلوا ألفونسو ناللينو ، والكونت دي غلارزا (2) ، و غيرهم كثير ادعى بعضهم إخلاصه في خدمة العلم ، بينما دلت كتاباتهم على غير ذلك . ففي رسالة من يوسف شاخت إلى مي زيادة بتـاريخ 10 ماي 1934 يقول :" … و أن أسهم بخدماتي المنزهة عن كل غرض في تحقيق التعاون بين الشرق و المستشرقين . " (3)
بل إن الأمر وصل ببعض المستشرقين إلى الخلاف و الخصام و التنافس على الكراسي العلمية في مصر . و قد كشف شاخت عن ذلك في رسالته السابقة ، حين أظهر أن هذه المنافسة لم يكن هدفها ماديا فقط بقدر ما كان التمكن من ضرب الإسلام في عقر داره ، و نشر الفكر الاستشراقي عن قرب . و قد نبه مالك بن نبي إلى خطر الفكر الاستشراقي الذي غزا النهضة الإسلامية ، من خلال التطورات الفكرية التي حدثت في مصر ، بوصفها كانت قبلة المثقفين العرب من كــــــــل مكان ، فيقول : " إن النهضة الإسلامية تتلقى كل أفكارها المنهجية من الثقافة الغربية ، و يتم ذلك خاصة عن طريق مصر و تطوّراتها . و الخطورة في هذه الأفكار أن أثرها لا يقتصر على الحياة المادية الجديدة ، بل يتعدى ذلك إلى الحياة الروحية . " (4)

هذه الأزمة التي أخذت أشكالا و مسمّيات عديدة ، كان سببها ( قدرة الاستشراق الكبيرة على اختراق الحياة الفكرية للدول الإسلامية بعمق ، و ذلك بتحديد وجهتهم التاريخية ) . (5)

و من هؤلاء أيضا المفكر الكبير محمد أركون ، الذي تدل بعض كتبه و مقالاته و ندواته الفكرية على هذا التوجه . فعلي حرب يرى أنه من " أبرز مفككي النص القرآني و العقل اللاهوتي الذي جسده أو انبنى عليه ، إنه يوظف ترسانة معرفية و منهجية هائلة ضد تراث طويل من التفسير ." (6)

و نقرأ في كتابه ( الفكر العربي ) قوله :" إننا لا ندل بالتاريخ الانتقادي على البحوث الرامية لإقامة طبعة انتقادية للنص القرآني فحسب ، بل إننا نتطلع أيضا إلى مراجعات إجمالية للقراءات المختلفة – بالمعنى اللغوي الحالي – المتصلة بالنص منذ ظهوره . (7) و يُحيل الكاتب في مؤلفه هذا إلى جملة من الأفكار ، التي تصب في عدم الاقتناع بالأطروحة اللغوية و الفقهية و الفكرية التي خلَّفها العرب المسلمون على امتداد قرون عدة ، لأنها لا تستجيب لمعطيات النقد المبني على الأسس العلمية الصحيحة ، بالمفهوم الأوروبي .

و محمد أركون بمنهجه هذا يبدو هادفا إلى " نزع القداسة عن ظاهرة الوحي و النبوة " ، و الهدف من قراءة القرآن عنده " ليس تعويم المعنى و لا إعادة الاعتبار إلى الظاهرة المعجزة التي يمثلها الوحي القرآني , و إنما هدفه تفكيك المعنى بالبحث عن أصوله و تبيان كيفية إنتاجه ." (8)

فهل هذه النظرة التشكيكية من صدى أطروحة المستشرقين ، و التي يراد لها إحداث البلبلة في اعتقاد المسلمين و قناعاتهم ، أم أنها نقلة نوعية في التفكير النقدي الكفيل بإيصالنا إلى الحقيقة التي ننشدها ؟ الواقع أن الجواب عن سؤال كهذا من الصعوبة بمكان ، إذ كيف يمكن لأمة بهذا العمر أن تكون خارج حقائق دينها و عقيدتها و تحقق كل هذا الانتشار ، و تؤثر كل هذا التأثير في الأمم و الحضارات التي احتكــــــــت بها , من جهة , و هل المنهج النقدي لتلك الحقائق موصلنا بالضرورة إلى الخروج عـــــــن مقتضيات الإسلام ، و الطعن في الاعتقاد الراسخ بعظمته ، من جهة ثانية ؟
و مهما يكن من أمر ، فإن أصعب ما في حياة الإنسان هو فكره ، وأخطر ما في هذا الفكر هو إصدار الأحكام له أو عليه ؛ ذلك أن الناس بطبعهم يختلفون عقلا و إدراكا و إحساسا و فهما . لهذا من الحكمة الأخذ بحديث النبي  القائل : " الحكمة ضالة المؤمن ، حيثما وجدها فهو أحق بها . " لكننا في الوقت نفسه، لا يمكن أن نجاري المستشرقين في كل ما يتوصلون إليه باسم العقل ، و المنطق ، و المنهج و غيرها . فنحن نعلم حدود هذه الأشياء أمام إرادة الله ، و سلطان الروح ، خاصة أن هذا الدين جامع بين المادة و الروح ، و بين المقدس و العادي . و مهما تكن الرغبة في الاستكشاف ، فإن الارتباط بالعقيدة و الدفاع عنها حق لكل إنسان .

الإحالات :
1 أنور الجندي . خصائص الأدب العربي . 217 . دار الكتاب اللبناني – بيروت . ط2 . 1985
2 انظر : سلمى الحفار الكزبري . مي زيادة و أعلام عصرها . ( الهوامش ) مؤسسة نوفل بيروت ط1 . 1982
3 م . السابق .429
Malek Bennabi . Le phenomène coranique . 5 . S .E. C . Alger . 1992 4
Ibid . 6 5
6 علي حرب . النص القرآني .. نقد لآراء أركون . www. Albalagh . org
7 محمد أركون . الفكر العربي . 29 . تر: عادل العوا . ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر . ط2 . 1982
8 علي حرب . م . السابق



 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-08-2008  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الشاعر العربي و مسألة الانتماء والالتزام
  معضلة الوجهين
  فكرة الزعيم في العالم العربي.. هل تختفي قريبا؟
  اللغة العربية عند خريج الجامعة الجزائرية
  المناهج النقدية المعاصرة و تغريب النص النقدي
  الهجرة غير الشرعية وأثرها على التركيبة الاجتماعية في تمنراست
  واقع الثقافة في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر
  آراء حول إشكالية السجع والإيقاع في القرآن الكريم
  صورة الذات في شعر الماغوط (دراسة موضوعاتية) -2
  صورة الذات في شعر الماغوط (دراسة موضوعاتية) -1
  واقع الجهاد و الاستشهاد في العصر الحديث
  الشعر الجزائري: ثورة نوفمبر1954
  المستشرقون و القرآن الكريم .. ليسوا سواء
  قراءة نقدية في :" الملك هو الملك " لـ: سعد الله ونوس
  الدراسات القرآنية و ظلال الفكر الاستشراقي
  العالم العربي بين العلم و العولمة

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، د - مصطفى فهمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، د - محمد بن موسى الشريف ، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، أحمد النعيمي، مصطفي زهران، صلاح الحريري، الهادي المثلوثي، وائل بنجدو، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، سلوى المغربي، صفاء العراقي، الهيثم زعفان، يزيد بن الحسين، المولدي الفرجاني، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، محمد اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، محمد الياسين، مجدى داود، إياد محمود حسين ، سيد السباعي، د- جابر قميحة، رافد العزاوي، إيمى الأشقر، أنس الشابي، عمار غيلوفي، كريم فارق، سفيان عبد الكافي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، سعود السبعاني، منجي باكير، إسراء أبو رمان، ضحى عبد الرحمن، محمد الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد محمد سليمان، حميدة الطيلوش، محرر "بوابتي"، الناصر الرقيق، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رشيد السيد أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، أحمد بوادي، فتحي الزغل، صالح النعامي ، طلال قسومي، سامر أبو رمان ، سلام الشماع، د. أحمد بشير، عمر غازي، حسن الطرابلسي، حسن عثمان، صفاء العربي، عبد الله الفقير، خبَّاب بن مروان الحمد، د - صالح المازقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، د - الضاوي خوالدية، د. طارق عبد الحليم، تونسي، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، محمد يحي، د- محمود علي عريقات، سامح لطف الله، د- محمد رحال، رضا الدبّابي، علي الكاش، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، محمود طرشوبي، مصطفى منيغ، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، أحمد الحباسي، جاسم الرصيف، فتحي العابد، عواطف منصور، د. خالد الطراولي ، محمود سلطان، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، عبد الغني مزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، أبو سمية، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، رمضان حينوني، كريم السليتي، د - شاكر الحوكي ، نادية سعد، محمد عمر غرس الله، فتحـي قاره بيبـان، د. عبد الآله المالكي، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، محمد العيادي، عزيز العرباوي، أحمد ملحم،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة