البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل نحن بئس خلف لخير سلف؟

كاتب المقال جعفر عباس - السودان   
 المشاهدات: 1742



قضيت بضعة أيام مستمتعا بكتاب للمؤرخ الإسرائيلي يوفال نواه هراري الأستاذ في الجامعة العبرية، وقد يرى القارئ أن ذلك يندرج تحت باب التطبيع الثقافي، وأنا رغم أنفي الإفريقي محسوب على العرب، ويفترض ألّا أُثني على أمر أو شخص يرتبط بإسرائيل، خاصة وقد سبق لي أن تعرضت لغرامة مالية جاءت في شكل استقطاع من راتبي الشهري، لأنني "حررت" في صحيفة الاتحاد الإماراتية التي كنت أعمل فيها في ثمانينيات القرن الماضي خبرا ورد فيه إسم إسرائيل بدلا من "الكيان الصهيوني" أو "العدو الإسرائيلي" حسبما تقتضي السياسات التحريرية وقتها.

ولكن سبحان مغير الأحوال، فبما أنني أنتمي بشكل أو آخر إلى أمة شعوبها على دين ملوكها وبحكم أن بلادي (السودان) صارت تطبيعية سياسيا وثقافيا وربما استخباراتيا، وبما أنني من قوم شيمتهم الرقص متى ما ضرب رب البيت الدف، فلا تثريب علي في الثناء على كتاب لمؤلف إسرائيلي.

كتاب هراري الذي أنا بصدده يحمل اسم سيبيانز Sapiens (الإنسان)، وعلى وجه التحديد ما يسمى في الدوائر العلمية بالإنسان العاقل الموجود على كوكب الأرض منذ آلاف مؤلفة من السنين، ويُعنى بعرض تاريخ بني البشر على الأرض عبر مختلف الحقب، وما صاحب مسيرة البشرية من طفرات ونكسات اجتماعية واقتصادية، وليس فيه من قريب أو بعيد ما يتوقعه القارئ العربي من تلميع للإرث اليهودي، بل فوجئت بأنه يتحدث عن "فلسطين" بالاسم كواحدة من أقدم المستوطنات البشرية في منطقة شرق المتوسط.

يتناول الكتاب الهجرات البشرية الأولى من إفريقيا إلى ما صار يعرف اليوم بالشرق الأوسط، ويعرض أدلة قوية بأن المنطقة التي شهدت أول ثورة زراعية نقلت البشرية من مرحلة الصيد وجمع الثمار من الغابات، هي ما صرنا نعرفها اليوم بالهلال الخصيب.

هذا الكتاب ـ ولست بصدد تقديم عرض له ـ وبما أورده عن أنماط الحياة عبر القرون، جعلني أحس بأن أسلافنا القدماء جدا عاشوا قبل عشرات الآلاف من السنين حياة هانئة خالية من الرهق النفساني والتلهف لجمع المال وما يصحب ذلك من خصومات تنشأ عن المنافسة وتتسبب في جرائم فردية وجماعية (الحروب).

كان أولئك الأسلاف يخرجون في أول النهار لجمع الثمار وتناولها فور قطفها، ويتعاونون لصيد الحيوانات اللاحمة ويتوزعون لحومها ولكل قدر طاقة بطنه، ثم يعودون إلى جحورهم أو كهوفهم أو عرائشهم وينعمون بنوم هانئ لا تتخلله كوابيس التفكير في سداد قروض أو الخشية من مداهمة جماعة الضرائب أو الاستخبارات، أو القلق بشأن أداء العيال في المدارس.

وانظر حالنا اليوم: مهما ارتفعت مداخيلنا المادية نبقى في حالة هلع وجزع وفزع، من يتنقل على ظهر حمار يحلم بامتلاك دراجة هوائية، ومالك الدراجة يحلم بسيارة صغيرة وصاحب الأخيرة يحلم بمرسيدس، ومالكو الملايين أكثر الناس هلعا وأرقا ويظل الواحد منهم يرفع يده بالدعاء: يا رب اجعلني مليارديرا أو اجعل منافسي فلانا مفلسا، والحكومات التي من المفترض أن تضبط العلاقات بين الناس وتوفر لهم الأمن والأمان، هي أكبر ما يخافه المواطن البسيط، لأنه حتى في البلدان التي توصف بـ"الديمقراطية" تمالئ الحكومات أصحاب الجاه والمال.

ثم انظر حالنا جميعا في عالم اليوم في العام 2020، وكيف لا يهدأ لنا بال ما لم نستعرض ما يجيئنا عبر تطبيق واتساب، رغم أن التجارب علمتنا جميعا أن واتساب لا يختلف كثيرا عن دونالد ترامب من حيث أنهما يكذبان معظم الوقت، وبصفة عامة فقد صارت هواتفنا الذكية تستعبدنا بعد أن أوليناها الثقة الكاملة، فهي من يقرر كيف نذهب إلى حيث نود أن نذهب وتذكرنا على مدار اليوم بالمبالغ التي تم سحبها أو توريدها في حساباتنا البنكية.

وكل طفرة صناعية أو تكنولوجية تعود علينا بالمزيد من الهموم والغم والكدر، فكان البارود ثم القنبلة الذرية، وكانت السيارات التي خرجت من رحمها الدبابات، وكان النقل الجوي الذي اختصر المسافات، ثم سمح لبلد مثل الولايات المتحدة أن يرسل طائراته عبر آلاف الأميال لضرب أهداف في بلد آخر مستخدما ما يسمى بالقنابل الذكية، وكلما اتسع نطاق التصنيع ضاق الفضاء بغاز ثاني أوكسيد الكربون.

وعصرنا الذي يسمى عصر العلم ويزخر بالاختراعات والاكتشافات هو الذي أنتج السارس والإيدز والإيبولا وكوفيد-19، بل بلغت بنا نزعات الشر أن أنتجنا الكمبيوتر ثم انتجنا فيروسات تصيبه بالإعاقة.

وما ذلك إلا لأن ما نسميه بالرقي الحضاري الذي نجم عن الثورتين الصناعية والتكنولوجية، جاء غير مصحوب برقي أخلاقي، فبينما عاش أسلافنا لآلاف السنين وهم لا يعرفون الحروب لأنهم كانوا يعظِّمون قيمة العمل الجماعي، فإن جميع المخترعات التي يفترض أن تجعل حياة بني البشر سهلة وسلسة لها وجه آخر قميء، فتقنية الهواتف الذكية مثلا هي نفسها تقنية ما يسمى بالقنابل الذكية، والتنافس بين الدول في عالم اليوم يتم حسمه بالحرب، وحتى داخل الدولة الواحدة يصبح التنافس على الموارد مستحكما وعدواني الطابع بين شرائح المجتمع أو التكتلات الإقليمية والقبلية، وقس على ذلك.

لا أحلم بردة تعيدنا إلى عصور الصيد وجني الثمار، بل بإعلاء قيم الأخلاق من منطلق أن بني البشر من أصل واحد: من آدم وآدم من تراب وإلى تراب..


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التطبيع، السودان، الإمارات العربية المتجدة، إسرائيل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-11-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي الكاش، الهادي المثلوثي، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، د - مصطفى فهمي، تونسي، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، صباح الموسوي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد ملحم، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الياسين، أبو سمية، أ.د. مصطفى رجب، مراد قميزة، مصطفي زهران، محمد أحمد عزوز، رمضان حينوني، د - محمد بنيعيش، حميدة الطيلوش، د- هاني ابوالفتوح، سلام الشماع، إياد محمود حسين ، مجدى داود، د. خالد الطراولي ، محمود طرشوبي، حسن عثمان، صفاء العراقي، محمد يحي، د - الضاوي خوالدية، سعود السبعاني، فوزي مسعود ، علي عبد العال، رشيد السيد أحمد، محرر "بوابتي"، عراق المطيري، صالح النعامي ، المولدي اليوسفي، فهمي شراب، طلال قسومي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ياسين أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الله الفقير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - صالح المازقي، عمر غازي، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، محمد شمام ، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، نادية سعد، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي الزغل، د.محمد فتحي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد العيادي، حاتم الصولي، الهيثم زعفان، عبد الغني مزوز، أحمد النعيمي، د- محمود علي عريقات، سيد السباعي، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عزيز العرباوي، إسراء أبو رمان، د. طارق عبد الحليم، رافد العزاوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، محمد اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، يحيي البوليني، ماهر عدنان قنديل، سلوى المغربي، عبد الله زيدان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح الحريري، إيمى الأشقر، فتحي العابد، عواطف منصور، عبد العزيز كحيل، ضحى عبد الرحمن، د - شاكر الحوكي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- جابر قميحة، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، د. عبد الآله المالكي، سفيان عبد الكافي، بيلسان قيصر، يزيد بن الحسين، منجي باكير، وائل بنجدو، حسن الطرابلسي، محمد علي العقربي، كريم فارق، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، العادل السمعلي، د- محمد رحال، موسى عزوق، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، د. صلاح عودة الله ، رافع القارصي، جاسم الرصيف، سامر أبو رمان ، صلاح المختار، د. أحمد بشير، د. أحمد محمد سليمان، سامح لطف الله، طارق خفاجي، أحمد الحباسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز