البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

قيمة الإنسان بين تونس ومصر

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2161



عندما تبلغ معدلات الانتحار مستويات مرعبة في مصر وعندما ينتحر الشباب هناك بطرق مفزعة فإن ذلك مؤشر خطير على الحالة التي وصلت إليها البلاد. في تونس تكاد الطرقات تتحول إلى شوارع نحو الموت المحقق بعد الفاجعة الأليمة التي راح ضحيتها حوالي سبعون شابا وشابة في ريعان العمر.على الطرف الآخر من وسائل الموت والانتحار في بلادنا ما يبتلعه البحر الأبيض المتوسط يوميا من أجسام غضة تحلم بالحرية والعيش الكريم أو آلاف الشباب الذين اختاروا طرق الإدمان للهروب من الواقع المرير والموت المحقق غرقا أو حرقا في الشوارع أو تحت سياط الجلاد أو الموت قهرا بسبب البطالة وانسداد سبل العيش الكريم.

لعلّ أكثر الفئات العمرية معاناة في المنطقة العربية هي فئة الشباب التي تجد نفسها اليوم داخل أتون الفساد السياسي والاقتصادي بعد أن عبثت شبكات العصابات بمقدرات البلدان وبددت ثرواتها وأهدرت فرصا عظيمة في بناء الوطن والإنسان. ليس الربيع العربي والموجات الاحتجاجية التي قدم فيها الشباب آلاف الشهداء إلا التعبيرة الأبرز على أنّ صبر الجيل الجديد قد نفذ وأن الطريق قد وصل إلى منتهاه.

الاستبداد وصناعة الموت

لم تكن الأنظمة العربية التي أمسكت بالسلطة داخل حدود ما سُمّي الدولة الوطنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين مستقلة عن القوى الغربية التي نصبتها على سدّة الحكم، بل إنها كانت في الغالب الأعمّ وكيلا مباشرا أو غير مباشر لها. كان دور الأنظمة التي تأسست هو منع قيام قوى وطنية تستفيد من طبيعة الأنظمة السياسية القائمة بل كان الهدف الأساسي هو نسف كل ما سبق بشكل يصيب الذاكرة والممارسة السياسية الناشئة بعطل كبير.

تمت تصفية الأنظمة الملكية في مصر وليبيا والعراق وسوريا ودول المغرب العربي عبر مجموعة من الجواسيس من العسكريين الذين تفننوا في تدمير الحياة السياسية بشكل أوصل هاته الدول إلى ما هي عليه اليوم من انهيار وفقر وتخلف وتبعية. إن خوف القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من قيام ملكية دستورية شبيهة بالملكيات الدستورية الأوروبية هو الذي دفع نحو تنصيب أنظمة شمولية جديدة تلغي كل التراكمات التي سبقتها.

شروط النشأة هذه هي التي تفسر كيف أوصلت هذه الأنظمة أجيالا من الشباب إلى مرحلة اليأس بعد أن فشلت كل التجارب التنموية وكل مشاريع النهضة التي صبغتها بشعاراتها الأيديولوجية. لم تقتصر صناعة الموت على الحروب العبثية التي حصدت الملايين من خيرة شباب الأمة من اليمن إلى ليبيا إلى العراق فسوريا فمصر بل تجاوزتها إلى كل المذابح والمجازر والحروب الأهلية التي كان النظام الرسمي يقف وراءها والتي لا تزال أطوارها تتفاعل إلى اليوم.

إن منع شروط التنمية وتبديد كل الثروات الباطنية والبشرية هي أهم ما يميز حقبة الربيع العربي التي جاءت كصيحة إنذار قبل الانهيار الكبير. لم تبن الأنظمة أوطانا ولا هي أسست لمجتمع جديد بعد أن ألغت كل مظاهر الحرية ومنعت الإنسان من كل حقوقه الأساسية مثل حرية الرأي والتعبير وسلبته حق العمل وحق العيش بكرامة في وطنه.

هذه الظروف وغيرها كثير هي التي خلقت حالة اليأس التي تعاني منها أجيال بكاملها بعد أن أفرغت السلطة السياسية العربية المجتمعات من كل قدرة على النهوض. حالة الإحباط هذه هي التي تفسر في الآن نفسه أغلب حالات الانتحار بأنواعها كما تمثل السبب الأساسي الذي يقف وراء التطرف والعنف بكل أشكاله.

قيمة الإنسان عربيا

إذا كانت المنطقة العربية هي الأكثر دموية في العالم بحساب عدد الحروب والصراعات التي تدور بها فإن مصير الإنسان داخل دول هذه المنطقة لا يقل قيمة عن مصيره على جبهات الحروب. ليس للمواطن العربي الحق في الانتخاب ولا في التعبير أو ممارسة حقوقه الفردية والمدنية بل هو أقرب إلى وضع الرعية في النظام الشمولي وليس احتراق قطار هنا وانزلاق حافلة هناك وانتشار الأوبئة والأمراض والسرطانات في قرى بكاملها بسبب فساد الدولة إلا خير دليل على ذلك.

لا يملك الانسان العربي قيمة في وطنه لأسباب عديدة أهمها انعدام وعيه هو نفسه بهذه القيمة ووقوعه في شباك المنظومة الإعلامية التابعة للسلطة الاستبدادية التي تلعب دورا محوريا في إقناعه بقدسية النظام وبهامشيته هو. لكنّ ثورات الربيع الأخيرة أعادت إلى السطح الوعي بقيمة الفرد المهمّش الذي أضحى فجأة قادرا على الفعل وعلى قلب نظام الحكم وليس مثال محمد البوعزيزي الشاب الفقير الذي كان سببا في الإطاحة بنظام الطاغية التونسي إلا خير دليل على ذلك.

هذا الوعي الجديد يقع اليوم في مرمى القصف الإعلامي والسياسي لقوى الثورة المضادة التي تعمل على استعادة نسق الوعي القديم من خلال العنف الذي مورس ولا يزال على شعوب المنطقة. فليست المذابح التي يرتكبها النظام السوري وهجومات المتمرد حفتر في ليبيا وجرائم الجيش والشرطة في مصر إلا أمثلة من بين أخرى كثيرة على قيمة الإنسان الفرد والمجموعة في نظر السلطة السياسية.

الصراع اليوم في المنطقة مداره قيمة الإنسان بما هو حرية وكرامة اجتماعية قبل كل شيء. هذا المطلب هو قلب المعركة بين القوى الداعمة للتحرر والنهوض وبين القوى التي تعمل على تأبيد الاستبداد وترسيخ ثقافته باعتباره قدر هذه المنطقة وقدر شعوبها.

لن تتوقف جرائم الطغاة العرب في كل الأقطار العربية ما لم يستعد الانسان العربي قيمته ووعيه بهذه القيمة. إن الوعي بقدرة الفرد على تغيير مصيره وواقعه الذي يبدأ عند التخلص من الأنظمة الاستبدادية نفسها هو السبيل الوحيد القادر على إخراج هذه الأمة من ظلمات التخلف والفقر والموت والجهل إلى أنوار الحرية والعدالة الاجتماعية التي تحفظ كرامة الإنسان وتحقق وعيه بقيمته.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مصر، الثورات العربية، عبد الفتاح السيسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-12-2019   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إياد محمود حسين ، سفيان عبد الكافي، عزيز العرباوي، نادية سعد، المولدي الفرجاني، بيلسان قيصر، كريم السليتي، محمود طرشوبي، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، د- محمود علي عريقات، جاسم الرصيف، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد العزيز كحيل، د. أحمد بشير، د. مصطفى يوسف اللداوي، منجي باكير، عبد الغني مزوز، د - مصطفى فهمي، مصطفى منيغ، محمد يحي، محمد الياسين، ياسين أحمد، يحيي البوليني، حسن الطرابلسي، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، د. طارق عبد الحليم، محمد اسعد بيوض التميمي، ضحى عبد الرحمن، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، رضا الدبّابي، أنس الشابي، محمود سلطان، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، العادل السمعلي، صفاء العراقي، سلام الشماع، محرر "بوابتي"، الهادي المثلوثي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، سلوى المغربي، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، حسن عثمان، د. خالد الطراولي ، سعود السبعاني، طارق خفاجي، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، محمد الطرابلسي، تونسي، ماهر عدنان قنديل، عبد الرزاق قيراط ، صلاح الحريري، د - المنجي الكعبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح المختار، رمضان حينوني، د. أحمد محمد سليمان، محمد شمام ، سامح لطف الله، إسراء أبو رمان، أبو سمية، د - محمد بن موسى الشريف ، كريم فارق، د - صالح المازقي، د- جابر قميحة، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، علي عبد العال، فوزي مسعود ، فتحي العابد، د - عادل رضا، د- هاني ابوالفتوح، رافد العزاوي، صباح الموسوي ، عواطف منصور، أحمد النعيمي، فتحـي قاره بيبـان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الله زيدان، طلال قسومي، حاتم الصولي، فهمي شراب، د - محمد بنيعيش، إيمى الأشقر، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سيد السباعي، د- محمد رحال، عبد الله الفقير، الهيثم زعفان، د - الضاوي خوالدية، فتحي الزغل، مراد قميزة، وائل بنجدو، خالد الجاف ، المولدي اليوسفي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد عمر غرس الله، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مجدى داود، محمد علي العقربي، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد ملحم، د. صلاح عودة الله ، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، حميدة الطيلوش، عمر غازي، أحمد الحباسي، مصطفي زهران،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز