البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المنظور التوحيدي بين المعياري والوضعي

كاتب المقال حسان عبد الله   
 المشاهدات: 1948



ارتبطت طريقة تفكير ووسائل تعبير كثير من الباحثين بفكرة مهيمنة هي أن المنظور التوحيدي يقوم في بنائه على المتصل المعياري وفقط، وأن حسابات متصل الواقع وحركته لا تدخل في نطاق عمله أو حيز مبادئه التي يمكن إلقاءها في ميدان البحث أو التأطير النظري، في تجنب للبعد الوضعي لاتهامه بالنسبية والمادية وهذا – كما في وجهة نظر الباحثين- ينبغي أن يتنزه عنه المنظور الوضعي التوحيدي.

ويأتي هذا الارتباط في طريقة التفكير الذي يقوم على منهجية التفكيك والانعزال بين المنظور التوحيدي والواقع على الرغم من أننا- باحثين مسلمين- نؤمن وجدانيًا بمدى الاتصال بين النظري والعملي في جوهر “الوحي” ونردد دائمًا قوله تعالى – في موضع الذم لانفصال القول عن العمل- {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2]. إلا أن ذهنية الباحث المسلم – غالبًا- عندما تنطلق لرؤية قضية / ظاهرة ما (بالوصف أو التحليل أو التفسير) يغيب عنها هذا الثابت الإيماني الأخلاقي، ويتحول خطابهم البحثي إلى خطاب وعظي ( ما ينبغي)، وهو نمط من الخطابات لا يجد له مكانًا في ميدان البحث، فلا يناسبه، وربما جاء نفور عدد من الباحثين غير الإسلاميين لهذا المنحى (غير المناسب) للتعامل مع المنظور التوحيدي في المجال البحثي الإنساني في ضوء ما روَّج لهذا النمط البحثي.

نحاول في عدة مقولات الموجزة إثارة التفكير حول موضوع المعياري والوضعي أو النظري والتطبيقي أو التصوري والواقعي أو المطلق والنسبي في المنظور التوحيدي والموقف من كل ذلك.

الواقع في الوحي
الواقع من حيث الاستعمال القرآني – يحمل معنى السقوط والثبوت فالساقط واقع صار في متناول الحواس وهو ثابت – أيضًا فيمكن إدراكه بالحواس دون أن يشوش على ذلك الإدراك أو تربكه الحركة وعدم الثبوت، وفي التنزيل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج : 1]: أي سقطت أو وقعت إلى الأرض، وهو ما يضيف بعدًا آخر للمعنى عندما نتدبر قوله تعالى {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]، فالقول الإلهي، إذا وقع على قوم فلا راد له، ووجب تحقق مضمونه ومعناه فهو قول واجب الثبوت والتحقيق[1].

وقد ورد مشتق (وقع) في القرآن حوالي (11) مرة منها: {وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1] ، {وَقَعَ أَجْرُهُ } [النساء:100]، {وَقَعَ الْقَوْلُ } [النمل:82]، {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ }[ يونس:51]، {فقعوا له ساجدين} [الحجر : 29].

ووقع المطر نحو: سقط ومواقع الغيث: مساقطُه، ويقال: وقَع الشيءُ مَوْقِعَه، والعرب تقول: وقَعَ رَبِيعٌ بالأرض يَقَعُ وُقُوعاً لأَوّلِ مطر يقع في الخَرِيفِ. والمواقعة في الحرب…[2].

وقد شغل الواقع مكانة رئيسة في الوحي الكريم الذي بدأ من الله (المطلق – المعياري – الثابت – التصوري) إلى الإنسان (النسبي – الوضعي – المتغير – الواقعي). وجاءت موضوعات وقصص القرآن وتشريعاته لتصويب هذا الواقع النسبي الوضعي، الذي شكل بعد (الله) مادة القرآن الكريم سوره، وآياته. وطرح القرآن قضايا الواقع وبسطها للمناقشة، والتحليل، والتفسير، والتوجيه.

وهذا جانب مما يحكيه الوحي عن الواقع، ويبين كيف يشغل (الواقع) بتفاصيله المادية الصغيرة والنسبية مكانته في القرآن: ففي قصة داود عليه السلام يرصد الوحي في سورة الأنبياء ما يلي:

– {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }[ الأنبياء:78].

– {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }[ الأنبياء:79].

– {وعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء:80].

كذلك قوله تعالى في تعداد نعمه على الإنسان:

– {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} [النحل:81].

وفي بناء سد يأجوج ومأجوج وقصة التعامل مع المعادن والصخور وطريقة البناء الفريدة المميزة، وتفصيل منهجية ذي القرنين في البناء والخطوات العلمية والتجريبية المتبعة:

– {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ

– حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ،

– قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا ،

– قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96].

والوحي مُشبَّع بمثل هذه المسائل التي يصف فيها الواقع المادي النسبي المتغير ويرصده في تسجيل تاريخي للبشرية التي لم تعاصره، ولكنه من أجل أن تفهمه وتعي مناهج التفكير والوسائل إذا استخدمت الأدوات البحثية والعلمية الملائمة.

وفي ذات المعنى يصور الوحي ثواب الآخرة (الغيب) تصويرًا ماديًا يتوافق مع تطلعات الإنسان وبُعده المادي وطبيعته التي تشتاق غالبًا إلى المحسوسات في المكتسبات والجزاء، وفي المقابل أيضًا يذكر العقاب في الآخرة بنفس المعنى المادي المحسوس (فذلك ليس انحرافًا عن الطبيعة البشرية المخلوقة التي تقترب غالبًا من لذتها وكل ما يقرب لها، وتبتعد عن ألمها وكل ما يسبب ذلك الألم) ومن ذلك قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} [محمد:15]. وفي العقاب { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } [ النساء: 56].


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات توحيدية، التوحيد، تشكيل الأذهان،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-10-2018   المصدر: إسلام أون لاين

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد الحباسي، د. أحمد بشير، المولدي الفرجاني، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود فاروق سيد شعبان، جاسم الرصيف، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، رافد العزاوي، ياسين أحمد، عواطف منصور، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، منجي باكير، صفاء العراقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، عبد الله الفقير، رحاب اسعد بيوض التميمي، فهمي شراب، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، تونسي، أشرف إبراهيم حجاج، رمضان حينوني، مصطفي زهران، د. مصطفى يوسف اللداوي، ماهر عدنان قنديل، نادية سعد، إيمى الأشقر، د.محمد فتحي عبد العال، عزيز العرباوي، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، أبو سمية، صلاح الحريري، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الناصر الرقيق، عراق المطيري، مصطفى منيغ، محمد شمام ، سامح لطف الله، د. طارق عبد الحليم، مجدى داود، أ.د. مصطفى رجب، د - المنجي الكعبي، يحيي البوليني، د- محمد رحال، محمد الياسين، كريم فارق، عبد الغني مزوز، محمد الطرابلسي، عبد الله زيدان، فتحي الزغل، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، طلال قسومي، مراد قميزة، أحمد ملحم، حميدة الطيلوش، محمد يحي، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عبد الآله المالكي، صلاح المختار، سعود السبعاني، سيد السباعي، د - صالح المازقي، د- جابر قميحة، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، رشيد السيد أحمد، د - مصطفى فهمي، أنس الشابي، صالح النعامي ، أحمد بوادي، خالد الجاف ، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فوزي مسعود ، وائل بنجدو، د - الضاوي خوالدية، د - عادل رضا، إسراء أبو رمان، عمر غازي، رافع القارصي، الهادي المثلوثي، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، فتحـي قاره بيبـان، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، سلوى المغربي، رضا الدبّابي، العادل السمعلي، صباح الموسوي ، محرر "بوابتي"، علي الكاش، صفاء العربي، كريم السليتي، حسن الطرابلسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. خالد الطراولي ، محمد العيادي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة