البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بن علي رجع والشعب هرب

كاتب المقال علي أنوزلا   
 المشاهدات: 3652


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


"بن علي هرب". كانت هذه العبارة التي اخترقت صمت شارع بورقيبة، في العاصمة التونسية ليلة 14 يناير/كانون ثاني 2011، بمثابة الشرارة التي أججت ثورات الربيع العربي، فتردد صداها في جميع أصقاع العالم العربي من طنجة حتى المنامة، ومن صنعاء حتى دمشق.

"بن علي هرب" كانت أول إعلان لهزيمة الاستبداد والطغيان، وانتصار إرادة الشعب الذي خرج إلى الشوارع أعزل، إلا من إرادته التي ركزها في شعاره القوي "الشعب يريد".

وطوال خمس سنوات، هي عمر الثورات العربية التي لم تخمد نيرانها في سورية وليبيا واليمن، جرت مياه كثيرة تحت الجسر. هرب مستبدون وفاسدون، وحوكم وسجن مستبدون وفاسدون. وأٌقيمت محاكمات ثوار وشرفاء، امتلأت بهم المعتقلات. وقامت ثورات مضادة لسرقة الأحلام وإجهاض الآمال. وحدثت انقلاباتٌ وسالت دماء واغتصبت أرواح بريئة. وغيّر مستبدون جلدهم، ليتحولوا إلى "ثوار" و"مقاتلين" يقودون كتائبهم ومليشياتهم للإجهاز على كل شيء يتحرك، رافعين خيار شمشون "علي وعلى أعدائي". وتم تشويه الصورة الطهرانية للثوار لتقديمهم إلى المحاكمات والزج بهم في السجون، بتهمة التجمهر والتظاهر. وساد الصمت وخرست الألسن، وعاد الخوف ليستأسد. وفي كلمة واحدة، أٌجهضت الثورات وسرقت الأحلام وأجهضت الآمال.. وحده الشعب السوري ظل مثل سيزيف عصره، يحمل آلامه وجراحه وأحلامه فوق ظهره، يطوف بها الملاجئ ومخيمات الشتات الجديد، هارباً من القصف ومن الجوع ومن الحصار ومن الاستعباد ومن السبي، ومن أن يتحول إلى غنيمة حرب تدار باسمه، هو ضحيتها ووقودها وحطبها.

"الشعب هرب". هل فعلاً نحتاج إلى من يصور لنا لحظة خروج الدكتاتور من قمقمه ليلة هروب الشعب، لنصدّق أن من هرب، في النهاية، هو الشعب، أو ما تبقى من الشعب. نعم، الشعب هرب من الخراب والأنقاض، بحثاً عن معنى آخر للحياة. بينما دكتاتور دمشق مازال مصمماً على البقاء، مثل بوم أخرس أصم يحرس الخراب، حتى آخر طفلة وآخر طفل سوري.

انعكست الآية في سورية، ولم يهرب الدكتاتور، كما حدث في تونس، كما لم يُعتقل كما جرى في مصر، ولم يُقتل كما كانت نهايته المأساوية في ليبيا. الشعب هو الذي قُتل واعتقل وأُحرق وشُرد.. والفئة الناجية منه من براميل النار ومن جحيم المعتقلات ومن حصار التجويع لم يعد من خلاص أمامها سوى الهرب. والهرب هنا ليس خوفاً، وإنما للنجاة والخلاص.

"الشعب هرب" إلى الملاجئ، وإلى مخيمات الشتات. ركب موج البحار وعبر الفيافي والبراري والأدغال، وتجاوز الحدود انتصاراً للحياة، وليس خوفاً من الدكتاتور الذي واجهه بصدور عاليةٍ، طوال خمس سنوات.

الشعب السوري، في الحقيقة، لم يهرب، وإنما خرج بحثاً عن الخلاص، مثلما فعل الشعب

"الشعب السوري هرب من الخراب والأنقاض بحثاً عن معنى آخر للحياة"

المصري، قبل آلاف السنين، هرباً من طغيان فرعون. للخروج، هنا، كما حدث مع شعب موسى، له مغزى أكبر، أي مغزى النجاة من استبداد فرعون سورية الحالي، واستعباده وظلمه وبطشه. وله أيضاً معنى البحث عن ميعاد الولادة الجديدة للثورة التي لم تستنفد بعد كل كلمات شعاراتها التي رددها أطفال درعا قبل خمس سنوات، ورسموها على جدران مدارسهم التي تحولت أطلالاً.

قوافل الشعب السوري التي باتت تؤثث شاشات القنوات العالمية، في مسيرة التيه نحو المجهول، تركب المخاطر، وتغامر لشق عباب البحار، وتقف في طوابير طويلة أمام بوابات الحدود المغلقة. هي عنوان لهروبنا الجماعي من واجب وصوت الضمير الذي لم نعد نسمع أنينه تحت ركام الخراب. هي إعلان موت ضميرنا الجماعي.

من تحمل الحياة تحت قصف الصورايخ وبراميل البارود وحمم النيران المنهمرة من السماء، ومن صبر على الجوع والحصار، وتحمل ضنك العيش وقلة ذات اليد، خمس سنوات، وقرّر اليوم، بعد أن فقد كل شيء، الهجرة نحو المجهول، لا يفعل ذلك للنجاة بجلده، وإنما لأنه لا يريد أن يتحول إلى حطب حروبٍ ليست حروبه، أما انتماؤه لوطنه فسيظل يحمله معه، لن ينتزعه منه إلا موته. ومن قال إن الموت يلغي الانتماء للمكان؟ بل العكس، ففي عالم الموت حيث اللا مكان، يصبح للانتماء معنى الخلود.

تقول أرقام إحصائياتٍ غير رسميةٍ، لكنها متطابقة، إن عدد القتلى السوريين، منذ بدأت الحرب، تجاوز 260 ألف ضحية، وإن عدد القتلى والجرحى معاً يناهز المليونين، وعدد النازحين الموزعين على مخيمات اللجوء، وفي بلاد الشتات، يتراوح ما بين 4 و5 ملايين لاجئة ولاجئ، أغلبهم من الأطفال والنساء والشباب اليافعين.

وحسب المكتب المركزي للإحصاء، بلغ عدد السكان المقيمين في سورية عام 2011 نحو 21.6 مليون نسمة. وطبقاً لتقديرات المكتب نفسه، التابع للنظام بدمشق، فإن عدد السكان حتى منتصف عام 2015، تراوح بين 18 و19 مليون نسمة، وإن عدد النازحين، بحسب المكتب، بين أربعة وخمسة ملايين نسمة.

"الشعب هرب" ولم يبق سوى إعلان هروبه. بقي فقط أن يخرج الدكتاتور، ليعلن انتصاره على شعبه، ويصرخ في الخراب "الشعب هرب". هذا إذا بقي تحت الأنقاض، وبين ركام الجثث، من يقوى على حمل عدسته، ليسجل تلك اللحظة المأساوية، لحظة عواء الدكتاتور يبكي هروب الشعب الذي لم يعد شعبه


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، تونس، ليبيا، اليمن، مصر، الربيع العربي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-02-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عمر غازي، د. أحمد بشير، العادل السمعلي، سامر أبو رمان ، محمد أحمد عزوز، د. صلاح عودة الله ، طلال قسومي، د.محمد فتحي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، د - الضاوي خوالدية، فتحـي قاره بيبـان، فهمي شراب، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، الهادي المثلوثي، د- جابر قميحة، سامح لطف الله، كريم فارق، صباح الموسوي ، يحيي البوليني، د. طارق عبد الحليم، نادية سعد، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، عزيز العرباوي، وائل بنجدو، رشيد السيد أحمد، محمد شمام ، حسن الطرابلسي، إياد محمود حسين ، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - المنجي الكعبي، محمد العيادي، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بنيعيش، سفيان عبد الكافي، صلاح المختار، سعود السبعاني، صلاح الحريري، أحمد الحباسي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، صفاء العراقي، كريم السليتي، أحمد النعيمي، محمود فاروق سيد شعبان، د- محمود علي عريقات، محمود سلطان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. خالد الطراولي ، أحمد ملحم، علي الكاش، عبد الغني مزوز، حسن عثمان، مجدى داود، أحمد بوادي، د - صالح المازقي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافد العزاوي، فوزي مسعود ، مصطفي زهران، إسراء أبو رمان، محمد اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، د - شاكر الحوكي ، المولدي الفرجاني، مراد قميزة، عبد الله زيدان، فتحي الزغل، أبو سمية، علي عبد العال، عراق المطيري، رمضان حينوني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الهيثم زعفان، أشرف إبراهيم حجاج، سلام الشماع، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د - عادل رضا، عواطف منصور، ياسين أحمد، د - مصطفى فهمي، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، محمد عمر غرس الله، سلوى المغربي، محمد يحي، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، عبد الرزاق قيراط ، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، أنس الشابي، سيد السباعي، تونسي، يزيد بن الحسين، خالد الجاف ، محمد الياسين، منجي باكير، د. عبد الآله المالكي، رحاب اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة