البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مقالات منسية: «كتاب عجيب في الإسلاميات»

كاتب المقال إبراهيم عبد القادر المازني   
 المشاهدات: 3276


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


هذا كتاب عجيب وقعت عليه عيني ذات يوم وأنا أدور على المكتبات الكثيرة الغاصَّة بالكتب التي لا تعنيني مما أخرجت المطابع في هذه الأعوام الخمسة ومعظمها يدور على الحرب، وقد قرأت الكثير منها فلم أستفد إلا العناء، ولا أدري لم لا تُعنَى دور النشر الغربية أو المعاهد الثقافية البريطانية والأمريكية بتزويدنا بالجيد من الكتب في الآداب والفنون والعلوم، فإنه حتى المحارب نفسه، حين يعود من الميدان ليُعالَج أو يستريح، يضجره كتب الحرب وما إليها مما يتفرع عليها، ويشتهي أن يجد كتابًا يُنسيه ما كان فيه.

رأيت هذا الكتاب فترددت، فما سمعت بصاحبه، ونفَّرتني منه كثرة الأغلاط المطبعية على خلاف المعهود في الكتب الإنجليزية التي لا يقع المرء فيها على غلطة واحدة، أو حتى على حرف مقلوب.

وتصفحت المقدمة فزادتني نفورًا من الكتاب، ذلك أن المؤلف يصف اللغة العربية بأن صعوبتها تطير العقل، ولهجته على العموم لا تخلو من فكاهة وسخر، غير أن سعة صدره راقتني فاشتريت الكتاب وعكفت عليه ليلتين حتى أتيت عليه.

وأعترف أنه حيَّرني، فما أدري أي رأي أُبدِي فيه، ذلك أنه كتاب لا جديد فيه لمثلي من أبناء العربية، ولست أظن المستشرقين الذين توفروا على درس العربية وأدبها وتاريخه وما هو من ذلك بسبيل يجدون فيه جديدًا، ولكن طالب العربية من أبناء الغرب لا يعدم فائدة وإن كان خليقًا أن يخرج بأوهام غير قليلة، وأغلاط كثيرة وصورة عامة لا تعد صحيحة.

ولكنه يَحسُن أولاً أن أذكر شيئًا عما في الكتاب، الفصل الأول منه موضوعه اللغة العربية، وهو فصل منحوس لا يدل على فهم لها أو علم بها، ومن قوله فيها: «إنَّ من المشكوك فيه جدًّا أن يكون أحد قد حذق الجموع العربية أو الفعل العربي.» ومنه أيضًا وهو أعجب: «إن الطالب الذي يريد جادًّا أن يدرس أجرومية «رايت» خليقٌ أن يُرشَّح للدخول في مستشفى المجانين.»

ثم يلي ذلك فصل وجيز في الأدب القديم — الشعر الجاهلي والقرآن — ورأيه في الشعر الجاهلي أنه بديع، ولكنه عسير الفهم حتى على أبناء اللغة نفسها بغير الشرح، وأن الشرح نفسه يحتاج أحيانًا إلى شرح، وأن مدار الصعوبة هو الغريب وتعدد معاني اللفظ الواحد، ومَثَّلَ لذلك بلفظ — لم يعينه — قال إن من معانيه شيخ القبيلة أو رئيسها وزعيمها ووتد الخيمة، والحمار الوحشي، والجبل والقذى في العين.

والفصل الثالث في حياة محمد، وقد اعتمد فيه على بعض ما نُشر باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية مثل كتابي مرجوليوث، وموير، وكتاب سير أمير علي، وكتاب البرنس كيتاني (الإيطالي) ولامنسي وسيرنجر، وعلى ترجمة ابن هشام، والبخاري طبعة القاهرة، ومسند ابن حنبل طبعة القاهرة، وفي هذا الفصل يبدي آراء شتى لا نعرف لها مسوغًا، وفي آخر هذا الفصل يورد ترجمة طائفة من الأحاديث على سبيل الاستشهاد، ولا يخلو تعقيبه على بعضها من السخر من المستشرقين.

ويلي ذلك ستة عشر فصلًا، في حوالي مائة وأربعين صفحة هي عبارة عن ترجمة أحاديث تخيَّرها من البخاري ورتَّبها على الموضوع، كالصلاة، والحج، والصيام إلى آخر ذلك، واعتمد في ترجمته لها على ترجمة «هودا ومارسيه» الفرنسية مع الرجوع إلى الأصل العربي المطبوع بالقاهرة وإلى القسطلاني والعيني.

وأردف ذلك بثلاثة فصول في: معجزات محمد، ووأد البنات، والحجاب، وفصل في المؤرخين، وآخر عن عنترة وبني هلال، وفصل في المتنبي وأبي العلاء، وفصل في رسالة الغفران (عن الطبعة المختصرة التي نشرها الأستاذ كامل الكيلاني)، وفصل عن بهاء الدين زهير وابن الفارض، ثم فصل ختامي يشير فيه إلى أبي نواس وصعوبة شعره ويشك في أن كثيرين قرأوه، وإلى الفلاسفة على العموم وابن رشد على الخصوص، ويقول فيه إن مما يُعزِّي من لم يقرأ كتب هؤلاء الفلاسفة أن يرى دائرة المعارف الإسلامية تقول في أكبرهم وأعظمهم — ابن رشد — أنه لم يكن فيلسوفًا مبتكرًا.

وهذه خلاصة لا تعد وافية، ولا ترفع قبل العيون صورة صحيحة للكتاب، والحقيقة أن من العسير أن يتبين المرء الغرض من هذا الكتاب، فإذا كان ترجمة مختارات من الحديث، فما دخل ابن الفارض والبهاء زهير، ولماذا ساق قصة عنترة؟

ليس الغرض التعريف بالإسلام والأدب العربي، فما جاء بشيء جديد، ولا عُنِي بالبحث الوافي في باب من الأبواب، وكل ما ساقه رجع فيه إلى ما نُشر من المطولات باللغات الأوربية، وما رجع قط إلى نص عربي إلا ليقول إنه صعب، ثم إن التعريف بالإسلام لا يقتضي أن يقص قصة عنترة أو أن ينقل ترجمة قصائد أو مقطوعات للبهاء زهير أو ابن الفارض والمتنبي.

فهو من هذه الناحية يعد خليطًا غير مفهوم، ولا يبدو أنه يرمي إلى غرض واضح، وهذا إلى أن مؤلفه ليس متمكنًا من العربية، ولا مالكًا لزمامها، وقد أقرَّ بضعفه في مواضع شتى من الكتاب، واعترف بأنه لم يقرأ هذا أو ذاك من دواوين الشعراء، أو كتب السيرة، أو كتب التاريخ، أو آثار فلاسفة العرب، ومع ذلك يصدر أحكامه ويفتي غير مُتلعثِم أي متردد.

وقد أذكرني هذا الكتاب أن مجلة الأزهر كانت قد شرعت تنشر ترجمة حرفية دقيقة للحديث، ثم كفَّت عن ذلك، لا أدري لماذا، ولما كان بعض المستشرقين قد ترجموا شيئًا من الحديث ترجمة لا تخلو من خطأ، أو ينقصها الشرح الذي يمنع سوء تأويلها، فإنه يحسن أن يتولى ذلك أبناء العربية فإنهم أعرف بلغتهم، وأقدر على فهمها، ولا خير في القول إن الترجمة تسيء إلى الأصل أو تشوهه، أو تفقده بعض قوته أو جماله، فإن المستشرقين يترجمون ولا ينتظرون رأينا ولا يعبأون بما نخشاه أو نتوهمه.

وقد أعود على هذا الكتاب لأعرض نماذج مما اشتمل عليه من الآراء الغربية والترجمة التي شوَّهت الأصل.

-------------
جريدة البلاغ
٢١ مايو ١٩٤٤


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الأدب العربي، أدب الحرب، الحرب العالمية الثانية، إبراهيم عبد القادر المازني،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-01-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، فتحي العابد، محرر "بوابتي"، د - صالح المازقي، عبد الله الفقير، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، صلاح المختار، أحمد الحباسي، محمد يحي، عراق المطيري، إيمى الأشقر، محمد أحمد عزوز، سامح لطف الله، طلال قسومي، د. خالد الطراولي ، أبو سمية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العراقي، سيد السباعي، جاسم الرصيف، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم فارق، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، محمود فاروق سيد شعبان، علي الكاش، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، محمد الياسين، رشيد السيد أحمد، رضا الدبّابي، رافع القارصي، صفاء العربي، عمار غيلوفي، مجدى داود، ماهر عدنان قنديل، سليمان أحمد أبو ستة، محمود سلطان، منجي باكير، رافد العزاوي، نادية سعد، سعود السبعاني، رمضان حينوني، وائل بنجدو، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، فهمي شراب، د- هاني ابوالفتوح، حسني إبراهيم عبد العظيم، د.محمد فتحي عبد العال، العادل السمعلي، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، د- جابر قميحة، الهيثم زعفان، ضحى عبد الرحمن، د - شاكر الحوكي ، د - المنجي الكعبي، إسراء أبو رمان، د. أحمد محمد سليمان، حاتم الصولي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، د - عادل رضا، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، أ.د. مصطفى رجب، المولدي الفرجاني، علي عبد العال، أحمد بوادي، محمد العيادي، سلام الشماع، د. عادل محمد عايش الأسطل، الهادي المثلوثي، حميدة الطيلوش، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، عواطف منصور، خبَّاب بن مروان الحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، يزيد بن الحسين، محمد الطرابلسي، تونسي، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، د- محمود علي عريقات، د - محمد بنيعيش، يحيي البوليني، أنس الشابي، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلوى المغربي، مصطفى منيغ، صالح النعامي ، مراد قميزة، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، عبد الغني مزوز، د. أحمد بشير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح الحريري، د. صلاح عودة الله ، محمد شمام ، عبد الله زيدان، الناصر الرقيق، د. طارق عبد الحليم، سامر أبو رمان ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة