البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

انقلاب سعيد دفع الكتلة التاريخية إلى الظهور بعد طول تردد

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1073



الفقر الفكري والسياسي للمنقلب ولمن أحاط به فرحًا بحركته الانقلابية ليس محل شكّ عندنا، لقد حظيت تونس بانقلاب أحمق وقد بدأت بشائر سقوطه منذ ساعاته الأولى، رغم أنه يعيش شهره السادس دون أن يفطن إلى أن الأرض تميد تحت قدمَيه.

تضيق النفوس من وجوده، وينتصر الإحباط أحيانًا، لكن استعادة الوقائع وترتيبها بعقل بارد يكشف أن الانقلاب يوحِّد ضدّه كل الوطنيين الغيورين على الديمقراطية، وهو يحشر نفسه مع بقية باقية من الفاشيين والاستئصاليين في زاوية العجز، حيث تنعدم الحلول رغم امتلاك القوة الصلبة التي تتحول إلى عبء عليه.

لقد أحدثَ الانقلاب فرزًا على قاعدة الإيمان بالديمقراطية، وأخرج الأدعياء عراة أمام الشارع الحائر، فتميّز المؤمنون في صف يزداد قوة وتتوافق عناصره في اتجاه كتلة تاريخية ستحكم ما بعد الانقلاب وإن طالت مدته... سنفرط في التفاؤل رغم بؤس الانقلاب.

نصّ الثورة الغائب
تلقفت المطلبية الاجتماعية الثورة منذ أيامها الأولى، وكان للنقابة المشبوهة دور مركزي في تحريف الثورة عن مسار التغيير الجذري للسياسات التي اتّبعها نظام ابن علي، فكان فعل الحكومات التي تتالت على البلد هو إعادة إنتاج نظام ابن علي زائد شحنة وقاحة محترفة يروِّج لها إعلامه.

وساهمت النخب المستريحة في جرّ النقاشات إلى المسائل الدستورية والشكلانية، حتى أن حقوق المثليين أخذت حيّزًا أكبر من برامج الإصلاح الزراعي وإصلاح النظام التعليمي، وهي مطالب مركزية للثورة وإن لم تعبِّر عنها الثورة بنصوص دقيقة، لقد كانت ثورة بلا نصّ مؤسِّس رغم النوايا المعلنة.

في السياق المنحرف دخل الانقلاب وفرض المزيد من النقاش الشكلاني الذي لم يصنع وفاقًا وطنيًّا حول مطالب الثورة، عجزَ الانقلاب الذي نعاين، هو في جوهرة عجز التقدُّم على طريق دائري بلا مخرج في أي اتجاه.

هذا الفراغ يستدعي الآن كتابة هذا النص المؤسِّس ولو بعقد من التأخير، والنص يستدعي من يحمله ونرى "مواطنون ضد الانقلاب" بما هم تيار متعدد وجامع نواة ممكنة لكتابة هذا النصّ ودفع كلفته، وإذا سلّمنا بصدق الخطاب الديمقراطي الصادر عن هذه الحركة المقاومة للانقلاب، فإن بشائر تصحيح مسار الثورة قد برقت.

بعض الشروط الضرورية لبناء الكتلة التاريخية
لا نحتاج التذكير بكل تراث غرامشي حول الكتلة التاريخية وشروط بنائها، فالحالة التونسية تفرض خصوصيتها. هناك عائق دمّرَ تجربة بناء المعارضة الديمقراطية زمن بورقيبة، واستمرَّ وتفاقم زمن ابن علي وظلَّ فاعلًا مدمِّرًا بعد الثورة، وهو العقل الاستئصالي الذي منع كل لقاء بين مكوّنات ساحة سياسية تعددية بالقوة وبالفعل.

ظلت الساحة مقسومة بين إسلاميين مضطهدين وحداثيين إقصائيين، ولم تفلح الثورة في ردم الهوة بين هذين الصفَّين، بل إن منظومة حكم ابن علي تسرّبت من الأخدود الفاصل بين هؤلاء وانتعشت ولم يمكن تحرير البلد من قبضتها، ونعتبر الانقلاب بعض ثمرة هذا النزاع المتخلِّف.

حشر النقاش السياسي في هذه الزاوية (حداثي ضد إسلامي) كشف فقرًا فكريًّا كبيرًا وعجزًا فاضحًا، لكن الانقلاب قدّمَ خدمة يمكن اعتبارها كسرًا لهذا الجمود، لقد كشف بالفعل والوقائع أن الحداثي انقلابي وأن الإسلامي يقف في صف الديمقراطية.

كل مكونات صفّ من يسمّون أنفسهم بتيار الحداثة ساندَ الانقلاب ودافع عن تعدّيه على الدستور والمؤسسات، ولا يزال أغلبه يقف معه راجيًا منه مواصلة الصراع على القاعدة نفسها، والتقى فعليًّا وموضوعيًّا مع حزب الفاشية، وهي صيغة وقحة من نظام ابن علي نفسه.

في الجانب المقابل ظهر الاسلامي منذ ساعات الانقلاب الأولى مدافعًا عن الدستور والشرعية التي أفرزها صندوق الانتخاب، ورفض الانجرار إلى العنف كوسيلة رجعية للعمل السياسي، رغم الاستفزاز والاستدراج المتكرر.

لقد كسر حزب النهضة وبفعل الانقلاب نفسه الاستقطاب على أُسُس حداثة ضد إسلام، وفرض بالمطاولة فرزًا جديدًا (ديمقراطيون ضد انقلابيين وفاشيين)، وعلى هذا الأساس فتحَ الباب لمكوّنات ديمقراطية أخرى للتنسيق معه تحت عنوان جامع "مواطنون ضد الانقلاب"، وهو باب مفتوح لكل من يؤمن بالفعل الديمقراطي تحت سقف الدستور المُجمَع عليه.

لقد وُضعت الأُسُس الأولى لبناء الكتلة التاريخية، نحن نشهد (وهذا إفراط في التفاؤل) أول خروج أو انعتاق من الاستقطاب التقليدي الذي حكم المشهد السياسي منذ أكثر من 50 سنة، ونلاحظ بقاء الصف الاستئصالي مدّعي الحداثة يقف في فراغ الانقلاب وحيدًا.

تنوُّع تركيبة "مواطنون ضد الانقلاب" واتّساع مساحة خطابها الديمقراطي، يعدُ بإمكان بناء جبهة ديمقراطية واسعة تتخلّى بصوت صريح عن التوصيف الأيديولوجي الإقصائي، وهي تخرج النقاش الآن من دائرة الإقصاء المغلقة إلى أفق الجدال السياسي حول البرامج والبدائل التي انتظرها جمهور عريض نفرَ من السياسة والسياسيين، الذين جرّوه إلى مربع الاستئصال وضيّعوا مستقبله (وهذا نقاش مرحّب به مهما كانت حدّة الأصوات التي ستتكلم داخله).

الطريق لا تزال طويلة
أن نكتب بكثير من التفاؤل عن الوعد الديمقراطي القادم لا يخفي علينا أن الطريق طويلة، وأن الوصول إلى درجة عالية من التجانس بين مكونات الصف الديمقراطي تتطلب صبرًا وجهدًا وتضحية بالذات، وهناك عوائق كثيرة (نزعم أن الروح الوطنية قادرة مع الوقت على تذويبها)، فهناك الزعاماتية الكامنة في كل من تقدّمَ للحديث في الشأن العام، وهذا مرض عضال ومستشرٍ.

وهناك إيمان قديم بصورة لتونس تدور حول مركزية النقابة، وتعطي للنقابة دورًا مقدسًا رغم فضيحة إسناد النقابة للانقلاب ووقوفها في صف التيار الاستئصالي، والنقاش حول دور النقابة ومكانتها مستقبلًا ما زال بعيدًا عن المربع الديمقراطي، هناك وثن في تونس اسمه النقابة ما زال كثير من الديمقراطيين يعبده بلا نقد، وهذه معركة كبيرة في طريق الفرز الديمقراطي.

هناك ميراث يسمّيه البعض "دولة اجتماعية في تونس" لم يخضع للنقد فعلًا، رغم كل المؤشرات على أن التجربة كانت تجربة دولة ريعية (رشوة طبقات) لا تجربة ديمقراطية اجتماعية فعلية، وإذا تقدّمَ الديمقراطيون نحو كتابة نص الثورة المؤسِّس، فإن نقد هذا التراث يوشك أن يعصف بالتوافقات السياسية الظاهرة (الهشّة بعد).

هناك اختلاف في الأحجام الفعلية لمكونات الصف الديمقراطي، وإذا تقدمت هذه التركيبة ولو بعد حين إلى الحكم (ونراها تفعل)، فإن القسمة ستكون عسيرة، وإذا لم تظهر الاستعدادات للتنازل عن الحصص قبل عدالة القسمة بحسب الحجم في الشارع، فإن خطر المحاصصة سيعصف بالتوافقات كأن لم تكن.

هذه احتمالات على الطريق الطويلة وجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذه المرحلة، وأن يتحلّى الديمقراطيون بالمزيد من الصبر عليها لاستباق آثارها المدمرة، لكن رغم ذلك نرى أن الخروج من دائرة الاستقطاب على أُسُس "حداثة ضد إسلام" إلى دائرة "ديمقراطية ضد انقلابية وفاشية" يشكّل خطوة تأسيسية لكتلة تاريخية انتظرها الكثيرون، ويبدو أن الانقلاب قد سهّل خروجها من ركام الخلافات والنقاشات المغلوطة التي سادت قبل الثورة وبعدها.

نفرط في التفاؤل وننتظر.





 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الكتلة التاريخية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-12-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح المختار، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، محمد الطرابلسي، محمد اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، سامح لطف الله، الهادي المثلوثي، د- محمد رحال، عزيز العرباوي، إسراء أبو رمان، محمد العيادي، حسن الطرابلسي، د - عادل رضا، مصطفى منيغ، كريم فارق، د. عادل محمد عايش الأسطل، صفاء العراقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صلاح الحريري، رضا الدبّابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سليمان أحمد أبو ستة، رحاب اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، تونسي، د- هاني ابوالفتوح، د. عبد الآله المالكي، محمد الياسين، د - محمد بن موسى الشريف ، ضحى عبد الرحمن، فوزي مسعود ، رافد العزاوي، العادل السمعلي، د - المنجي الكعبي، مراد قميزة، منجي باكير، محمد عمر غرس الله، فتحي العابد، الهيثم زعفان، محمود سلطان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد بوادي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- جابر قميحة، ياسين أحمد، كريم السليتي، المولدي الفرجاني، عبد الغني مزوز، عبد الرزاق قيراط ، علي عبد العال، عبد الله زيدان، د - مصطفى فهمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. مصطفى يوسف اللداوي، سلام الشماع، محرر "بوابتي"، د - محمد بنيعيش، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، إياد محمود حسين ، الناصر الرقيق، عراق المطيري، إيمى الأشقر، سلوى المغربي، سفيان عبد الكافي، فتحي الزغل، جاسم الرصيف، محمد شمام ، مصطفي زهران، محمد يحي، عمار غيلوفي، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، سيد السباعي، صباح الموسوي ، صفاء العربي، رشيد السيد أحمد، علي الكاش، مجدى داود، د - الضاوي خوالدية، أحمد النعيمي، رمضان حينوني، عبد الله الفقير، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامر أبو رمان ، فهمي شراب، أحمد الحباسي، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، أشرف إبراهيم حجاج، فتحـي قاره بيبـان، د - شاكر الحوكي ، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، د. أحمد بشير، محمد أحمد عزوز، طلال قسومي، د - صالح المازقي، يزيد بن الحسين، حسن عثمان، أحمد ملحم، نادية سعد، حاتم الصولي، خالد الجاف ، سعود السبعاني، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، د. خالد الطراولي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة