البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

انقلاب سعيد دفع الكتلة التاريخية إلى الظهور بعد طول تردد

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1041



الفقر الفكري والسياسي للمنقلب ولمن أحاط به فرحًا بحركته الانقلابية ليس محل شكّ عندنا، لقد حظيت تونس بانقلاب أحمق وقد بدأت بشائر سقوطه منذ ساعاته الأولى، رغم أنه يعيش شهره السادس دون أن يفطن إلى أن الأرض تميد تحت قدمَيه.

تضيق النفوس من وجوده، وينتصر الإحباط أحيانًا، لكن استعادة الوقائع وترتيبها بعقل بارد يكشف أن الانقلاب يوحِّد ضدّه كل الوطنيين الغيورين على الديمقراطية، وهو يحشر نفسه مع بقية باقية من الفاشيين والاستئصاليين في زاوية العجز، حيث تنعدم الحلول رغم امتلاك القوة الصلبة التي تتحول إلى عبء عليه.

لقد أحدثَ الانقلاب فرزًا على قاعدة الإيمان بالديمقراطية، وأخرج الأدعياء عراة أمام الشارع الحائر، فتميّز المؤمنون في صف يزداد قوة وتتوافق عناصره في اتجاه كتلة تاريخية ستحكم ما بعد الانقلاب وإن طالت مدته... سنفرط في التفاؤل رغم بؤس الانقلاب.

نصّ الثورة الغائب
تلقفت المطلبية الاجتماعية الثورة منذ أيامها الأولى، وكان للنقابة المشبوهة دور مركزي في تحريف الثورة عن مسار التغيير الجذري للسياسات التي اتّبعها نظام ابن علي، فكان فعل الحكومات التي تتالت على البلد هو إعادة إنتاج نظام ابن علي زائد شحنة وقاحة محترفة يروِّج لها إعلامه.

وساهمت النخب المستريحة في جرّ النقاشات إلى المسائل الدستورية والشكلانية، حتى أن حقوق المثليين أخذت حيّزًا أكبر من برامج الإصلاح الزراعي وإصلاح النظام التعليمي، وهي مطالب مركزية للثورة وإن لم تعبِّر عنها الثورة بنصوص دقيقة، لقد كانت ثورة بلا نصّ مؤسِّس رغم النوايا المعلنة.

في السياق المنحرف دخل الانقلاب وفرض المزيد من النقاش الشكلاني الذي لم يصنع وفاقًا وطنيًّا حول مطالب الثورة، عجزَ الانقلاب الذي نعاين، هو في جوهرة عجز التقدُّم على طريق دائري بلا مخرج في أي اتجاه.

هذا الفراغ يستدعي الآن كتابة هذا النص المؤسِّس ولو بعقد من التأخير، والنص يستدعي من يحمله ونرى "مواطنون ضد الانقلاب" بما هم تيار متعدد وجامع نواة ممكنة لكتابة هذا النصّ ودفع كلفته، وإذا سلّمنا بصدق الخطاب الديمقراطي الصادر عن هذه الحركة المقاومة للانقلاب، فإن بشائر تصحيح مسار الثورة قد برقت.

بعض الشروط الضرورية لبناء الكتلة التاريخية
لا نحتاج التذكير بكل تراث غرامشي حول الكتلة التاريخية وشروط بنائها، فالحالة التونسية تفرض خصوصيتها. هناك عائق دمّرَ تجربة بناء المعارضة الديمقراطية زمن بورقيبة، واستمرَّ وتفاقم زمن ابن علي وظلَّ فاعلًا مدمِّرًا بعد الثورة، وهو العقل الاستئصالي الذي منع كل لقاء بين مكوّنات ساحة سياسية تعددية بالقوة وبالفعل.

ظلت الساحة مقسومة بين إسلاميين مضطهدين وحداثيين إقصائيين، ولم تفلح الثورة في ردم الهوة بين هذين الصفَّين، بل إن منظومة حكم ابن علي تسرّبت من الأخدود الفاصل بين هؤلاء وانتعشت ولم يمكن تحرير البلد من قبضتها، ونعتبر الانقلاب بعض ثمرة هذا النزاع المتخلِّف.

حشر النقاش السياسي في هذه الزاوية (حداثي ضد إسلامي) كشف فقرًا فكريًّا كبيرًا وعجزًا فاضحًا، لكن الانقلاب قدّمَ خدمة يمكن اعتبارها كسرًا لهذا الجمود، لقد كشف بالفعل والوقائع أن الحداثي انقلابي وأن الإسلامي يقف في صف الديمقراطية.

كل مكونات صفّ من يسمّون أنفسهم بتيار الحداثة ساندَ الانقلاب ودافع عن تعدّيه على الدستور والمؤسسات، ولا يزال أغلبه يقف معه راجيًا منه مواصلة الصراع على القاعدة نفسها، والتقى فعليًّا وموضوعيًّا مع حزب الفاشية، وهي صيغة وقحة من نظام ابن علي نفسه.

في الجانب المقابل ظهر الاسلامي منذ ساعات الانقلاب الأولى مدافعًا عن الدستور والشرعية التي أفرزها صندوق الانتخاب، ورفض الانجرار إلى العنف كوسيلة رجعية للعمل السياسي، رغم الاستفزاز والاستدراج المتكرر.

لقد كسر حزب النهضة وبفعل الانقلاب نفسه الاستقطاب على أُسُس حداثة ضد إسلام، وفرض بالمطاولة فرزًا جديدًا (ديمقراطيون ضد انقلابيين وفاشيين)، وعلى هذا الأساس فتحَ الباب لمكوّنات ديمقراطية أخرى للتنسيق معه تحت عنوان جامع "مواطنون ضد الانقلاب"، وهو باب مفتوح لكل من يؤمن بالفعل الديمقراطي تحت سقف الدستور المُجمَع عليه.

لقد وُضعت الأُسُس الأولى لبناء الكتلة التاريخية، نحن نشهد (وهذا إفراط في التفاؤل) أول خروج أو انعتاق من الاستقطاب التقليدي الذي حكم المشهد السياسي منذ أكثر من 50 سنة، ونلاحظ بقاء الصف الاستئصالي مدّعي الحداثة يقف في فراغ الانقلاب وحيدًا.

تنوُّع تركيبة "مواطنون ضد الانقلاب" واتّساع مساحة خطابها الديمقراطي، يعدُ بإمكان بناء جبهة ديمقراطية واسعة تتخلّى بصوت صريح عن التوصيف الأيديولوجي الإقصائي، وهي تخرج النقاش الآن من دائرة الإقصاء المغلقة إلى أفق الجدال السياسي حول البرامج والبدائل التي انتظرها جمهور عريض نفرَ من السياسة والسياسيين، الذين جرّوه إلى مربع الاستئصال وضيّعوا مستقبله (وهذا نقاش مرحّب به مهما كانت حدّة الأصوات التي ستتكلم داخله).

الطريق لا تزال طويلة
أن نكتب بكثير من التفاؤل عن الوعد الديمقراطي القادم لا يخفي علينا أن الطريق طويلة، وأن الوصول إلى درجة عالية من التجانس بين مكونات الصف الديمقراطي تتطلب صبرًا وجهدًا وتضحية بالذات، وهناك عوائق كثيرة (نزعم أن الروح الوطنية قادرة مع الوقت على تذويبها)، فهناك الزعاماتية الكامنة في كل من تقدّمَ للحديث في الشأن العام، وهذا مرض عضال ومستشرٍ.

وهناك إيمان قديم بصورة لتونس تدور حول مركزية النقابة، وتعطي للنقابة دورًا مقدسًا رغم فضيحة إسناد النقابة للانقلاب ووقوفها في صف التيار الاستئصالي، والنقاش حول دور النقابة ومكانتها مستقبلًا ما زال بعيدًا عن المربع الديمقراطي، هناك وثن في تونس اسمه النقابة ما زال كثير من الديمقراطيين يعبده بلا نقد، وهذه معركة كبيرة في طريق الفرز الديمقراطي.

هناك ميراث يسمّيه البعض "دولة اجتماعية في تونس" لم يخضع للنقد فعلًا، رغم كل المؤشرات على أن التجربة كانت تجربة دولة ريعية (رشوة طبقات) لا تجربة ديمقراطية اجتماعية فعلية، وإذا تقدّمَ الديمقراطيون نحو كتابة نص الثورة المؤسِّس، فإن نقد هذا التراث يوشك أن يعصف بالتوافقات السياسية الظاهرة (الهشّة بعد).

هناك اختلاف في الأحجام الفعلية لمكونات الصف الديمقراطي، وإذا تقدمت هذه التركيبة ولو بعد حين إلى الحكم (ونراها تفعل)، فإن القسمة ستكون عسيرة، وإذا لم تظهر الاستعدادات للتنازل عن الحصص قبل عدالة القسمة بحسب الحجم في الشارع، فإن خطر المحاصصة سيعصف بالتوافقات كأن لم تكن.

هذه احتمالات على الطريق الطويلة وجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذه المرحلة، وأن يتحلّى الديمقراطيون بالمزيد من الصبر عليها لاستباق آثارها المدمرة، لكن رغم ذلك نرى أن الخروج من دائرة الاستقطاب على أُسُس "حداثة ضد إسلام" إلى دائرة "ديمقراطية ضد انقلابية وفاشية" يشكّل خطوة تأسيسية لكتلة تاريخية انتظرها الكثيرون، ويبدو أن الانقلاب قد سهّل خروجها من ركام الخلافات والنقاشات المغلوطة التي سادت قبل الثورة وبعدها.

نفرط في التفاؤل وننتظر.





 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الكتلة التاريخية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-12-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سليمان أحمد أبو ستة، الناصر الرقيق، يحيي البوليني، أبو سمية، حميدة الطيلوش، محمد اسعد بيوض التميمي، ماهر عدنان قنديل، محمد يحي، صالح النعامي ، محمد العيادي، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، حسن الطرابلسي، عمار غيلوفي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، طلال قسومي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمود علي عريقات، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، د - مصطفى فهمي، د- جابر قميحة، عبد الله الفقير، فتحي الزغل، محرر "بوابتي"، سلوى المغربي، وائل بنجدو، ضحى عبد الرحمن، أ.د. مصطفى رجب، كريم السليتي، فهمي شراب، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الطرابلسي، مجدى داود، يزيد بن الحسين، المولدي الفرجاني، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، صفاء العربي، د- محمد رحال، رافد العزاوي، د - محمد بن موسى الشريف ، العادل السمعلي، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد محمد سليمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، نادية سعد، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، علي عبد العال، سعود السبعاني، فوزي مسعود ، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، أنس الشابي، كريم فارق، عمر غازي، حسن عثمان، محمد شمام ، رمضان حينوني، مصطفي زهران، عواطف منصور، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، د - محمد بنيعيش، سامر أبو رمان ، علي الكاش، صلاح الحريري، د - الضاوي خوالدية، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، أحمد بوادي، مصطفى منيغ، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، د - المنجي الكعبي، د - عادل رضا، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، رافع القارصي، الهادي المثلوثي، سامح لطف الله، عبد الغني مزوز، د. عبد الآله المالكي، د- هاني ابوالفتوح، صلاح المختار، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الرزاق قيراط ، خالد الجاف ، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد عمر غرس الله، أحمد النعيمي، أشرف إبراهيم حجاج، د. صلاح عودة الله ، مراد قميزة، عبد الله زيدان، محمد أحمد عزوز، سفيان عبد الكافي، حسني إبراهيم عبد العظيم، تونسي، ياسين أحمد، محمود سلطان، سيد السباعي، الهيثم زعفان، أحمد الحباسي، سلام الشماع، د. مصطفى يوسف اللداوي، منجي باكير، أحمد بن عبد المحسن العساف ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة