البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

كاتب المقال فتحي العابد - تونس / إيطاليا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6283


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بينما تمتلئ الأمة العربية بعواصف الأخبار السوداوية يبدو أننا، وليس التوانسة فقط، أمام خبر جيد جدا، بل هو خبر "استراتيجي" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الخبر هو المصادقة على الدستور الرابع في تاريخ تونس.

لقد كانت نهاية التصويت على الدستور التونسي مدوية بحجم النهاية المنتظرة في 14 جانفي.. وبالتالي أصبح الدستور التونسي بعد المصادقة عليه من طرف أعضاء المجلس التأسيسي، يشكل بلا أي مبالغة منعطفا قويا لا في تونس وحدها، بل في كل الدول العربية، والثقافة السياسية العربية، والوضع العالمي عموما.

مع هذا الإقرار تنتقل تونس من رائدة في إطلاق شرارة الموجة الأولى من موجات "الربيع العربي" في الأيام الأخيرة من عام 2010 إلى رائدة أولى في تصحيح مسار هذه الموجات في الدول العربية. فبعد أن تحول "الربيع" إلى "خريف" ادلهمت سماءه بالإنقلابات، وهيمنة بعض القوى التي ما كنا نعرف شيئا لا عن مجيئها ولا عن منبتها، ترسم رغم أنوفنا الحياة السياسية العربية، مترافقا مع انهيار بعض هذه الدول كما في ليبيا.. ها هي تونس تقدم نموذجا مضادا مختلفا: دستور خال من العقد الثقافية والسياسية في بلد مسلم بكامله..

أي ثقة بالنفس يعكسها مجتمع مسلم حين يقر "مدنية الدولة" و"حرية الضمير" بشكل لا التباس فيه! مجتمع لا ترى نخبته المتنورة الإسلامية، أي خطر على الإسلام الراسخ كقوة ثقافية عميقة في كل العالم. هذا فعل ثقة جديد بالنفس بما هي الشخصية الإجتماعية للبلد، تفتتحه النخبة الوطنية في تونس.

يجب في لحظة كهذه نزع القبعة احتراما وانحناءا أمام التجربة الخاصة الحكيمة التي انتهجها التيار الإسلامي والنهضة خصوصا منذ اللحظة الأولى لإنتصار الثورة، حسمت خلافاتها مع شركائها في الحكم بالتحاور وبالتنازل أحيانا في مجتمع سياسي بات مرضوضا وحساسا من معارضة، كانت قبل المصادقة على الدستور تقذف في وجوهنا كل يوم افتراضا.. جالسونا لأكثر من سنتين إلى ضرير المعرة، مستشهدين به أحيانا، ومعاتبين له أحيانا أخرى، ظانين أن مواهبهم في التعطيل ستعوضهم عن عجزهم في البناء. صنيعهم ذاك ذكرني بجدتي رحمها الله كلما أرادت أن تبين لسلفاتها عجزهن عن مجاراتها، كانت توحي لأسلافها بأن أفضل هدية للزوج هي طبخ "العصيدة" بالقديد. كانت تفترض الوضعيات التي ستجعلها تظهر بطلة وتستعد لها قبل مدة. هكذا المعارضة في تونس لأنها ضعيفة، تعيش على النقائص والمثالب وتتلذذ بإظهارها، ومايعرفون أنه لوكان بيننا المعري لأتهمهم بالزندقة والرعونة.

اليوم استلمنا دستورا ليس هو الأحسن في العالم وليس هو المثال الذي أنشده، وإنما أنتجنا دستورا لجمهورية يكبر فيها ابني إن شاء الله، من دون أن يأتي عليه يوم يفكر في أن يهجرها كما فعل أبواه، جمهورية لا تظلم أولادها، تحتضنهم، لا تعذبهم ولا تذلهم.. تونس أخرى لا تعرف 26 جانفي 78 آخر، ولا طرابلسية جدد، ولن يضطر أبناء جهاتها أن ينتفضوا في أحداث أخرى للحوض المنجمي، تالة أو القصرين أو بن قردان.. دستور جديد هو الرابع في تاريخ هذه الأرض الطيبة بعد دستور قرطاج قبل 3000 سنة، وبعد أول دستور لدولة عربية، وذلك يوم 26 أفريل 1861، في بداية حكم أحمد باي ووزيره المصلح خير الدين باشا..

هذا دستور الثورة، دستور يضبط دفّة الهوية، يؤسس للعدالة الإجتماعية، لللامركزية، دستور يحفظ كرامة الإنسان ويقطع دابر الإستبداد.. ندعو الله أن يكون فاتحة خير لتونس، أن يكون دعامة بناء عظيم نشيده سويا، على اختلاف آرائنا وأذواقنا.. صرح ينظر إليه ولدي وأقرانه، ويتابعه أولادهم من بعد.

هذه ليست مجرد رومنسية.. إنه حلم نحمله في قلوبنا منذ عقود، وتداولت عليه أجيال آمنت به وناضلت من أجله. اليوم نرى الحلم يتجلى نصب أعيننا.. تونس جديدة، منطلقة، متوازنة متضامنة، لا تفرق بين أبنائها، بل تضمن لهم سبل العزة... قد لا يدرك من لم يشاركنا هذا الحلم في السابق حماستنا برؤيته يتحقق اليوم، ولكن هذا لا يمكن أن ينتقص شيئا من تاريخية اللحظة وروعتها.

نفتقد مصر في "لحظة" دستورية كهذه.. وهي التي تخوض عمليا المعركة الكبرى ضد عسكرة الدولة والخروج بها من المدنية.. ومحاولة جر الشعب إلى حرب أهلية، أحبطها أبناء مصر مستندين إلى الثقافة السلمية العميقة للمجتمع المصري.. وهذا قد يكون في العمق هو التأسيس الفعلي المستقبلي لقيام دولة مدنية.. بات بإمكاننا اليوم أن نقول يمكن صياغتها على منوال "النموذج التونسي".. ومصر محتاجة لفكرة الدولة المدنية أكثر من تونس بسبب الثنائية الدينية المسلمة المسيحية فيها، زيادة على اختلاف المذاهب فيها، عكس المجتمع التونسي الذي هو كامل التجانس الديني وحتى المذهبي (المالكي).

تونس تدخل عهدا جديدا من تثبيت الحريات الأساسية وقواعد الإنتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة.. تونس هي الإستثناء في الثورات العربية وهي مثال يحتذى في تجارب الإنتقال الديمقراطي السلس، حق لها أن تدرس في نظريات العلوم السياسية الحديثة في أرقى وأعرق الجامعات العالمية.

من قال أن المستحيل تونسي؟؟

الشعب التونسي بكل أطيافه الفكرية المتعددة والمتصارعة من أجل تونس أنجز دستوره، وسيتقدم دائما رغم الصعوبات القاسية نحو بناء دولة، لن يكون للخائن فيها مكان..

يوم التصويت على دستور تونس الثورة، دستور الحرية والعدالة الإجتماعية، يوما تنهمر فيه الدموع من أعين لا تصدق جمال ما ترى.. بل هتفت فيه مع ضرير المعرة: ماذا أقول والوحش ترميني بأعينها، والطير يعجب مني كيف لم أطر..


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، إعداد الدستور،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-02-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا
  مرجعية النهضة بين الحداثة والمحافظة
  ضرورة تأهيل الأئمة في إيطاليا
  الرسام التونسي عماد صحابو.. عوائق وتحديات
  سأكتب للعرب
  المالوف التونسي
  تونس تتطهر
  أثبت يا مصري
  إسهامات المغاربي في تثبيت الرسالة المحمدية
  "الكبّوس" التّونسي رمز الأصالة والنّضال
  رجل لاتعرفه الرجال
  وتستمر معاناة المناضلين الإسلاميين المنسيين
  التعويض
  ضربة الذنب الأخيرة
  ياتونس مهلا
  الإتحاد
  أكتب لشام
  موطني
  بعد زيارتي الأخيرة لتونس
  المشهد الثقافي في تونس بعد الثورة
  مناحة الإعلاميين والمثقفين في تونس
  إلى متى يا أشقائنا الليبيون؟
  تطبيق الشريعة واجب
  نجاح أمريكا النسبي في استتباع الأمة
  محاولة إرباك الحكومة التونسية
  "دون كيشوت" التونسي
  تصدع في بناية الحركة في إيطاليا
  الوضع المتردي للمهاجر التونسي في إيطاليا
  يحدث في تونس

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بنيعيش، ماهر عدنان قنديل، تونسي، الهيثم زعفان، الهادي المثلوثي، سليمان أحمد أبو ستة، د - المنجي الكعبي، أنس الشابي، عبد الرزاق قيراط ، فوزي مسعود ، محرر "بوابتي"، سامح لطف الله، مصطفي زهران، سيد السباعي، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، ضحى عبد الرحمن، أحمد بن عبد المحسن العساف ، طلال قسومي، حميدة الطيلوش، أحمد الحباسي، حسن الطرابلسي، عراق المطيري، يزيد بن الحسين، سلام الشماع، إيمى الأشقر، صباح الموسوي ، رافع القارصي، د. عبد الآله المالكي، رضا الدبّابي، سلوى المغربي، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، أحمد بوادي، إياد محمود حسين ، رشيد السيد أحمد، د. طارق عبد الحليم، نادية سعد، العادل السمعلي، د - محمد بن موسى الشريف ، صفاء العربي، د- محمد رحال، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، فتحي العابد، أحمد ملحم، د. صلاح عودة الله ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - مصطفى فهمي، د - عادل رضا، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي الزغل، د - شاكر الحوكي ، سفيان عبد الكافي، فهمي شراب، وائل بنجدو، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، محمد شمام ، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، صالح النعامي ، صلاح المختار، د - الضاوي خوالدية، رافد العزاوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، سعود السبعاني، فتحـي قاره بيبـان، محمد اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، محمود سلطان، خالد الجاف ، الناصر الرقيق، سامر أبو رمان ، د. أحمد بشير، إسراء أبو رمان، د.محمد فتحي عبد العال، عزيز العرباوي، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الياسين، كريم فارق، أحمد النعيمي، محمود فاروق سيد شعبان، عواطف منصور، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عمار غيلوفي، د- جابر قميحة، أبو سمية، مجدى داود، صلاح الحريري، د. عادل محمد عايش الأسطل، منجي باكير، يحيي البوليني، حسن عثمان، المولدي الفرجاني، محمد يحي، د - صالح المازقي، عبد الغني مزوز، محمد العيادي، عمر غازي، رمضان حينوني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء