البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من يحرق قطار تونس؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1691



أصبح التونسيون يوم الجمعة (14 أيار/ مايو) على نبأ حرق قاطرة جديدة بمنطقة المناجم، وباتوا ليلة الاثنين (17 أيار/ مايو) على نبأ القبض على مجرمين يحاولون حرق قطار آخر. في نفس الفترة اندلع حريق في المنطقة الصناعية بالنفيضة (100 كلم جنوب العاصمة)، وقريبا منه أحرق معمل لفرز الملابس القديمة في الساحل، فمر شريط الحرائق أمام أعين التونسيين.. هذا الصيف أيضا سيكون صيفا آخر للحرائق مثل كل أصياف ما بعد الثورة، حين أحرقت مزارع القمح والغابات وأضرحة الأولياء عبر تراب الوطن، وعاد السؤال: من أحرق تونس ومن يحرقها بعد؟

هذا السؤال مفتاح لفهم ومفتاح لحركة، ولكن أطراف السلطة التنفيذية (الرئيس والحكومة) تنظر من النافذة إلى سرب عصافير يمر، لكي لا يروا دخان الحرائق تصل قريبا من كراسيهم. إذا استمروا في التحديق في الفراغ فإن دخان الحرائق سيدخل عليهم قريبا من النافذة.

الحرائق خطة سياسية وليست تتابع صدف تقنية

منذ بدأت الحرائق في تونس لم يصل تحقيق جنائي إلى نتيجة تشفي الغليل، وظلت كل القضايا مسجلة ضد مجهول. وتسارعت الأحداث فنسي الناس الحرائق، كما نسوا نتائج التحقيقات في العمليات الإرهابية. لكن الجمهور على صواب في تقدير دور الحرائق.. إنها تتزامن مع منعرجات سياسية هامة، فترسل رسائل محددة مضمونها: إذا تم المساس بمسائل محددة فإن البلد سيحرق بمن فيه. وقد صادف هذه التهديد دوما نفوسا خائفة في جهاز الحكم، فطأطأ الحكام لمشعلي الحرائق ولم يتقدموا في تحقيق مطالب الثورة.

هذه الأيام ينتظر الناس تراجع الخوف من وباء كورونا وعودة الحياة الطبيعية إلى مسارها ومعها سؤال مضن عن تقدم الحكومة في محاربة الفساد. الجميع يعرف، وأولهم طبقة الفاسدين المفسدين، أن لا حل أمام الحكومة إلا أن توجه ضربات قاسية لطبقة الفساد لتثبت بها قواعد حكمها، ولتعيد بها طمأنة النفوس الخائفة من الانهيار الاقتصادي.

وأحد أهم الملفات التي ينتظر الناس معالجتها؛ هو إعادة تحكم الدولة في منتج الفسفاط والسيطرة على نقله وتكريره. لذلك جاءت الرسالة الأشد قسوة من هناك.. لقد أحرقت قاطرة جديدة بقيمة خمسة مليارات من المليمات. مغزى الرسالة: لا تقتربوا من خدمة نقل الفوسفات. يوجد هناك لوبي شركات يدير بعضها نائب متنفذ في المجلس؛ لو عادت القطارات إلى سيرها لوجد شاحناته عاطلة عن الحركة. من يحمي النائب؟ أو لنقل بشكل قانوني: لماذا لا يثار اسمه في التحقيقات؟ الخائفون من الحريق يخلقون تلهية أخرى لكي لا يطرح السؤال: من يحرق القطارات؟

الرئيس يمارس رياضة تعديل الدستور

في أيام الدعاية الانتخابية وخاصة في الدور الأول كان أحد أهم الأسئلة الموجهة للمتقدمين لمنصب الرئيس: ما هو تعريفك للأمن القومي؟ وكانت إحدى أهم الإجابات هي إجابة المرشح قيس سعيد: "تأمين غذاء التونسيين من صميم الأمن القومي"، فلما صار المرشح رئيسا لاحظ العبث بمصير أهم ثروة وطنية، وهي الفوسفات، فانصرف إلى تعديل الدستور وترك تأمين غذاء التونسيين جانبا.

إنها نفس التكتيكات الخائفة أمام الفساد المستشري: خلق موضع اهتمام بعيدا عن القضية الأصلية. وطبعا وراء كل هارب من المواجهة الضرورية جمهور مؤثر في السوشيال ميديا، يجذب وراءه الجمهور الطيب فيقع في الفخ، فإذا النقاش محتدم حول تعديل النظام السياسي بينما يستولي اللصوص على غذاء الشعب.

لقد صارت قناعة عند قطاع واسع بأن رياضة تعديل الدستور وجر النقاش العام إلى طبيعة النظام السياسي (هل هو برلماني أو رئاسي)، وجر النقاشات إلى نمط الدولة (لائكي أم ديني، مع كم من الأسئلة المغالطية) هو دخان تمويهي للهروب من مواجهة الفساد والفاسدين.

لماذا تقدموا إلى إدارة البلد إذا كانوا خائفين من مواجهة الفساد؟ ينكشف جزء من الإجابة بأن كثيرا ممن فازوا بالحكم (سواء في موقع تشريعي/ برلمان أو تنفيذي/ حكومة ورئيس) هم من صنائع الفساد. لقد أوصلهم الفساد إلى سدة الحكم، ولا يمكنهم عض اليد الكريمة التي أنفقت عليهم. الذين يحرقون القطارات والمزارع والمعامل ومبيتات التلاميذ وأضرحة الأولياء يملكون جزءا كبيرا من السلطة التنفيذية، أو في أقل الاحتمالات سوءا يحيطون بها من قريب فلا تستطيع منهم فكاكا.

هل نستسلم للفساد يحكم تونس؟

لا أمل في أن يتوقف الرئيس عن رياضته الجديدة، حيث يستلذ شرب عصير المفاهيم القانونية ممزوجة بنصوص الدستور الجافة، ويتنقل في الأرياف دون حراسته المقربة ليستطيب صورته إلى جانب عمر الفاروق.

ولا أمل في الأحزاب المكونة للحكومة، فهي تتصارع أمام أعين التونسيين حول جنس الملائكة أو مقاس حذاء حفتر. وهي تخلق كل يوم قضية جديدة للتلهية، وآخر القضايا التي نبعت فجأة من لا مكان ولا سبب هي ثروة الغنوشي؛ الذي كان بيننا منذ عشر سنوات ولم يسأله أحد عن ثروته دون غيره. لقد رأينا ثروات كثيرة تنمو بعد الثورة، ولكن السؤال توجه فقط للغنوشي بما صرف جمهوره المؤثر في فيسبوك (التونسي خاصة) عن السؤال الأساسي: من يحرق القطارات؟

هي حرائق في جسد السلطة التنفيذية وفي جسد المستقبل المنتظر منها في مرحلة الخروج من الوباء ومواجهة الوباء الأكثر تدميرا، وهو الفساد المتفشي في كل أركان الدولة والمجتمع.

لكن الوعي يزداد بفداحة الجرم والنقاش وينحصر حوله مهما استقوت منظوماته الإعلامية بحيل لصرف الانتباه إلى العصافير في السماء. وقد قدم عماد الدائمي، النائب السابق ورئيس مرصد مكافحة الفساد، أمثلة مشجعة على التقدم في طريق الحرب على الفاسدين، حيث كشف بجهد فردي وبكل شجاعة دور النقابات في الفساد في كل ركن. ويتضح الآن أنه كلما تقدم عماد في عمله القانوني برز دور النقابة كعصا للفساد والإفساد.

عماد يعطي أملا، ولكنه بدون سند شعبي لن يفلت من غدر الفساد. وقد بدأنا نستشعر اشمئزاز مكونات الحكومة من عمله؛ عوض أن نراها ترحب به وتعلن حمايته ودفع مجهوده القانوني إلى المزيد من الفعالية.

هل سنكتب قريبا أن الحكومة وأحزابها فاسدة وتحمي الفساد؟ نحن عاينّا الخوف والتردد، ونظن أن بعضها لا كلها يريد أن يقاوم ولا يستطيع، لذلك سنقول إن بعض الظن بالحكومة ليس إثما، ونتمنى أن تكذبنا الحكومة بالسير على طريق عماد الدائمي. أما الرئيس فسنتمنى له موسما رياضيا طيبا وهو يمضغ فصول الدستور ويرى في منامه عمر الفاروق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، بقايا فرنسا، الحرائق، قيس سعيد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-05-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - الضاوي خوالدية، صلاح الحريري، د. عبد الآله المالكي، المولدي الفرجاني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، عواطف منصور، د - محمد بنيعيش، صباح الموسوي ، د- جابر قميحة، عمر غازي، د - شاكر الحوكي ، د - صالح المازقي، عراق المطيري، صلاح المختار، د. صلاح عودة الله ، حميدة الطيلوش، أحمد الحباسي، محمود سلطان، كريم السليتي، يحيي البوليني، محمد الياسين، مصطفي زهران، د- محمد رحال، يزيد بن الحسين، سامح لطف الله، علي عبد العال، سلوى المغربي، د - عادل رضا، فهمي شراب، فتحي العابد، سعود السبعاني، سيد السباعي، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، ضحى عبد الرحمن، رافد العزاوي، عبد الغني مزوز، رافع القارصي، عبد الرزاق قيراط ، نادية سعد، فتحي الزغل، أحمد ملحم، عبد الله الفقير، مصطفى منيغ، علي الكاش، سامر أبو رمان ، د- محمود علي عريقات، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، رمضان حينوني، محمد العيادي، مجدى داود، عزيز العرباوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سليمان أحمد أبو ستة، مراد قميزة، رضا الدبّابي، الهيثم زعفان، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله زيدان، محمد أحمد عزوز، أشرف إبراهيم حجاج، خبَّاب بن مروان الحمد، حاتم الصولي، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، فوزي مسعود ، ياسين أحمد، محمد شمام ، د. أحمد محمد سليمان، الناصر الرقيق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صالح النعامي ، د.محمد فتحي عبد العال، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود فاروق سيد شعبان، سفيان عبد الكافي، فتحـي قاره بيبـان، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، رشيد السيد أحمد، محمد يحي، حسني إبراهيم عبد العظيم، إيمى الأشقر، د. خالد الطراولي ، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، سلام الشماع، الهادي المثلوثي، كريم فارق، د. طارق عبد الحليم، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، طلال قسومي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد بشير، صفاء العربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، تونسي، صفاء العراقي، أحمد النعيمي، حسن الطرابلسي، منجي باكير، وائل بنجدو، العادل السمعلي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة