د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2615
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نشر الشيخ محمد المختار السلامي في أوائل العام ٢٠١٦ تفسيراً للقرآن الكريم بعنوان «نهج البيان في تفسير القرآن» في ستة مجلدات.
وبعد أشهر من صدور هذا التفسير قمت بنشر مقال مطول عنه بالصحافة بعنوان «تصحيح على الشيخ المختار السلامي في تفسيره» (جريدة "الصباح"، خمس حلقات، بتاريخ ٢٩ /٤ /٢٠١٦ الى ٢٧ /٥ /٢٠١٦).
وكانت للشيخ السلامي ردود غاضبة علينا في الجريدة نفسها، عقّبنا عليها بردود جديدة وأتبعناها بمراجعات نقدية تناولت الآيات التي ذكر المؤلف أنه خالف فيها المفسرين السابقين أو رجح رأياً له على آرائهم وقال عنها هو نفسه في مقدمته: «سيجد الناظر في هذا التفسير أنني فسرت بعض الآيات على وجه ما رأيت أحداً سبقني اليه».
وبعد انتهاء السجال في أوائل العام التالي ٢٠١٧، بادرت بنشر المقال والردود المختلفة والمراجعات عليه في كتاب باسم «تقويم (نهج البيان( تفسير الشيخ السلامي» (٣٢٠ صفحة، طبع تونس ٢٠١٧).
الطبعة الثانية من هذا التفسير
وبعد عامين، في ٢٠١٩ صدرت طبعة ثانية من هذا التفسير تخلو من كل إشارة فيها الى كونها مصححة، بعكس المتوقع، اعتباراً للأخطاء الكثيرة في الآيات القرآنية التي وقفنا عليها صدفة ونبهنا اليها في نقدنا.
الشكوك حول حقيقتها
وبتصفح هذه الطبعة الثانية لاحظنا أمرين مهمين وهما:
أولاً: غياب كل إشارة في المقدمة الى تغيير أدخل على الكتاب في طبعته السابقة لأية أخطاء فيها تقتضي التصحيح.
ثانياً: تجاهل كامل لتصحيحاتنا رغم استغلالها في جميع المواضع تقريباً من هذا التفسير، ما عدا مواضع قليلة غفل عنها فبقيت للأسف على الخطإ.
وبذلك يتبين تعمد المؤلف إخفاء كل آثار للتغيير الذي أدخله على هذه الطبعة، واتبع في ذلك ثلاثة طرق:
أولاها: تجنب الإشارة في غلافها أو في مقدمتها الى كونها طبعة مصححة.
الثانية: إعطاؤها الترقيم الدولي نفسه للكتاب الذي أخذته الطبعة الأولى، لإخفاء كل تغيير حاصل فيها فعلاً، سواء في الشكل أو في المضمون.
الثالثة: تزوير تاريخ طباعتها بتقديمه بسنتين، لدفع كل دعوى استغلال لتصحيحاتنا التي تكون بحسب ذلك التاريخ وظهورها في كتابنا سنة ٢٠١٨ متأخرة عن صدور هذه الطبعة المؤرخة تمويهاً في ٢٠١٧.
مؤيدات التحيل والغش والتزوير
أولاً: الإيداع القانوني لدى دار الكتب الوطنية الذي يكشف تاريخ صدور هذه الطبعة الثانية حقيقة.
ثانياً: الترقيم برقم دولي واحد للكتاب لطبعتين مختلفتين منه، خلافاً للقانون.
ثالثاً: شهادة أحد تلاميذ الشيخ في مقال تقديمي للطبعة الثانية بالصحافة بمجرد صدورها يؤرخ لظهورها بسنة ٢٠١٩م.
المخالفات القانونية:
تتجلي المخالفات القانونية للطبعة الثانية من هذا التفسير في ثلاثة أمور هي التالية:
١- إعطاؤه لهذه الطبعة الثانية الرقم الدولي للكتاب نفسه الذي أخذته الطبعة الأولى مع وجود أكثر من تغيير في شكلها ومحتواها. وهذا الرقم هو التالي: 978-9938-14-188-7
٢- التأريخ لصدورها بتاريخ مزور (٢٠١٧) سابق للتاريخ الحقيقي بسنتين (٢٠١٩)، تهرباً من تهمة سرقة تصحيحات لغيره على تفسيره منشورة قبل التاريخ الحقيقي.
والذي يكشف عن ذلك هو تاريخ الإيداع القانوني لهذه الطبعة الثانية، وهو: ١٦ /٦ /٢٠١٩ (كما تثبته وثيقة دار الكتب الوطنية، عن مطبعة الشركة التونسية لفنون الرسم بتونس).
والذي أوقع في هذا التزوير هو عدم التفطن الى أن هذه التصحيحات، التي يخفي المؤلف استغلالها في هذه الطبعة، لم تظهر بعد العام الذي نسبه لإصدارها بل ظهر أصلها في مقالاتنا قبل ذلك التاريخ وهو ٢٠١٦، أي بعيد شهور قليلة من صدور طبعة التفسير الأولى المؤرخ إيداعها كما ذكرنا في أوائل عام ٢٠١٦، وإنما أعدنا نشرها في كتابنا الذي صدر هو نفسه في أوائل عام ٢٠١٨، قبل مدة طويلة من ظهور هذه الطبعة الثانية من التفسير حقيقة في ٢٠١٩.
ويكفي شهادة على الغش المقال التقديمي لهذه الطبعة الثانية بجريدة الشروق، والمؤرخ في ١٥/ ٠٧ / ٢٠١٩م، للأستاذ محمد العزيز الساحلي والذي يقول في أوله:
«صدر مؤخراً عن الشركة التونسية لفنون الرسم (مطبعة Stag) في طبعة ثانية كتاب قيّم في ستة (6) أجزاء (يعد نفاد الطبعة الأولى في أشهر قليلة) لأستاذنا الجليل سماحة الشيخ سيدي محمد المختار السلامي حفظه الله ورعاه مفتي الجمهورية التونسية سابقا أطلق عليه اسم (نهج البيان في تفسير القرآن). بذل فيه شيخنا المفضل مجهودات كبيرة لإصلاح الأخطاء المطبعية التي تسرّبت الى طبعته الأولى.»
والأستاذ الساحلي هو أحد تلاميذ الشيخ كما صرح بذلك أبى إلا أن يتجنب الإشارة الى مقالنا والى تصحيح الآيات فيه حتى وهو يذكر الأخطاء المطبعية التي تسربت الى طبعته الأولى، في حين لم ينس أن ينوه بنفاد هذه الطبعة الأولى منه في أشهر قليلة. مهملاً التعرض لآثارها الجانبية، عندما تنتشر بستة آلاف نسخة بين الأيدي، وهي مليئة بالأخطاء القرآنية، مع وجود من نبّه مؤلفها الى ضرورة التسريع بسحبها وإعدامها والتعهد بتعويضها بطبعة مصححة لكل من يملكها.
٣- والأهم هو استغلال مؤلفها لتصحيحاتنا دون ذكر، ولا حتى إشارة منه قريبة أو بعيدة، أو حتى وصفها في الغلاف بأنها «طبعة ثانية مصححة» ليعلم مالكو الطبعة السابقة أنها طبعة ملغاة لما فيها من أخطاء في الآي.
وفيما يلي أهم الصفحات المتقابلة من الطبعتين، توضح التصحيح الذي حدث مقارنة بينها: ج١ ص ٢٠٩، ٣٨٠، ٤٣٣، ٤٨٣، ج٢ ص ٢٣٤، ٢٨٨، ٤٩٥، ٥٣٢، ج٣ ص٧٣، ج٤ ص ٢٠٩، ٤٢٠، ج٦ ص٦٤٣، ٦٤٤، ٦٥٢.
***
الدوافع
ويمكن إرجاع الدوافع التي دفعت المؤلف الى ارتكاب هذا التعدي على الحقوق ومخالفة القانون، الى مواقفه السابقة منا لأننا كنا الوحيدين الذين تصدّوا لبيان أخطاء هذا التفسير. فعكست تلك المواقف قدراً كبيراً من الاستهزاء بنا والاستنكار علينا والتهاون بمقامنا، ويلخصه كلامه في أحد ردوده، حيث يقول: «كنت مشفقاً عليه من الحلقة الأولى الى الحلقة الثالثة وهو يلهث لنقد نهج البيان في تفسير القرآن. وذكّرني بما قام به أحد الموثقين "العدول" (والظفرين له) إثر نشر الشيخ سيدي محمد الطاهر ابن عاشور للمقدمات العشر من تفسيره فكتب رسالة سماها البشر في نقض المقدمات العشر:
كناطح صخرة يوماً ليُوهِنها …. فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
مرت قافلة التحرير والتنوير ومقدماته العشر وبلغت أقصى آفاق العالم، تمثل خلاصة المعارف الإسلامية في التفسير واللغة، مضافاَ اليها العلم العميق، والتحقيقات المهمة، والتدقيق المتميز، المفتوح به على الشيخ ابن عاشور رحمه الله. ولم يضرها الأصوات النشاز التي ولدت للموت» (انظر قوله ذاك في كتابنا «تقويم (نهج البيان)…» ص ٣١).
***
معلومات ومعطيات حول هذا التفسير في طبعتيه:
والأهم من مقاضاة المؤلف على هذا التجاوز لحقوق الغير في هذه الطبعة الثانية من تفسيره، هو تستره عن كل خطأ وقع منه في الطبعة الأولى، سواء في الآيات أو في غيرها. فإنه لم يذكر في مقدمته حتى الإشارة الى التصويبات التي أوردها في عدة ورقات وأودعها في ظرف غير معنون مع ذلك بعنوان التفسير، وكذلك الورقات التي فيه. فكأن هذه الطبعة ظهرت مجردة حتى من تصويباته هو، وإن تكن جلها تصويبات مطبعية بسيطة كما أوضحنا.
وهذا التستر على الخطإ وعلى تصحيحه سابق منه، حتى من بين الأخطاء التي وجدها بنفسه أو نبهه اليها بعض أصحابه، فضلاً عن تعمده التستر كذلك على تصحيح الآيات التي نبهناه اليها في حدود المائتي صفحة التي عرضنا لها من تفسيره ذي الأربعة آلاف صفحة، كل ذلك يجعلنا نعتقد بقاء عدد هائل من الأخطاء القرآنية في هذا التفسير، بدليل عدم تصحيح سبعة مواضع من بين المواضع الاثنين والعشرين موضعاً للآيات التي بها خطإ. وهذه الأخطاء الباقية في الآيات أشرنا الى مواضعها في كتابنا الجديد «متابعات نقدية لتفسير الشيخ السلامي» (طبع تونس ٢٠١٩، ص ٩ و١١ و١٣ و٦٧ و٦٨).
***
وجدير بالذكر هنا أن سلوك المؤلف كمنتج لبضاعة مسوقة يعتبر بإخفائه لمواصفات السلامة لبضاعته بيد المستهلك قد وقع في دائرة الاعتداء على الغير، بتصريف سلعته وهو يعرف أنها مليئة بالأخطاء، وخاصة بترغيب الشاري فيها بثمن بخس بغرض نفادها بسرعة، واستغلال عائده منها من الأموال لتسديد تكلفة الطبعة الثانية التي عول من ناحية أخرى على دعمه عن طريق البنوك والمصارف الإسلامية التي يتعامل معها كعضو أو رئيس في هيئتها الشرعية. ولو كان أشعرها بالأخطاء الواردة في الطبعة الأولى التي تلقتها منه لكانت توقفت عن توزيعها بين يدي العاملين بها أو إهدائها لحرفائها، وربما رفضها منه.
فإن هذا السلوك القائم على الغش والمواربة فضلاً عن مخالفاته القانونية والأخلاقية يعتبر بمثابة الاعتداء على حقوق المستهلك للكتاب. ونحن أحد المستهلكين المتضررين باقتنائنا طبعة مليئة بالأخطاء وصاحبها يخفي تصويباته الكثيرة فيها، وهو يسارع بالتخلص منها بالبيع بسعر زهيد جداً حتى تنفد وحتى لا يعلم بأخطائها أحد، وحتى يستغل تلك التصويبات التي أعدها سراً لطبعة لاحقة، مع كل ما يسقط عليه من تصحيحات لغيره يستحوذ عليها وينسبها لنفسه.
ولولا انكشاف حاله بعد النقد الذي سلطناه على هذه الطبعة في الصحافة بعد وقت قصير من نزولها بالأسواق، لما أظهر حقيقة تلك التصويبات الكثيرة كالمعتذر للرأي العام بمرضه، والتي كان يخفيها قبل تصدينا له.
وللعلم فقد سحب من الطبعة الأولى كمية تقدر بستة آلاف نسخة، نصفها وزعه بنفسه للبنوك التي يشغل خطة خبير شرعي لماليتها ونصفه عهد بتوزيعه لمكتبة دار سحنون بتونس التي لم يوفق صاحبها - فيما علمنا- لإبرام عقد معه لتولى نشر تفسيره رغم مباحثات معه دامت أكثر من سنتين. واكتفى لاعتبارات الصداقة مع والده التكفل فقط بتوزيع نصف الكمية منه بالسعر الزهيد الذي حدده وحده للنسخة منها، مقنعاً كل متلدد عليه بأنه "صدقة" وهو حر في ماله (كذا بلفظه)!
ومن البنوك التي رعت المشروع ودعمته: بنك البركة، لرئاسة المؤلف فيه للهيئة الشرعية. وبنك الزيتونة لعضويته في هيئته الشرعية للمالية الإسلامية كذلك.
ومن آثار دعم أحد هذه البنوك، وهو بنك البركة، لهذا التفسير أنه أتاح تصفحه (طبعته الأولى) عبر تطبيق خاص على الانترنات عن طريق الأجهزة الذكية كالهاتف المحمول والآي باد وغيره.
والخطير في الأمر، أن هذا البنك لم يصدر إلا إصدار واحداً من هذا التفسير، ولم يرجع على الأقل لإسعاف القراء بالتصحيحات التي أدخلت عليه. وكأنه باق الى الآن خالي العلم بهذه الطبعة الجديدة وما فيها من تغيير عن سابقتها. وهذا أمر يرثى له. لأن مؤلفه نفسه كان بإمكانه إعلام البنك لتدارك الأخطاء الفادحة في قرآنه.
ولكن والمؤلف قد سبق له إخفاء التصويبات التي التقطها من الطبعة الأولى ولم يكشف عنها الا عندما حاصرناه بأخطائه الرهيبة في الآيات في هذا الطبعة، غير تلك التصويبات بالمئات على سطحيتها التي أفصح عنها مؤخراً. أي عندما أزعجه مقالنا في الصحافة. ولم يكتف بذلك بل أنزلها لدى بعض الباعة على شرط ألا تعطى إلا لمن يطلبها (كما عرفت بذلك عندما اتجهت لمكتبة دار سحنون المتعهدة بتوزيع نصف الكمية من الكتاب).
كما أن ثمنه الزهيد ٤٠ دينار للنسخة الواحدة المتكونة من ستة مجلدات ضخمة، لم يخف أنه بغرض تصريف هذا العمل بسرعة في السوق حتى ينفد دون أن يتفطن الناس لعيوبه، أو قبل أن يتفطنوا للنقد الموجه اليه، ويحجموا عن افتنائه لعدم التأثم بأخطائه الكثيرة، فيكلفه عدم بيعه خسارة كبيرة. ومن ناحية أخرى كان تعويله على البنوك التي ستدعمه وتوفر له تعويضاً عن بعض التكاليف بل ومرابيح يواجه بها إصدار طبعة ثانية. وهو ما فعل لاحقاً بكمية ثلاثة آلاف نسخة، وتوقع مرابيح جديدة لأنه رفع في ثمنه بأكثر من النصف من الطبعة السابقة فبلغ مائة دينار.
ولا شيء يدل على اهتمام البنوك التي اقتنت منه هذه الكمية الضخمة من الطبعة الأولى، وهل تكون فكرت في اقتناء الطبعة الثانية لتعويضها عند من أهدتهم أو باعت لهم الطبعة الأولى، أم لم تفكر في ذلك لاعتقادها أنها لا تختلف عن الأولى التي اشترت منها كمية وفيرة!؟
وسعة دائرة علاقاته بالمصارف الإسلامية ونفوذه في أوساطها هو ما عوّل عليه في مقدمة كتابه عندما قال طَلب إليّ كثيرٌ من المهندسين والأطباء والصيادلة والحقوقيين أن أؤلف لهم تفسيراً يلبي رغبتهم بعد أن لم أجد من أدلهم على تفسير له يفي بحاجتهم!
كما أن نفوذه على تلاميذه لم يسمح لمن رأيناهم يمجدونه في تقديم تفسيره بالصحافة لقاء تلك العلاقة وربما تقرباً منه لمصالحهم في هذه الخطط الوظيفية الشرعية مثله في هذه البنوك الإسلامية، مع تجنب كل حديث عن أخطاء في تفسيره، أو حتى حديث عن إصلاحه لأخطاء وقعت له في الطبعة الأولى دون إشارة الى الجهد الذي بذلناه لفتح عينه وعيونهم عليها ولو بحرف فيما كتبناه من نقد في الصحافة ثم نشرناه في كتاب.
ولذلك فنحن نضع يدنا على شبكة من النفوذ المالي والديني يخشى أن تكون مخترقة داخلها من ذوي المصالح القريبة من نفسها أكثر من خدمة العموم والدين بوجه خاص، حتى أنها تنكر من يجترئ على رؤوسها بالنقد والتصحيح والتصويب والتقويم، مما حفظوا من تراثنا ترديدَ رواياته وأقواله دون العمل بها.
تونس في ٢٨ ربيع الأول ١٤٤١ هـ
٢٦ نوفمبر ٢٠١٩ م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: