البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نصب الحرية وساحة التحرير

كاتب المقال د. ضرغام الدباغ - ألمانيا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 1994


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بصرف النظر عن كل شيئ .... اليوم استحقت ساحة التحرير اليوم أسمها الخالد بعد 59 عاماً من إزاحة الستار عنها .. عملاً فنياً رائعاً ينطوي على قيم فنية عالية، بإجماع أراء النقاد، وأغلب الظن أن الفنان الراحل جواد سليم الذي أنجز هذا العمل الفريد في بضعة شهور كان حتماً قد شاهد لوحة غورنيكا لبيكاسو، وتأثر بأفكارها وأجوائها، وغورنيكا هي حقاً لوحة رهيبة لابد أنها تترك أثراً عميقاً فيمن يشاهدها، وأنا أضع لوحة غورنيكا في مكتبتي منذ 45 عاماً.

ولكن دعونا نفكر معاً، مالذي يمنح العمل الفني قيمته العالية ..؟ هل الخطوط والألوان، وضربات الريشة، والمقاييس الفنية وحدها ؟ أم عذابات الناس التي تركت صداها ومرتسمات الألم ومعاناتهم في يد الفنان وفكره وبصره فأنعكست في عمل فني متكامل بين الفكرة، ومغزى العمل، والقدرة التكنيكية للفنان.

من المؤكد أن القيمة الفنية قضية مهمة في تقييم أي عمل فني، ولكن الفن ليس غاية بذاته، ولخدمة قضايا الناس، هي فكرة صالحة للتعميم، ونحن لا نطالع الأعمال الفنية فقط لنتمتع، بل أن مشاهدة العمل الفني هي ممارسة ثقافية، وهي تعمق الوعي لدى الإنسان وتربط أهدافه ومثله العليا بالفن، باللون، وبمكونات العمل الفني، والعمل الفني لابد أنه سيترك أثره العميق في وعي وثقافة المتلقي، وهنا يؤدي العمل الفني وظيفة وطنية مهمة للغاية، بل يتحول بهذا المعنى إلى سلاح بأيدي الجماهير الثورية في نضالها الشريف من أجل الحرية والخبز ...!

بيكاسو رسم لوحته الأشهر على أثر قصف الطائرات الفاشية الهتلرية مدينة غورنيكا في الباسك الأسبانية وأسفر القصف عن مقتل مئات من المدنيين (نحو 500 قتيل) في نيسان / 1937. وبناء على تكليف من حكومة الجمهورية الأسبانية باشر بيكاسو في عمله الفني، وأنجزه في حزيران / 1937، لتعرض كلوحة جدارية بطول 349 سم، وعرض 776 سم في الجناح الأسباني بمعرض باريس للتقنيات والفنون. وبعد سقوط الجمهورية أوصى بيكاسو بملكية اللوحة للشعب الأسباني، وأودعت أمانة لدى متحف متوبوليتان في نيويورك، حتى تحرير أسبانيا لتعود بمراسم فخمة إلى وطنها مدريد / أسبانيا.

والفنان جواد سليم أنجز جداريته بطريقة ربما غير مألوفة فهي تتكون من 14 قطعة من البرونز منفصلة عن بعضها، تمثل مسيرة شعب عبر الآلام وصولاً إلى الحرية، وقد ثبتت على واجهة رخامية عملاقة تشد أبصار الناظرين إليها.

وعندما تطل عيوني على نصب الحرية في ساحة التحرير أتذكر دائماً غورنيكا، وأتذكر نضال شعبنا العراقي، ولكن لنتذكر أن نصب الحرية وجواد سليم منذ إقامته (تموز / 1961) حتى اليوم، شهد أحداثاً كثيرة جداً أمام النصب: تظاهرات، اجتماعات شعبية، حشود جماهيرية، احتفالات كبيرة، واستعراضات عسكرية، ملايين العمال والفلاحين والطلبة مروا من أمام النصب ومن تحته... ليس بوسع أحد أن يقلل من قيمة هذه الأحداث التي جرت منذ 1961 وحتى اليوم 2019، التي بمجموعها تمثل جزءاً كبيرا من تاريخ العراق المعاصر..... ولكن لساحة التحرير ونصب الحرية بعد 1 / تشرين الأول / 2019 صار لها معنى آخر ..

أتخيل اليوم جواد سليم وكأنه نال مراده بعد نحو 60 عاماً من عمله الرائع، والنصب والساحة أصبحتا لا محال في ميثولوجيا الشعب العراقي إلى الأبد، ساحة الحرية والتحرير رشت عليها دماء زكية طاهرة ، تتويجاً لمسيرة نضال وطني من أجل التحرر بذل فيها العراقيون تضحيات خرافية، ولكن دون ريب أن ساحة التحرير بل والعراق كله دخل مرحلة جديدة، وإذا كان تسميتها "ساحة التحرير" مقترحاً من الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان يمكن أن يستعاض بأسم نصب الأمة، نصب العراق الجديد ... أو الرافدين ..أو أي مقترح آخر ... ولكن اليوم الساحة تستطيع بكل جدارة أن تشمخ وتزهو مجدداً بأسمها الخالد " ساحة الحرية والتحرير" بكل أرجاءها ... وأشهرها .. جدارية الحرية .. وجبل أحد (الذي أتوقع أن يصبح متحفاً)، وعمارة مرجان، وثانوية العقيدة ..وحديقة الأمة وسائر التفاصيل وستبقى هكذا مئات من السنين .. جيلنا كان له الحظ برؤية النصب اللقطة الأولى، وكان له الحظ أن يشهد ثورة العشرين الجديدة ... الثورة العراقية العظمى .. هذه الساحة اقتحمت التاريخ بعنفوان وهيبة وكبرياء الشهداء.

ساحة التحرير اليوم تضيف لأرثها رموزاً جديدة لتتواصل القافلة العراقية العظيم .. المجد العراقي المكلل بغار الفخار من شهداء ثورة العشرين / 1920، وحتى شهداء ثورة 1/ تشرين الأول / 2019 ... اليوم تتألق الساحة ونصبها وجبل أحد بمعان جديدة .... نرى من خلاله عراقاً جديد


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العراق، جواد سليم، النحت، الرسم، الفن، الحرية، بيكاسو،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-11-2019  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أقفاص الأسر على مر التاريخ
  مأزق هنية
  ماذا يحدث في بلاد العم سام
  الوضع الثقافي في شبه الجزيرة قبل الاسلام
  سوف تكسبون ... ولكنكم لن تنتصروا Sie werden gewinnen aber nicht siegen
  صبحي عبد الحميد
  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - المنجي الكعبي، حاتم الصولي، كريم فارق، أحمد ملحم، د. مصطفى يوسف اللداوي، عمر غازي، د. أحمد محمد سليمان، رشيد السيد أحمد، سفيان عبد الكافي، أنس الشابي، حميدة الطيلوش، العادل السمعلي، محمد الطرابلسي، مراد قميزة، الهيثم زعفان، عبد العزيز كحيل، أبو سمية، علي عبد العال، سلام الشماع، رمضان حينوني، ماهر عدنان قنديل، نادية سعد، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، الناصر الرقيق، د. أحمد بشير، صلاح الحريري، بيلسان قيصر، د- محمد رحال، أحمد بوادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، رافد العزاوي، حسن عثمان، مصطفي زهران، سعود السبعاني، أحمد الحباسي، فتحي العابد، مجدى داود، عبد الله زيدان، صفاء العراقي، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، محمد العيادي، يحيي البوليني، وائل بنجدو، ضحى عبد الرحمن، د. عبد الآله المالكي، رضا الدبّابي، صلاح المختار، علي الكاش، صباح الموسوي ، حسن الطرابلسي، محمود طرشوبي، أحمد النعيمي، كريم السليتي، صالح النعامي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، تونسي، محمد الياسين، أ.د. مصطفى رجب، د - مصطفى فهمي، عواطف منصور، محرر "بوابتي"، المولدي الفرجاني، د. طارق عبد الحليم، المولدي اليوسفي، محمد يحي، فهمي شراب، د - محمد بنيعيش، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العربي، محمود سلطان، أشرف إبراهيم حجاج، منجي باكير، فوزي مسعود ، طارق خفاجي، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، سيد السباعي، سامح لطف الله، د. خالد الطراولي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- محمود علي عريقات، د. صلاح عودة الله ، طلال قسومي، إسراء أبو رمان، سليمان أحمد أبو ستة، د.محمد فتحي عبد العال، د- جابر قميحة، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- هاني ابوالفتوح، فتحي الزغل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد علي العقربي، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، إياد محمود حسين ، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، محمد أحمد عزوز، الهادي المثلوثي، د - عادل رضا، إيمى الأشقر، د - صالح المازقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، ياسين أحمد، فتحـي قاره بيبـان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلوى المغربي، عزيز العرباوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز