البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

اللهم احم تونس

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4120


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا شك أن منع التعددية في أول الاستقلال حَقَنَ الحياة السياسية بمعارضات ايديولوجية شتّى، وإن خفف منه بورقيبة في العشرية الأخيرة من حكمه الثلاثيني. وأوسع تلك المعارضات جماهيراً المعارضةُ الدينية، لطبيعة الشعب التونسي.

هذه المعارضة، التي اغتذت بالمعارضة اليوسفية العربية القومية، أو تولدت كالربيبة لها، اشتد النظام على مدى عقدين في مقاومتها بكل شراسة، ربما أقوى من كل معارضة أخرى يسارية أو عمالية كانت تتنفس دونها من الخارج باعتبارها معارضة أنتلجنسيا (نخبة مثقفة) محدودة أو معارضة عمالية متماهية مع الأممية النقابية والشيوعية؛ وليست لها الشعبية الكاسحة التي تلقاها المعارضة الإسلامية لأسباب داخلية، خاصة كرد فعل تلقائي على الإصلاحات الدينية والاجتماعية الجريئة التي ميزت سياسات بورقيبة العلمانية والليبيرالية بعد الاستقلال.

فالانتفاضات القومية والدينية والعمالية التى عرفتها تباعاً كل عشرية من عشريات بورقيبة، إنما كانت إرهاصات - إذا صح التعبير - للاحتقان الأكبر الذي مارسه نظام بن علي، ذي الطابع السلطوي البوليسي على المجتمع، وفجّر عليه بعد كبْت طويل دام أكثر من عقدين ثورة 14 جانفي 2011 التي نعيشها سنواتها الأولى. هذه الثورة الفارقة استفادت منها النهضة، بالنصيب الأوفر من بين كل المعارضات بمختلف أطيافها، باعتبارها كانت الخزان الاجتماعي الأوسع لرفْد الثورة، والدفْع بجماهيرها نحو الأقصى لتغيير المجتمع البورقيبي الذي كان سائداً لعقود دون هوية عربية إسلامية مهيمنة.

وخلقت الديمقراطية الوليدة والحكم الانتقالي الهجين صراعَ الشرعيات. وصراعُ الشرعية يحسم له غضب الشارع في الأزمات، وتحسمه الشرعية الأقوى بطبيعة الحال، وهي شرعية الديمقراطية الرئاسية المباشرة، وليس شرعية التمثيل النسبي ولا شرعية الثقة بالثلثين البرلمانية للحكومة.

والسياسة لا تعدو إلا ولها وجهٌ وخلفٌ كالعملة، ولذلك تَعيّن أن تحصد النهضة ذات الغالبية الأكثر في انتخابات التأسيسي وجه العملة وقفاها للفترة الانتقالية التي تراختْ. ولذلك تعجّلت سقوطَها كافة أطياف المعارضات الأخرى التى كانت منافسة لها في اصطياد الحكم، والتي توحّدت بالمناسبة تحت راية واحدة.

فدوّى سقوطُها - أعني النهضة - تحت وقع الاغتيالات والزحف على أغلبيتها البرلمانية، وطالبتْ تلك المعارضات بإسقاط حكومتها الانتقالية الاولى فالثانية ورئاستها المؤقتة للجمهورية، بعد أن نجحت في افتكاك طابع المدنية والحقوق والحريات منها لدستور كانت تريده ”النهضة، مطبوعاً بطابع هويتها الدينية المميزة؛ وترتهنُ العلاقة فيه بين السلطات الثلاث لقيود أغلبيتها البرلمانية وتحالفاتها المصطنعة ابتداءً من أحزاب نفخت فيها من نفسها.

واذا كان للسياسة حتمياتٌ كحتميات القانون الطبيعي لا تتخلّف، فإن ”النهضة” في دورتها التشريعية الاولى بعد الدستور الجديد، قد رأت نفسها تراجعت أمام صانع هزيمتها الأشرس، ”النداء” ، وأنه لا يسعها إلا أن تكشف عن ثمن تنازلاتها له، وتَقْبل بالتحالف الصوري معه ليمنع غطاؤه لها من الانكشاف للمجتمع في صفة المعارض؛ وهي التي تعرف حظ ما تقاسيه المعارضات في الديمقراطيات الناشئة فضلاً عن الديمقراطيات المزيفة، وهي تدرك أن شعبيتها الاجتماعية سوف تمنحها من جديد أغلبية برلمانية قادمة بعد أغلبيتها المعززة في البلديات، إذا سامت ”النداء” في الحكم نفسَ ما سامها وهي في الحكم؛ خاصة وهي حليف متقلّل من الكراسي في الحكومة، وبالتالي غير مقاسمة للنداء في تبعات فشله في السلطة. والأمر مفضوح لو كانت ”النهضة” في المعارضة جهاراً.

ولكن في السياسة لا يصدق المثل ”لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين“. لأن اللدغ في السياسة قاتل. وقد يكون مؤمنُو النهضة أرادوا أن لا يلدغهم الباجي مرة ثانية فتحوّطوا بنجله أو من هو بمثابة نجله، فما شعروا إلا وهو - أي الأب - يهوي على مخططهم القائمِ على الإراحة منه ومن حزبه، موعظةً للآخرين. فيُلقى بالتوافق الذي ناصبهم به في أول الأمر، وليس هو بوثيقة الكعبة، لينظروا أي منقلب ينقلبون. أليس هو الذي قيل له في صديقه الشيخ، عندما عاودَه بالزيارة ليَعلمَ إن كان جاداً في القطيعة التي تُبيِّتها النهضة لحسم قضيته مع ابنه الآخر الشاهد مثلما فعل مع ابنه الأول حافظ حين حرمه من التشريعية في وقت سابق، فقال: ”في أمور الدولة لا وجود لأصدقاء“.

ولا يمكن أن نتصور لاعبين سياسيين كلاعبي السيوف يمارسون الصراع على خشبة المسرح، لا ينال أحدَهم جرحٌ ولا يُلقون بحَصَوَات الأرض تحت أقدامهم على وجوه المتفرجين أو يُثيرون غباراً يؤذي عيون المشاهدين؛ فمسرح السياسيين مسرحٌ حقيقي يتأذّى منه الناس في عيشهم وتجارتهم وفي أمنهم وسَكينتهم، كالثورة مِن الظلم والفساد لا تأتي أُكُلها إلا بعد سقوط ضحايا وشهداء وخسائر ومحن، ولا تُلقَى مسؤوليتُها إلا على من انهزم في معركة التحرر من الظلم والفساد، من صغار السياسيين أو القياديين الطائشين، ومَن اغتر بدعواتهم التي تَتبيّن بعد نَصْب العدالة ميزانَها لهم حقيقتُها من زيفها.

والسياسي في الديمقراطيات الحصينة على ذاتها متّهمٌ ما لم يُبرئ ساحته من سلبيات ما قد يُحْمَل ابتداءً على تقصيره أو غفلته أو مَن له عليهم ولاية أو حتى مِن تدبيرٍ مِن خصومه وراء ظهره.

قل.. أدخلْنى مُدخل صدق وأخرجْني مُخرج صدق.

تونس في ٨ أكتوبر ٢٠١٨


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الجبهة الشعبية، حركة النهضة، اليسار بتونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-10-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الموقف الذي يجب أن يتوضح للفصل بين العمومي والخصوصي
  ‌السلاح الذي يبطل النووي هل يكون في إيران
  عودة إلى ما قبل حماس في غزة
  التهافت على الدين كفرا باتباعه
  الفتن النائمة في أوروبا بين دولها والولايات المتحدة
  التجديد أو الإصلاح بين الإسلام ونواقضه
  ‌‏والعقبى لإسرائيل في العناد وركوب الرأس مع ترامب
  ‌الإبحار في الفلسفة بدون بوصلة مفسدة للطفولة المبكرة
  ‌‏الدين والمال للتمكين
  ‏الأرض للعم سام ومن عليها..
  غزة ولاية أمريكية.. الأولى في قارة آسيا؟
  ترامب وناتنياهو أحدهما في قناع الآخر
  محمد الضيف رمز طوفان الأقصى
  ‏الخشية على ترامب من الصهيونية
  فلسطين : ‏من وراء الغيوم شام نجم الشفق
  الإسلام والمكانة المتميزة في حفل تنصيب ترامب
  كالشعر والسياسة كالشعر والدين
  ‏الاعتبار بالمحن
  الانتصار بغمامة وقف إطلاق النار
  ‌الدهس سياسة إسرائيل
  إن الإنسان ليأسى أن يرى أرواحا تزهق باطلا
  مايوت والإعمار أو المحنة بالاستعمار الفرنسي
  ‌‏العاصفة تكشف عن واقع التدمير الاستعماري الفرنسي لجزيرة مايوت الإسلامية
  الذين هم في موعد مع التاريخ
  عدوى التهارش السياسي في الديموقراطيات المعطلة
  ‌‏الشعوب العظيمة شديدة المراس على زعمائها
  ‌لو كان لا يبقى للفلسطينيين غير الدعاء لتحرير أرضهم..
  ‌‏‏لبنان أكبر من حجم التحدي الإسرائيلي الأمريكي
  دافع كره اليهود ومعاداة السامية ؟؟ أو ناتنياهية أشبه بالنازية
  اختبار الإبادة لإسرائيل

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، حسني إبراهيم عبد العظيم، أشرف إبراهيم حجاج، سامح لطف الله، أحمد الحباسي، أحمد بوادي، رافع القارصي، د. خالد الطراولي ، سعود السبعاني، محمد الطرابلسي، عبد الرزاق قيراط ، صلاح الحريري، حاتم الصولي، محمود فاروق سيد شعبان، د - الضاوي خوالدية، صالح النعامي ، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، أنس الشابي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمار غيلوفي، بيلسان قيصر، ماهر عدنان قنديل، محمد أحمد عزوز، كريم السليتي، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، عمر غازي، سلوى المغربي، د- محمد رحال، سامر أبو رمان ، فتحي الزغل، محمود سلطان، عبد العزيز كحيل، محمود طرشوبي، ياسين أحمد، د - المنجي الكعبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سيد السباعي، سلام الشماع، نادية سعد، أحمد ملحم، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، الهادي المثلوثي، علي الكاش، كريم فارق، يحيي البوليني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، عبد الله الفقير، د - صالح المازقي، مجدى داود، د. أحمد بشير، رشيد السيد أحمد، مصطفى منيغ، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، مصطفي زهران، علي عبد العال، صباح الموسوي ، تونسي، سفيان عبد الكافي، جاسم الرصيف، د. طارق عبد الحليم، طلال قسومي، عبد الله زيدان، د- هاني ابوالفتوح، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، محمد العيادي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحي العابد، رافد العزاوي، صفاء العربي، عواطف منصور، رضا الدبّابي، المولدي الفرجاني، إيمى الأشقر، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، د - مصطفى فهمي، د.محمد فتحي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهيثم زعفان، موسى عزوق، فتحـي قاره بيبـان، منجي باكير، أحمد النعيمي، مراد قميزة، محمد يحي، عراق المطيري، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، محمد علي العقربي، محرر "بوابتي"، طارق خفاجي، المولدي اليوسفي، فهمي شراب، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، العادل السمعلي، إسراء أبو رمان، د. صلاح عودة الله ، عبد الغني مزوز، د - محمد بنيعيش، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بن موسى الشريف ، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز