البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من كان في نعمة.. أو أبلغ كلام قاله الباجي في خطابه

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4420


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لم تكن مفاجأتي بشعر يَستشهد به سي الباجي في خطابه الأخير (حواره ٢٤ / ٩ /٢٠١٨)، ولكن بمطابقة ذلك الشعر للمقام، على المعنى البلاغي المشهور لكل مقام مقال.

فقد كان مقاله في توديع صديقه الشيخ راشد الغنوشي عند الباب بعد لقائه الحار به في قصر قرطاج، في موضوع السيد الشاهد وحكومته من النهضة، إن كانت ستسانده في تجديد الثقة على حساب التوافق مؤثِرة القطيعة مع حزبه ومع رئيس حزبه، أو تَحسِب للأمر ألف حساب.

هذا الشعر، الذي استشهد به الرئيس الباجي، وهو من جيل الزعماء من طينة بورقيبة وبن يوسف والبلهوان الذين كانوا يحلّون خطبهم ببليغ القول من الأشعار والأقوال المأثورة فضلاً عن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وللأسف قل مثيلهم، لاختلاف مناهج التربية والتعليم وغلبة ثقافة العصر الأجنبية على اللغة العربية في بلادها بتونس، أعتبره أبلغ كلام قاله سي الباجي في خطابه، يلخص به القطيعة التي أحدثتها النهضة معه بمساندة الشاهد ضد حزبه نفسه كما قلت وإرادة زعيم حزبه.

هذا الشعر، وإنما هما بيتان لا أكثر، لأن صحافيين - فيما رأيت - كتبا في الموضوع زادا بيتاً ثالثاً دون توضيح، مع ما في ذلك البيت من الخطأ، فوجبت الإشارة لأمانة النقل.

قلت إذن هما بيتان لابن حمديس الشاعر الصقلي المشهور (المتوفى 527 هـ /1133م ). وقد ذكّر الأستاذ الباجي بقصتهما مع ممدوح الشاعر الأمير المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وكانت عروس الأندلس، وكان ابن عباد آنذاك في الأسر بأغمات بالمغرب على يد يوسف بن تاشفين أمير المرابطين. وكان ابن عباد وهو نفسه شاعر، بعث لصديقه ابن حمديس بأبيات يشكو حاله في الأسر ويستذكر ما كان فيه من عز ومنعة، مطلعها:

غريبٌ بأرض المغْرِبينِ أسيرُ… سيَبكي عليه منبر وسريرُ

فجاوبه ابن حمديس بأبيات مثلها يقول في مطلعها:

جرَى بك جَدٌّ بالكرام عَثورُ … وجارَ زمانٌ كنت فيه تُجيرُ

ومنها البيتان المشهوران:

تجيء خلافاً للأمور أمورُ … ويعدل دهرٌ في الوَرى ويَجورُ

أتيأسُ من يوم يناقضُ أمْسَه … وزُهر الدَّراري في البروج تدورُ

وهما البيتان اللذان ساقهما الأستاذ الباجي على سمع الأستاذ راشد وهو يودعه بباب قصر قرطاج بعد ما كان من إعلان القطيعة بينهما من جانب النهضة في قضية الشاهد، عندما سأله ماذا يقول أخيراً.

وهذا شعر لا يحتاج الى شرح، ولكن الحكمة فيه أن الشاعر قابلَ بين متناقضات هي شأن الحياة، قابل بين الأمور وخلافها، أي تقلب الأقدار، كما قد يقول قائل، وقابل بين العدل والجور بين الناس في هذه الدنيا التي لا تدوم على حال، أو هي كالأيام لا تشبه بعضها بعضاً وإن تشابهت، بما تحمله من هموم أو سرور، وأنها ستمضي هكذا كالفلك في دورته، وهو يخلبك بأنجمه الزاهرة وبروجه.. لأن هذا الدوران علامة على تقلب الأحوال، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يطمئن الى حال قد تعقبها حال أسوأ منها فيندم على ما فات، وهيهات ندم لا يمحوه أمل أو لا يعقبه أمل.

والبلاغة فيه أنه جاء على أسلوب الحكيم، أو ما يسميه البلاغيون في اصطلاحهم بهذا الاسم، وهو أن تفاجئ المخاطب بجواب على سؤاله، فتحيّره إجابتك لأنك تلقي على سمعه ما لم يكن يترقبه أو تتركه في حيرة من أمره، فيذهب عنك وهو أكثر قلقاً أو وهو أكثر حرجاً ماذا يقول أو ماذا يفعل.

وإذا استحضرنا الى الذهن مأساة ابن عباد - ولا نخال الأستاذ الغنوشي لم يستحضرها - حين لم يغتفر له قائد المرابطين يوسف ابن تاشفين، الذي جاء لتحرير الأندلس من ملوك الطوائف لما رآه من استقوائهم بعضهم على بعض بملوك الإسبان للنصرة على خصمه. فهزمه وأخذه أسيراً الى أغمات ليموت هناك حتف أنفه، لقاء موالاته لأعداء المسلمين وتصديه لدعوة المرابطين بفتح الأندلس من جديد بعد تطهيرها من ملوك الطوائف وتوحيدها تحت رايته.

يبقى أن البلاغة، القائمة كشأن اللغات عامة على المجاز والتشبيه، لا يفترض فيها أن يكون المثل المضروب أو الشعر الذي يستدعيه المتكلم لتحقيق غرض بياني في خطابه ومثلُه تضمين من القرآن والسنة، مقصوداً منه أن يستوفي فيه وجوه الشبه كلها بين المشبه والمشبه به أو المجاز ينطبق تماماً على واقع الحال الدائر فيه اللفظ على المعنى.

ولا أجازف إذا قلت بمناسبة هذين البيتين من شعر ابن حمديس اللذين جرى ذكرهما على لسان الرئيس الباجي في حواره إنهما أبلغ كلام قاله الباجي في خطابه، لأنه بهما يلخص القطيعة التي أحدثتها النهضة معه بمساندتها للسيد الشاهد في أزمته بالحكومة ضد حزبه نفسه كما قلت وإرادة زعيم حزبه. أقول ذلك خلافاً لبعض المتأدبين العصريين نعى، في مقال له عن اللغة الخداع، على الرئيس الباجي بأن لجوءه للشعر كدأبه في الاستشهاد قبل ذلك بالقرآن إنما يحاول أن يخفي به زيف خطابه وتهلل كلامه.

ولذلك قدرت أن الشاهد والنهضة والباجي، سيحدث بينهم ما لا تحمد عقباه ما لم يتفقوا على أمر، يكون فيه منجاة البلاد من الأزمة التي كلنا شريك فيها، كتونسيين وليس فقط كتونسيين مسؤولين في هذا المركز أو ذاك.

وكنت في مقال سابق قلت ما معناه في قضية مُعاصاة السيد الحبيب الصيد رئيس الحكومة آنذاك عن الاستقالة: إن المنصب قد يجعل صاحبه يستأسد. ولكن ما كل مستأسد يأمن قارضاً من القوارض لا يفتّت من شبكته فيندم ويتذكر قولة من قال: "من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر".



تونس في ٥ أكتوبر ٢٠١٨


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، نداء تونس، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-10-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الموقف الذي يجب أن يتوضح للفصل بين العمومي والخصوصي
  ‌السلاح الذي يبطل النووي هل يكون في إيران
  عودة إلى ما قبل حماس في غزة
  التهافت على الدين كفرا باتباعه
  الفتن النائمة في أوروبا بين دولها والولايات المتحدة
  التجديد أو الإصلاح بين الإسلام ونواقضه
  ‌‏والعقبى لإسرائيل في العناد وركوب الرأس مع ترامب
  ‌الإبحار في الفلسفة بدون بوصلة مفسدة للطفولة المبكرة
  ‌‏الدين والمال للتمكين
  ‏الأرض للعم سام ومن عليها..
  غزة ولاية أمريكية.. الأولى في قارة آسيا؟
  ترامب وناتنياهو أحدهما في قناع الآخر
  محمد الضيف رمز طوفان الأقصى
  ‏الخشية على ترامب من الصهيونية
  فلسطين : ‏من وراء الغيوم شام نجم الشفق
  الإسلام والمكانة المتميزة في حفل تنصيب ترامب
  كالشعر والسياسة كالشعر والدين
  ‏الاعتبار بالمحن
  الانتصار بغمامة وقف إطلاق النار
  ‌الدهس سياسة إسرائيل
  إن الإنسان ليأسى أن يرى أرواحا تزهق باطلا
  مايوت والإعمار أو المحنة بالاستعمار الفرنسي
  ‌‏العاصفة تكشف عن واقع التدمير الاستعماري الفرنسي لجزيرة مايوت الإسلامية
  الذين هم في موعد مع التاريخ
  عدوى التهارش السياسي في الديموقراطيات المعطلة
  ‌‏الشعوب العظيمة شديدة المراس على زعمائها
  ‌لو كان لا يبقى للفلسطينيين غير الدعاء لتحرير أرضهم..
  ‌‏‏لبنان أكبر من حجم التحدي الإسرائيلي الأمريكي
  دافع كره اليهود ومعاداة السامية ؟؟ أو ناتنياهية أشبه بالنازية
  اختبار الإبادة لإسرائيل

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الهادي المثلوثي، عبد الغني مزوز، حسن عثمان، د. صلاح عودة الله ، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، عبد الرزاق قيراط ، موسى عزوق، مصطفي زهران، خبَّاب بن مروان الحمد، سعود السبعاني، رافد العزاوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، الهيثم زعفان، أحمد الحباسي، عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، يحيي البوليني، أحمد ملحم، أنس الشابي، محمد اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، محمد الياسين، د- هاني ابوالفتوح، خالد الجاف ، إيمى الأشقر، رشيد السيد أحمد، د. خالد الطراولي ، يزيد بن الحسين، د- جابر قميحة، حميدة الطيلوش، عبد الله الفقير، كريم فارق، فتحي الزغل، صلاح المختار، ماهر عدنان قنديل، أ.د. مصطفى رجب، سليمان أحمد أبو ستة، سلوى المغربي، د. طارق عبد الحليم، ياسين أحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، إياد محمود حسين ، د - صالح المازقي، محمد أحمد عزوز، محمد علي العقربي، د- محمود علي عريقات، فتحي العابد، رحاب اسعد بيوض التميمي، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عواطف منصور، صفاء العراقي، د - مصطفى فهمي، سيد السباعي، تونسي، محمد الطرابلسي، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، حسن الطرابلسي، فوزي مسعود ، صباح الموسوي ، منجي باكير، فتحـي قاره بيبـان، د - الضاوي خوالدية، أحمد النعيمي، طارق خفاجي، طلال قسومي، صلاح الحريري، رمضان حينوني، محرر "بوابتي"، عمار غيلوفي، محمد يحي، رضا الدبّابي، عبد العزيز كحيل، د. أحمد محمد سليمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، سلام الشماع، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - المنجي الكعبي، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، علي الكاش، صفاء العربي، المولدي اليوسفي، عمر غازي، د - محمد بنيعيش، محمود سلطان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، د. عبد الآله المالكي، رافع القارصي، مراد قميزة، سامح لطف الله، صالح النعامي ، سامر أبو رمان ، بيلسان قيصر، محمد عمر غرس الله، محمد العيادي، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، نادية سعد، محمد شمام ، علي عبد العال، محمود فاروق سيد شعبان، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، د. أحمد بشير، عبد الله زيدان، المولدي الفرجاني، أحمد بوادي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز