البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الحزن التونسي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 4663



الكتابة عن تونس تصطبغ بلون حزين.. وأزعم أني ممن يبحث عن نقطة ضوء شحيحة لأصنع منها قمرا لبلدي، ولكن الحزن يعدي.

فكلّما وهِمْنا أملا فاجأتنا الطبقة السياسية بما يخيب الظن وننتكس إلى حزن عميم. الإرهاب لم ينته والأمن لم يستتب، والاقتصاد يتراجع، والناس في ضنك شديد جراء الفساد المستشري في كل مفاصل الإدارة، وفي كل معاملة يومية. لذلك فإن البحث عن بداية لتوصيف الحزن تتحول في ذاتها إلى سبب إضافي له.

الإرهاب يضرب مجددا

أفاق التونسيون صباح الأحد الثاني عشر من مارس على خبر استشهاد عون الحرس الوطني مظفر بن علي بمدينة قبلي في الجنوب.

عملية إرهابية أخرى ارتقى فيها الشهيد في جوف الليل على حدود الوطن وترك ابنا في بطن أمه سيولد يتيما بلقب ابن شهيد، لكن تمجيد الشهداء لم ينه الإرهاب.

إنه يتجدد ليعلن عدم كفاءة النظام السياسي في الإحاطة به، واستباقه، وتأمين البلد. يقع العبء على أعوان معزولين يكافحون في وضعية كومنداس المهمات المستحيلة.

بل إن الأمر يزداد سوءا، فلم يعد الإعلام يهتم بالشهداء أو يرثيهم أو يفتح لأسرهم بلاتوهات التلفزة لقد سقطت حكومة الترويكا إذن لا داعي للحديث عن الإرهاب.

هذا مفتاح فهم الحزن المسيطر. أدوات الإعلام الموجّه أقامت الدنيا، ولم تقعدها على قتل تمساح في الحديقة العمومية رجمه أطفال متشرّدون بحجر خوفا منه، أو طمعا في لحمه، يبيعونه للسكارى في حديقة صارت غابة موحشة لقلة العناية بها.

ما كتب عن التمساح المسكين يفوق آلاف الصفحات مما كتب عن الشهيد وعن الإرهاب في الضربة الأخيرة. حزن تونس يأتي من التلفزات عامها وخاصها.

تلفزات تصرف الناس عن قضاياهم الحارقة وتفتح بوابات تهميش الوعي وبث اليأس وتجعل أكثر المتفائلين يحن إلى زمن الدكتاتورية الغاشمة.

تونس حزينة لأنها لم تحرر الإعلام فهي تكابده كطاعون مسلط على وعيها بنفسها وبما حولها وهذه معركة أشد وطأة من الإرهاب ولا أمل في ربحها ولو بمال كثير.

مؤشرات الاقتصاد في نزول

التصنيفات الائتمانية للبلد تنزل إلى الحضيض ونسب النّمو تنزل تحت واحد في المية والحكومة تعلن ذلك بوقاحة ولا تقدم حلولا لمعضلات التنمية والتشغيل. بل تهتم بمعارك الشقوق داخل حزب السلطة.

والوزراء يقنصون فرص الظهور لإثبات الولاء لابن الرئيس لاستدامة بقائهم في مناصبهم، لأنها صارت هدفا في ذاتها، بينما ينشط وزراء آخرون في تدبير العقود الباطلة لأصدقائهم أو لإجبار منظوريهم في الإدارة على الانخراط في أحزابهم مقابل التمكين لهم في الإدارة تمهيدا لمزيد من التمتع بالسلطة في فترات قادمة، لا يشكون في الوصول إليها برغم الإحباط العام المسيطر على الشباب بعد الخذلان الكبير لانتخابات 2014 التي أعادت لهم منظومة حكم بن علي بكل رجالاتها وحيلها القائمة على احتقار مطالب التغيير.

الأحزاب هي السبب الآخر للحزن المسيطر على النفوس. النخبة السياسية ليست أقل بؤسا من نخبة الإعلام، بل إنهما تتبادلان الأدوار وتبثان الروح العدمية ذاتها. كأنه تحالف بين أحزاب المنظومة وإعلامها في الإجهاز على أمل ولد ليلة 17 ديسمبر 2010 في أن تكون تونس أفضل حالا بعد بن علي وحزبه ونظامه.
ثقافة البؤس والإقصاء تواصل إغلاق الأفق.

لا شيء في الساحة الثقافية يتحرك نحو التغيير. الوجوه ذاتها والسياسات ذاتها توزع الامتيازات على شلة الأصحاب، التي تسكن في عروق الوزارة كالسرطان.

معركة معرض الكتاب تعيد الوجوه ذاتها إلى موقع القرار، حيث توزّع غنائم صغيرة وتافهة، وإقصاء كل الفاعلين الثقافيين غير المصنفين في حوزة اليسار الثقافي.

والدعم الثقافي بلجان مختارة يحابي أصحابه القدامى ولا يسمح لغيرهم بنيل شروى نقير من التمويل العمومي للثقافة. السينما ذاتها والمسرح ذاته والأغاني مكررة على ايقاع باهت.

وترويج خرافة التفوق الثقافي التونسي على العرب مما لا نرى له سببا غير التعمية ومواصلة دس الرأس في تراب البذاءة الفرنكوفونية المستوردة من هوامش باريس الفقيرة ثقافيا في عالم منفتح ومعولم.

الطبقة السياسة لا تنشغل بالثقافة، بل تترك الهامش لشلة الأصحاب تغنم لتسكت وتستديم الفقر الثقافي والبرلمان المنتخب يغفل كل مبادرة ثقافية كأن الثقافة ليست من منوال التغيير أو كأن آخر هم السياسة تثقيف الناس وكيف لهم وهم في صراع يومي من أجل تدبير الخدمات لمنظوري أحزابهم في الجهات وبعضهم يعيش تحت التهديد بالركل إذا لم ينفع زيدا أو عمرا بخدمة خارج القانون. وتصريحاتهم تكفي دليلا.

النقابات تعيش معاركها الحزبية

معركة مفتوحة ضد وزير التربية لإجبار الحكومة على إقالته بدعوى الإضرار بالعملية التربوية والوزير يركب رأسه ويستفز رجال المهنة عامدا ويعفّن السنة الدراسية فيهدد كأن الوزارة ميراث جده.

معركة مفتوحة على سنة بيضاء (بلا امتحانات ولا نتائج). تعرف الحكومة أن إقالة وزير تحت الضغط النقابي تسقطها نهائيا والنقابة تستشرس في طلبها والتلاميذ والأسر حائرون حول مصيرهم والنقابة لا تتراجع.

وليت المعركة كما تقول النقابات حول إصلاح التعليم ولكن ورغم تعاطفي معهم ضد الوزير غير الأمين على التربية فإن المعركة تخفي معركة سياسية لا لبس فيها. التيار السياسي الذي يقود المعركة عبر نقابتي التعليم الابتدائي والثانوي يريد أن يسمع صوته في الساحة السياسية ويحصل مكاسب حزبية للمواسم القادمة إذ يضع في رصيده السياسي إسقاط وزير.

ليس الأمر إصلاح التربية فهذا المطلب لم يكن على لائحة المطالب عند بدء التحركات منذ أول السنة الدراسية ولكنه رُكِّب على مطالب مادية قطاعية ثم اختفت المطالب القطاعية وبقي المطلب السياسي.

كيف نتدبر لحظات فرح في عالم قاتم؟

ليس لدي وصفة جاهزة لأحد. هناك لحظة وعي بخطورة اللحظة غابت عن الجميع. بين من يهدد بأن إسقاط الحكومة في أقل من سنة من عمرها يعني الدخول في فوضى بلا نهاية وبين من يركز على الفشل وضرورة التغيير مهما كانت النتائج الآنية.

لكن دعاة التغيير ليس لديهم خطة ولا هم جاهزون إلا لاحتمال الفوضى فلا أحزابهم المجهرية جاهزة لانتخابات قريبة ولا بدائلهم واضحة لجمهور يقف على الحياد يمكن أن يناصرهم ضد الوضع الراهن.

ويعرفون جيدا وبأبسط التحاليل أنه في صورة إسقاط نتائج انتخابات 2014 (الحكومة والرئيس والبرلمان) فإن أي انتخابات قادمة مهما كانت نسبة المشاركة ستعيد الوضع إلى ما هو عليه الآن حزبان قويان يعودان بالصندوق أكثر شرعية بحكم أن إسقاطهما لم ينتج تغييرا فيصيران كالقدر المحتوم.

نحن إذن في وضع المجبر على الدواء المر الحالي مع شحنة إحباط أعلى ويأس عام. لا تجدي فيها المقاطعة ولا تقوم فيها ثورة منظمة تمسح نتائج انتخابات 2014 وربما 2011 أيضا.

الساحة تكرر نفسها والأحزاب تسقينا من نفس الكأس والنقابات تعيش بؤسها النضالي خارج اللحظة. والمثقفون بين مغيب وطماع. والاقتصاد ينهار والإرهاب يتربص.

من يغلق البلد عند خروج المواطن الأخير؟ لا أحد فالحدود مفتوحة ويكفي أن نتذكر مشهدا وحيدا لم يعشه بلد قبلنا طاقم الطائرة التونسية المهددة بالإفلاس يتصارع داخل قمرة القيادة لأن ربان الطائرة يستنكف أن يلبس نفس الزي مع التقني المكلف بصيانة الطائرة لأن وحدة الزي مع الميكانيكي تحطّ من هيبة الطيار في مطارات العالم فلا يحظى بنظرة خاصة كطيار.

الأطفال المدللون لدولة بن علي يغلقون البلد في وجوه أهله ويغلقون المستقبل في وجه البلد فكيف يمكننا أن نحب تونس يا محمود درويش؟


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-03-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صفاء العربي، سفيان عبد الكافي، كريم فارق، عواطف منصور، د. عبد الآله المالكي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. طارق عبد الحليم، فتحي العابد، فتحي الزغل، عمار غيلوفي، خبَّاب بن مروان الحمد، صالح النعامي ، مصطفي زهران، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، د- جابر قميحة، محمود فاروق سيد شعبان، سامح لطف الله، محمد العيادي، محمد يحي، طلال قسومي، محمد عمر غرس الله، الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، أحمد ملحم، د - محمد بن موسى الشريف ، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، د - شاكر الحوكي ، د - عادل رضا، منجي باكير، سامر أبو رمان ، محمد اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، خالد الجاف ، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، محمد شمام ، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، مجدى داود، صلاح المختار، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، رشيد السيد أحمد، نادية سعد، محرر "بوابتي"، أبو سمية، أنس الشابي، ماهر عدنان قنديل، د - صالح المازقي، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، د. عادل محمد عايش الأسطل، العادل السمعلي، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، كريم السليتي، د - الضاوي خوالدية، أ.د. مصطفى رجب، رافع القارصي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد الحباسي، د. أحمد بشير، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، فتحـي قاره بيبـان، عزيز العرباوي، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، جاسم الرصيف، محمود سلطان، صلاح الحريري، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فهمي شراب، عبد الله الفقير، إسراء أبو رمان، علي عبد العال، سلام الشماع، مصطفى منيغ، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، علي الكاش، مراد قميزة، الناصر الرقيق، عراق المطيري، سيد السباعي، عمر غازي، د. صلاح عودة الله ، إياد محمود حسين ، محمود طرشوبي، عبد الغني مزوز، الهادي المثلوثي، عبد الله زيدان، رحاب اسعد بيوض التميمي، صفاء العراقي، رضا الدبّابي، حميدة الطيلوش، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة