البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. عودة التعذيب وانتعاش دولة العمق

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 4154



يمثل التقرير الأخير الذي نشرته "منظمة العفو الدولية" مؤخرا عن الممارسات القمعية لقوات الأمن التونسية في حق الموقفين مؤشرا خطيرا وحقيقيا على عودة الدولة الاستبدادية إلى الحكم في تونس وإن بقناع ما بعد ثوري. فقد أكد التقرير على "اعتماد قوات الأمن التونسية على الأساليب القمعية التي كانت معهودة في الماضي بما في ذلك التعذيب والقبض والاحتجاز بصورة تعسفية والقيود على سفر المشتبه بهم فضلا عن مضايقة أفراد أسرهم".

التقرير ليس صادما على الإطلاق لأن كل المؤشرات القادمة من تونس مهد ربيع الثورات تجزم بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة العميقة تكاد تستعيد كامل مجالها الذي كان لها قبل أن تعصف بها رياح الثورة صبيحة يوم السابع عشر كانون الأول 2010 فيهرب الجلاد ويعود زبانيته إلى جحورهم. استفادت الدولة العميقة كثيرا من توافر عوامل متشابكة بعد الانفجار الكبير لكن أكبر العوامل التي ساعدتها على العودة إلى السطح بكل الوقاحة التي تعبر بها عن أحقادها عبر وسائل إعلام العار العمومي والخاص هو تآمر النخب التونسية على ثورة الفقراء والمحرومين وتناحرهم من أجل المناصب والكراسي.

لقد نجح الطاغية بن علي في إلجام النخب التونسية وفي تركيعها بشكل كشف عبره عن حنكة كبيرة في التعامل مع زيف المناضلين ونفاق المقاومين وتملق المعارضين فقد كان يدرك بحسّه الأمني المرهف أحيانا وبغبائه اللامحدود أحيانا أخرى مدي قابلية النخب التونسية للشراء أو الإيجار إلا من استبسل فكان مصيره الموت في زنازين وزارة الداخلية وأقبية الموت التي تملأ أرجاء الوطن. عودة التعذيب وعودة الممارسات القديمة عنوان عريض على فشل المسار الانتقالي الذي عبّرت عنه بشكل مبكر منابر إعلام العار الوطني وقد استبسلت في تركيع الثورة وبث الفوضى وإرهاب العوام من الناس بداعش أحيانا وبغيرها أحيانا أخرى.

إن عودة الدولة البوليسية إلى المشهد وإمعانها في تعذيب الأبرياء من التونسيين داخل السجون والمعتقلات ومراكز الإيقاف يعدّ أخطر المؤشرات على أن الحرب على الإرهاب لم تكن سوى ذريعة دولية لقمع الحريات وتكميم الأفواه وإعادة البلاد إلى النفق المظلم الذي خرجت منه.

لقد عبّر أهل تونس عن سلمية نادرة خلال الثورة وبعدها فقد بقيت البلاد دون أمن أو شرطة شهورا طويلة وكان الشعب العظيم حارسا للأحياء والمؤسسات بعد فرار قوات الأمن خوفا من ثأر الجماهير بسبب الجرائم التي ارتكبت في حق الأبرياء. عبّر أهل تونس عن سلميتهم الراقية فلم ينتقموا من أحد ولا حاكموا أحدا بل سكتوا عن الظلم في سبيل إنقاذ الوطن من براثن الفوضى... لكن يبدو أن دولة الاستبداد لم تستوعب الدرس جيّدا.

المشهد يزداد قتامة كل يوم مع ترنح مسار انتقاليّ تتصدره دولة العمق ممثلة في "حزب نداء تونس" الوريث الشرعي لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" حزب الرئيس الهارب "بن علي" ومجموع الأحزاب التي تدور في فلكه بكل خصائصها الانتهازية الفارقة. في المقابل تقف حركة النهضة ذات "المرجعية الاسلامية" ـ أو ما بقي منها ـ وهي تحاول جاهدة وفي عناء بائس الإيهام بالتوبة عن الأصول علّ المجتمع الدولي بكل آليات النفاق والمكر التي لديه يقبلُ بدخولها بيت الطاعة عارية من كل المبادئ إلا من بعض المساحيق و "التكتيك" الذي لم يجد نفعا إلا بتمكين القيادات من بعض الكراسي التي ناضلوا من أجلها عقودا في المنافي.

قد يكون الحكم قاسيا على الحركة لكن البون الشاسع بين النظرية والتطبيق ـ أو بين الدعوي والسياسيّ ـ في تصريحات الاسلاميين باتت تثير الكثير من الشفقة والريبة والشك لا في صفوف المتعاطفين معهم وهم الفريق الغالب بل حتى في صفوف قواعدهم الأكثر ولاء. اليوم لا تستطيع الحركة التنديد بالتعذيب أو العنف ولا بعودة أساليب القمع القديمة التي أبدع فيها جلادو "بن علي" وزبانية المجرم الأكبر ـ بورقيبة ـ لأنها أضحت جزءا من السلطة القمعية نفسها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

يتعلل الاسلاميون بالحكمة والتبصر و "تكتيك الشيخ" وبأنهم نجحوا في إنقاذ تونس من المصير المصري والسوري والليبي وأنهم ضمان المسار الانتقالي وغيرها من الأعذار التي لا تصمد أمام أبسط المنوالات الاستقرائية فضلا عن الاستدلالية. يتهم الإسلاميون غيرهم بالثورجية والعاطفة وغياب العقل... في حين يتناسون أن الثورجية والغضب والانفعال هي التي أرعبت بن علي وأسقطت نظام حكمه بعد أوهم الاسلاميون ـ مع بقية نخب العار التونسية من القومجيين واليساريين ـ الشعبَ أنهم سيسقطونه طوال عقود في حين نجح المفقّرون والمحرمون وغير المسيسين من "أولاد الحفيانة" في إسقاطه خلال أسبوعين من الزمن.

تونس لم تسقط في نموذج الانقلاب المصري لا لحكمة الإسلاميين؛ بل لأن التركيبة العسكرية والشعبية في الدولة التونسية هي غير التركيبة المصرية حيث العسكر المصري هو الدولة وليس العكس. فمصر يملكها العسكر سياسيا وماليا واقتصاديا وذلك منذ انقلاب عبد الناصر حيث أدخل مصر في نفق الاستبداد الذي لم تخرج منه إلى اليوم.

تونس قوية بقواعدها الشعبية التي لم تنزع نحو العنف والانتقام رغم كل حملات التشويه العالمية التي تريد أن تنتقم من أهل تونس، عبر أكاذيب القومجيين من حلفاء المشروع الفارسي، الذين لفقوا كل التهم للشباب التونسي سواء عبر تضخيم أعداد المقاتلين في بؤر التوتر أو عبر أكذوبة "جهاد النكاح" التي صاغتها المخابرات الايرانية بكل مكر. هذا في الوقت الذي يقاتل فيه مئات المقاتلين في كتيبة "محمد البراهمي" ضمن ما يسمى "الحرس القومي العربي" جنبا إلى جنب مع مليشيات الأسد والحرس الثوري الإيراني ويشاركونهم ذبح أطفال سوريا واغتصاب نسائها.

لن يكون غباء الدولة العميقة وهي تستعيد مجالها كاملا بمباركة "الإسلاميين" إلا حافزا جديدا لتجدد الموجة الثورية الثانية التي ستستفيد حتما من كل الأخطاء التي ارتكبتها الموجة الأولى في ظرف اقتصادي عالمي ينبئ بالأسوأ وأمام جحافل المعطلين والفقراء الذي يكفرون بالنخب وبالأيديولوجيا والذين لا يملكون ما يخسرونه في المعركة القادمة.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا، التعذيب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-02-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفى منيغ، محمود طرشوبي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد ملحم، د - محمد بنيعيش، د - الضاوي خوالدية، ماهر عدنان قنديل، رافد العزاوي، فتحي العابد، الهيثم زعفان، محمود سلطان، فهمي شراب، جاسم الرصيف، محمود فاروق سيد شعبان، سفيان عبد الكافي، صفاء العربي، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، محمد العيادي، كريم السليتي، سامح لطف الله، د- محمد رحال، مراد قميزة، عبد الله زيدان، أ.د. مصطفى رجب، محمد يحي، رافع القارصي، عمر غازي، تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، سعود السبعاني، محمد الطرابلسي، عواطف منصور، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، أحمد بوادي، محمد اسعد بيوض التميمي، فوزي مسعود ، نادية سعد، عراق المطيري، فتحي الزغل، حاتم الصولي، طلال قسومي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- هاني ابوالفتوح، د. مصطفى يوسف اللداوي، خبَّاب بن مروان الحمد، محرر "بوابتي"، محمد أحمد عزوز، سيد السباعي، أحمد النعيمي، حسن عثمان، صباح الموسوي ، ياسين أحمد، علي عبد العال، أحمد الحباسي، د - مصطفى فهمي، الهادي المثلوثي، العادل السمعلي، د. خالد الطراولي ، المولدي الفرجاني، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، د. عبد الآله المالكي، أنس الشابي، د. أحمد بشير، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد شمام ، صالح النعامي ، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حميدة الطيلوش، مجدى داود، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلوى المغربي، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، محمد الياسين، د - المنجي الكعبي، علي الكاش، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، د. صلاح عودة الله ، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، وائل بنجدو، د - عادل رضا، إيمى الأشقر، ضحى عبد الرحمن، كريم فارق، صلاح المختار، خالد الجاف ، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، عزيز العرباوي، رشيد السيد أحمد، يزيد بن الحسين،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة