البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مسرح الكَفْتَاجِي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3786



الكَفْتَاجِي ليس أخو الكفتة لكنه يمت لها بنسب غير أنه لا يعالج الإيدز على طريقة عبد العاطي، وقد يهيج البواسير لكنه يفتح بوابة إلى عقل الشعب الذاهل في عجب الله. الكفتاجي وجبة تونسية ابتدعها الفقراء من بقايا طعامهم، فهي خليط فواضل من فلفل أخضر وقرع (يقطين) وبيض وبطاطا يقلَّى كلُّه في زيت قديم ويخلط حتى تضيع معالم عناصره فلا يعرف من أي مادة صنع، ويقدم في مطاعم شعبية بأسعار في متناول الطلبة والفقراء حتى صار العنوان الأبرز في أغذية الفقراء. لذلك حرض رئيس الحكومة الذي لم يذقه أبدا على التقاط صورة وهو يأكله في مطعم شعبي معلنا انتماءه التلفزي لجمهور الكفتاجي. وكان ذلك كل برنامجه لدعم الفقراء؛ فالجميع ينتظر الآن تعديل الموازنة لرفع الدعم عن مكونات الكفتاجي وجمهور أكلته.

الإعلام وسيط طبقة القمبري إلى طبقة الكفتاجي

الصورة مخدومة بإتقان محترف. عفوية المشهد والضحكة المنشرحة وزر القميص المفتوح والوجوه غير الأمنية المحيطة برئيس الحكومة. الهدف منها تغييب صورة رئيس الحكومة الغريب عن شعب الكفتاجي. صورة المسؤول الشاب لم تقنع أحدا أنه ابن الشعب. فكل الشعب شاب وله وسامة فلم تنطل بما يكفي ليكون واحدا منا. زرقة عينيه غربة في بلد سمر الوجوه المحروقين من شمس المرمات القاسية والسير وراء قطعان الغنم في الفيافي. صورته أكدت وجود شعبين في بلد واحد؛ لذلك وجب التعديل بإظهار هذا الغريب في الأسواق الشعبية. إنه رجل ذو قلب شفوق ولديه علم بمستوى عيش الناس؛ إذ إنه يأكل طعامهم ويمشي في أسواقهم ويختفي حراسه من أمام زوم الكاميرا.

ونفيق على لعبة الإعلام مرة أخرى ما لم تقبله عقولنا يسرّب إلى أرواحنا وفي تلفزتنا العمومية وبأموالنا المنتزعة غصبا من رواتبنا لإعلاميين لا يتقننون إلا مهمة غسل الأدمغة وخدمة السلطة. السلطة الغريبة سلطة القوم الذين يحلون جلسات العصاري بالكافيار ولا يتكبرون عن مازات الجمبري والأستاكوزا. سلطة الذين ولدوا ليحكموا يجب أن تقبل من الذين ولدوا ليكونوا محكومين ولا يرتقون فوق الكفتاجي.

لعبة الإعلام الذي خسر أمام ثورة طبقة الكفتاجي انحاز ضدها حتى أعاد البلد إلى طبقة لم تقبل يوما أن تكون خارج السلطة. ولا يزال يواصل لعبته نفسها، وما الأزمة المصطنعة حول المقابلة التلفزية التي سجلت مع الدكتور المرزوقي الرئيس السابق إلا بعض ألاعيبه.

عجز القوى الثورية عن بناء شبكتها الإعلامية جعلها تقبل (اللعب) مع إعلاميين لم يشهد لهم أحد بالنزاهة والموضوعية؛ ففرضوا شروطهم التقنية، كالبث المسجل والتقطيع الموجه وغيرها من ألاعيب توجيه الرأي العام بطريقة خالية من كل شرف.

معركة الإعلام هي المعركة التي خسرتها الثورة العربية وكل حدث يكشف هذه الحقيقة المرة ويعيد النقاش إلى نقطة البداية.. كيف يمكن تحرير الإعلام من قبضة المنظومة القديمة التي أنتجت فاسدين جددا؟ وفي الأثناء ما هي العلاقة الأنسب مع إعلام لا يمكن إلا أن يكون إعلاما مدمرا للأمل؟

لقد تبين أن المال الفاسد استولى على الإعلام في تونس وحمى نفسه من الشارع المتنمر الفقير في ذات الوقت إلى وسائل الرد الجماهيرية. وهو يمر الآن إلى مرحلة حماية حكومة الفساد التي زرع داخلها وزراؤه وطواقم مستشاريه ويسندها بمثل صورة الوزير المنعم يأكل الكفتاجي في الأسواق الشعبية، لإقناع الشارع الذاهل عن القطيعة بين نخب تحكم وشعب لا يفلح في فرض شروطه على الحكم. لكن هل ينقذ الإعلام حكومة بلا مشروع؟

المنظومة القديمة تتآكل من القلب والأطراف

في غبار المعركة مع الإعلام الفاسد تنكشف للمتابع علامات خوف من الشارع. فاستراتيجيات المنع وتكميم الأصوات المعارضة تكشف خوف المنظومة من احتمالات بروز أصوات غير منضبطة، أو بالأحرى قادرة على طرح بديل للحظة الفاشلة التي تكابر الحكومة المرتعشة ومكونات المنظومة في إخفائها. الخوف علامة ضعف وانهيار. وهذه هي النتيجة التي خرج بها الشارع من محاولة منع المرزوقي (الرئيس السابق) من الكلام.

لا يمكن مواجهة شارع تحرر نفسيا من الخوف بالكبت الإعلامي على طريقة بن علي وأضرابه من الدكتاتوريين الذين حكموا بالمنع والتكميم. انتهى زمن (ما أريكم إلا ما أرى) وتملّكَ الشارع مصادر المعلومة أو في الحد الأدنى سلاح الشك في المعطيات الرسمية التي تتذرع بها حكومات بلا برامج.

الخوف علامة النهاية؛ لذلك فإن واجب حكومة الشاهد يتجاوز إنقاذ البلد إلى إنقاذ المنظومة. الزعم بإنقاذ البلد سيكون الغطاء لإنقاذ المنظومة، وهذا ممكن نظريا لكنه على الأرض يزداد عسرا كل يوم. فما لم يشعر الناس البسطاء بثمرة الصبر على الحكومة فلن يطول صبرهم والحكومة ملزمة بتقديم شيء ما لكنها لا تملك أسبابه، فالمنظومة بخيلة بما لديها وأعني طبقة الفاسدين المفسدين الذين فازوا بالإعفاءات الضريبية وفازوا بالقروض غير المضمونة. هؤلاء وعوض إسناد الحكومة بالمال والمشاريع التشغيلية اتجهوا إلى تمويل إعلام فاسد ليموه فقر الحكومة ويزين رئيسها بصورة ابن الشعب.

الآن يتذكر الجميع أن هذه الفئات (الطبقة التي صنعها بن علي نفسه) قد تخلت عنه في لحظات هزيمته وباعته ونراها الآن تبيع الشاهد والباجي بعدم مد المساعدة لهما في مشاريع تنموية منقذة للحكومة وللبلد. أصحاب الجمع والمنع هؤلاء هم عصب المنظومة التي تسند الحكومة بالإعلام منتظرة انطلاء حيلها القديمة على شعب تحرر من الخوف. الحكومة ليست في حاجة إلى صورة جميلة لرئيسها بل إلى أموال كثيرة من الداخل لتمد الطرقات وتبني المشافي وتضغط على كلفة العيش. هنا يظهر التناقض القاتل للمنظومة ومن هنا يمكن أن يحدث الانفجار الذي لن ترده صورة الوزير الطري العود يأكل وجبة شعبية في سوق.

شعب الكفتاجي ليس مستعدا بعد

المشهد نفسه ومن موقع مختلف: لا شيء يمسك حكومة الشاهد ورئيسها من السقوط غير غياب البديل السياسي النابع من الشارع الذي أنجز الثورة. الشارع المعارض مفكك الأوصال يتفق أغلب فاعليه على تحليل الوضع ويرون أن توحدهم يقويهم لكنهم يتخلفون عن لحظة الفعل. الشارع يقول إن كثرة الزعامات قاتلة ولكن لا زعيم من الزعماء كبر حتى قاد الناس ولا صغر حتى اختفى من تلقاء نفسه. الشاهد يعرف أن الزعامتية في الشارع تنقذه من فشله. في مثل هذا الوضع يمكن للشاهد أن يمد رجله ولو بدون حلول عبقرية. يكفي أن يأكل الكفتاجي ويفتح زر القميص العلوي ليقنع جمهورا طيبا بأن البلاد بخير. هل العيب في الجمهور؟

يجب أن يصرخ أحدهم الآن وهنا، بأن البلاد تسير نحو فوضى عارمة وتتحمل مسؤولية مغامرة سياسية جديدة ما دامت طبقة الكافيار تمارس مسرح الكفتاجي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، يوسف الشاهد، الطبقة السياسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-09-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - شاكر الحوكي ، محمود فاروق سيد شعبان، خالد الجاف ، ضحى عبد الرحمن، علي الكاش، د- محمود علي عريقات، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، محمد أحمد عزوز، أحمد الحباسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي العابد، د. صلاح عودة الله ، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العراقي، د - محمد بنيعيش، أحمد بوادي، إسراء أبو رمان، مراد قميزة، مصطفى منيغ، إيمى الأشقر، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، طلال قسومي، صلاح المختار، عبد الله الفقير، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، عزيز العرباوي، منجي باكير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله زيدان، عراق المطيري، رضا الدبّابي، عمار غيلوفي، رافد العزاوي، مصطفي زهران، علي عبد العال، نادية سعد، يزيد بن الحسين، د. طارق عبد الحليم، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، د - عادل رضا، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، محمد الطرابلسي، د - المنجي الكعبي، محمود طرشوبي، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، أحمد النعيمي، عواطف منصور، محمد يحي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، وائل بنجدو، رشيد السيد أحمد، صفاء العربي، الناصر الرقيق، حسني إبراهيم عبد العظيم، حاتم الصولي، العادل السمعلي، د- جابر قميحة، يحيي البوليني، سامح لطف الله، محمود سلطان، د- محمد رحال، محمد الياسين، د - الضاوي خوالدية، سلام الشماع، أنس الشابي، ياسين أحمد، سامر أبو رمان ، رحاب اسعد بيوض التميمي، كريم فارق، المولدي الفرجاني، عبد الغني مزوز، حميدة الطيلوش، فهمي شراب، الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد بشير، ماهر عدنان قنديل، محمد شمام ، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد ملحم، الهادي المثلوثي، د - صالح المازقي، جاسم الرصيف، صالح النعامي ، عبد الرزاق قيراط ، صلاح الحريري، محمد العيادي، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، سفيان عبد الكافي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رمضان حينوني، مجدى داود، سليمان أحمد أبو ستة، محمد اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم السليتي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة