البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أموال سعودية وعقيدة إيرانية… المضي إلى أين؟

كاتب المقال د. مثنى عبدالله - باريس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2930


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


عام مضى على تسلم الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني، أول شحنة سلاح فرنسي مولتها هبة سعودية بقيمة أربعة مليارات دولار. كان من المفروض أن يتسلم شحنات أخرى لاحقا تشمل أنواعا مختلفة من السلاح الثقيل والمتوسط، وطائرات من دون طيار، ومعدات أخرى ضرورية، لكن السعودية فاجأت لبنان بإيقاف هذه الصفقة خلال الأيام القليلة المنصرمة، نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين، على حد تعبير وكالة الانباء السعودية الرسمية.

وكما كان وصول الدفعة الأولى من التسليح مهرجان مديح وتشكيك من قبل الموالاة والمعارضة، عاد الموقف نفسه ليتكرر بسبب إيقاف المساعدة، والسبب في ذلك هو التركيبة السياسية التي تحكم لبنان، واستمرار مصادرة قراره الرسمي بأذرع قوى هذه التركيبة، التي يدين البعض منها بالولاء للسعودية والآخر لإيران. ما يهمنا هنا هو أن الحدث ألقى الضوء مرة أخرى على وسائل تحقيق السياسة الخارجية لدى هاتين الدولتين الإقليميتين. لقد اعتمدت المملكة العربية السعودية في سياستها الخارجية، ومنذ زمن طويل، على آلية مجاملة ومحاباة الآخرين، وكانت ترى في ثروتها المالية وسيلة كبرى تجعل الطرف الآخر يسيل لعابه فينزلق إلى حد التبعية لها، بينما أغفلت عناصر أخرى هي تملكها وكان بإمكانها أن تكون أوراق ضغط على الآخرين بما يحقق سياستها. قد يكون المال عنصرا مؤثرا في صنع السياسة الخارجية، لكن مجال تأثيره في العلاقات الدولية ربما يكون أضعف من تأثير عناصر أخرى. لكن المملكة اعتمدته عنصرا وحيدا في العديد من المواقف، فكانت النتيجة فشلها في الكثير من الأحداث، وخسرت حلفاء. هي خسرت سوريا حافظ الأسد، لأنها لم تبن معه علاقة سياسية قائمة على أوراق ضغط ومصالح مستديمة، فبنى تحالفا مع عدوتها إيران، وهو في أوج علاقته بها، وهذا فشل سياسي كبير تدفع ثمنه الآن. كما فشلت في كسب أو صنع زعامات سياسية عراقية فاعلة على أرض الواقع، بينما هي أغدقت عليهم الكثير من الأموال، وجمعتهم من لندن وبعض العواصم الغربية وصنعت منهم معارضة. بذلت أموالا كثيرة للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، لكنه في أول محطة تخلى عنها وذهب إلى عدوتها إيران. أما في لبنان فإنه الدليل الأبرز على فشل سياسة شراء المواقف بالأموال، فبعد عقود من الزمن بذلت فيها المملكة أموالا كثيرة لزعامات سياسية معروفة وغير معروفة، يأتي الموقف الرسمي اللبناني ممثلا بوزير خارجيتها، الذي رفض التضامن معها في حادثة حرق سفارتها وقنصليتها في إيران، وهو الوحيد الذي خرج على الاجماع العربي من بين كل الدول العربية.

ربما الموقف الوحيد الذي نجحت فيه المملكة في استثمار أموالها في شراء المواقف، كان في الحرب ضد العراق عام 1991، وفي المساعدة في غزوه عام 2003، لكن تبين في ما بعد أن أموالها تلك مهدت الطريق للامريكان كي يبيعوه إلى إيران على طبق من ذهب، كما قال الراحل وزير خارجيتها السابق. وها هي اليوم ترى بوضوح كيف تحول العراق من مدافع عنها وعن كل الأمة إلى أداة بيد أعدائها وأعداء الأمة، وبذلك قدمت من رصيد مصالحها السياسية والاستراتيجية أكثر مما حصلت عليه، بل أضرت نفسها. حتى مصر في ظل النظام السياسي الحالي، نجد أن سياستها تختلف، بل تتعارض مع سياسة المملكة في الموقف من العراق واليمن وإيران، رغم الأموال التي أغدقت عليه كانت لتعديل الكفة مع إيران. على المستوى الدولي أيضا بذلت أموالا كثيرة كي تبقى في الصف الأول في التفكير الأمريكي، لكنها أصبحت في مرتبة أدنى من إيران في التفكير الامريكي، لأنها لم تستطع اللحاق بالتحول الجيوسياسي في المنطقة الاقليمية والدولية. هي اشترت الوجود الامريكي في المنطقة، لكنها نسيت أن الوجود الامريكي هو منتج للأمن وانعدام الأمن معا. إنه ينتج الأمن في بعض المعادلات المحلية القابلة الراضخة والمستعدة للتعاون، وينتج انعدام الأمن باستقدامه آلاف المتطوعين من الداخل والخارج للجهاد ضده، وهي أول من دفع ثمن ذلك على أراضيها وتهديد أمنها الداخلي.

أما على الجانب الايراني، فمنذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 والنظام السياسي يعتمد العقيدة الدينية في تحقيق سياساته الخارجية. كان العامل الايديولوجي الديني هو الحصان الذي راهن عليه الحكم الجديد، فشرع في بناء أسطورة تقول بأن إيران هي التمهيد لدولة الامام المنتظر العالمية، وأن تحالف المستضعفين واحتماءهم بإيران هو العامل الوحيد الذي سيجعل الارض تمتلئ عدلا بعد أن ملئت جورا، وهي بذلك تحاول أن تبعد عن نفسها صفة الدولة القومية مثل سائر دول العالم الأخرى. هي تسعى أن تكرس لنفسها صورة قاعدة الانطلاق والسراج المنير للآخرين كي يسيروا في الطريق نفسه، وكانت أولى خطواتها في هذا المنهج هو مساعدة المذهبيين والطائفيين لزيادة قوتهم، لأنها ترى أن قوة المذهبيين تعني ضعف قوة القوميين، فهي لا تريد قوة قومية في المنطقة غير القومية الفارسية، وعندما ينسحق الشعور القومي يبقى كأسها هو المعلى في المشهد. ولو نظرنا إلى السلوك السياسي الايراني نجده سلوكا ذا مصالح قومية وأهداف وطنية، لكنها مغلفة بطابع أيديولوجي ديني، ولو أمعنا النظر فيها نجدها هي تماما أهداف أيران منذ زمن الشاه، التي كانت مغطاة بغطاء القومية الفارسية. إذن الفارق الوحيد هو الغطاء وليس جوهر الأهداف, وهي في أحيان كثيرة تجد الغطاء الديني يثقل عليها المناورة لأنه ليس حقيقيا في نهجها، لذلك تبرز لنا بوجوه عديدة في مواقف مختلفة وربما متناقضة أحيانا. فمرة نجدها بوجه فارسي متعصب، وأخرى تبدو لنا راعية مذهب وزعيمته، وثالثة بوجه تدعو العرب للتعاون والتعامل معها، وأخرى تثير قلق العرب وتتآمر عليهم. هذه العقيدة جعلت المشروع الإيراني أكثر جهوزية وسيطرة مركزية من المشروع السعودي، فقد كانت لديها شجاعة مواجهة الاحداث والمساهمة في صنعها، فتمدد نفوذها في بقاع كثيرة بدون حرج وبدون انتظار موافقة الدول الكبرى، لذلك تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية في ميناء عصب الإريتري بالقرب من حدود جيبوتي لتهريب السلاح إلى لبنان واليمن. وبهذه القاعدة يهددون بإغلاق مضيق هرمز. كما أن إيران تنافس إسرائيل في النفوذ في أفريقيا، لوجود جالية لبنانية في العواصم الأفريقية، إضافة إلى النفوذ الطاغي لديها في كل من سوريا والعراق ولبنان. حتى في مقاييس تصنيف الدول، تحاول إيران إيجاد مقياس خاص بها يميزها عن الآخرين ويبعث روح التحدي لدى جمهورها وأتباعها. فمقاييس تصنيف الدول تعتمد عناصر القوة الاقتصادية والتنكولوجيا والقوة العسكرية والسياسية، لكن الرئيس الايراني روحاني يقول في مقالة له في «الواشنطن بوست»، إن عناصر القوة الايرانية هي الكرامة والهوية، وخطها الاحمر هو كرامتها والاعتراف بدورها الاقليمي. وهنا يضرب بقوة على دور العامل الايديولوجي كوسيلة من وسائل صنع السياسة.
قد تكون المملكة العربية السعودية شعرت بخطأ اعتماد شراء المواقف بالمال، والخسائر الكبيرة التي جنتها من وراء ذلك، وهي تحاول اليوم تغيير هذا السلوك، لكن إيران مازالت مصرة على اعتماد العقيدة في سياستها، حتى يحين أمر انكشاف زيفها قريبا ويكون سقوطها مدويا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

لبنان، السعودية، إيران، وقف التمويل السعودي للبنان، التمويل السعودي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فوزي مسعود ، رمضان حينوني، د. طارق عبد الحليم، كريم السليتي، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، سعود السبعاني، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بن موسى الشريف ، سفيان عبد الكافي، عبد الله الفقير، د. عبد الآله المالكي، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العراقي، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، علي الكاش، صالح النعامي ، الهيثم زعفان، د- محمد رحال، عمر غازي، د- جابر قميحة، عبد الله زيدان، د. أحمد محمد سليمان، رشيد السيد أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مصطفى منيغ، أبو سمية، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سامح لطف الله، طلال قسومي، فتحي العابد، د - محمد بنيعيش، فهمي شراب، د. صلاح عودة الله ، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح الحريري، إياد محمود حسين ، إيمى الأشقر، فتحي الزغل، أنس الشابي، علي عبد العال، مراد قميزة، صلاح المختار، د - عادل رضا، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، د- محمود علي عريقات، محمود سلطان، محمد الياسين، سلام الشماع، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، عواطف منصور، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، د - شاكر الحوكي ، ياسين أحمد، إسراء أبو رمان، د - المنجي الكعبي، أحمد بوادي، أحمد النعيمي، حسن عثمان، عمار غيلوفي، حسن الطرابلسي، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، أشرف إبراهيم حجاج، منجي باكير، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، عبد الغني مزوز، مجدى داود، عزيز العرباوي، رافد العزاوي، محمد شمام ، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، د - الضاوي خوالدية، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العربي، تونسي، د. خالد الطراولي ، نادية سعد، حاتم الصولي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الهادي المثلوثي، ضحى عبد الرحمن، د - صالح المازقي، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد بشير، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم فارق، سيد السباعي، حميدة الطيلوش، خالد الجاف ، سلوى المغربي، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، محرر "بوابتي"، مصطفي زهران، أ.د. مصطفى رجب، جاسم الرصيف، عراق المطيري، العادل السمعلي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة