البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

البحث عن الهوية المفككة من خلال توظيف المدينة العتيقة في السينما التونسية

كاتب المقال وئام فاتح - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5600


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يعيش التونسي اليوم تذبذبا وانفصاما في تشكيل حياته، ونجده في هروب دائم من ذلك الشعور بالذنب نحو محاولة إعادة إحياء التراث بشتّى الطرق في ترسيخ منه لهويته، وعلى هذا الأساس تكون مسألة التراث من المسائل المطروحة اليوم بشكل حاد في الوسط الإبداعي، خاصّة وأننا أمام غزو ثقافي كبير لم يحول دون سعينا المتواصل للمحافظة على ذواتنا وعلى هويّتنا المهدّدة بالإنقراض.

فيحاول كلّ منا انطلاقا من مجال إبداعه التكفير عن ذلك الذنب، كما هو شأن السينما التي جعلت لنفسها مخرجا وطريقا تسلكه، حيث كان تعاملها مع التراث في أغلب الأحيان عبر توظيف المدينة العتيقة كرمز ومنبع وحاضنة له في نفس الوقت. وهو ما يفسر ميلها الكبير للتراث لتتّخذ منه مجالا و فضاءا في إبداعها.

غير أن البعض يرى أن حضور المدينة العتيقة في السينما التونسية هو إرضاء للشركات الغربية التي تشارك في الإنتاج لاسيما وأن تونس من الدول التي عرفت الإستعمار سابقا فهي تعدّ محل أنظار الغرب دوما وخاصّة المبدعين منهم والذين يجدون فيها ما يمكن أن يغذّي فكرهم وخيالهم الإبداعي، وذلك لما توفره من مناخ خاص وجغرافية متميزة ومختلفة، وأيضا لثراء فولكلورها، ممّا أدّى إلى توالي الإنتاجات السينمائية التي كانت في معظمها تتميز بالنظرة الإستشراقية محاولة نقل الطابع الشرقي للبلاد التونسية من خلال إستغلال العديد من المكوّنات التراثية التي تزخر بها، لاسيّما منها المدينة العتيقة لجمال هندستها وروعة معالمها. و بقطع النظر عن مدى صحة هذا الرأي فإن السينما التونسية بدورها قد تناولت هذه الظاهرة من زوايا مختلفة لتتحوّل أحيانا نظرة المخرج التونسي للتراث إلى حالة من التفكك تصل به أحيانا إلى حالة مرضية أكثر منها إبداعية. وفي هذا الصّدد من الضروري أن نذكّر بأن أوّل شريط في السينما العربية طرح قضية التراث كان شريط "المومياء" للمخرج المصري شادي عبد السلام والذي يعدّ المرجع الأول الذي يتحدّث على التراث، أما محليّا نذكر المخرج التونسي "الناصر خمير"الذي يرجع في شريطه "الهائمون في الصحراء" إلى رموز الماضي ويفكّكها في بحث عن الهوية. لتمتد هذه الظاهرة في السينما التونسية بصفة واعية أو غير واعية لنجد بأن لكل مخرج نظرته حول كيفية تقديمها وتناولها.

غير أن الحديث كان دوما على أنّ السينما المحليّة إنحبست في مكان المدينة العتيقة في حين أننا لم نحاول تحليل النظرة التي قدّمتها حولها، فالحديث والتركيز عليها ليس عيبا في حدّ ذاته بل إنّ المهمّ هي المقاربة التي يجب تحليلها والتي من خلالها يمكن ان نفسر هذا الاهتمام. لأن المقاربات تتعدّد وتختلف من سينمائي إلى آخر بالتالي فالصورة التي أتت عليها المدينة في الأشرطة التونسية لم تكن واحدة أو متشابهة ولم تكن أيضا مجرّد حشو لكي نحتجّ على وجودها بل نراها تختلف من عمل إلى آخر. ومثالا على ذلك نجد شريط "الفجر"لعمر الخليفي، حيث كانت المدينة مشاركة في مقاومة شعب بأكمله ضد الإحتلال الفرنسي فهي بمثابة الأرضية أو الفضاء الذي لا يعرف مسالكه ومتاهاته غير سكانه الأصليون، كما إحتضنت مدينة صفاقس العتيقة فيلم النوري بوزيد "ريح السدّ" لتكون حاضرة بأصواتها ورناتها ومغامراتها كما تناولها في شريطي "صفائح من ذهب" و "بزناس"، أمّا في شريط "الحلفاوين" كانت متميزة بعالمها الخاص وأماكنها السرية ومعمارها المرصّع بنظام فتحاته، كما نجد أيضا رضا الباهي في عمليه "شمس الضباع" و"عتبات ممنوعة" يطرح قضية المدينة العتيقة والأمثلة كثيرة.

مما أدى إلى إختلاف المقاربات السينمائية التونسية حول تناول المدينة العتيقة غير أنه قد كان لشريطي "خليفة الاقرع" لحمودة بن حليمة و"يا سلطان المدينة" للمنصف ذويب الفضل الكبير في التحديد الحاسم لأهم ملامح هذه المقاربات التي إنبنت على ثنائية التمجيد والتنديس.




فبقدر ما أبرز لنا حمودة بن حليمة المدينة من خلال جوانبها الحميمية و الإحتفالية وهندستها المعمارية الأصيلة وبقدر ما إحتفى بها أيّ ما إحتفاء كمحضن رئيسي لقصص الغرام وأسرارها بقدر ما عكس المنصف الذويب الصورة مركزا في ذلك على الجوانب الخفيّة والقذرة في المدينة التقليدية ومركزا أيضا رؤيته على فئة إجتماعية تعيش في دواميس هذا المكان التقليدي حسب نواميس وتقاليد تحتكم إليها هذه المجموعات الهامشية مبرزا صراعاتها من أجل الإستحواذ على السلطة.



فقد تناول حمودة بن حليمة المدينة العتيقة انطلاقا من نظرة تحمل ثقافة أدبية فمثّلت بذلك فضاءا في روعته يشبه الفردوس يقبع بين أحضانه شاب معزول عن أقرانه وقد اتخذ من صحبة النساء أهم مشغلا في حياته، أمّا المنصف الذويب فإنه تناولها بنظرة أخرى مغايرة تعكس ثقافة تجنح إلى اللغة الشعبية والعامية التونسية بما فيها من وقاحة بعد أن أشاد بها من خلال عمله "حمام الذهب بلاّع الصبايا" ، وتفطّن إلى أنه إذا بقينا نتحدث عن المدينة العتيقة من خلال الصورة الفولكلورية الجامدة لن نقدّم من شيء جديد، فتكلّم في شريطه "يا سلطان المدينة" عن هذه الإنسانية المهمّشة التي تقبع في خباياها:إنسانية لها قيمها وتقاليدها...



غير أنه ورغم تعدد الانتاجات السينمائية التونسية في البحث عن الهوية المفككة من خلال تصوير المدينة العتيقة فإنه إلى يومنا هذا لا تزال هذه المسألة محط تساءل و إبداع خاصة و أن السينما تطرح القضايا بالدرجة الأولى من خلال الفضاء و اشكالياته.

----------
"البحث عن الهوية المفككة من خلال توظيف المدينة العتيقة في السينما التونسية"
تقديم الطالبة وئام فاتح من تونس متحصلة على شهادة الماجستير في جماليات و ممارسات الفنون المرئية و مرسمة بالسنة الخامسة شهادة الدكتواه في علوم و تقنيات الفنون


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات فنية، بحوث فنية، المدينة العتيقة، السينما التونسية، دراسات علمية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-03-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
نادية سعد، د- محمد رحال، سعود السبعاني، ماهر عدنان قنديل، عراق المطيري، محمد يحي، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، د. خالد الطراولي ، وائل بنجدو، عبد الله زيدان، علي عبد العال، فهمي شراب، إيمى الأشقر، حسن عثمان، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، رافد العزاوي، صفاء العربي، منجي باكير، يزيد بن الحسين، أحمد النعيمي، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رضا الدبّابي، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، د. طارق عبد الحليم، كريم فارق، تونسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أبو سمية، كريم السليتي، د. عبد الآله المالكي، حسني إبراهيم عبد العظيم، إسراء أبو رمان، سيد السباعي، فوزي مسعود ، عبد الغني مزوز، علي الكاش، د - عادل رضا، د- هاني ابوالفتوح، صباح الموسوي ، مجدى داود، فتحي العابد، حسن الطرابلسي، محمود سلطان، خالد الجاف ، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، صالح النعامي ، المولدي الفرجاني، محمد عمر غرس الله، محمد الطرابلسي، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، مصطفي زهران، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، حميدة الطيلوش، د - شاكر الحوكي ، طلال قسومي، جاسم الرصيف، محمد شمام ، د - صالح المازقي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد الحباسي، محمد أحمد عزوز، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، د. صلاح عودة الله ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، أ.د. مصطفى رجب، الهادي المثلوثي، فتحي الزغل، أنس الشابي، صلاح الحريري، سلام الشماع، د- جابر قميحة، الناصر الرقيق، رافع القارصي، د. أحمد بشير، ضحى عبد الرحمن، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بوادي، يحيي البوليني، فتحـي قاره بيبـان، محمد العيادي، عزيز العرباوي، العادل السمعلي، عواطف منصور، محمد اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلوى المغربي، مراد قميزة، عمر غازي، رمضان حينوني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة