سيد شعبان أحمد -مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4984
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كل منا يفخر بوالده و يتحدث عنه و ينقل عنه المآثر و قد وفرت ثورة المعلومات التي تجتاح العالم من الوسائل ما يجعل مهمتنا سهلة في توثيق و تسجيل بيوغرافيا من نحبهم فما بالك بشخصيات كانت رموزا في عالم الادب و الفن مثل "عباس الاسواني".
مع نزول رواية "نادي ألسيارات الي المكتبات وددت ان اتعرف اكثر علي شخصية الروائي "علاء الاسواني " من خلال والده الذي لا بد و ترك فيه اثرا منه.. بالبحث عن "عباس الاسواني" بواسطة "محرك جوجل" لم اجد عنه شيئا علي الاطلاق مجرد اشارات اليه وردت علي لسان اناس عاصروه و لكن لا يوجد شئ يتعلق به لذاته.. حتي الصور التي وجدتها لا تتجاوز اثنتين احداهما منقولة من صورة شمسية و الاخري صورة باهتة نقلت من لقاء تلفزيوني مسجل في" اليوتوب"و هذا غريب سيما و ان عباس الاسواني كان اديبا ( ليس كبيرا ) و لكنه مازال اديبا و يستحق ان يكتب عنه حيث عرف في الستينات من القرن الماضي بكتابته لمقامات عرفت ب"المقامة الاسوانية ".
و اذا افترضنا جدلا ان الاخرين لم يكتبوا عنه كان حريا بأبنه "علاء" ان يقوم بذلك. و لكنه لم يحدث... و هذا في رأيي غريب جدا و يدعوا للتساؤل.... اظن ان مفتاح شخصية علاء الاسواني و مفاتيح شخصيات رواياته التي دأب علي اثارة الشارع الادبي و غير الادبي من خلالها تكمن في والده (الاسود البشرة) سيما و ان القارئ لرواياته يجد قاسما مشتركا و نمطا يتكرر بشكل لا يمكن ان يكون عفويا و هو الحط من شأن اصحاب اللون الاسود. هذه السيكلوجية النفسية اظنها ناتجة من علاقته بوالده(يذكر ان علاء الاسواني نتاج أب اسود غير نوبي قدم من اسوان و ام ارستقراطية بيضاء).
ضمن شخصيات رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الاسواني سفرجي اسود (اظنه نوبي) يقوم بدور الممارس للشذوذ مع طفل يقوم علي خدمته. و في رواية "شيكاغو" لنفس الكاتب جاء علي لسان احدي الغانيات "انها تتعف من ممارسة الجنس مع رجل اسود" . وفي رواية" نادي السيارات" لذات الكاتب ايضا اظهر طاقم الخدم النوبيين (السود) ايضا في ادوار سلبية و نزل بهم لدرجة العبودية و هو الفصيل الوحيد في مصر قاطبة الذي تمكن من الاحتفاظ بمكونات ثقافته الفرعونية كما هي (و هذا دليل سيادة) في حين فقد الاخرون ثقافتهم الفرعونية لصالح ثقافة الوافد العربي (و هذا دليل عبودية باعتبار ان العبيد علي دين اسيادهم). و لولا بناء خزان اسوان و تعلياته المتكررة و انتهاءا ببناء السد العالي التي ساهمت في افقارهم و تشتيتهم في مختلف بلدان مصر نظرا لغرق مناطقهم تحت بحيرة النوبة(السد العالي) ما اشتغلوا في الاعمال الدونية و لبقوا فلاحين في اراضيهم ...المأساة التي تعرض لها النوبيون كانت كفيلة بانحراف اي مجموعة انسانية تتعرض لنفس الظروف ... قبائل غير نوبية (عربية) اخري تجاورنا تتعاطي في قطع الطرق و النهب و القتل و زراعة المخدرات و يخرج فيهم "خط" (سفاح) كل عقد من الزمان , و لم يتعرضوا لمثل ما تعرض له النوبيون... مع كل هذه الظروف مازال النوبيون علي عهدهم من الصدق و الامانة و الشرف و العزة و الكرامة و يحظون باحترام الشعب المصري حتي ان النوبي مطلوب لذاته لشغل بعض الوظائف التي تتطلب بالامانة و نظافة اليد .
يذكر ان النوبيين (رغم الفقر الشديد) في ذلك العهد لم يعرف عنهم انهم تكسبوا من نساءهم بدفعهن لامتهان عمل الخدامة(العمل في البيوت) او الغسالة(مهنة غسل الملابس حيث يتم كراءهن للقيام بذلك) .عمل النساء كان قاصرا علي نساء الدلتا و الصعيد اما النوبيين فقد جنبوا نساءهم العمل في البيوت و التعرض للهتك و الاعتداء و هذه من شيم السادة لا العبيد. ايضا العبودية في مصر كانت بيضاء فقد سبق للفراعنة ان استعبدوا العبرانيين الساميين ثم في فترة تاريخية لاحقة استخدم الولاة المماليك كجنود كانوا يجلبون كارقاء من اسيا الوسطي و شرق اوروبا و يتم تنشأتهم علي القتال. هؤلاء كانوا يجلبون بالالاف و كان لهم تأثيرا كبيرا علي الديمغرافية السكانية في مصر(راجع تراث العبيد في حكم مصر المعاصر).
لعل ما يلقي الضوء علي المصدر الذي يستقي منه علاء الاسواني مادة رواياته جاءت بالمصادفة علي لسان الفنان طوغان ..نشر الفنان طوغان(رسام الكاريكاتور الشهير) اوراقه الخاصة في جريدة الاهرام يوم الجمعة الموافق 17 مايو 2013 بعنوان "عباس الاسواني صديقي حلال المشاكل" و فيها نبذة عن عباس الاسواني يقول فيها.. ان عباس الاسواني كان له مكتبا في عمارة يعقوبيان!!!!!.. و هي نفس العمارة التي اتت كعنوان لرواية ابنه علاء الاسواني . هذه المعلومة لم يذكرها علاء و لم ترد ضمن التعريف بالرواية انه استمد شخصيات الرواية من خلال العمارة التي امتلك فيها والده مكتبا للمحاماة.
معلومة اخري ذكرها الفنان طوغان ان عباس الاسواني كان المستشار القانوني لنادي السيارات و هو نفس النادي الذي اتي عنوانا لروايته التالية.!!!!!! ايضا لم يذكر علاء الاسواني في قصته عن فضل والده في ميلاد القصة كما لم يذكر عن عمل والده في النادي.
اذن نحن امام مصادفتان... لا يمكن ان تتكررا علي سبيل الصدفة. و لكن السؤال القائم الذي يحتاج الي اجابة هو لماذا لم يذكر الكاتب علاء الاسواني هذه المعلومات و هو بصدد نشر الروايتين و اغفل ذكرها. السؤال الثاني مبني علي السؤال الاول و هو ما سبب هذا الاغفال المتعمد. هل ثمة شئ يسوءه لو علم الناس بها!
االكاتب علاء الاسواني في تركيبته التشريحية جاء بين الابيض و الاسود في لونه(كانعكاس للزواج المختلط) و ملامح تميل للملامح الافريقية . كما انعكس هذا المزيح وجدانيا ... و لانه يعيش في مجتمع ابيض لا بد و ان يكون قد تعرض للتقريع من بشرة و الده و بشرته هو ايضا. في مثل هذه النوعية من الزيجات تكون الكفة مائلة ناحية الام و ربما لمس مواقف لم تكن في صالح والده ما اثر عليه نفسيا في مرحلة الصغر و بتراكم هذه المواقف انغرس في وجدانه عقيدة مفادها ان الاسود Inferior و الابيض Superior و هو ما عكسه في قصصه التي تتناول حياة الطبقة البرجوازية التي يري نفسه منتميا اليها (انحياز وجداني ناحية الام الارستقراطية) و ينأي بنفسه عن الطبقة الدنيا و هم الخدم السود (المقابل لابوه الاسود).
هذه السيكلوجية نتاج مشاعر بالنقص اللوني سببه شعور داخلي ممزق في عدم انطباق لوني مع عموم المصريين(الحنطيين)... من المعتاد في مصر ان يتعرض الاسود و الاسمر الي التقريص و السخرية يتجاوزها البعض و لكن البعض الاخر تسكنهم هذه السخرية و تتحول الي هاجس او عقدة تؤثر علي حياتهم و تفكيرهم. فيلجأون الي حيلة نفسية تمكنهم من القفز و تجاوز هذه العقدة بالقيام بالسخرية و التقريع و الحط من الذين يشاركونه لون البشرة لايجاد شعور وقتي بالانفصال الوجداني عن اصحاب ذلك الشئ الذي يؤرقه فيغالب شعور النقص بالانحياز الي اصحاب اللون الفمحي (في حالتنا) ممن لا يعتريهم ذلك العوار اللوني الاسود( وفقا لمنظوره المعقد) فيحصل علي توازن نفسي يشعر معه بالراحة .
هذه السيكلوجية غالبا ما تعتري اناس لا يملكون تراثا ثقافيا و قيميا و جذورا تاريخه يستمد منها ما يغالب تلك المشاعر السلبية.
يذكر ان سكان اسوان يتألفون من عدة قبائل هي . قبيلة النوبيين : ترجع تاريخهم الي عهد الفراعنة و مازالوا محتفظين بثقافتهم الفرعونية و لغتهم النوبية دون تعريب. و هي تعد اقدم العناصر القبلية في اسوان . قبيلة الجعافرة: و هي قبيلة ترجع اصولها الي الهوارة قدموا من المغرب , يزعمون الاصل العربي و انتسابهم الي آل البيت. اقاموا فترة في دلتا مصر (في الشمال) بعد وصولهم من المغرب, ثم استعان بهم المملوك الظاهر بيبرس (حاكم مصر) لمحاربة امارة الكنوز النوبية في الجنوب و بعد ان دانت لهم الامور استقروا في اسوان و اختلطوا بسكانها الاصليين من النوبيين . قبيلة العبابدة : هي قبائل بشارية الاصل (البشارية او البجة قبيلة حامية تسكن محافظة البحر الاحمر في شرقي اسوان) تعربت و تزعم الاصل العربي . و اخيرا الصعايدة و هي عناصر سكانية وافدة حديثا علي اسوان عملوا في بناء خزان اسوان و من بعده السد العالي ثم طابت لهم المقام في اسوان فاستقروا بها... هذا علاوة علي قبائل اخري صغيرة و "كشاف" ينحدرون من جذور مملوكية و جالية سودانية و افريقية و مجموعة صغيرة تنحدر من ارقاء سابقين تم تحريرهم في اواخر القرن التاسع عشر. تلعب القبيلة دورا مهما في حياة الاسوانية و من ثم تعريف الفرد بقبيلته من الحيثيات التي يحرص عليها الاسوانية . مثل النوبي و الجعفري و العبادي و العقيلي و البشاري و هكذا.... اما الانتساب الي "اسوان" فهو شيمة انسان بلا جذور بلا قبيلة يفخر بالانتماء اليها فيؤثر الانتماء الي اسوان المدينة الكوموزبوليتانية التي تضم عناصر و قبائل متنوعة يسيح وسطها فلا يعرف له معلم.
مرة اخري نعود لتكرار القول المفتاح لفهم روايات علاء الاسواني و شخصيات هذه الروايات يتمثل في والده عباس الاسواني و عمله و علاقه علاء به. كلها بحاجة الي تحليل ادبي لكشف السيكلوجية التي تقف وراء رواياته.
هذه الروايات التي تتسم بالخروج عن المألوف في محاولة لنقل واقع غربي و اسقاطه علي الواقع الشرقي فيما يخص بسلوكيات اجتماعية معيبة (كالمثلية و ممارسة الشذوذ و العلاقات الجنسية المنفلتة) لايجاد نوع من التطبيع لهكذا سلوكيات في المجتمع المصري و الشرقي و جعلها مقبولة . لذلك نراه يحصد الجائزة وراء الاخري من مؤسسات غربية ترعي هذا التغيير الاجتماعي.
علاء الاسواني في انتظار مبضع ناقد محلل ليثبر غور هذه العقد اللونية التي تسكنه من ذكري والده الاسواني الاسود و يسئ الي اناس سادة حاميون من اعرق العناصر المصرية شاء حظهم العاثر ان يشاركوا لون والده عباس الاسواني
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: