البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الاستشراق الأمريكي: الجذور والملامح

كاتب المقال هشام منور   
 المشاهدات: 6086



ورث الاستشراق الأمريكي عن نظيره الأوروبي، المتقدم عليه زمنياً، معظم أدبياته وتراثه من تصورات ومفاهيم وأحكام إزاء الحضارة العربية الإسلامية وما عرف في تلك الأدبيات (بالشرق العربي الإسلامي). وفي ضوء التركيبة الإثنية والثقافية المشوشة التي غلبت على المهاجرين الأوائل إلى القارة الجديدة (أمريكا)، وعدم اتساق هوية جامعة لمكوناتها البشرية، كان لا بد لأولئك المهاجرين من استعارة ذواكرهم الثقافية وتراثهم الحضاري الأوروبي الطابع، بما يعنيه من تأثر واضح بتراث أوروبا القروسطي والمفعم بثقافة الكراهية وعدم التواصل، ومن ثم كتابات عصر النهضة الأوروبية، لتشكل بمجموعها خزاناً معرفياً أولياً للآباء المستشرقين، بما يعنيه ذلك من تحمله رواسب العلاقات الأوروبية مع العالم الإسلامي عبر مئات السنين، وصعوبة تقدير تمايزه معرفياً ونفسياً عن جذوره الأوروبية بامتياز.

وكما في الجذر الاستشراقي الأوروبي، ارتكن نظيره الأمريكي إلى كتاب (ألف ليلة وليلة) بوصفها وثيقة تاريخية واجتماعية معبرة عن نمط الحياة العربية الإسلامية (المشرقية) بوجه عام. ويعدّ كتاب (واشنطن إرفنغ) المعدود من كبار الأدباء الأمريكيين، والمعنون (بالحمراء) أثراً من آثار اهتمام الكاتب بهذا الكتاب التأسيسي بالنسبة للاستشراق الغربي بوجه عام.

ورغم نشاط حركة الترجمة والاستيراد من أوروبا، ونجاحها في إثارة الاهتمام بمفردات الاستشراق وكتاباته، فإن ازدهار حركة التنقيب والكشف عن الآثار من قبل المجموعات الأمريكية المختصة في الشرق الأوسط قد أسهمت في ارتفاع رصيد الشغف المعرفي لاكتناه الشرق العربي، والوقوف على أسرار الشرق وتقصي قصصه وتراثه والحصول على ثرواته الدفينة.

وفضلاً عن الأدباء والآثاريين والمبشرين الأمريكيين الذين عنوا بالشرق ومفرداته التاريخية الدفينة، كان لحركة التجارة والدبلوماسية الأمريكية دوراً هاماً في تعزيز النهم الاستشراقي الأمريكي تجاه الشرق وفضاءاته. فالدوافع المعرفية والروحية الدافئة بالنسبة للقارئ الأمريكي، المتدين بصورة واضحة، والتي وجهت خطى العلماء الأمريكيين للتزود بالمعرفة والروحانيات من الأرض المقدسة، كانت مسبوقة بالسفن التجارية والحربية الأمريكية بفعل ما يسمى أمريكياً (بحروب الساحل البربري) بين عامي 1785 و1815. والتي أدى إخفاقها إلى تفاوض حكومة الولايات المتحدة مع حكام الشمال الإفريقي لحماية السفن الأمريكية التي لم تفلح تلك المعاهدات من وضع حد للاعتداءات عليها، الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة لتشكيل قوة بحرية من ست سفن حربية للمرابطة في البحر الأبيض المتوسط، لا تزال تعرف بالأسطول السادس.

ويبدو افتراق الاستشراق الأمريكي عن نظيره الأوروبي من خلال تشكيله لاستشراق خيالي روحي الطابع ومتباين في وظائفه الاستراتيجية. فقد نسج المفكرون الأمريكيون الأسطورة الأمريكية لشعبهم من خلال موضعة العالم العربي في بنائها الأساسي، وعبر رمزية (كريستوف كولومبوس) الذي يعدّ الرجل الأمريكي الأول، والمنطلق من إسبانيا ذات البعدين العربي والأوروبي، ورحلته إلى العالم الجديد، تبدو مقارنة رحلته المنطلقة من الأندلس نقطة التقاء الشرق القديم (العرب /الإسلام) بالغرب القديم (أوروبا/ المسيحية) لتحقيق مزاوجة بين نصفي العالم القديم على ارض أمريكا الوليد الجديد. وبهذه الرؤية الرمزية تمكن الاستشراق الأمريكي من تبرير أهمية العالم العربي ودوره في صياغة مستقبل الولايات المتحدة بوصفه أحد عناصر رؤيته الحالمة للمستقبل.

إلا أن بدايتا الاستشراق الأمريكي الرسمية تنطلق من خلال تأسيس (الجمعية الشرقية الأمريكية) عام 1842م، بهدف تنظيم أنشطة المهتمين بالعمل الاستشراقي في ضوء تزايد أعدادهم، والحاجة إلى تحريره من الرؤى الرومانسية والتخيلية المنصبغة بالتراث الأوروبي إلى حد بعيد. وعلى الرغم من انضمام أكاديميين مهمين إلى هذه الجمعية (أمثال فيلتون وسالزبري) إلا أن الكنسية والروح التبشيرية ظلت مهيمنة على العمل الاستشراقي الأمريكي حتى بدايات القرن العشرين، والذي عرف منحنى أكاديمياً واضحاً أسهم في إنضاج الرؤى الاستشراقية الأمريكية على يد (وتني).

على الرغم من الوعي الاستشراقي الأمريكي المبكر بالحضارة العربية الإسلامية والشرق بوجه عام، إلا أن الأغراض والدوافع السياسية والاقتصادية والدينية كانت عاملاً محرضاً على هذا الإعجاب الأمريكي المبكر بحضارة الشرق وإنجازاته. وبينما سادت الاستشراق الأمريكي رؤى رومانسية حالمة في بداياته التاريخية، إلا أن النمط الأكاديمي المنهجي نجح في تثبيت أقدامه مطلع القرن العشرين، ورغم محاولات الاستشراق الأمريكي الاستبراء لنفسه عن المنظومة السياسية الأمريكية الرسمية ومطامعها التوسعية في الشرق، إلا أن ارتباط معظم رجالاته بالمؤسسات البحثية، سواء منها الرسمية الحكومية، أو غير الرسمية الممولة من قبل اللوبيات المتعاطفة مع الكيان الصهيوني واليمين المحافظ، يسهم في رسم صورة نمطية للولايات المتحدة بجميع تمظهراتها العلمية والسياسية والاقتصادية في ذهن العرب والمسلمين اليوم. وهي صورة بات الاستشراق الأمريكي الأكثر نزاهة من نظيره الأوروبي يعاني من وطأتها وآثارها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإستشراق، الغرب الكافر، امريكا، الغرب، غزو فكري، تغريب، استعمار،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-03-2009   almoslim.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- هاني ابوالفتوح، نادية سعد، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، ضحى عبد الرحمن، تونسي، محرر "بوابتي"، عمر غازي، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - المنجي الكعبي، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صالح النعامي ، صلاح الحريري، محمد الياسين، فتحي العابد، طلال قسومي، علي الكاش، فهمي شراب، د. صلاح عودة الله ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح المختار، د - صالح المازقي، عمار غيلوفي، سلام الشماع، محمد شمام ، د- محمد رحال، مجدى داود، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الرزاق قيراط ، صفاء العراقي، منجي باكير، حاتم الصولي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله زيدان، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، د. أحمد بشير، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، حسن الطرابلسي، محمود سلطان، أبو سمية، رمضان حينوني، محمد يحي، د.محمد فتحي عبد العال، إياد محمود حسين ، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - شاكر الحوكي ، المولدي الفرجاني، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، محمد أحمد عزوز، د- محمود علي عريقات، أحمد ملحم، د. طارق عبد الحليم، محمود فاروق سيد شعبان، فوزي مسعود ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهيثم زعفان، سامح لطف الله، محمد العيادي، عبد الغني مزوز، أنس الشابي، كريم فارق، مصطفي زهران، د. عبد الآله المالكي، حسن عثمان، سفيان عبد الكافي، صباح الموسوي ، صفاء العربي، د- جابر قميحة، ماهر عدنان قنديل، رافد العزاوي، فتحـي قاره بيبـان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عواطف منصور، رضا الدبّابي، إيمى الأشقر، وائل بنجدو، سليمان أحمد أبو ستة، أشرف إبراهيم حجاج، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، عراق المطيري، رافع القارصي، فتحي الزغل، ياسين أحمد، أحمد بوادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، حميدة الطيلوش، د - عادل رضا، رشيد السيد أحمد، علي عبد العال، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، سيد السباعي، عبد الله الفقير، كريم السليتي، سلوى المغربي، سعود السبعاني، خالد الجاف ، العادل السمعلي، د. خالد الطراولي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة