البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

العلمانيون العرب وحملات التزييف

كاتب المقال د. محمد يحيى   
 المشاهدات: 6303



على الرغم من دعاية العلمانية في العالم العربي بأنها ترفع لواء الحرية والمساواة والتقدم إلا أن ذلك يغطي على حقائق كئيبة عديدة هي واقع تلك الدعوة. ومن هذه الحقائق التي لم تحظ بكبير اهتمام هي توجه العلمانية على وجه خاص ضد الإسلام ولصالح أقليات دينية في العالم العربي بدأت تتحرك وتنشط لتصل إلى السيطرة في وقت تتعرض فيه الأغلبيات المسلمة التي عاشت تلك الأقليات في كنفها إلى التهديد والضعف. فعندما تنادي العلمانية وبالذات في البلدان العربية الكبرى التي توجد بها أقليات غير مسلمة [ومصر هي هنا الحالة الأبرز] بفصل الدين عن الدولة وسائر نشاطات الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية فإنها تتجاهل حقيقة مهمة وهي أن الإسلام ليس له كنيسة أو مؤسسة دينية راسخة يستند إليها وترعاه وتحتضنه بعد إبعاده عن الحياة العامة أو على الأقل الرسمية. وعلى العكس من المسيحية مثلاً في مذهبها الكاثوليكي والأرثوذكسي بالذات [وكذلك المذهب البروتستانتي] لا توجد في الإسلام مؤسسة دينية. وما يسمى بمؤسسات دينية إسلامية يسمى على سبيل المجاز فقط لأنها في الواقع إما هيئات تعليمية دراسية [معاهد، جامعات] أو هيئات محدودة للإفتاء لكنها كلها لا سلطة فعلية لها ولا ولاية خاصة على جموع المسلمين ولا تأصيل قانوني أو دستوري لها، فضلاً عن كونها في الحالة المصرية مؤسسات ضعيفة وهي واقعة بالكامل تحت سيطرة السلطة السياسية التي تسيّرها وتسيطر عليها من خلال بعض المستويات الدنيا أو المتوسطة من الجهاز الأمني السياسي. ولا تقتصر السيطرة السياسية على تلك المؤسسات على فرض الصمت والإقصاء عليها وحصارها، بل يمتد إلى فرض مفاهيم معينة عليها في مجالات الفكر الديني والشريعة بل وحتى في بعض الثوابت الشرعية من الأحوال الشخصية إلى التعاون مع أعداء الإسلام التقليديين أصحاب التوجهات الصهيونية والصليبية العالمية.


المشكلة إذن في فصل الدين عن الدولة أو الحكم أو أي من مجالات الحياة هو أن هذه الفكرة وهي جوهر العلمانية تتجاهل أن الإسلام يختلف عن المسيحية وتتعامل مع أي دين باعتبار أن الأديان متشابهة وأنها كلها واحدة. ومن هنا فلا يشعر دعاة العلمانية بأي غرابة أو حرج في التشديد على فصل الإسلام عن الحياة لأنهم يعاملون الإسلام كالمسيحية ويثيرون أو يعتبرون أن الإسلام لن يحدث له أي ضرر من هذا الفصل بافتراض أن هناك من يحميه ويرعاه. كما رعت الكنيسة في الغرب المسيحية وحمتها داخلها في فترات المد العلماني الذي استمر حوالي القرنين إلى العقود الأخيرة حينما أدى انتشار وترسخ الاتجاه الديمقراطي إلى عودة الكنائس ومعها الدين بقوة إلى الساحة العامة على امتداد أوروبا وبالذات في الولايات المتحدة وأجزاء كبيرة من العالم.


والذي حدث في أوروبا من ارتداد المسيحية إلى الكنيسة خلال فترات الضعف والمد العلماني لتعود مرة أخرى إلى الازدهار الاجتماعي في فترات الجذر العلماني لا يمكن أن يحدث مع الإسلام لعدم وجود مؤسسة دينية يرتد إليها في حالة الاضطهاد أو في الحالة التي نحن بصددها وهي الدعوة العلمانية إلى فصل الدين عن الدولة. والدولة التي كان الإسلام هو الذي أسسها وأقامها هي في الواقع كل ما يمتلكه الإسلام من مؤسسات فإذا انقلبت هذه الدولة على الإسلام أو تخلّت عنه فما الذي يمكن أن يحدث؟ والمطلوب من الجانب العلماني ليس فقط تخلي الدولة عن الإسلام بشكل سلبي غير مؤذ بل المطلوب الفعلي هو تحرك إيجابي ضد الإسلام بالإقصاء والحصار والتطهير على كل المستويات وليس فقط على المستوى السياسي العام كما يخادع بعض العلمانيين. إذن نحن لا نواجه في الحقيقة عملية فعل سلبي سلمي كما يتصور البعض أو كما تروّج العلمانية أحياناً، وإنما نواجه عملية مطاردة وإصرار على التعقّب لتطهير وتنقية المجال العام باتساعه من الإسلام ووصولاً إلى مستويات التعليم والحياة والأسرة والسلوكيات العامة للأفراد والمجتمع. وفي هذا الوضع سواء في جانبه السلبي [الفصل] أو الإيجابي [التعقب والاستئصال] لا توجد مؤسسة تحمي الإسلام وتقف بجواره وتحتضنه وتحميه.


وحتى لو أريد إيجاد مثل هذه المؤسسة فلن يجد أحد تأصيلاً شرعياً أو قانونياً أو تاريخياً أو اجتماعياً لها. كما لا يمكن العمل على تحويل المؤسسات المسماة حالياً بالدينية إلى مؤسسة شبه كنسية تقوم بواجب احتضان وحماية الدين بعد إبعاده عن الساحة العامة بشكل أو بآخر، فهذه المؤسسات كما قلنا ضعيفة هشة وغير قادرة بحكم وضعها وتكوينها الحالي على القيام بأي مهمة من ذلك النوع بل هي غير قادرة أصلاً إلا على القيام بالمهمة التعليمية المدرسية العلمية التي تقوم فكرتها عليها مع إدراك أنها لم تعد الآن حتى قادرة على أداء هذه المهمة نفسها بسبب عوامل الهدم التي تعرضت لها على يد العلمانية من حصار وتحجيم وقطع للموارد البشرية والمادية، وأخيراً بسبب سياسات تجفيف ينابيع الدين والتدين المتبعة في العالم العربي على مدى ما يزيد عن الربع قرن. غير أن أخطر ما تعرضت له هذه المؤسسات والذي وجه لها ما يمكن أن نسميه بالضربة القاضية هو وضعها تحت سيطرة توجهات علمانية في نفس دوائر الدولة التي تسيطر عليها وهي دوائر لم تكتف بفرض السيطرة الأمنية التقليدية عليها بل فرضت عليها إلى حد كبير علمنة وتغريب المفاهيم الإسلامية التقليدية والأصلية والثابتة. ولهذا كله يصعب إن لم يكن يستحيل أن تقوم هذه المؤسسات بدورها التعليمي المدرسي في الحاضر، فضلاً عن أن تناط بها مهمة المؤسسة الدينية الشاملة والراسخة في الأسس الدينية مثل الكنيسة المسيحية.


الخلاصة إن فرض العلمانية بالمفهوم المطلوب الآن يصيب الإسلام في مقتل ويفرض عليه أزمة وجود وحياة أو موت بسبب مسألة المؤسسة الدينية أو عدم وجود [وعدم القدرة على إيجاد] مؤسسة تقوم بالدور الذي تقوم به الكنيسة في المسيحية. فالإسلام ببساطة دين مختلف عن المسيحية بوضعها الحالي. ففيه شريعة شاملة وهو كما يقال دائما [وهي المقولة التي تغيظ العلمانيين حقا] دين ودولة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

علمانية، تنويريون، أقليات، تغريب، الغرب، خونة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-01-2009   islammemo.cc / islamselect.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها  articles d'actualités en tunisie et au monde
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
 

  28-01-2009 / 10:22:21   ابو سمية
ابرز مثال لما يذكره المقال هو تونس

احسن مثال لما يذكره الدكتور محمد يحيى من ان العلمانية سعت لمطاردة تاثير الإسلام ،حدا وصل جعل المؤسسات الاسلامية التقليدية تحت سيطرة رموز العلمانية، هو مايقع ووقع فعلا بتونس

حيث ان تاثير وسيطرة العلمانيين بتونس وصل حدا ان اصبحت جامعة الزيتونة مرتعا لرموز العلمانية، واصبحوا ينطلقون منها لنشر الهرطقات والزندقة التي يقومون احيانا بفرضها على الطلبة

ولا حول ولا قوة الا بالله
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد ملحم، د - عادل رضا، د- محمد رحال، محمد شمام ، صلاح المختار، محمد الياسين، د. صلاح عودة الله ، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ، يحيي البوليني، سلام الشماع، أحمد بوادي، علي عبد العال، عبد الله الفقير، سيد السباعي، د. طارق عبد الحليم، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، د. عبد الآله المالكي، عبد الرزاق قيراط ، د - المنجي الكعبي، عواطف منصور، د. مصطفى يوسف اللداوي، فهمي شراب، حميدة الطيلوش، حسن عثمان، رشيد السيد أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد النعيمي، د. أحمد محمد سليمان، الهيثم زعفان، فتحي العابد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود طرشوبي، سلوى المغربي، مجدى داود، مصطفى منيغ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ياسين أحمد، رافع القارصي، رضا الدبّابي، د- محمود علي عريقات، رمضان حينوني، صباح الموسوي ، صفاء العراقي، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، إيمى الأشقر، عزيز العرباوي، خالد الجاف ، محرر "بوابتي"، فوزي مسعود ، طلال قسومي، العادل السمعلي، د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، د - الضاوي خوالدية، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، د - صالح المازقي، د.محمد فتحي عبد العال، إياد محمود حسين ، منجي باكير، محمود سلطان، كريم فارق، يزيد بن الحسين، رافد العزاوي، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، حسن الطرابلسي، أحمد الحباسي، محمد الطرابلسي، صالح النعامي ، مراد قميزة، أبو سمية، وائل بنجدو، المولدي الفرجاني، د- جابر قميحة، محمود فاروق سيد شعبان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، فتحي الزغل، د. خالد الطراولي ، خبَّاب بن مروان الحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حاتم الصولي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العربي، د - محمد بن موسى الشريف ، كريم السليتي، الناصر الرقيق، تونسي، سعود السبعاني، رحاب اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، محمد العيادي، أنس الشابي، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، نادية سعد، محمد اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، مصطفي زهران، عمر غازي، جاسم الرصيف، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، محمد يحي، د. عادل محمد عايش الأسطل،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة