البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ودُّوا لو تكفرون كما كفروا

كاتب المقال د - جعفر شيخ ادريس   
 المشاهدات: 8276



يتساءل كثير من المسلمين اليوم عما إذا كانت الحرب الأمريكية الغربية على ما يسمونه بالإرهاب حرباً دينية ؟ الإجابة تعتمد فيما أرى على المقصود بالحرب الدينية . فإذا كان المعني بها أن الغرب يريد أن يحارب الإسلام باسم المسيحية أو أنه يريد نشر المسيحية ؛ فإن حربه ليست دينية ؛ لأن الواقع أن إيمان الغربيين بالمسيحية أو اليهودية صار أضعف بكثير مما كان عليه في الماضي ، بل إن جمهرة كبيرة من قادتهم ومسؤوليهم لم تعد تؤمن بها ولا بأمثالها من الأديان . بَيْدَ أنهم وحتى الملحدين منهم لهم نوع من الانتماء إلى هاتين الديانتين باعتبارهما جزءاً من تاريخهم ومكوناً مهماً من مكونات حضارتهم التي يفاخرون بها ويعدونها خير حضارة عرفتها البشرية . وهذا هو الذي يعنيه بوش و بلير ومن دونهما حين يُصرِّحون بأنهم يدافعون عن منهج حياتهم ، أو حين يقولون إنهم حاربون أعداء الحضارة . هذه الحضارة التي لا ترضى عن دين إلا إذا رضي هو بأن يقر في المكان الضيق الذي حددته له فلا يتعداه إلا إذا أقر بأن الله تعالى قد ترك الناس سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم في أي أمر يتعلق بحياتهم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ، بل ترك كل هذا للناس يقررون فيه ما شاؤوا ، ويغيرونه متى شاؤوا .

الدين المرضي لديهم عنه هو دين لا يعترض على رأسمالية ولا ليبرالية ، ولا يستعمل يداً في أمر بمعروف أو نهي عن منكر . وقد رضيت الأديان كلها فيما يبدو بهذه الحدود التي خطتها لها العلمانية ، بل إنه لم يبق بعد سقوط الشيوعية منهج حياة منافس للمنهج الغربي الرأسمالي الليبرالي . الاستثناء الوحيد هو الإسلام كما كان قد صرح بذلك فوكوياما الذي عبر عن هذا الغرور الغربي تعبيراً واضحاً حين زعم أن التاريخ انتهى فيما يتعلق بمناهج الحياة ؛ فالناس كلهم سائرون نحو هذا النموذج الغربي الذي يراه النموذج الوحيد المناسب لعصرنا ، والذي يسمى لذلك بالحداثة . فالإسلام الذي ما يزال يؤمن كثير من أهله بأنه بديل أصلح للناس من النموذج الغربي لا بد أن يكون حركة رجعية تعرقل تقدم البشرية ؛ فلا مناص من حربه وإيقافه عند حده . فإذا كان هذا هو المقصود بالحرب الدينية فإنها لحرب دينية ما في ذلك من شك . لكن السياسة عندهم مخادَعة . ومن المخادَعة أن لا يصرح قادة الدول الغربية إلا بعض أغبيائهم بأن خصمها هو الإسلام . فالإسلام دين سلام ومعايشة مع بقية الأديان، والغالبية العظمى من المسلمين أناس طيبون مسالمون راضون بالرأسمالية والليبرالية ، إلا شرذمة تسمى الوهابية .
واختيار الوهابية أيضاً اختيار سياسي بارع لا بد أن من أوصوا به أناس مختصون في الدراسات الإسلامية وفي الشعوب الإسلامية . فما يسمى بالوهابية دعوة لها خصوم كثر في العالم الإسلامي سيخدعون فعلاً ويظنون أن الهجوم عليها ليس هجوماً على الإسلام وإنما هو هجوم على حركة ظلوا يعدونها خطراً عليهم لمحاربتها لما هم عليه من أنواع الشرك في العقيدة ، والبدع في العبادات، ولما نسب إليها زوراً من أقوال مخالفة للإسلام . لكن الذي لا يدركه هؤلاء المخدوعون أن ما يكرهه الغربيون فيما يسمونه بالوهابية ليس هو ما يكرهونه هم .

إن ما يعنيه الغربيون وأذنابهم بالوهابية إنما هو إسلام الكتاب والسنة الذي يرسم للناس منهج حياة متكامل ويربيهم على الدعوة إليه وجهاد أعدائه ؛ ولذلك فإنهم لا يقصرون كلامهم عن الوهابية على السعودية وإنما يُدخلون فيه مصر وبلاداً إسلامية أخرى أي كل بلد فيه حركة إسلامية سنية رشيدة سواء كانت سياسية أو غير سياسية؛ لأنهم يرون أن مناخ الفكر السني هذا هو المناخ الذي يغرس فى
نفوس المسلمين اعتزازاً بدينهم ووقوفاً صارماً ضد خصومهم. قادة الحضارة الغربية يريدون منا معاشر المسلمين أن نلبي لهم ثلاثة مطالب :

أولها : أن تكون العلمانية منهج حياتنا كما هي منهج حياتهم ، وأن لا يحتل الإسلام إلا مكاناً ضيقاً في إطارها .
ثانياً : لكن هذه العلمانية يجب أن تكون ليبرالية ديمقراطية في السياسة، رأسمالية حرة في الاقتصاد، إباحية في القيم.
ثالثاً : أن تكون هذه العلمانية العربية أو « الإسلامية » خادمة لمصالح الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأن الدولة قد تحقق ذينك الشرطين السابقين لكنها تكون مع ذلك دولة قوية مستقلة منافسة للدول الغربية.


فالذي تحرص عليه الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة هو أن لا يكون لها في مجال القوة المادية منافس تمكنه قوته من الاستقلال عنها في مراعاة مصالحه . ومن هنا فإنهم ينظرون بكثير من القلق إلى دول مثل الصين و اليابان ، ويعملون على أن لا تكون أي منهما منافساً للغرب .
فالمطلب الثالث هذا هو أبو المطالب عندهم ، وما الآخران إلا وسائل إليه، إن حققا غرضهما فبها، وإلا ضحي بهما في سبيله. أعني أن الديمقراطية مثلاً مطلوبة شريطة أن لا تؤدي إلى موقف معاد، أو منافس للولايات المتحدة. فإذا كانت كذلك استبدل بها نظام دكتاتوري يحقق التبعية.

وهم يسعون لتحقيق هذه الردة فينا أولاً بأن نتبع سبيلهم في الاستماع إلى نصائح يسدونها إلينا في الطريقة التي نفهم بها ديننا ونفسره . تأتي هذه النصائح أحياناً منهم مباشرة، ولكنها تأتي في كثير من الأحيان عن طريق عملائهم الفكريين المنافقين في بلادنا. لكنهم نسون أن كتاب ربنا يحذرنا من الاستماع في أمر ديننا إلى قوم جاهلين به، معادين له، كافرين به. قال الإمام الطبري معلقاً على قوله تعالى : [ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ] ( البقرة : 105 ) . قال رحمه الله : « وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين ، والاستماع من قولهم ، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم ، باطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون » .

أما الوسيلة العملية الخطيرة الثانية فهي أن يطلب منا أن نغير مناهج دراساتنا الإسلامية لكي تتمشى مع تلك الفهوم التي يرونها مجافية للأصولية، ومجاملة للعلمانية . لكن هذه وسيلة خاسرة . فإن خضعت بعض الدول فغيرت وبدلت وحرفت ؛ فما كل الدول بفاعلة ذلك . ولئن غاب الدين الصحيح من المدارس الرسمية فلن يغيب من صدور العلماء الدعاة الربانيين . لقد تكفل الله تعالى بحفظ
هذا الدين في صورة آيات تتلى ، وأحاديث تقرأ ، وفي صورة طائفة لا تزال على الحق ظاهرة لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون .

لكن هذا الإيمان ينبغي أن لا يكون سبباً للتثاقل والغفلة ، بل يجب أن يكون دافعاً قوياً للسعي والحركة استبشاراً بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد . وإنه لمما يساعد على الاستبشار والرجاء أن نعلم أنه ما كل الغرب على قلب رجل واحد في عدائه للإسلام ؛ ففيه مسلمون تتزايد أعدادهم صباح مساء، وفيه منصفون متعاطفون مع المسلمين ، وفيه مرتابون في حضارتهم أو كافرون بها باحثون عن بديل لها . فعلينا أن لا نعادي الناس في الغرب كافة ما داموا لا يعادوننا كافة ، وأن نتذكر أن هذا من نعم الله علينا وإلا [ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ] ( النساء : 90 ) .


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مسلمون، صحوة اسلامية، المسلم الرسالي، علمانية، تنويريون، الغرب الكافر، تغريب، ،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-08-2008   albayan-magazine.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، حسن الطرابلسي، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي العابد، كريم فارق، إياد محمود حسين ، أحمد بوادي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - محمد بن موسى الشريف ، حاتم الصولي، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، أحمد النعيمي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله الفقير، سامر أبو رمان ، ماهر عدنان قنديل، طلال قسومي، ضحى عبد الرحمن، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، صلاح الحريري، رضا الدبّابي، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، وائل بنجدو، محرر "بوابتي"، د - الضاوي خوالدية، إيمى الأشقر، فهمي شراب، فوزي مسعود ، الهيثم زعفان، مراد قميزة، د. خالد الطراولي ، عبد الغني مزوز، سليمان أحمد أبو ستة، حسن عثمان، د - عادل رضا، سعود السبعاني، علي عبد العال، كريم السليتي، د- محمود علي عريقات، صفاء العربي، د. أحمد بشير، خالد الجاف ، د- جابر قميحة، د - شاكر الحوكي ، تونسي، جاسم الرصيف، يزيد بن الحسين، رشيد السيد أحمد، د. صلاح عودة الله ، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، محمود سلطان، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد عمر غرس الله، د. عبد الآله المالكي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، رافد العزاوي، سلوى المغربي، نادية سعد، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- محمد رحال، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، سفيان عبد الكافي، فتحي الزغل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عزيز العرباوي، صالح النعامي ، عراق المطيري، رافع القارصي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ياسين أحمد، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، إسراء أبو رمان، أنس الشابي، أحمد الحباسي، عمر غازي، حميدة الطيلوش، سيد السباعي، محمد شمام ، محمد يحي، عبد الرزاق قيراط ، مصطفي زهران، رحاب اسعد بيوض التميمي، صفاء العراقي، رمضان حينوني، عبد الله زيدان، محمد أحمد عزوز، علي الكاش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحـي قاره بيبـان، د - المنجي الكعبي، سامح لطف الله، محمود فاروق سيد شعبان، صلاح المختار، عواطف منصور، أ.د. مصطفى رجب، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، محمد العيادي، محمد الطرابلسي، مجدى داود، منجي باكير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة