البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الأكاديميا العربية هل تعدل مقرراتها على غزة؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 294



لا أزعم الاطلاع على كل المقررات الدراسية في الجامعات العربية الرسمية/ العمومية أو الخاصة لأجزم بقول فصل فيما تقدمه لطلبتها وخاصة في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة من مقررات، لكن باعتماد ما نراه في الجامعة التونسية وما يصلنا من ترجمات في هذا المجال، وهي عادة دروس مقدمة في الجامعات تم نشرها في مقالات وكتب وأعمال ندوات علمية متنوعة من المغرب إلى بغداد مرورا بتونس والقاهرة ودمشق، فإننا نجد زاوية نظر معتمدة تستنسخ في أغلبها رؤية غربية للمعارف الإنسانية والفلسفية، حتى تصير في بعض الأعمال مجرد مسودات معادة النشر بالعربية موجهة لمتلق عربي مهمته أن يحفظ ويرد البضاعة مزجاة لصاحبها.

وقد توفرت فرص كثيرة لإعادة النظر في هذه المناظير منذ النكبة مرورا بحروب العراق ووصولا إلى حرب الطوفان، لكن لم يتم تعديل النظر إلى علوم الغرب في مجال الإنسانيات والفلسفة خاصة، بل إن علوم التاريخ ظلت لفترة طويلة تتحدث عن احتلال الجزائر من مراجع فرنسية فتسمي الغزو فتح الجزائر.

نطرح السؤال مرة أخرى على ضوء التدمير المنهجي الذي يمارس في غزة، بدعم مباشر من بلدان علمتنا حقوق الإنسان وأقنعت نخبنا بأن قوانين الغرب مقدسة.

رهاب الانغلاق على الذات

تأسست الجامعات العربية الحديثة في كل قُطر بحماس شعوب تتحرر من الاحتلال المباشر وتشرع في بناء نخبها الوطنية، ورغم ذلك الحماس الوطني القائم على روح تحررية فقد ارتعبت النخبة المؤسسة من مسألة أن تنغلق الجامعات على تراثها المحدود (الجامد) وترفض معارف الغرب التي كانت سببا في نموه وازدهاره، ولم يقل أحد في هيمنته على العالم ومنه العالم العربي. لذلك وُضعت المقررات على مبدأ الانفتاح على الآخر والشرب من معينه العلمي، ولم تنسِّب الانفتاح فتحولت مع الوقت إلى مؤسسات إعادة إنتاج الفكر الغربي بحذافيره.

وقد كان طموح أي جامعي عربي (ربما أقيس على تونس ومستعمرات فرنسا بشكل خاص) يحصل على شهادة جامعية غربية يعود بها مسلحا ظافرا لنقل دروسه هناك إلى طلبته هنا دون نقد أو تمحيص. الخوف من الانغلاق أدى إلى انفتاح مطلق وهروب تام من إعادة النظر النقدي في رؤية العالم كما صنعتها الأكاديميات الغربية ووجهت بها نظر العالم.

لقد صار الأمر عجزا عن التفكير والإبداع واتخذت منتجات الغرب العلمية والفنية مقاييس يحكم بها حتى في مجالات الإبداع الفني، بما في ذلك التخلي عن عامود الشعر فلا شعر إلا ما كان مبنيا على نموذج زهور الشر لبودلير الفرنسي والويل لمن يعود لتنظيم قصيد عامودي. وعندما نوسع النظر في قوائم المنتج الفكري المورد ونطل على درس حقوق الإنسان سنجد أن الإعلان الفرنسي العالمي لحقوق الإنسان تحول إلى نص مقدس؛ يوضع قبل قرآن المسلمين وتراثهم القانوني في مجال الحقوق التي ضمنت حتى حقوق الحيوان.

لقد ولدت الجامعات العربية بعقدة نقص فلم ترتق إلى نقد دروسها، وصنعت أجيالا من التبع لا تجرؤ على سؤال نقدي. وهذه الأجيال وصلت إلى حكم بلدانها فزادتها غرقا وتبعية.

ابن خلدون "خوانجي"

يتحدث مالك بن نبي عن الثقب الأسود في الفكر الغربي، وهو الثقب المبني من نظرة غير علمية لتاريخ العلوم، فالعلوم في تاريخها الغربي ولدت في أثينا والقانون ولد في روما ثم ماتا بموتهما حتى انبعثا مع الفلسفة في عصر النهضة، لذلك يقولون الولادة الثانية أو إعادة الولادة، فلفظ النهضة هو ترجمة عربية لما يراه الغرب مرورا من أثينا إلى باريس وأخواتها من منابع المعرفة الغربية. الثقب الأسود هو القفز في فوق قرون المعرفة العربية والإسلامية التي تُرجمت وطورت ونشرت من جامعات المغرب إلى الهند الإسلامية.

القفزة الغربية في الظلام تتجاهل على سبيل المثال الإضافة الخلدونية في علوم الإنسان والتاريخ والاقتصاد، حتى أننا عندما نقدم درس نشأة تاريخ علم الاجتماع نبدأ من أوجست كونت ونقول عن ابن خلدون فرصة جميلة انتهت ونختبر طلبتنا في ذلك، وكل من تعرض إلى نقد هذا المنظور يُتهم بالانغلاق، بل يلحق بـ"الإخوانجية" حتى تصير وضعية كونت دينا جديدا.

هذه الأكاديميا الكونتية مرعوبة مما يحصل في غزة الآن، وتطرح أسئلة من قبيل كيف عدنا إلى الحروب الدينية؟ وتتجاهل أن الحروب الدينية لم تنقطع أبدا وأن الغرب الوضعي هو من يثيرها تحت عنوان التنوير الغربي، فكذبة التنوير الغربي مستمرة وتتوالد في الجامعات الغربية، حتى أن علماء مراجعين من الأكاديميا الغربية لا يحظون بالترجمة والنشر الا بمجهودات فردية خارج الجامعات. فجاك غودي، صاحب كتاب سرقة التاريخ، لم يرتق إلى مقرر في مادة تاريخ الأفكار. أما روجيه غارودي وأشابهه القلائل ممن تحملوا وزر مراجعة تاريخ الهولوكوست؛ فدرس محرم في الجامعات العربية.

هل آن أوان المراجعة؟

حرب الطوفان دعت إلى مراجعات عميقة في مستوى إعادة بناء صورة للعالم لا يكون الغرب مصدرها ولا تكون دروسه قاعدة لها، خاصة في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية. إن دروس حقوق الإنسان كما رتبها الغرب قد سقطت في غزة (سقطت قبل ذلك في العراق وفي أفغانستان وفي أمريكا اللاتينية ولم ننتبه)، وصار لزاما البحث عن مرجع مختلف للنظر إلى الإنسان وإعادة تعريف حقوقه والتي لا يقر الغرب من ضمنها حق التحرر من الاحتلال.

مراجعة المنظور القانوني/الحقوقي تسير وجوبا مع مراجعة كل مناظير الغرب للإنسان وللمختلف، بناء على جملة واضحة وشجاعة. الغرب ليس مثالا يقتدى به، وعلى هذه الجملة الصريحة تؤسس أكاديميا مختلفة واثقة من نفسها ولا تعيش من عقدة نقصها التاريخي أمام الفكر المحتل للعقول. وهذا ليس عملا فرديا ولا عملا سهلا، ولكنه عمل يحتاج وقتا طويلا يؤسس بالقوة على روح استقلالية، وتتحمل كلفة إعادة التأسيس. سيكون أمرا مماثلا لحركة الترجمة العربية الأولى التي لم تشعر بنقص أمام الفكر اليوناني ولم تُعد إنتاجه، بل طورته وتحررت منه وقد استغرق منها ذلك وقتا وجهدا عظيمين.

لقد قال بهذا الأمر مفكرو النهضة الأول لكن الهجوم الاستعماري الغربي منع المشروع من التبلور، حتى انتهينا في غزة نتساءل عن طبيعة هذا الغرب وعن مصداقيته وسلامة نظرته للعالم. هذه المراجعة تقتضي إعداد الرد المناسب على كل مستنقص نفسه يعيد علينا تهمة الانغلاق والتقوقع. إن الغرب الذي يحارب في غزة ويستدعي كل مراجع الحروب الصليبية ويتهم أنصار غزة بالرجعية الدينية؛ ليس مرجعا أخلاقيا ولن يقبل كمرجع علمي، وهذه دروس من غزة ربما لم يفكر من أطلق حرب الطوفان في مداها الكامل والشامل.

من عليه أن يقوم بهذا؟ كل الأكاديميا العربية التي رأت في غزة معركة تحرر فكري، وليس فقط مجرد فوضى محلية معاكسة لتقدم التاريخ هي المعنية بتحرير الجامعات العربية خاصة في درس التاريخ والاجتماع والفلسفة من هيمنة الغرب المنافق


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-02-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافع القارصي، د. خالد الطراولي ، د. صلاح عودة الله ، سيد السباعي، أحمد ملحم، إسراء أبو رمان، صلاح المختار، عراق المطيري، فهمي شراب، حاتم الصولي، إيمى الأشقر، العادل السمعلي، سليمان أحمد أبو ستة، د. طارق عبد الحليم، طلال قسومي، مصطفى منيغ، محمد شمام ، أحمد النعيمي، عمار غيلوفي، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أشرف إبراهيم حجاج، محمود سلطان، صالح النعامي ، د - الضاوي خوالدية، الهيثم زعفان، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، د.محمد فتحي عبد العال، الناصر الرقيق، صفاء العربي، فوزي مسعود ، جاسم الرصيف، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، منجي باكير، د- جابر قميحة، محمد يحي، المولدي الفرجاني، وائل بنجدو، حسني إبراهيم عبد العظيم، عزيز العرباوي، د. عبد الآله المالكي، تونسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، حميدة الطيلوش، د - محمد بنيعيش، عبد الغني مزوز، ضحى عبد الرحمن، فتحي العابد، أ.د. مصطفى رجب، رشيد السيد أحمد، أحمد بوادي، فتحي الزغل، عبد الله زيدان، محمد اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، سعود السبعاني، مراد قميزة، أبو سمية، علي الكاش، سامر أبو رمان ، علي عبد العال، د - صالح المازقي، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، رمضان حينوني، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، محمد الياسين، ماهر عدنان قنديل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صفاء العراقي، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، د. أحمد بشير، أنس الشابي، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، عبد الرزاق قيراط ، كريم السليتي، إياد محمود حسين ، محمد أحمد عزوز، نادية سعد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم فارق، الهادي المثلوثي، رضا الدبّابي، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، مجدى داود، عبد الله الفقير، سامح لطف الله، يحيي البوليني، حسن عثمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - عادل رضا، يزيد بن الحسين، د- هاني ابوالفتوح، صلاح الحريري، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة