البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل الدولة العربية دولة وطنية فعلا؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 139



"طوفان الأقصى" تفرض العودة إلى الأسئلة المؤسسة، وأهم هذه الأسئلة في تقديرنا هي عن مصداقية الدولة العربية الحديثة ومدى وطنيتها. لقد ولدت هذه الدول بعد معركة تحرر دُفعت فيها أرواح غالية، وكانت شكلت أملا في الاستقلال التام وقادتها في بدايتها نخب سياسية شارك كثير منها في معركة التحرر. وأفلحت هذه الدول في كثير من المهام، مثل نشر قدر عال من التعليم والصحة، ورفعت من مستويات العيش للسكان، وهي مكاسب لا يمكن ابتذالها، لكن حصلت في تقديرنا ردة كبيرة عن المطامح الأولى وعلى مراحل حتى تلاشت الآمال والطموحات وتحولت هذه الدول إلى أجهزة قمع عارية لتغطي فشلها اللاحق وتوقف مشاريع الاستقلال.

وفي طوفان الأقصى اكتشفنا أو أيقنّا بفشل هذه الدول بلا استثناء في إسناد معركة تحرر وطني في بقية الرقعة العربية المحتلة احتلالا مباشرا (فلسطين)، وتبين لنا أن الوطنية قد صارت قوقعة صلبة تحتمي بها الأنظمة الحاكمة، وكل يوم يمر نزداد يقينا أن الأنظمة الحاكمة في كل قُطر تحتمي من شعوبها بموالاة العدو المحتل وخدمته، بما أفرغ هذه الكيانات من كل مشروع وطني. ويمكننا القول إن هذه الدول قد ماتت فعلا ولم يبق منها إلا جهاز القمع الأعمى المسلط على الشعوب المقهورة.

كيف أُفرغت الدولة الوطنية من مشروعها؟

تحت ذرائع وحجج التنمية والخروج من الفقر والجهل والمرض قبلت النخب الحاكمة البقاء على روابط قوية مع القوى التي احتلها، والأمثلة الأبرز هي دول شمال أفريقيا وفرنسا.. من هذا المدخل أمكن لقوى الاحتلال أن تعاود التسرب إلى مستعمراتها السابقة وغالبا باسم حجج أخلاقية سمحة، ولم يمر عقد على إعلانات الاستقلال حتى كانت هذا الدول خاضعة من جديد ولم يبق لها من السيادة إلا شكليات غير فعالة.

أفلحت قوى الهيمنة في ربط صلات أقوى بالدولة العربية مما كان لها تحت الاحتلال المباشر؛ عبر فرض ثقافتها ونظمها التعليمية وجهات نظرها التحديثية، ثم احتكرت أسواق مستعمراتها لمنتجاتها الصناعية فصارت الدول العربية أسواقا مفتوحة ملحقة باقتصاديات المحتل القديم، وكان يجب تكليف حراس على هذه الأسواق الغنيمة السهلة التي لا تكلف جنديا أو بندقية.

الحكام العرب جميعهم تحولوا في غفلة من الشعوب الطموحة إلى حراس أسواق الهيمنة وتلذذوا قبض الأثمان في حساباتهم الخاصة، حيث لا يمكن أن نجد حاكما مر من بلد عربي إلا وله أرصدة في بنوك أجنبية؛ تلقاها كرشى لمشاريع لم تستفد منها الشعوب بقدر ما استفادت منها شركات الهيمنة ودولها (نستثني فقط سوار الذهب السوداني ومحمد فال الموريتاني اللذين لم يعمرا في السلطة طويلا).

الدولة الوطنية صارت دولة حارسة لمصالح المحتل القديم وتلقت من أجل ذلك كل الدعم العسكري والأمني، وما من حاكم حكم إلا وحوله شبهة مؤكدة أن المحتل القديم هو الذي اختاره ونصبه وحماه من شعبه. هكذا أُفرغت الدولة الوطنية من كل مشروع.

"طوفان الأقصى" كشفت الفضيحة التامة

قوى الهيمنة وُضعت في خطة بعيدة المدى وبعقل إنجليزي مدرب على الكيد السياسي؛ نقطة عسكرية متقدمة بين الدول العربية وسمتها إسرائيل، واتخذت هذه الثكنة المتقدمة لإخضاع كل حاكم عربي يفكر في مشروع وطني لشعبة أو لأمته. وكلما استقوى هذا الكيان بالدعم الغربي كلما ضعفت أمامه الكيانات القُطرية المسماة دولا وطنية، بما في ذلك البلدان ذات الريع النفطي التي لا تحتاج دعما ماليا غربيا ولديها وسائلها لممارسة سيادتها.

كل محاولات تجنب مصادمة هذا الكيان باءت بالفشل، فتحول إلى حَكم يفصِّل المواقف ويملي القرارات حتى صار هو مصدر شرعية كل حاكم أو سبب بقائه أو سبب موته في سجنه، فلما انطلقت معركة الطوفان بتخطيط من المقاوم الفاقد لكل سند عربي اتضحت مواقع القوة ومواقع الضعف. ورأينا حكاما عربا في دول وطنية تقوم بحراسة الكيان من شعوبها المقهورة، بل تقوم بتمويل حرب العدو بخيرات شعوبها عندما توقفت مؤسساته الإنتاجية بفعل الحرب.

وقال كل مواطن عربي "هل صار العربي مواطنا فعلا؟".. سبب بقاء هذا الحاكم العربي هو خدمة العدو، والدولة العربية (الوطنية سابقا) هي أجهزة في خدمة العدو؛ تحميه وتغذيه ولا تنتظر حتى عبارات الشكر الرخيصة منه، وهي تتمسح على أعتابه لتحفظ مصالحها الفردية وحساباتها البنكية المكشوفة للعدو.

لقد كان التخلي عن معركة تحرير فلسطين شرط بقاء لكل حاكم عربي، بمن في ذلك الجزائر ذات التاريخ المقاوم والتي لا تنفك تفتخر بشهدائها المليون. وهذه الحقيقة كشفت زيف خطاب الدولة العربية منذ سبعين عاما بأن تحرير فلسطين هو تحرير الوطن العربي بكامله (وإن لم يكن موحدا في كيان سياسي واحد كما كان طموح البدايات). كانت كذبة كبيرة من أكاذيب الأنظمة العربية التي حكمت دولها فحولتها إلى حارس حدود للكيان المحتل، كذبة من جنس كذبة التنمية والتحديث.

كل نهاية بداية

"عرق وبدايات من حرف الياء".. هذا عنوان مجموعة قصصية لجبرا إبراهيم جبرا، الفلسطيني. خلاصة القصة العنوان هي أن بلوغ النهاية (حرب الياء في الأبجدية) بعد جهد يفرض بدايات من حرف الألف. حرب الطوفان أعلنت نهاية الدولة العربية أو حرف الياء لمعركة الاستقلال التي انتهت إلى احتلال ثان ناعم وفتاك مثل سم مدسوس في عسل، وهي تقول للشعوب العربية إن عليهم البحث عن حرف ألف جديد أي بداية جديدة.

انتهت الدولة العربية التي تسمت وطنية إلى حارس حدود للعدو بلا قيمة ولا مشروع لشعبه، وبقي على الشعوب أن تعيد النظر في وجودها كله، فهي شعوب بلا قيمة ولا مشروع إلا ما قد تخطط له مستقبلا على ضوء نصر طوفان الأقصى.

لقد هشّم الطوفان العصا المُشهرة في وجه الشعوب، ولكن عليها أن تتحلى ببعض الشجاعة لتخرج إلى شوارعها وتستعيد دولها التي ضحّى من أجلها الأجداد، فإن لم تفعل الآن وهنا فإنها ستزداد انحطاطا ويزداد عيشها مرارة وتتحول إلى أدنى من سوائم هائمة وراء القوت الرخيص.

لقد مات الغول الذي يحمي الأنظمة العربية ولم يبق له إلا نفَس أخير، فالنار دبت في ردائه ولن يبقى طويلا في مكانه ولن يمكنه استعادة مكانته ودوره الذي كان له، حتى لدى مموليه الغربيين، وطبعا هذا تفاؤل مفرط قبل أن تضع الحرب أوزارها. لكن كل العقل السياسي كان يرى ويرى الآن أوضح أن أسباب بقاء الكيان الذاتية والموضوعية قد تهشمت، ولا نشك لحظة أن من زرع هذا الكيان واستعمله كعصا غليظة على المنطقة يفكر اللحظة في بديل له، ومحاولات المد في أنفاسه بالمدد العسكري هي بمثابة هجوم أخير أقرب إلى الهجوم الانتحاري بشرط مهم؛ أن تقول الشعوب العربية لحكامها.. كفى.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-01-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي الكاش، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، مصطفي زهران، محمد شمام ، حسن عثمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رمضان حينوني، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، صفاء العراقي، عمر غازي، مراد قميزة، فتحي الزغل، سفيان عبد الكافي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، سعود السبعاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أبو سمية، د. صلاح عودة الله ، العادل السمعلي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلام الشماع، كريم فارق، د- جابر قميحة، محمد عمر غرس الله، أ.د. مصطفى رجب، د.محمد فتحي عبد العال، محمد العيادي، د - عادل رضا، مصطفى منيغ، عبد الرزاق قيراط ، يزيد بن الحسين، منجي باكير، تونسي، صباح الموسوي ، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، د- محمد رحال، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، سامر أبو رمان ، أحمد النعيمي، مجدى داود، حسن الطرابلسي، سيد السباعي، د. عادل محمد عايش الأسطل، حميدة الطيلوش، كريم السليتي، فوزي مسعود ، عبد الله الفقير، المولدي الفرجاني، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، د - الضاوي خوالدية، سليمان أحمد أبو ستة، جاسم الرصيف، د. خالد الطراولي ، فتحي العابد، أحمد الحباسي، ماهر عدنان قنديل، عراق المطيري، خبَّاب بن مروان الحمد، أنس الشابي، فتحـي قاره بيبـان، عمار غيلوفي، سلوى المغربي، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، أحمد ملحم، حاتم الصولي، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، د - مصطفى فهمي، فهمي شراب، أحمد بوادي، د. أحمد محمد سليمان، صالح النعامي ، صفاء العربي، عبد الله زيدان، طلال قسومي، نادية سعد، محمد الياسين، محمد الطرابلسي، إيمى الأشقر، صلاح الحريري، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، محمد يحي، عواطف منصور، وائل بنجدو، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خالد الجاف ، د - محمد بنيعيش، د. طارق عبد الحليم، إياد محمود حسين ، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، رافع القارصي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، يحيي البوليني، د. عبد الآله المالكي، محمود فاروق سيد شعبان، رضا الدبّابي، د. أحمد بشير، صلاح المختار،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة