البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التوانسة يبيعون جلد دب في ألاسكا

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 293


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أعود إلى الكتابة في موضوع مطروق مرتبكا وخجلا من قارئ قد يمر على مقالين متشابهين؛ وقرفا في الآن نفسه من توضيح الواضحات الذي صار من الفاضحات. أكتب في عقدة النخبة التونسية (والتعميم عربيا جائز بقوة) أمام الإسلام السياسي؛ أسميها عقدة ولا أفسرها بغير الكسل الفكري أمام مقترحات مختلفة عن النموذج التحديثي المستزرع في عقول النخبة بفعل مدرسة وضع مناهجها وقادها فرنسيون من وراء البحر رغم حديث الاستقلال والسيادة.

الانقلاب فاشل في تونس وهذا محل إجماع كل الطيف السياسي والفكري وزواله قريب، وهذا أيضا مُجمع عليه لكن من يحل مكانه إذا سقط؟ هنا تتضح العقدة وهنا يكمن الحل، ولكن من يصيد دبا في ألاسكا ليبيع جلده؟ يقول الجميع في مجالسهم هذا الانقلاب فشل وهو بصدد تخريب البلد، لكن إذا سقط الآن فإن القوة الوحيدة التي يمكن أن تأخذ مكانه أو مكانة كبيرة من بعده هي حزب النهضة الإسلامي، ثم تكمل بقية الجمل لعنات (نسمعها ولا نكتبها). نطوف حول جوانب الفكرة لعلها تتضح فتريحنا من ترديدها.

نخبة كسولة ومعقدة

المدرسة التونسية البورقيبية بامتياز الممولة فرنسيا منذ الاستقلال بنت في أذهان التونسيين صورة للعالم (والمفهوم للوسيان قولدمان) ليس فيها الدين، بل علمانية يعقوبية طبقا لمبادئ الثورة الفرنسية التي قيل إنها شنقت آخر قسيس بأمعاء آخر إقطاعي أو أمير قروسطي.

زرعت الفكرة في الجيل الأول فنقلها إلى الأجيال عبر الجامعة والإعلام وكل مفاصل التعليم، فلما ظهر الإسلاميون في الصورة أُغلقت دونهم الأبواب وقيل الرجعية العربية والظلامية الدينية، وشُنت الحرب عليهم مند خمسين سنة ولم تضع أوزارها لكنهم ظلوا هنا يقترحون فكرة مختلفة (أكرر التعميم عربيا جائز، ففرنسا ونموذجها مرّا من مصر والشام وشمال أفريقيا وقدما نفس الأفكار والمنهج).



هذا الميراث منع إعادة النظر في مسائل حيوية متعلقة بنموذج التحديث في الوطن العربي (وتونس جزء منه)، لذلك تم إغلاق باب النقاش في علاقة التحديث بالتراث وعلاقة الديمقراطية بالمسألة الدينية، وخُتم على قلوب النخبة التي استمرأت كسلها في مسلّماتها وواصلت نسخ دروس الجامعة الفرنسية لطلبتها، ومن الجامعة إلى الإعلام إلى الإدارة ظل الأمر على ما هو عليه؛ الخطاب الإسلامي ومن يمثله هم ردة وجب تجاوزها.

وقد بُني نظام المنافع والمواقع على هذا الأساس فظهر الإسلاميون وخاصة بعد الثورة كمن يسرق خبزة من يد آكلها (ولا حق له فيها)، فهو تهديد وجب محوه. وكان هذا سببا مباشرا في الوصول إلى الانقلاب وكسر مسار بناء الديمقراطية التي يجد فيها إسلاميون خبزة مع الآخرين؛ تلك الخبزة محرمة على كل إسلامي، والانقلاب في مجمله وفي خطواته هو عملية قطع يد سارق لم يسرق شيئا من أحد، ولكن نخبة كسولة فكريا اتفقت معه حتى اللحظة فهو ضمانة مكاسبها وليتها كانت مكاسب حقيقية.

إنهاء الانقلاب محال دون الإسلاميين

هذه حقيقة يقف عليها كل الطيف التونسي السياسي والفكري بعد سنتين ونيف من الانقلاب، وعلى عتبة انتخابات مضروبة ينظمها المنقلب ليحكم على هواه. لكن هذا الطيف يرتد إلى إسناد الانقلاب لما يراه في وضوحه، وفي أفضل الأحوال ينزوي ويقول الانقلاب أقل سوءا من "الخوانجية"؛ لأن فكرة التعايش مع الإسلاميين تزعج كسله الفكري ويشعر بأنه مضطر إلى إعادة قراءة التاريخ الذي تعايش فيه ضمن نموذج حكَم وضعي المتدين والعلماني وبنوا تجارب ديمقراطية. هذا جهد مضنٍ؛ أسهل منه تحمّل فقدان الحرية والعيش تحت حكم الغباء المطلق.

فئة أخرى تسند الانقلاب بغير سند فكري وإنما بناء على نظام المصالح، فقدوم الإسلاميين إلى مواقع القرار والمشاركة يعني تقاسم منافع الحكم التي احتكرها هذا الطيف منذ الاستقلال. والإسلاميون يمثلون في العمق موجة شعبية محرومة تبحث عن حصتها من غنيمة الحكم؛ فهم منافس وجب قطع يدهم قبل أن تمتد إلى المائدة العامرة، وهم من الكثرة بحيث لا يمكن رشوتهم بالقليل كما تم إخضاع اليسار بالرشوة.



إذا كانت النخبة المثقفة والأكاديمية لا تفضل الحرية على المراجعات الفكرية المضنية (التي ينفذ منها إسلاميون)، وإذا كانت نخبة المنافع/ المواقع/ الامتيازات تفضل الاستحواذ على القسمة مع إسلاميين فقراء (متسلقين)، فمن سينهي الانقلاب؟ العقدة تتضح.. كم ثمن جلد دب في ألاسكا؟

نسمعهم ولا نصدقهم

لا نصدق من نسمع هذه الأيام، خاصة إذا بالغ في لعن الانقلاب وسمى المنقلب بالاسم. نعرفهم أفرادا واتجاهات وحديثهم لا يمر من "زُورنا"، لقد اعتقل المنقلب أعداءه الفعّالين، ولكنه سمح للمزيفين بالمطالبة بتحريك الجيش ضده وفي التلفزيون المفتوح. لعبة مكشوفة لكنها لا تخفي حقيقة جليّة: الشارع لن يتحرك ضد الانقلاب لأن من يحركه مسجون والبقية مزايدون، والقلة القليلة التي وعت المشهد لم تؤلف بعد قوة في الشارع وقد لا تفعل.

لا نبيع جلد دب حي.. الانقلاب ماض في طريقه وأبعد من الانقلاب تتأجل الديمقراطية ولو تدخل ملك الموت في إنهاء الانقلاب؛ لأن معركة أخرى واجبة هي مراجعة مسلّمات النخبة التي صنعت بهوى فرنسي، وقبول الإسلاميين في عملية ديمقراطية طويلة النفس تدرب الجميع على التعايش وتخضعهم لأحكام الصندوق الانتخابي (لقد هربوا من الصندوق نصف قرن لكن الصندوق ما زال فارغا ينادي الديمقراطيين).

هذه هي شروط إنهاء الانقلاب وشروط بناء ديمقراطية من بعده، ففي النهاية الانقلاب مرحلة ضمن سياق غير ديمقراطي ولا يرتبط بشخص المنقلب فما هو إلا واجهة، وإذا توفرت شروط الديمقراطية فلن يكون هناك انقلاب ثان، وحتى ذلك الحين نتابع ساخرين (الحقيقة نخفي الإحباط في ضحكات بائسة) نخبا تونسية تروج لبيع جلد دب في ألاسكا وتوهم الشعب بغنيمة الانقلاب. ما ذنب الدب في ألاسكا؟ لا ذنب له سوى أنه بعيد جدا عن تونس ويمكن الإيهام بصيده، وكلما بعُد في الجغرافيا بعُد في التاريخ، ثم توزيع حقن الصبر على الانقلاب على الشعب الذي عبر البحر إلى غير رجعة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-09-2023  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. طارق عبد الحليم، د - عادل رضا، د. عادل محمد عايش الأسطل، إسراء أبو رمان، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، محرر "بوابتي"، د. عبد الآله المالكي، علي عبد العال، حميدة الطيلوش، أحمد النعيمي، إياد محمود حسين ، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، د- محمود علي عريقات، فهمي شراب، خالد الجاف ، فتحـي قاره بيبـان، عبد الله زيدان، يزيد بن الحسين، تونسي، رافد العزاوي، وائل بنجدو، د- هاني ابوالفتوح، حسن الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بنيعيش، محمد الياسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، يحيي البوليني، ياسين أحمد، علي الكاش، محمد العيادي، الهيثم زعفان، سيد السباعي، عواطف منصور، محمود سلطان، محمد أحمد عزوز، كريم فارق، طلال قسومي، عمر غازي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. أحمد بشير، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، عبد الغني مزوز، د.محمد فتحي عبد العال، أبو سمية، أحمد بوادي، صالح النعامي ، نادية سعد، د - المنجي الكعبي، ضحى عبد الرحمن، سامر أبو رمان ، مصطفي زهران، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، عبد الله الفقير، أنس الشابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. خالد الطراولي ، سليمان أحمد أبو ستة، سلوى المغربي، منجي باكير، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، محمد شمام ، جاسم الرصيف، مراد قميزة، رافع القارصي، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بن موسى الشريف ، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، الناصر الرقيق، صلاح الحريري، د - صالح المازقي، حاتم الصولي، العادل السمعلي، د - شاكر الحوكي ، سعود السبعاني، محمد يحي، رمضان حينوني، صفاء العراقي، مجدى داود، حسن عثمان، محمد الطرابلسي، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلام الشماع، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، عراق المطيري، عزيز العرباوي، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، سامح لطف الله، إيمى الأشقر، أحمد الحباسي، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ، أحمد ملحم، د. مصطفى يوسف اللداوي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة