البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الأزمة فرنسية فقط أم أوروبية؟

كاتب المقال إميل أمين   
 المشاهدات: 264



ألقت الأحداث المؤسفة التي جرت بها المقادير في فرنسا، في الأيام القليلة الفائتة، بعلامة استفهام، حول ما إذا كان العطب مقتصراً على فرنسا فحسب، أم أنه يمتد إلى بقية دول القارة الأوروبية، التي يبدو أنها تعاني من أزمات عميقة، في عالم يمر بفترات مفصلية من الهدم والبناء.

في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحدث المسؤول الأول عن الشؤون الخارجية والتعاون الأمني في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال افتتاح الأكاديمية الأوروبية الجديدة في بلجيكا عن «أوروبا حديقة العالم... والبقية القادمة من حيث الأدغال والغابات».

بدا الحديث وقتها ضرباً من الفوقية المركزية الأوروبية التي لا تليق بقارة صدَّرت للعالم في النصف الأول من القرن الماضي، نماذج من الشموليات القاتلة، لا سيما النازية والفاشية.

بدا بوريل كأنه يهرب من مصير الاتحاد الأوروبي، ذاك الذي أضحى قريباً جداً من التفكك، بعد تطلعات لوحدة تدعمها أزمنة ازدهار اقتصادي، قبل أن تُستبدل بها اضطرابات اقتصادية ومالية ستؤدي إلى مزيد من الحمائية والقومية الاقتصادية.

وبقدر ما تركت الأعوام الماضية، لا سيما جائحة كورونا، كثيراً من الأثر السلبي على مستقبل القارة العجوز اقتصادياً، بمقدار ما جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية لتفضح خطوط الصدع العميقة الموجودة بين مختلف الدول الأوروبية، وبخاصة بعد أن خسرت أوروبا الموحدة، طموحها لجهة نشوء وارتقاء الفكرة الأوراسية، ومد جسور التعاون مع روسيا، عوضاً عن الدخول معها في مواجهة أفقدت الأوروبيين الكثير من توازناتهم الداخلية، وغيّرت الكثير من استراتيجيات التنمية المستدامة، لتعود سماوات العسكرة وتُستعلن فوق الأراضي التي عرفت تكاليف حربين عالميتين في القرن المنصرم.

علّق فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، بفائضٍ من السخرية، على موقف الاتحاد الأوروبي من معاداة روسيا ودعم نظام زيلينسكي، وما خلفه ذلك من أزمة طاقة، انعكست بشكل سلبي على بقية دول الاتحاد، وأدت إلى المزيد من الإحباط الداخلي، لدى الفئات المستضعفة والهشة، خصوصاً المهاجرين شبه المنبوذين من البرجوازية الأوروبية، التي تتبع بوريل، قائلاً: «نحن مجرد أقزام والروس عمالقة، ولهذا فإنه حين يقوم قزم بمعاقبة عملاق، يجب ألا نندهش، لا سيما حين يموت القزم».

لا تبدو الحديقة الأوروبية في انتظار مستقبل ديمغرافي واعد، بل يبدو سيف ديموقليس السكاني مسلطاً على رقابها، وذلك من جراء تناقص عدد السكان، ورفض شبابها فكرة قيود الزواج، والاكتفاء بمبدأ المساكنة، إلا النفر القليل، الأمر الذي أصابها في مقتل ديمغرافي، وعليه فإن غالبية المراقبين يتوقعون أن يضع التراجع السكاني مستوى التنمية الاقتصادية في أوروبا في مأزق حقيقي.
شهدت أوروبا في الفترة من 2008 إلى 2018، ما يمكن أن نطلق عليها «العشرية الضائعة ديموغرافياً»، ولا يتوقع أن تكون من 2018 إلى 2028 أفضل حالاً.

خذْ إليك على سبيل المثال لا الحصر، دولة مثل فنلندا، ففي عام 2016 بلغ عدد الوفيات 53 ألفاً، فيما أرقام المواليد سجلت 52 ألفاً.

هنا يرى رجل الاقتصاد الفنلندي الشهير، تيمو هرفونين، أن ما جرى يذكّر وبشكل صادم كيف أن أوروبا تتحول إلى حديقة عجوز، وبأن المعضلة الديمغرافية ستلقي بكامل ثقلها على الاقتصاد الأوروبي في العقود القادمة.

في هذا السياق العام، يمكن للمرء أن ينظر إلى ما يجري في فرنسا، بوصفه امتداداً بشكل أو آخر لأزمات أوروبا الاقتصادية والمجتمعية، مع الأخذ في الاعتبار التبعات والاستحقاقات الخاصة بفرنسا، وتاريخها في محيط البحر الأبيض المتوسط، ذلك الإرث الذي يبدو كأنه أسطورة سيزيفية، لا تتوقف ولا تنتهي.

هل كان لفرنسا نصيب من أزمات أوروبا الأكثر اتساعاً، لا سيما في السنوات الأخيرة؟

ذلك كذلك، رغم أنها أنفقت، كما هو الحال في البلدان الكبرى كافة، ذات الصبغة الرأسمالية، مبالغ ضخمة لتجنب أزمات كبرى في أثناء الجائحة، وجاء الوقت الذي يتساءل فيه الجميع عمّن سيدفع الثمن، وبدا من الواضح أن الطبقة العاملة الفرنسية، هي من ستعلَّق في رقبتها فاتورة التكاليف الكبيرة.

هذا التوجه الاقتصادي يعمِّق الصراع السياسي، يوماً تلو الآخر، لتضحى فرنسا كأنها في لعبة شد حبل استقطابي، إن جاز التعبير، بين اليسار الذي يمثله ميلونشون، واليمين الذي ترفع رايته لوبين، فيما يسار الوسط الذي ينتمي إليه ماكرون يضعف بصورة واضحة، وليس أدل على ذلك من قدرته على مواجهة حركة السترات الصفر بعد عام من تولي منصبه، فيما اليوم وفي القلب من أحداث العنف الكارثية التي شهدتها البلاد، والتي لا يعرف أحد متى يمكن أن تتوقف، يظهر ماكرون أضعف بصورة واضحة مما كان عليه سابقاً.

لا يمكن لأحد أن يبرر العنف الخطير الذي لم تشهده فرنسا منذ عام 2005، وربما تقصر وسائل الإعلام اليسارية الفرنسية في تغطية الخراب الذي لحق بجميع المدن والقرى الفرنسية، الأمر الذي حدا بأحد كبار مسؤولي الشرطة الفرنسية للتصريح بالقول: «سيتراجع العنف قريباً، لأنه لم تعد هناك أشياء تستحقّ السرقة بعد»، ولا يمكن رده إلى تصفية حسابات مع المستعمر الفرنسي القديم.

غير أنه من المؤكد أن هناك خللاً بنيوياً في التركيبة السياسية الفرنسية الداخلية، فقد ظهرت حالة من الاضطراب المتزايد خلال الانتخابات البرلمانية، بعد بضعة أشهر فقط، حيث فشل ماكرون في الفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان، والنتيجة هي حكومة ضعيفة قائمة على برلمان منقسم، وتحت ضغط هائل لتنفيذ البرنامج الذي تطلبه الطبقة الرأسمالية الفرنسية.

كارثية ما يحدث في فرنسا اليوم، أنه يفتح الباب لحكم اليمين الفرنسي، لا سيما أن هناك عبارات تراثية بدأت تطفو على سطح الأحداث، ويمكنها أن تهدد السلم العالمي، عبر عودة صراع الدوغمائيات، عوضاً عن تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة، عبارات من نوعية «البربر الجدد الذين نؤويهم»، والدعوة «لإيقاظ شارل مارتل» رجل معركة «بواتييه» من رقاده.

الخلاصة... قال زيفتان تودوروف، الفيلسوف الفرنسي، البلغاري الأصل، ذات مرة: «لا يمكنك أن تحتل وتنجو ببراءة».


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فرنسا، الاضطرابات الفرنسية، حوادث فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-07-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
وائل بنجدو، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، خالد الجاف ، عزيز العرباوي، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، منجي باكير، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، مصطفى منيغ، حسن عثمان، محمد اسعد بيوض التميمي، فهمي شراب، محمد عمر غرس الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد ملحم، محمود سلطان، رضا الدبّابي، صفاء العربي، أحمد النعيمي، عبد الرزاق قيراط ، تونسي، فتحي الزغل، كريم فارق، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، يحيي البوليني، إيمى الأشقر، ماهر عدنان قنديل، د. طارق عبد الحليم، فوزي مسعود ، د.محمد فتحي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، صفاء العراقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد شمام ، عبد الله الفقير، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د - الضاوي خوالدية، سفيان عبد الكافي، أنس الشابي، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، كريم السليتي، حميدة الطيلوش، مصطفي زهران، علي الكاش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، العادل السمعلي، الهادي المثلوثي، مراد قميزة، صباح الموسوي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، ضحى عبد الرحمن، د- هاني ابوالفتوح، د - عادل رضا، د - محمد بنيعيش، د- محمد رحال، محرر "بوابتي"، عواطف منصور، صلاح المختار، سامح لطف الله، سلوى المغربي، أحمد الحباسي، سيد السباعي، نادية سعد، ياسين أحمد، محمد العيادي، د- جابر قميحة، جاسم الرصيف، صلاح الحريري، سليمان أحمد أبو ستة، يزيد بن الحسين، د. أحمد بشير، فتحـي قاره بيبـان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الله زيدان، حاتم الصولي، عمر غازي، د - شاكر الحوكي ، محمود فاروق سيد شعبان، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سامر أبو رمان ، الناصر الرقيق، رمضان حينوني، عراق المطيري، مجدى داود، أحمد بوادي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. صلاح عودة الله ، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، محمد يحي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سلام الشماع، د. عبد الآله المالكي، د. عادل محمد عايش الأسطل، سعود السبعاني، د - محمد بن موسى الشريف ، د. خالد الطراولي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة