البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

قروض الصمود الغذائي الذليل

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 590



نكتب بروح حزينة عن الصمود الغذائي وقد فقدنا كل قدرة على الحياد. هنا بلد كان يصدر فائض أغذية يقف اللحظة على حافة الجوع، فيغرق في اللغة الفخمة ويسمي توسل الغذاء بقرض صمود وينسى أن الصمود دفاع أخير، إنه كمون خائف خلف ستر الدفاع الأخيرة وقد تكون هشة حد الانكشاف. هنا تونس وهنا يمضي رئيسها الخارق للسنن قرض الصمود الغذائي ويزنى باللغة، وهنا تستبشر النخب بضمان رواتبها المجزية.

لقد يقن أو لُقِّن بعد طول عناد أن البلد خلفه يجوع وأن عليه تدبير وسيلة للصمود في وجه الجوع القادم، وليس أمامه إلا أن يقترض، أما أن يحرض الناس على العمل فأمر فاته ذكره خاصة بعد انكشاف فواتير اللحم. لكن لماذا يقرضونه؟

القرض الأوروبي أو سقيا المنازع

في لحظة الاحتضار يقطر الماء في حلق من ينازع السكرات ويلقن الشهادة. الاتحاد الأوروبي منح الرئيس في تونس قطرة الماء في لحظة النزع، لكنه لا يملك أن يذكره بالشهادة فالشهادة ثقافة أخرى لا تشملها القروض. لماذا ينجده ويمد في أنفاسه؟ وحتى متى سيفعل ذلك؟

الاتحاد الأوروبي أول من يعرف بأن المنقلب كسر مسار بناء الديمقراطية في بلد عاش ألف سنة تحت حكم الفرد، وكان شاهدا على تفاصيل بناء المسار ثم ساهم في كسره ويساهم في تحطيمه برفد الانقلاب بالمال ليبقى. المبررات المعلنة صراحة وضمنا هي منع الانفجار الاجتماعي في تونس، بالسماح للنظام (المنقلب) بدفع فواتير الغذاء إلى الموردين وقد ثبت عجزه عن الدفع بالنقد الأجنبي. إنها عملية توقّ واستباق لكن وقاية مِن مَن، ومن ماذا؟ الإجابة صارخة بالوضوح: وقاية الجوار الأوروبي من شظايا الانفجار الاجتماعي في تونس، وترجمة ذلك استباق موجات الهجرة غير النظامية بدفق غير قابل للضبط والاستيعاب. فبعض الهجرة مقبول في حدود طاقة استيعاب سوق شغل أوروبية غير كاسدة، لكن إذا فاق الدفق المهاجر قدرة السوق فإن كلفة ذلك تصبح أعلى من كلفة دعم النظام لمنع حصول كوارث هجرة. إنها قروض تسييج الحدود التونسية لمنع خروج الجياع، قروض صمود غذائي دفاعا عن أوروبا لا حماية لتونس.

قروض الغدر بالديمقراطية

لقد كانت صورة البلد الضعيف بيّنة قبل الثورة وكانت الهجرة السرية وسيلة تهديد للغرب استعملها ابن علي كما استعملها القذافي، مع فارق في بواعث القرار. وكانت الثورة تتحدث عن الخروج من هذا الوضع الهش نحو حالة نمو اقتصادي تستوعب كل فيض العمالة في الداخل، لكن المسار كان ينتكس ويستعيد وضع الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية حتى وصلنا إلى قرض الصمود الغذائي.

يمكننا أن نجد أسبابا كثيرة من داخل البلد ومن فعل النخبة لهذا الانتكاس، ولكن اليد الخارجية كانت حاضرة ومؤثرة بل فاعلا رئيسيا. لقد انكشفت الهشاشة الداخلية، ولكن معول الهدم كان خارجيا وفرنسيا بالتحديد. إن فرنسا التي خربت مسار البناء الديمقراطي في تونس بواسطة أياد تونسية (نقابية بالتخصيص) هي التي تحرض الاتحاد الأوروبي على منح تونس قروض الصمود الغذائي. وقد وجب أن ننظر إلى هذا الدعم الغذائي كدعم للانقلاب، وهو مواصلة الاعتداء على الديمقراطية بتحطيم ما بني منها ومنع ترميم ما تهدم، وقطع الطريق على أية عودة محتملة ولو على مدى طويل. الأمر يشبه تقديم علف لدواب سجينة مع وجبة دسمة للراعي للإبقاء على القطيع في زريبته.

هل هذا الوضع قابل للاستمرار بعد مرحلة دعم الصمود الغذائي بما هي مرحلة حفظ بقاء فقط؟

لو كان الأمر يتعلق بعلاج الإحباط الذاتي لقلنا إن هذا الوضع سينهار غدا وأن مخرجا تاريخيا يتهيأ، لكن معاينة المشهد السياسي الداخلي تكشف أن اليد البانية لا تزال مشلولة وأن اليد المخربة لا تزال قادرة على التخريب، وأن كل أمل في استعادة الديمقراطية هو تهديد للمخربين يجب استباقه وتحطيمه بضمان توفر الغذاء للقطيع الصامت.. مصير البلد ليس بيد أبنائه الباقين بعد الصمود الغذائي.

الحل لن يكون إلا خارجيا

يؤسفنا أن نكتب هذا ونرسخه.. قروض الصمود الغذائي هدفها الإبقاء على وضع الهشاشة الاجتماعية دون بلوغ الانفجار، وهو وضع قابل للاستمرار (كلفة ذلك على الجوار أقل من كلفة تبعات انهياره). يظن المنقلب أنه يحقق نجاحات سياسية ويمضي في تنفيذ أجندته الخاصة التي لا تكلف الجوار شيئا.

الجمهور أو عوام الناس توقفوا عن محاولة الرفض وانتقلوا إلى إنتاج السخرية السوداء من كل شيء، وهم يتدربون الآن على العيش في عالم الندرة، حيث يصبح الحصول على وزنة سكر غنيمة للتباهي ونشر صور السيلفي، بما يولد شعورا بالاستسلام الذليل.

النخب السياسية ما زالت مرابطة في حفرة الاستئصال، وشعارها إسقاط الانقلاب سيعيد الإسلاميين إلى المشهد لذلك دعه يخرب. الإسلاميون يقولون ما دمنا وحدنا لن نقاوم وحدنا لنسأل لاحقا "بكم كيلو النضال؟". وفي عالم الصمود الغذائي بالقروض الفرنسية لن يوجد عسكري مغامر يتلو البيان رقم واحد، فبعد البيان رقم واحد سيظل البلد في منطقة قروض الصمود الغذائي.

هذا هو الوضع المثالي لبلد محتل دون استعمال قوة عسكرية لاحتلاله، إنه يأتي طوعا ويقدم طقوس الولاء ويقبل الأكتاف ويتوسل الرضا. هل هان البلد على أولاده؟ ربما علينا طرح سؤال قبل السؤال: هل يعرف أبناؤه معنى العار وذل العيش بين الأمم بقروض الصمود الغذائي؟

إن المزية الوحيدة لقرض الصمود الغذائي هي إنهاء وهم النخبة التونسية، فالنخبة التي استبشرت بالقرض لضمان رواتبها لا تملك نخوة الغيرة على الأوطان.. وهذا درس بليغ للمستقبل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، العجز،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-10-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد الحباسي، سلوى المغربي، د - مصطفى فهمي، حميدة الطيلوش، محمد اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، أنس الشابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، إياد محمود حسين ، سامح لطف الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، صلاح المختار، صفاء العربي، الناصر الرقيق، طلال قسومي، سليمان أحمد أبو ستة، رمضان حينوني، وائل بنجدو، مصطفي زهران، سامر أبو رمان ، محمد شمام ، د. عبد الآله المالكي، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، د - الضاوي خوالدية، أبو سمية، صالح النعامي ، فتحي العابد، فهمي شراب، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، عمر غازي، أ.د. مصطفى رجب، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، د. أحمد بشير، إسراء أبو رمان، علي عبد العال، رضا الدبّابي، د- محمود علي عريقات، حاتم الصولي، محمد عمر غرس الله، مجدى داود، د - محمد بنيعيش، خالد الجاف ، سيد السباعي، عراق المطيري، د- محمد رحال، تونسي، جاسم الرصيف، صلاح الحريري، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، رافد العزاوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محرر "بوابتي"، د - شاكر الحوكي ، د. خالد الطراولي ، محمد أحمد عزوز، د- هاني ابوالفتوح، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الغني مزوز، محمد يحي، فتحـي قاره بيبـان، منجي باكير، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بوادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، عمار غيلوفي، نادية سعد، أحمد ملحم، محمود سلطان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافع القارصي، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، محمد العيادي، كريم السليتي، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، فتحي الزغل، د- جابر قميحة، د. صلاح عودة الله ، محمد الياسين، عبد الله زيدان، عزيز العرباوي، العادل السمعلي، عواطف منصور، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، رشيد السيد أحمد، سلام الشماع، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، سفيان عبد الكافي، سعود السبعاني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة