البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حزب النهضة والخروج من وضع الاستهداف الأبدي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1167



شهدت تونس خلال الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر/أيلول 2022 عمليات تحقيق أمني وسياسي مع قيادات حزب النهضة وفي مقدمتهم الرئيس المؤسس الغنوشي على خلفية شكاية تقدمت بها نائبة سابقة ضد الحزب وقادته بالضلوع في تسفير المقاتلين إلى سوريا إبان الثورة السورية.

بعد أسبوع من التحقيق عادت القيادات إلى بيوتها دون أن يثبت عليها الجرم بما عده أنصار الحزب انتصارًا معنويًا وسياسيًا كبيرًا على خصومهم، فاحتفلوا بطريقتهم في السوشيال ميديا، لكن هل كان انتصارًا فعلًا أم نجاة مؤقتة من أحبولة الاستئصال المعقدة؟ ننظر إلى الحدث من خارج الحزب ومن داخل المشهد السياسي التونسي المعقد.

انتصار معنوي يغطي هزيمة كبيرة
قام أنصار الحزب بربط فراغ الملفات المرفوعة ضدهم بتهمة التسفير من الأدلة والحجج بفراغ كل ملفات التهم التي رفعت ضدهم منذ بدأوا المشاركة في السلطة وخاصة بعد انقلاب 25 يوليو/تموز، ومن هذه الزاوية حق لهم فعلًا الحديث عن انتصارات.

لقد حوكم الحزب إعلاميًا بتهم كثيرة لم تصل إلى المحاكم أبدًا لكنها ثبتت في أذهان الجمهور بقوة الطرق الإعلامي حيث يسمع كل يوم عن ثروات خيالية راكمها "الخوانجية الذين أكلوا البلد"، ويضاف إلى التهم سيطرتهم على القضاء لمنع محاكمتهم.

منذ الانقلاب لم يتقدم أحد بتظلم من سرقات النهضويين وقد كان بعضها مثيرًا للسخرية (مثل ثروتي البحيري والغنوشي التي تفوق كل واحدة منها ميزانية البلد لعدة سنوات)، وبعد تحقيقات سبتمبر/أيلول يمكن القول إن الحزب نُظف من كل التهم والتسفير أخطرها، لم تكن تلك نية من يجرهم إلى المحاكم، لكن على الأرض لم يعد يمكن تخيل تهم أخرى اللهم إلا ثقب طبقة الأوزون، لكن هل خرج الحزب من دائرة الاستهداف؟

يوجد حزب واحد في تونس
حديثنا عن حياة سياسية تعددية في تونس فيه كثير من المجاز وكثير من التمني الحالم بالديمقراطية، ففي تونس يوجد حزب سياسي واحد ومنظومة حكم تتخذ أشكالًا مختلفةً بحسب السياقات، وكل الأسماء السياسية التي تظهر في المشهد هي أسماء مؤقتة غير ذات وزن في الشارع وغير مؤثرة على وجود المنظومة الحاكمة، بل إن أغلب الأسماء صنيعة المنظومة وأدواتها تحركها بذكاء كبير ضد الحزب الوحيد الذي يزعجها: حزب النهضة، وليس هذا الكلام حكم قيمة على وطنية الأسماء السياسية وجديتها بل عن وزنها الفعلي وطبيعة معارضتها للمنظومة.

إن إغلاق أبواب المجلس التأسيسي (البرلمان في صيف 2013) من رجل معارض منذ دهر طويل - مصطفى بن جعفر - هو أكبر علامة على أن معارضي المنظومة من غير النهضة هم جزء أصيل من منظومة الحكم، وما معارضتهم إلا زينة تتخذها المنظومة للتسويق الديمقراطي المخول للقروض.

ما شاهدناه منذ الثورة وخاصة منذ انتخابات 2011 هو أن منظومة الحكم ناورت بكل الحيل السياسية والأمنية والإرهابية لمنع حزب النهضة من التحول إلى منظومة حكم بديلة لها أو شريك كامل الحقوق معها، وما التحقيقات الأخيرة بتهم التسفير إلا مناورة أخرى لن تكون الأخيرة - رغم استنفاد التهم -.

كثيرون يلومون النهضة على عدم الحسم بالقوة مع المنظومة منذ منحها الناخب سلطة، وهذا كلام يجهل قوة المنظومة وذكاء أدواتها وصنائعها في مقابل حزب بلا تجربة ولا خبرات قيادية مدربة على الحكم، فهل كان يمكن الحسم مع المنظومة دون دفع ثمن من الدماء، يحفظ للنهضة شرف حقن الدماء لكن مع تضييع الثورة والسلطة ولم يكن الخيار سهلًا.

تونس ليست أرض جهاد
خيار حقن الدم انتهى بالنهضة إلى وضع الوعاء الجلدي المعلق الذي يتدرب عليه الملاكمون أو الماكويرا، فالجميع يلكمها ويقوي عضلاته ويصوب ضرباته على لحمها دون تمييز بين عنصر قاعدي فيها (يحرق مقره في كل تظاهرة) وقياداتها التي ظنت أنها بلغت الحصانة التامة بحكم العمر والمنصب، لا حصانة لنهضوي هذا ما قالته تحقيقات سبتمبر/أيلول 2022، فالمنظومة لا ترى في النهضة كبيرًا يوقر أو شيخًا يعفى أو مسؤولًا سابقًا يعامل بصفته الرمزية، فالقصد هو المحق الرمزي بعد المحق المادي.

لقد أجلس رئيس الحزب/رئيس البرلمان على كرسي المحقق لمدة ثلاثين ساعة دون سؤال وكان القصد إرغامه وإذلاله كأي منحرف التقط من الشارع، وهنا لا نرى انتصارًا يمكن الاحتفال به، ونظن أن الاحتفال يغطي حالة عجز عن الخروج من وضع وعاء الملاكمة، بل ربما فيه تلذذ بالضربات المتتالية بصفتها ابتلاءً وجهادًا.

القبول بالنضال السياسي الحزبي ضمن مشهد تعددي (ديمقراطي) هو خروج نظري من وضع الجهاد في سبيل الله (الحركة الدينية) إلى المشاركة في إدارة شؤون الناس بقوانين دنيوية (الحزب السياسي)، وكان هذا مدخل المشاركة وغطاء القول بالإسلام الديمقراطي بعد الثورة، لكن على الأرض حصل خلط كبير وبعضه عن جهل وقصور فكري جعل المنظومة تلتف بسهولة على الحزب الحائر وتحشره في وضع كرة التدريب وهي تمهد لقلعه لتمر دون عائق.

ما المطلوب من حزب النهضة؟
لا أريد أن أنضم إلى قائمة الأقلام الحكيمة جدًا التي تقوم كل صباح لتقدم دروسًا للحزب فيما ينبغي أن يفعله بنفسه قبل ما ينبغي فعله للبلد، فهذه القائمة طويلة جدًا وأصحابها بارعون.

المدرك الآن بقليل من التدقيق أن الحزب يفقد الأرض رغم أن محنة الانقلاب أعادت له لحمة عاطفية قوية كانت المشاركة في السلطة قد ذوبتها، وتحسن القيادة الحاليّة الاستفادة من المحن لمواساة القواعد الصابرة لكن لا تقدم بالمحنة حلولًا للمستقبل.

في ظروف ديمقراطية عادية - لن تتوفر في المستقبل - يمكن للحزب بقواعده الثابتة أن يأخذ جزءًا من السلطة مرة أخرى وهو ما لا يمكن لأي حزب آخر أن يفعله (لا توجد أحزاب أصلًا)، لكن من أجل ماذا قد يحكم؟ وبماذا؟ هل سيحكم ليعيد خدمة المنظومة بوسائلها كما فعل منذ أول مشاركة؟

دون تقديم دروس لأحد فأهل مكة أدرى بشعابها، لكن الوضع الحاليّ بقياداته الحاليّة استنفد دوره وقدراته ونظن أنه باق ويتغذي بالشحنة العاطفية التاريخية لا بصواب التدبير والتخطيط السياسي.

في الحياة السياسية القادمة بعد الانقلاب وهي عندي يقين ثابت (دون تحديد أجل) لا يمكن العودة بالحزب القديم إلى وضع جديد سيكون حتمًا مختلفًا بشكل كلي.

لقد نصحنا في مقال سابق لحزب النهضة بين جد وهزل بحل الحزب والذوبان في السكان، ونعود بجدية لنتخيل مشهدًا سياسيًا لا تجد فيه منظومة الحكم عدوًا تتدرب على ضربه وتخويف الناس منه، أين ستذهب قواعد الحزب إذا حل الحزب؟ لنسأل قبل ذلك أين ستذهب الأذرع الوظيفية من يسار وقوميين وتبع بلا مبدأ ولا أخلاق إذا لم يعد هناك كرة تدريب لتضربها كل صباح؟

لا نرى حزب النهضة يختفي بحل الحزب (يمكن للحزب أن ينتقل للسكن في هواتف منخرطيه الأبديين) نرى أولًا تيه المنظومة وانكسار أدواتها في أفق تشكل مشهد مختلف خارج ثنائية منظومة حكم ضد حزب النهضة الإسلامي، هذه الفكرة ليست في وارد القبول والتطبيق، فبعض القيادات المغرمة بصورها سيؤلمها الاختفاء، لكن اليقين أن المشهد الذي يجر فيه رئيس الحزب للتحقيق بتهمة حفر نفق بين تونس وليبيا طوله 70 كيلومترًا لا يمكن أن ينتج أي أمل في التقدم نحو المشاركة الديمقراطية. إن وجود حزب النهضة يعطي حياة كاملة للمنظومة وهذا أوان الخروج من وضع كرة التدريب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، الثورة المضادة، حركة النهضة، راشد الغنوشي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-09-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الناصر الرقيق، د.محمد فتحي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الغني مزوز، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، إسراء أبو رمان، كريم فارق، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، صالح النعامي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد عمر غرس الله، د- محمد رحال، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الياسين، أحمد بوادي، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله زيدان، د. طارق عبد الحليم، صباح الموسوي ، يحيي البوليني، علي عبد العال، سامر أبو رمان ، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، سيد السباعي، سلوى المغربي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، فهمي شراب، حسن الطرابلسي، مصطفي زهران، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العراقي، مصطفى منيغ، رافد العزاوي، حميدة الطيلوش، عمار غيلوفي، ياسين أحمد، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، سامح لطف الله، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، حاتم الصولي، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، د. صلاح عودة الله ، العادل السمعلي، الهيثم زعفان، أحمد ملحم، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، د- محمود علي عريقات، د - المنجي الكعبي، عواطف منصور، إياد محمود حسين ، فتحي العابد، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، أبو سمية، محمد شمام ، عزيز العرباوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - صالح المازقي، وائل بنجدو، يزيد بن الحسين، جاسم الرصيف، أنس الشابي، محمد يحي، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسني إبراهيم عبد العظيم، رافع القارصي، طلال قسومي، صلاح الحريري، د - مصطفى فهمي، كريم السليتي، نادية سعد، حسن عثمان، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، سلام الشماع، فتحي الزغل، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، د. خالد الطراولي ، فوزي مسعود ، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، محمد اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية، محمد العيادي، أحمد الحباسي، د- جابر قميحة، عبد الله الفقير، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - شاكر الحوكي ، د. أحمد بشير، تونسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة