البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس الانقلاب: موضوع صراع دولي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 641



الانقلاب في تونس محاصر من قوى دولية كثيرة، ولكن سيرتكب حماقة كبيرة من يظن أن هذا الحصار ينفذ لمساعدة الديمقراطية في الداخل، بعد أن كسر الانقلاب مسار التحول الديمقراطي المتعثر إلى كارثة سياسية أفقدت البلد آخر قدراته على حماية نفسه بقوة داخلية.

من هي هذه القوى المتصارعة على تونس وهل يمكن تخيل أهدافها؟ وكيف يمكنها الاستفادة من تونس؟ أما سؤال كيف تفيد هذه القوى تونس فمؤجل إلى أجل لا يمكننا توقعه.

الحصار وعلاماته

تعود بواخر الحبوب وبواخر الوقود من المواني التونسية محملة بغذاء التونسيين وقد اكتشفت عجز الدولة عن الدفع. شحت المواد الأساسية من السوق مثل السكر وزيت الطعام والقهوة والحليب المجفف، أما الأدوية وخاصة أدوية الأمراض الخطيرة فصارت تدخل من الخارج مهربة في حقائب المسافرين. وكل مادة تشح من السوق تؤذن بإغلاق مصانع وتسريح عمال.

لا أحد يقرض تونس نقدا أجنبيا يغطي حاجتها، ليس لدينا خبر يقين عن تقلص الصادرات، فالإعلام توقف عن إثارة قضايا الفوسفات. نعرف أن السوق الليبية قد كفت أو بالأحرى منعت من التزود من المنتجات التونسية خاصة الفلاحية منها، بدعوى حماية المستهلك التونسي لكن الأسعار ارتفعت بنسق جنوني.

يجري الحديث بنسق حثيث على قرب إبرام اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي، ولكن بمقابل ثقيل يربك الجميع، وهو إنهاء كل أشكال الدعم على المواد الأساسية والتعامل بحقيقة الأسعار، والتخلص بسرعة من المؤسسات العمومية الفاشلة الملتهمة للموازنة مثل شركة الطيران الوطنية.

المؤشرات تتوالى على عملية رفع الدعم، فاليوم قفز سعر الحليب إلى فوق الدينارين (أي زيادة بـ700 مليم دفعة واحدة). قبل ذلك رُفع الدعم عن الورق والسكر وزيت الطعام، ويتجه الأمر إلى رفع الدعم عن الخبز والمواد الغذائية المشتقة من الحبوب بشكل كلي قبل نهاية السنة. وبدأ الحديث يرتفع عن الخصخصة في المؤسسات العمومية مثل وكالة التبغ (المحتكر لإنتاج التبغ وتصنيعه محليا وتوزيعه).

تتظاهر النقابة بالاعتراض على ذلك لكن لا أحد يأخذ اعتراضها بجدية، فهي متواطئة مع الانقلاب وتحميه من احتمال انفجار الشارع في وجهه، لذلك ترفع طلبات الزيادة في الأجور في الوقت الذي تشاهد العجز العام في كل مجال.

يجري كل هذا تحت أنظار قوى دولية تراقب الوضع عن كثب ونظن يقينا أنها ترتب لما بعد هذه المرحلة، لكن لا نرى لها شركاء في الداخل إلا أن يكون الأمر من قبيل عمل المخابرات السري. فمن هي هذه القوى؟

أمر التونسيين ليس بأيديهم

الممسكون بقنوات التمويل الأجنبي هم الفاعل الرئيسي الذي يمكنه أن يشدد الحصار أو يخففه طبقا لأجندته لا طبقا لحاجة التونسيين، وأعني الولايات المتحدة. لكنها لست الفاعل الوحيد، ففرنسا الحاكمة الفعلية لكثير من الدول الأفريقية وفي مقدمتها تونس تصارع من أجل حفظ مكانتها ومصالحها في تونس.

نلتقط أخبارا ومؤشرات كثيرة على أن هاتين القوتين ليستا على وئام كامل بخصوص المنطقة، وهناك تحالفات فرنسية صينية تزعج الولايات المتحدة في أفريقيا وحوض المتوسط، لذلك تضع الولايات المتحدة تونس ضمن خطة أوسع للصراع على أفريقيا مع فرنسا لقطع الطرق على الصين. ويبدو دخول أفريقيا من شمالها أيسر، فقواعد حلف الناتو في جنوب إيطاليا جاهزة للحلول القصوى لكن ما زالت مرحلة السياسة ممكنة. ونظن أن تونس تصبح ذات أهمية خاصة لمثل هذا الغزو الجديد، لكن دون أجندة خاصة ذات كلفة أخلاقية من قبيل التدخل في بنما ذات يوم. لكن ما علاقة هذه المعركة الدولية بالحصار الاقتصادي لتونس؟

زاوية النظر التي تتضح بالتدريج أن هناك لوبي اقتصاديا ونقابيا وسياسيا تونسيا مرتبط كليا بفرنسا، تموله وتحميه وتستبدل ما فسد منه (ابن علي) بالأقل فسادا (حزب النداء) لكنه يشكل نخبتها العميلة، وبقاء السلطة بين يديه يخدمها ولن تفرط به.

تحويل البلد من دولة بملمح اجتماعي (في الواقع هي دولة رشاوى اجتماعية) إلى دولة ليبرالية ومهما كان الثمن؛ يعني قطع العشب تحت أقدام النخبة الفرنسية وفي مقدمتها النقابة. الأمر هنا لا يستحق تدخلا عسكريا، يكفي قطع الريع العمومي على النخبة الفرنسية الممسكة بخناق الدولة والاقتصاد لكي تنهار ماكينة فرنسا (يبدو أن هناك تجربة سابقة في رواندا آتت أكلها).

احتمالات التحرر من اللوبي الفرنسي في تونس (أو إضعافه سياسيا) تفتح الباب على احتمالات أخرى (بدون كلفة عسكرية) لا يسهل تبينها بسرعة، لكن تعد بتشكل نويات اقتصادية أخرى على مدى متوسط وبعيد؛ ينهي الاحتكارات الفرنسية ويمكن أن يدخل منه مستثمر أمريكي أو كندي أو ألماني أو تركي مُنع حتى اللحظة من الاقتراب من المنطقة ومضايقة القوة الفرنسية.

نستشعر أن هذه القوى تتربص وراء الضغط الأمريكي لتأخذ حصتها من أفريقيا وبوابتها الجديدة ذات الامتياز الجغرافي، ونقرأ توافقها السياسي حول الحالة التونسية وموافقتها على الحصار. هل لهذه القوى أصدقاء في تونس؟

سياسات الأمر المقضي

تعرف هذه القوى الكلفة الاجتماعية والسياسية لمنعرج ليبرالي بعد عقود من الريع المريح للنخب ولكثير من الطبقة المتوسطة؛ أن تعريتها اقتصاديا ترفع الكلفة على كل من يتصدى للشأن العام في الداخل، وتجعل حكم البلد مستحيلا، لكن القوى المتحكمة من الخارج لا تستشير أحدا في الداخل أو تشركه في أجندتها، وهي تتجه إلى وضع كل راغب في الفعل السياسي أمام أمر مقضي، مفاده إدارة الشأن العام يجب أن تتم بشروطنا وطبقا لأجندتنا.

هل أن الانقلاب أتى ضمن هذه الأجندة ليكمل تصفية دولة الريع؟ أسراره مكتومة بعد على من لا يملك مصادر استخباراتية، لكن نرجح أن القوى الدولية تستفيد من الفرصة (وإن لم ترتبها) لتدفع إلى تحقيق أجندتها التي تأخرت حكومات ما بعد 2011 عن تنفيذها، وعجزت أمام النقابة واللوبي المالي الفرنسي المتحكم فعلا بالبلد.

نختصر فنقول البلد الآن في سوق المزادات الدولية بلا سيادة ولا سكر ولا قهوة، يخطط الكبار مصيره ولا يعودون إلى أي من أبنائه لإشراكه في الأمر، وقريبا يُملون عليه المرحلة الموالية من تاريخيه فينفذها متكالبون على سلطة بلا برنامج. شخص الرئيس هنا غير مهم، ولا دستوره مرجع يذكر بتقدير، ولا جمهوره يستحق الاحترام، ولا معارضوه أيضا يملكون وزنا في المشهد.

هل كانت هذه أجندة الثورة؟ الأجيال القادمة ستقرأ الأسرار التي خفيت عن تحليلنا، أما جيلي فسيرحب بمحتل جديد عساه يكون أقل بذاءة من فرنسا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-09-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، سامر أبو رمان ، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - محمد بن موسى الشريف ، يزيد بن الحسين، د- محمد رحال، مجدى داود، سعود السبعاني، ضحى عبد الرحمن، عزيز العرباوي، د. أحمد بشير، سامح لطف الله، صلاح الحريري، محمد يحي، د. عبد الآله المالكي، محمد العيادي، الهيثم زعفان، حسن عثمان، صالح النعامي ، د. طارق عبد الحليم، رمضان حينوني، عمر غازي، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، ماهر عدنان قنديل، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الغني مزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، عمار غيلوفي، أحمد النعيمي، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، حاتم الصولي، سلام الشماع، د. خالد الطراولي ، مراد قميزة، منجي باكير، عبد الله زيدان، العادل السمعلي، عواطف منصور، كريم فارق، د- محمود علي عريقات، مصطفي زهران، عراق المطيري، أنس الشابي، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، محمود فاروق سيد شعبان، د - عادل رضا، نادية سعد، أ.د. مصطفى رجب، رشيد السيد أحمد، د.محمد فتحي عبد العال، سلوى المغربي، فهمي شراب، محمود طرشوبي، طلال قسومي، محمود سلطان، صفاء العربي، عبد الله الفقير، الهادي المثلوثي، أحمد بوادي، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، د- جابر قميحة، صباح الموسوي ، حسن الطرابلسي، الناصر الرقيق، أحمد ملحم، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحـي قاره بيبـان، سيد السباعي، فتحي العابد، رافع القارصي، فوزي مسعود ، محمد الياسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي الزغل، مصطفى منيغ، حميدة الطيلوش، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، محمد شمام ، د - مصطفى فهمي، د - شاكر الحوكي ، رضا الدبّابي، د - المنجي الكعبي، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، إياد محمود حسين ، علي الكاش، وائل بنجدو، كريم السليتي، تونسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة