البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل تعلمت نخبة تونس درسا من الانقلاب؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 806



يوجد مستقبل لتونس بعد الانقلاب، وهذه جملة متفائلة لكنها يتيمة فلا مكمل لها حتى الآن، فالمؤشرات تتراكم على أن النخبة السياسية لم تع الدرس ولم تتقدم في اتجاه الديمقراطية فعلا، رغم كثرة الكلام حول لزوم إنهاء الانقلاب.

عقدت النقابة مؤتمرا خارج القانون وفرضت القيادة القديمة نفسها كفاعل رئيس في مشهد ما بعد الانقلاب، وهي تحاول فرض خيارها القديم عبر حوار وطني. يقسّم اليسار الاستئصالي نفسه فيضع ساقا من الانقلاب وأخرى ضده، مستعملا كالعادة ودون أي تغيير في التكتيكات النقابة. نعاين بالتوازي وعن قرب تشكل كتلة تاريخية (وهذه مبالغة مني) ترفض الانقلاب وتتحرك في اتجاه التجميع السياسي. وقد سُمع حديث عن جبهة خلاص وطني، لكن يبدو أن هذا الائتلاف الناشئ لا يقوم بنفسه، إذ نراه يبحث عن سند من شيوخ استنفدوا حياتهم السياسية. ودون استباق نقول إن مشهد النخبة لم يتغير ولم يتعلم شيئا من الانقلاب لنفصل.

لا زال الانقسام الاستئصالي يشق الساحة

الانقسام حول الانقلاب هو نفسه الانقسام حول الديمقراطية، ومن لم يتفقوا حول الديمقراطية قبل الانقلاب لا يزالون يعيدون إنتاج نفس المواقف ونفس التبريرات بعده، كأن الانقلاب لم يحدث ولم يخرب البلد. إن ظاهر الموقف كباطنه.. كان التعايش على قاعدة الديمقراطية قبل الانقلاب يعني التعايش مع الإسلاميين بصفتهم ركنا مؤسسا لا ضيوفا على المجتمع التونسي. ولقد كررنا في نصوص كثيرة أن وجود الإسلاميين في عملية ديمقراطية هو شرط لنجاحها، وخروج البلد من معارك الاستئصال إلى معارك التنمية. وكان ذلك يعني القبول بالتغيير السياسي والصبر عليه حتى ينتج ديمقراطية اجتماعية؛ لا يمكن لأي فرد مهما كان عبقريا أن ينقلب عليها.

قراءتنا للسنوات العشر من الثورة إلى الانقلاب تكشف أمرين: أن الثورة لم تغير مواقف النخبة ذات الهوى الاستئصالي وأن الانقلاب لم يفعل أيضا، لذلك لا نزال ندور رغم تأثيرات الانقلاب على الدولة نفسها في نفس الدائرة المفرغة. ولا يبدو أن هناك أفق للخروج إلا إلى الاحتراب الأهلي، فالمنقلب يعيش من هذه المعركة وهو يستثمر فيها، وذلك آخر ما بقي له ليتنفس في الوضع الخانق الذي مهد له فعمقه ولا يزال يحرض عليه؛ إذ يستنصر بالاسئصاليين.

إن الانقلاب الثاني الذي حصل على لوائح النقابة وفرض التمديد للقيادة الاستئصالية المسيطرة عليها منذ نصف قرن؛ يأتي في سياق نفس المعركة المعادية للديمقراطية داخل النقابة وداخل البلد. ونعتبر مؤتمر النقابة خطوة إضافية في هذا المسار، فهذه القيادة ستواصل بلا خجل وضع النقابة ضد كل حل ديمقراطي ينتظر الناس أن يكون لما بعد الانقلاب. يعرف كل مراقب للوضع التونسي أن اليسار المتطرف خارج الآلة النقابية الشرسة لا وجود له ولا وزن، خاصة إذا عرض على صندوق انتخابي ولو بأكبر البقايا، لذلك رأيناه يخوض معركته ضد القانون ليحتفظ بوسيلة الضغط التي منع غيره بكل الحيل من دخولها. لقد كان مؤتمرا استئصاليا يستعد لما بعد الانقلاب، ليواصل معركة الاستئصال في أي مشهد قد يكون فيه إسلاميون.

خلاص وطني بشيوخ مستنفدين

لقد أطلقت الجملة في الساحة. ائتلاف المبادرة الديمقراطية (مواطنون ضد الانقلاب) يصل الليل بالنهار لبناء جبهة سميت حتى الآن بجبهة خلاص وطني (كم عرف العرب من جبهة خلاص وطني؟)، لكنه وهو يجمع يحسن النية بالمعيقات القديمة. وأسمي هنا الجيل الأول من السياسيين الذين عارضوا بورقيبة وابن علي، ولكنهم عجزوا عن إحداث تغيير حقيقي حتى جاءت الثورة من خارجهم، وقد أفلحوا في التسرب إلى قيادتها وكانوا سببا في فشل كثير بعدها.

يظن مواطنون ضد الانقلاب أن الاستناد إلى هذه الشخصيات الاعتبارية يزيدهم قوة (بالنظر إلى الثقل الرمزي المتوهم لهؤلاء)، لكني أجد في الاستنجاد بهؤلاء مضيعة للجهد والوقت. وأجد فيه خاصة هشاشة النخبة الوحيدة التي قامت فعلا ضد الانقلاب منذ ساعاته الأولى، فهي لم تحدث اختراقا حقيقيا في الشارع لتقوم بنفسها دون هذا السند المستنفد. هذا السند نفسه ما زال يسوق تاريخه القديم، متجاهلا دوره في تفريغ الثورة من مضامينها.

خطاب هؤلاء جاء مجاملا دون أن يقدم أي نقد ذاتي للأدوار السابقة بعد الثورة، وهو ما يبعدنا عن كل وهم أن هؤلاء قد فهموا الانقلاب وأسبابه، وأن لديهم وعيا باللحظة التاريخية التي تقتضي التجاوز النهائي لما جرى. لقد توهمنا أن سيأتي هؤلاء وراء الشباب ليدفعوا بهم إلى قيادة المرحلة القادمة، فإذا هم ماكثون حول نرجسيتهم يتصدرون المجالس لقيادة المستقبل، ونستشف من حديثهم القديم المتكرر أن البلد لا يصلح إلا بهم (ودورهم في المستقبل حيوي وضروري).

هنا نجد أن دروس الانقلاب قد ذهبت سدى، وأسمي بالجرأة الكافية نجيب الشابي وراشد الغنوشي ومنصف المرزوقي. لم يقل أي من هؤلاء أن زمنه السياسي انتهى، بل سمعنا منهم حديث الزعيم الضرورة، وتكفي أسماؤهم ليستنكف كثير من معارضي الانقلاب ليتقربوا من جبهة الخلاص المزعومة. أنا أحد القائلين بأن قيادة ما بعد الانقلاب لا تكون بهؤلاء ولن تكون.

المنظومة القديمة لا تزال تستثمر في الانقلاب

المشهد نفسه.. اليسار الاستئصالي يستقوي بنقابته المقرصنة، ويقف ضد فكرة جبهة الخلاص الوطني ما دام فيها طرف إسلامي، فيلتقي موضوعيا مع مكونات المنظومة القديمة التي تعمل على العودة بالبلد إلى ما قبل الثورة، لا فقط ما قبل الانقلاب؛ رأس المال الفاسد الرافض لكل محاسبة (مستورد المزابل المسمومة من إيطاليا) وحزب الفاشية الذي يكرر نسخة ابن علي دون شخصه وبوليس ابن علي بنقاباته، وهي خلطة فاشية يسارية استئصالية. مجتمعة كلها خلف الانقلاب تظهر له النقد المهذب، ولكنها تمسكه أن يقع على وجهه وتدفعه إلى المزيد من التخريب، حتى يصير حديث الثورة والتغيير جريمة لا يود أحد استعادته أو التعرض لذكره في مجلس علني.

هذه المكونات احتفت بحل المجلس الأعلى للقضاء وتخرب موقف المحاماة المتماسك عبر عميد منها يخون القطاع. ويكفي أن نقيس حجم الإضرابات التي قادتها النقابة ضد حكومات ما بعد الثورة إلى صمتها المطبق بعد الانقلاب لنعرف من خرب الثورة، ومن لا يزال يعمل على تخريب كل أمل في الخروج من الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي. هؤلاء وحدهم استفادوا من درس الانقلاب، إنه انقلاب على الثورة وليكن طريقا لنسف مكتسبات قليلة ثابتة.

لنختصر تلك الجملة المتفائلة التي لا تزال يتيمة، فمكملات النص المتفائل لا تزال متناثرة لم تتشكل في سياق سياسي. هل نسيء الظن بالمستقبل؟ أفضل الحديث عن تخفيض سقف التفاؤل ولو غضب أصدقائي الذين يعملون على بناء جبهة خلاص وطني؛ وهم يعرفون أني من جنودهم دون ادعاء بأني الجندي الضرورة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-02-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، إياد محمود حسين ، جاسم الرصيف، مصطفي زهران، أ.د. مصطفى رجب، صالح النعامي ، يحيي البوليني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد الحباسي، مجدى داود، نادية سعد، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، فتحـي قاره بيبـان، د. أحمد بشير، محمد يحي، سيد السباعي، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي العابد، تونسي، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، سلام الشماع، صلاح الحريري، الهادي المثلوثي، كريم السليتي، أبو سمية، أحمد ملحم، طلال قسومي، د- محمد رحال، صفاء العراقي، سامح لطف الله، علي عبد العال، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلوى المغربي، سفيان عبد الكافي، الهيثم زعفان، محمود سلطان، محمد الطرابلسي، خالد الجاف ، عمر غازي، د. صلاح عودة الله ، محمد العيادي، ماهر عدنان قنديل، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، رشيد السيد أحمد، أنس الشابي، علي الكاش، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، محمد أحمد عزوز، محمد اسعد بيوض التميمي، عزيز العرباوي، عراق المطيري، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - عادل رضا، عبد الله زيدان، د- هاني ابوالفتوح، عمار غيلوفي، د - شاكر الحوكي ، فتحي الزغل، صفاء العربي، د - صالح المازقي، رافد العزاوي، ياسين أحمد، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، ضحى عبد الرحمن، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي الفرجاني، سليمان أحمد أبو ستة، محمد عمر غرس الله، يزيد بن الحسين، سعود السبعاني، أشرف إبراهيم حجاج، حسن الطرابلسي، إيمى الأشقر، كريم فارق، محرر "بوابتي"، حميدة الطيلوش، د. طارق عبد الحليم، محمود فاروق سيد شعبان، د. خالد الطراولي ، رمضان حينوني، د - محمد بن موسى الشريف ، خبَّاب بن مروان الحمد، وائل بنجدو، د - الضاوي خوالدية، فهمي شراب، عواطف منصور، إسراء أبو رمان، أحمد النعيمي، منجي باكير، عبد الله الفقير، رضا الدبّابي، د. عبد الآله المالكي، صلاح المختار، محمد الياسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، العادل السمعلي، محمد شمام ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة