البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. الرئيس يواصل الهروب إلى الأمام

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 873



الكر والفر بين الرئيس والشارع متواصل، فبعد هجوم الشارع الديمقراطي يوم الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير وتأكيده احتفالية الثورة في موعدها، ودفع أجهزة الأمن إلى استعمال أقصى أشكال الردع المتاحة، ظهر الرئيس متوعدا يخفي رعبا كبيرا عبر جمل الاستهانة المعتادة بالشارع المتمرد على أفكاره وطريقته في إدارة البلد. وبقدر ما بدا مزمجرا بقدر ما ظهر انحناءه الخانع لمكونات المنظومة التي زعم الحرب عليها منذ توليه. فقد قدم لنقابة الأعراف ما أرادت، من عفو طال انتظاره، وقدم لنقابة الموظفين ما رغبت فيه وربما أكثر مما رغبت، بل ظهر في حالة غزل مفرط مع رئيس النقابة.

لكن سؤال اللحظة التونسية الآن: هل يكفي ذلك للاستمرار والنجاح؟ أليس في هذا الاحتواء المتبادل هروب من الحل السياسي الضروري؟

رشوة منظومات الحكم لترميم الحزام السياسي

زال التوجس فيما يبدو بين نقابة الأعراف (اتحاد الصناعة والتجارة) وبين الرئيس، أو أن جهة ما رطبت الأجواء بينهما فعادت المياه إلى مجاريها، لكن التوقيت مريب أو مثير للجدل. منح رجال الأعمال عفوا يخفف عنهم خطايا التأخير في دفع المساهمات بعنوان الضمان الاجتماعي، بدعوى تحفيزهم على العمل والانتداب. وهي رشوة تقليدية كان يعطيها ابن علي سابقا بنفس الحجة، وكانت إحدى أهم الأسباب في أزمة صندوق الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص.

وبالتوازي منحت النقابة موافقة على القوانين الأساسية للصناديق بما يمهد لترقيات كثيرة ترفع حجم الأجور بهذه المؤسسات، وقد جرى هذا بالتوازي مع حديث عن ارتفاع كتلة الأجور وضرورة التخفيف فيها للخروج من أزمة الموازنة المرهقة بكتلة الأجور.. الخطاب ونقيضه من أجل تهدئة خواطر المنظومات المستفيدة من الوضع الحالي بكل سوءاته، وبمقابل سياسي ظهر في خطاب المسكنة التي استقبل بها الرئيس أمين عام المنظمة الشغيلة؛ التي تحذر في ذات اللحظة من هجوم مؤسسات الإقراض الدولية وتواصل الحديث عن الدولة الاجتماعية.

وجدنا في هذه الخطابات/ التجاذبات محاولة رشوة منظومات الحكم (التي أسندت نظام ابن علي)، طمعا في سندها السياسي أمام شارع متنمر، ووجدنا فيها محاولة لتجنب مصارحة الناس بحرج الوضع. ونرى هذا تملصا من التوصيف الحقيقي للحظة بأنها لحظة مأزومة سياسيا، وأن جوهر الأزمة الآن سياسي أولا، ولا يمكن العبور إلى معاجلة الاقتصادي والاجتماعي إلا بحل المعضلة السياسية التي خلقها الانقلاب. تقديم السياسي أولا يضع الانقلاب ومنظمات الإسناد أمام حقيقة واضحة: الجلوس إلى طاولة الحل السياسي، أي تحمل كلفة إسناد الانقلاب أو كلفة معارضته في ما يسعى فيه.

الحل السياسي ليس رفاها نخبويا

الحلول/ الترضيات التي قدمها الانقلاب لهذه المنظمات طمعا في الإسناد السياسي، خاصة بعد تحركات يوم الرابع عشر، هي حلول قاصرة لأنها تجرد العظم من لحمه. أي أنها تصرف من الموجود دون خلق إضافات، لذلك فإنها حلول منتهية الجدوى قبل البدء في تنفيذها، وهي حلول من جنس ما سبق أن فرضته النقابات على الموازنة طيلة العشرية السابقة حتى أودت بها إلى الكارثة الراهنة.

هذا يجعل المنقلب يستنجد بقاصر لن ينصره إلا في الخطاب، ولغة التهديد كاشفة في العمق عن شعور بالعجز الفعلي وتغطية مثيرة للشفقة، والترميم المطلوب لن يتم بهذه الإمكانيات الضعيفة.

الجميع في تونس (المنقلب ومعارضوه) يستمع إلى التوصيات (الأخوية) النصوحة الصادرة عن مؤسسات الإقراض الدولية، والداعية إلى تحرير الموازنة من الأعباء الاجتماعية والتخلص بسرعة من المؤسسات الاقتصادية العمومية التي تحولت إلى حفرة تلتهم الموازنة عوض رفدها بمداخيل جديدة (مثل شركة الطيران). والجميع يعرف الآن أن رفض (بخطاب الدولة الاجتماعية) هذه "النصائح" معناه الذهاب سريعا إلى إفلاس الدولة، والقبول بها يعني ثمنا اجتماعيا لا قبل لأحد بتحمل كلفته وحده. وهذا يعيدنا إلى أولوية الحل السياسي بصيغة جماعية تبني جبهة وطنية تواجه الاستحقاقات بخطاب واحد وبموقف واحد، وهذه ضرورة لا احتمال بين احتمالات أخرى.

مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية يبدأ بمواجهة المشكل السياسي، وهذا يبدأ من عند الرئيس في اتجاه من يعارضه أولا ومن يسانده بهوى استئصالي ثانيا. لكن خطاب الرئيس ونبرته المهددة في آخر مجلس للوزراء (15 كانون الثاني/ يناير) لا ينبئ بأية رغبة في الحل السياسي، بل بمواصلة الهروب إلى جهة مجهولة من أجل تغيير النظام السياسي، وهو نقاش خارج التاريخ فعلا.

تخفيف الأعباء عن رجال الأعمال و/ أو تحسين وضعية الموظفين يتجاهل أن المتضررين من الأزمة الاقتصادية (من ليس لهم نقابات تحميهم) بقوا خارج حساب الرئيس وحساب المنظمات. وهذا بدوره يضع المنظمات في مواجهة الشارع المفقر، وإسنادها للرئيس الآن يبعده عن الحل السياسي ويفرغ خطابه الاجتماعي من كل مضمون حقيقي. المنظمات تحتمي بالرئيس والرئيس يحتمي بها، فيجدون أنفسهم ضد الشارع. إنه الهروب الكبير من الاستحقاق السياسي الآن وهنا، ونجد في تشنج الخطاب الرئاسي وعيا بالمأزق، لكن عوض التواضع للحل يجري الهروب الكبير نحو الهاوية.

الحل سياسي وطني أو لا يكون

لا مهرب لأحد من الاستحقاق الاجتماعي الجاثم، لن يفلح الانقلاب في علاج أية مشكلة اقتصادية ولو رفد بأموال كثيرة. مشروع الرئيس لتغيير النظام الرئاسي حدَثٌ خارج اللحظة التونسية، وقد تجاوزته الأحداث فتحول إلى مصدر للسخرية والدليل نسبة المشاركة المنعدمة تقريبا في الاستشارة التي يروج لها أنصاره ببلاهة لا تليق بشعب متعلم، إنها في أقل التوصيفات سوءا نغمة نشاز.

لهذا نجد أن المبادرة السياسية الديمقراطية المطروحة الآن في الشارع والتي عبرت عن نفسها بمظاهرات 14 كانون الثاني/ يناير هي مفتاح الحل، ونقطة الانطلاق تجميع القوى السياسية حول مطلب عودة المؤسسات المنتخبة، وبها يُشرع في الإعداد لحل سياسي شامل عبر انتخابات سابقة لأوانها، وترتب تفاصيله الإجرائية حول طاولة تفاوض (تحتاج شجاعة كبيرة للمصارحة) وتشمل الحلول الواقعية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، على الأقل وضع خطوط عامة لبرنامج حكم ما بعد الانقلاب.

في غير هذا الأفق سيظل الشارع يأكل من رصيد الانقلاب، ويظل الانقلاب يؤجل الحلول عبر ترتيبات قاصرة مع منظمات حائرة وعاجزة. قد تُدفع أثمان سياسية كبيرة، لكن الثمن الأكبر هو إعلان عجز الدولة وقوعها تحت سلطة لجنة مالية أجنبية تملك ساعتها أن تفرض شروطها على وطن ممزق ودولة فاشلة.

لا يكشف لنا خطاب الرئيس المتشنج أية بارقة حل واقعية.. الجدار النهائي لم يعد بعيدا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د.محمد فتحي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، جاسم الرصيف، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفى منيغ، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، محمود سلطان، العادل السمعلي، أحمد ملحم، عراق المطيري، الناصر الرقيق، محمد اسعد بيوض التميمي، المولدي الفرجاني، أحمد الحباسي، د - شاكر الحوكي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، سامح لطف الله، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الياسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، فوزي مسعود ، الهيثم زعفان، صباح الموسوي ، علي الكاش، د- محمد رحال، مجدى داود، محمود طرشوبي، صلاح الحريري، مصطفي زهران، يزيد بن الحسين، رمضان حينوني، د. عبد الآله المالكي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، خبَّاب بن مروان الحمد، صفاء العربي، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، يحيي البوليني، تونسي، د. طارق عبد الحليم، د. خالد الطراولي ، فتحي الزغل، عبد الله الفقير، رافع القارصي، وائل بنجدو، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، د- جابر قميحة، حسن عثمان، سلام الشماع، أحمد النعيمي، رضا الدبّابي، صفاء العراقي، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، د. أحمد بشير، محمد أحمد عزوز، سعود السبعاني، د - عادل رضا، محمد يحي، عواطف منصور، محمود فاروق سيد شعبان، فهمي شراب، رشيد السيد أحمد، إياد محمود حسين ، صلاح المختار، د- هاني ابوالفتوح، إيمى الأشقر، نادية سعد، رافد العزاوي، أبو سمية، عمر غازي، د - مصطفى فهمي، طلال قسومي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أنس الشابي، منجي باكير، د. صلاح عودة الله ، د - صالح المازقي، عبد الغني مزوز، سيد السباعي، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، فتحـي قاره بيبـان، أ.د. مصطفى رجب، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد بوادي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إسراء أبو رمان، عبد الله زيدان، سفيان عبد الكافي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم السليتي، عزيز العرباوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة