البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

تونس: الانقلاب الحائر

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1038



نكتب واثقين من قدرة الديمقراطية على الصمود في وجه الفاشية والانقلابية، حتى أننا نسمع قائد الانقلاب ينوح طربا "دلن دلن دلوني يا خلق الله دلوني"، لكن لن نغادر مواقع الحذر المتوجس، فالانقلابات في تاريخ العرب تتناسل من بعضها وهناك دوما انقلاب يخفي آخر خلفه. وغالبا يكون الانقلاب الأول سخيفا وتافها مثل عدلي منصور.

ونرى هشاشة انقلاب 25 تموز/ يوليو (ها نحن لم نسمه انقلاب الرئيس المنتخب على المسار الذي جعل منه رئيسا)، لقد تحرك المجتمع المدني بوسائل الديمقراطية ليعلن وقوفه ضد المساس بالحريات وبالقانون، وظهرت المحاماة التونسية يوم الثاني من آب/ غسطس معافاة في مواقعها التاريخية لتحمي المحكمة والقضاء، ونتوقع مزيدا من الانتباه بقدر ما نلاحظ تردد الانقلاب في حسم المسائل التي أعلن التصدي لها وبنى عليها شرعيته المهزوزة حتى اللحظة.

المعركة ليست بين قيس والغنوشي

ظاهر القول الذي تشتغل عليه ماكينة إعلام الرئيس هو حصر الخلاف السياسي في المرحلة بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، وهذا للإيهام بأن أزمة ما قبل 25 تموز/ يوليو قد خلقها حزب النهضة الذي سيطر على الدولة. لكن انسحاب رئيس البرلمان من اعتصام البرلمان في اليوم الثاني للانقلاب كشف أن المعركة في مكان آخر، وليست معركة بين شخصين مختلفين حول إدارة الدولة.

هذا التصحيح للصورة حدث بسرعة، فانكشف أن معارضي الانقلاب ليسوا أنصار رئيس البرلمان أو حزب النهضة وحده، بل هي معركة حرية ضد دكتاتورية تطل برأسها من وراء خطاب تصحيح المسار أو معالجة أزمة اقتصادية وصحية لا يمكن إنكارها، ولكن لم يمكن قبول رؤية الرئيس في إصلاحها ولم يسلم له بصواب الرؤية ولا بالأسلوب.

هنا وجدنا المجتمع المدني ومنظماته وشخصياته تفتح الطريق لنفسها ضد الانقلاب، وتعلن تموقعها في صف الديمقراطية. في الأيام الخمسة الأولى أطلت النخبة الاستئصالية القديمة تزغرد لتصفية حزب النهضة ولو دون برنامج حكم بديل، لكن انكشف بسرعة أن هناك نخبة أخرى غير مشغولة بهذه المعركة الاستئصالية، بل تضع كل همها في حماية الحريات والمؤسسات المنتخبة، وتعلن بقوة إيمانها بأن وجود الأزمة الاقتصادية لا يؤدي بالضرورة إلى إلغاء المؤسسات. بل إن الحل يأتي من هذه المؤسسات نفسها وبواساطتها، مثل ما يجري في كل الديمقراطيات العريقة. نخبتان وموقفان نرى الاستئصالي منهما يتراجع ويخفت صوته؛ لأن الرئيس لم يذهب بسرعة إلى تحقيق رغبتهم من انقلابه.

هو فرز يجري وبسرعة تفوق سرعة الانقلاب في تحقيق شعاراته. ونعتقد أنه بقدر تردده ستتقدم النخبة الديمقراطية في اتجاه حماية المكتسبات الديمقراطية وإلزام الاستئصاليين بالوقوف عن حدود أحلامهم التي لم يغيروها منذ نصف قرن، وقد ركبوا إليها كل مركب فلم تكن إلا أضغاثا.

لتتضح الصورة إذن أن المعركة ليست بين الرئيس وحزب النهضة، فهي في الأصل وفي النهاية معركة الانقلابية الاستئصالية المشبعة بالفاشية ضد الديمقراطية، ولنحلل على هذا الأساس.

حيرة الانقلاب تتأكد

تواريخ الانقلابات في البلدان العربية علمتنا أن الساعات والأيام الأولى تكون حاسمة لتمكين المنقلبين من مفاصل السلطة عبر الصدمة والترويع. في اليوم التاسع للانقلاب لم يظهر للناس المتوجسين والآملين جميعهم أن للانقلاب خطة عمل تنفيذية يمر بها إلى السيطرة والتوجيه السياسي. فباستثناء آلة إعلامية نشطة ووقحة تجيش للرئيس وتهين خصومه بلا شرف صحفي، لم نر رئيس حكومة يكلف للخروج بحكومة في أجل الشهر المتاح، بل لم تبلغنا إلا أخبار الهاربين من تحمل المسؤولية المرمية على قارعة الطريق. تأجيل الحلول لا يخدم الانقلاب بل يخدم معارضيه، وكل يوم يمر يجعل الانقلاب أقرب إلى الرغبة المرضية لقائده وينتهي به في زاوية الفشل.

لقد كان عنوان الانقلاب إصلاح سريع للأزمة الاقتصادية والصحية، والضرب على يد الفساد بيد من حديد. وعلامة النجاعة والفعالية هي الإعلان عن المسؤول الأول ولو تأخر في الإنجاز أياما. لم نعرف هذا المكلف بعد، ولكن بدأ الضرب في مكان آخر، ولم يضار الفاسدون أو يشوش على عملهم، واتجه الرئيس إلى خصوم سياسيين هم الأفقر ماديا على الساحة والأبعد عن الفساد لأنهم ببساطة يعيشون خارج الدوائر الاقتصادية التي يمكنها أن تفسد وتنشر الفساد.

ولأن الضربة غير مسنودة بحجة من قانون، فقد كشفت أنها تغطية على المعركة المستحيلة على الرئيس. يمكننا القول حتى الآن أن الفساد الذي كان أقوى من كل الحكومات السابقة؛ سيكون أقوى من الرئيس ومن رغباته الغريزية في الإصلاح.

الفشل في هذا الباب سيجعل المتحمسين للانقلاب من غير الاستئصاليين ينفضّون من حوله، وستنتشر تلك الجملة اليائسة "حتى الرئيس لم يقدر على الفساد". وهذا محبط في ظاهره، لكنه كاشف لأمر هام ستبنى عليه المواقف السياسية لاحقا. الفساد لا يقاوم برغبة شخص ولا بيد حزب؛ مقاومة الفساد معركة وطنية إذا لم تجيّش لها كل القوى فإن الفساد ينتصر. لقد كانت هذه الحقيقة واضحة منذ اليوم الأول للثورة، ولكن الفساد أفلح في تمويه المعركة والانقلاب يكشفها من جديد وهذه هي الحسنة الوحيدة. إن فشله نجاح في مسار سيحتاج العودة إلى سكته.. الفشل المبشر بضرورة العودة ورقة بيد معارضي الانقلاب الذين يحتاجون إلى التكاتف والعمل المشترك.

ضرورة بناء جبهة سياسية ضد الانقلاب

المؤمنون بالمؤسسات وبالديمقراطية يقفون موضوعيا في صف واحد مع حزب النهضة، ويختلفون معه في غير هذا الأمر، وهذه وقائع لا تزال تحجب الحاجة إلى الوقوف صفا واحدا ضد الانقلابية. يفترض أن هناك درسا قدمته تجربة مواجهة دكتاتورية ابن علي عندما حاربه الناس فرادى، فانتصر. وهناك تطابق في رغبات الانقلابيين عامة في أن يجدوا خصومهم شتاتا، فينتصرون. وهذا الدرس ماثل للعيان الآن، وإذا لم يفلح معارضو الانقلاب في تجاوز خلافاتهم فإن ثغرة دفرسوار ستفتح ليمر منها الانقلابي الاستئصالي إلى تنفيذ الأجندة الاستئصالية التي تقف خلفه، ويظهر براءته منها نفاقا لا حقيقة.

هل يتوافق الديمقراطيون مع الإسلاميين على أجندة سريعة لاستعادة المسار السياسي والدستوري؟ هذه ليست أُمنية، بل ضرورة للمرحلة. والسرعة كفيلة بتحقيق نتائج ميدانية على غرار حركة المحامين يوم الثاني من آب/ أغسطس، التي انتهت بإطلاق سراح نواب ائتلاف الكرامة في الوقت والساعة.

هناك مؤشرات على أن كل هؤلاء ينظرون في اتجاه واحد، وان لم تكن مناكبهم متراصة، وهم يعطون أملا لكل ديمقراطي في أن مسار الانقلاب سيقطع سريعا ويعود قطار الديمقراطية إلى سكته.

هل يغلق قوس سعيد قريبا؟ لم يقدم الانقلاب حتى الآن مكاسب سريعة تؤسس لخطاب أنصاره. ما زال الوقت مبكرا للخروج بخلاصات ثابتة، ولكن يبدو أن حيرة الانقلاب أمام المعضلات لا تسمح له بالاستباق.. إنه يلاحق عجزه كأنه مصاب بكورونا.




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، هشام المشيشي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-08-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يحيي البوليني، كريم فارق، أحمد النعيمي، د - محمد بن موسى الشريف ، رضا الدبّابي، د - الضاوي خوالدية، علي الكاش، محمود طرشوبي، رحاب اسعد بيوض التميمي، المولدي الفرجاني، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد أحمد عزوز، صفاء العربي، أحمد ملحم، رمضان حينوني، رافع القارصي، حاتم الصولي، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، فهمي شراب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، نادية سعد، سامح لطف الله، صباح الموسوي ، الناصر الرقيق، أحمد بوادي، محمد عمر غرس الله، سلام الشماع، محمد يحي، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، وائل بنجدو، عواطف منصور، مصطفى منيغ، د - مصطفى فهمي، الهادي المثلوثي، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، أ.د. مصطفى رجب، عزيز العرباوي، مصطفي زهران، د- محمد رحال، إيمى الأشقر، كريم السليتي، حسن الطرابلسي، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، أشرف إبراهيم حجاج، سلوى المغربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، علي عبد العال، د - المنجي الكعبي، د. طارق عبد الحليم، عبد الغني مزوز، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، د. أحمد محمد سليمان، سامر أبو رمان ، محمد العيادي، فوزي مسعود ، سفيان عبد الكافي، ياسين أحمد، حسن عثمان، د- جابر قميحة، محمد شمام ، مجدى داود، فتحي الزغل، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله زيدان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الله الفقير، منجي باكير، د. أحمد بشير، محمد الياسين، د. عبد الآله المالكي، محمود سلطان، د - صالح المازقي، سيد السباعي، محمود فاروق سيد شعبان، حميدة الطيلوش، ماهر عدنان قنديل، صلاح الحريري، د - محمد بنيعيش، ضحى عبد الرحمن، فتحـي قاره بيبـان، صلاح المختار، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، فتحي العابد، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، جاسم الرصيف، إسراء أبو رمان، د- محمود علي عريقات، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رافد العزاوي، عمر غازي، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عراق المطيري، تونسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد الحباسي، مراد قميزة، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء