البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

إنقلاب تونس: انزلاق خطير

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1066



لا تزال الأحداث التي جدّت مؤخرا في مهد ثورات الربيع العربي تتفاعل بقوة بعد القرارات المفاجئة التي اتخذها رئيس الجمهورية بتجميد عمل مجلس نواب الشعب وإعفاء رئيس الحكومة وتعليق عمل الوزراء وهو الإجراء الذي اعتبره كثيرون انقلابا على الثورة وعلى المسار الديمقراطي في تونس.

المجتمع لا يزال تحت تأثير الصدمة فلم يكن كثيرون يتوقعون أن يُقدم الرئيس المنتخب بآليات ديمقراطية على الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي أوصله إلى الرئاسة. أما الغوغاء الذين يصفقون لغلق البرلمان بالقوة المسلحة وخرق الدستور في نصّه الصريح فهم بين مُغيّب وبين من تجذبه الخطابات الشعبوية التي تدّعي امتلاكها أبواب النعيم فور الانفراد بالسلطة.

يقوم النظام السياسي في تونس بعد الثورة على ثلاثية تقاسم السلطة بين رؤساء ثلاثة: رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة، وهو البناء الذي كان يهدف إلى منع انفراد جهة واحدة بسلطة القرار خوفا من العودة إلى النظام الرئاسي المطلق الذي حكم به بورقيبة وبن علي. ما حدث منذ أيام هو إلغاء رئيس الجمهورية لسلطة الحكومة والبرلمان والانفراد بالقرار التنفيذي لنفسه وهذا هو أخطر مزالق المرحلة التي تعيشها البلاد.

الفصل الثمانون من الدستور

دار حول هذا الفصل لغط كثير خلال الأيام الماضية لأنه الفصل الذي استند عليه رئيس الجمهورية في الإجراءات التي اتخذها، وينص هذا الفصل الإجرائي الذي لا يقبل التأويل على أن تكون البلاد معرّضة إلى خطر داهم دون أن يفصّل النص في طبيعة الخطر وهو ما يفتحه على كل التأويلات الممكنة. هذا الفصل يمنح رئيس الجمهورية الحق في اتخاذ تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو الأمر الذي لم يحدث حيث لم يستشر رئيس الجمهورية أيا كان من باقي الرؤساء. كما يوجب الفصل على رئيس الجمهورية إعلام رئيس المحكمة الدستورية بهذه القرارات وهي المؤسسة التي رفض الرئيس تكوينها في أكثر من مناسبة.

بناء على هذه المعطيات الأولية تكون الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية خارقة لنص الدستور الصريح وتُعدّ انقلابا صريحا عليه. بل إن الدستور ينص على أن يظل مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم بدوام الحالة الاستثنائية وهو الأمر الذي لم يحترمه الرئيس الذي قام بتجميد البرلمان وإغلاقه بالقوة العسكرية ومنع النواب من دخوله وممارسة حقهم النيابي. كما أنّ الرئيس قد أعلن عن تنصيب نفسه رئيسا للنيابة العمومية وهو ما يجعله قد جمّع في يده السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.

تأسيسا على هذا يكون الرئيس قد تجاوز صلاحياته الدستورية ودفع بالبلاد إلى منزلق خطير وخيم العواقب وأخطر ما فيه محاولة توريط المؤسستين الأمنية والعسكرية في هذه المغامرة السياسية. وهو الأمر الذي دفع بكثير من الملاحظين إلى وصف ما حدث بأنه انقلاب على آخر قلاع الديمقراطية في المنطقة العربية وتصفية نهائية لإرث ثورات الشعوب.

المغامرة والسياق

لا يمكن فصل ما يجري في تونس عن محيطها الإقليمي وخاصة عن غرف الانقلابات التي تدار من قبل نفس الأطراف التي أعلنت العداء للشعوب ولثرواتها السلمية منذ 2011. وهو ما يجعل منها ـ كما تعتقد ـ الأطراف الرابحة الوحيدة من المحاولة الانقلابية في تونس. قامت دول الانقلابات هذه بحملة افتراضية كبيرة استهدفت مواقع التواصل العربية والتونسية لإيهام الناس بأنّ للانقلاب قاعدة شعبية وهي نفس الدول التي موّلت حملات تعطيل أشغال البرلمان والحملات الإعلامية ضد الأطراف الثورية التي رفضت الانقلاب على المسار الديمقراطي.

تونسيا وباستثناء حزب حركة الشعب القومية التي أعلنت مباركتها للانقلاب منذ الوهلة الأولى فإن كل الأحزاب والشخصيات الوطنية بما فيها أساتذة القانون الدستوري قد أعلنوا معارضتهم لهذا الانزلاق الخطير واصفين إياه بأنه انقلاب على الدستور وعلى الثورة وعلى المسار الديمقراطي.

من جهة أخرى لا يمكن إنكار الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية وهو الأمر الذي زادته الجائحة سوءا. لكنّ هذا الوضع الدقيق تكاد تستوي فيه كثير من الدول العربية والأجنبية بفعل الوضع الاقتصادي الذي خلقته جائحة كورونا ولا يقتصر ذلك على تونس.

لا يمكن بذلك تحميل مسؤولية الفشل إلى طرف دون آخر فكل الأطراف قد ساهمت في حالة التردي هذه بما فيها رئاسة الجمهورية التي عطّلت تكوين الحكومة وتنصيب الوزراء. كما أن رئيس الحكومة الذي يُتّهم بالفشل قد تم تعيينه واختياره من قبل رئيس الجمهورية نفسه كما هو الحال بالنسبة لرئيس الحكومة السابق المتهم في قضايا فساد وتضارب مصالح. لكن من جهة أخرى هل يمثل الانقلاب على الدستور حلا لهذه الأزمة أم تعميقا لها؟ ألا يتطلب الأمر الذهاب إلى حوار وطني جديد لتحميل المسؤوليات ثم المحاسبة؟ ثم إذا فشل المُنتخَبون بما فيهم أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية ألا يفترض ذلك إعادة الأمانة إلى الشعب والذهاب إلى انتخابات مبكّرة؟

أسئلة كثيرة تملأ الشارع التونسي اليوم وهو يتوجّس من أن تكون هذه الإجراءات مقدمة إلى عودة الدكتاتورية واستنساخ النموذج المصري. بعيدا عن التكهنات فإن الأيام القليلة القادمة وحدها كفيلة بتقديم الإجابة عن مآلات المسار التونسي الذي راكم من الخبرة ومن التفاعل ما يجعل عودته إلى مربّع الاستبداد أمرا مستبعدا بسبب غياب الحاضنة الشعبية والعسكرية والأمنية والسياسية لتغيير نظام الحكم بالقوّة القاهرة.

أخطر ما في المحاولة الانقلابية باستثناء سعيها إلى توريط المؤسسة العسكرية التي يُجمع شعب تونس على نزاهتها واستقلاليتها أنها ستغلق صفحة الاستثناء التونسي عربيا. هذا الأمر سيُلغي من القاموس العربي منطق الديمقراطية والانتخابات ومنطق التغيير بالطرق السلمية وسيفتح المنطقة على كل الاحتمالات الممكنة التي لن يربح منها أحد شيئا.

لا حلّ في تونس إلا بالحوار وتغليب الحكمة وإعادة المؤسسات الدستورية إلى العمل ورسم خارطة طريق تلتزم بها كل الأطراف للخروج من الأزمة ومواصلة ترسيخ المسار الديمقراطي. لن ينتصر فريق على فريق آخر فالنصر الوحيد الممكن هو الانتصار على الأزمة التي تعصف بالبلاد وترسيخ المسار من أجل جيل الغد ومن أجل أن تظل تونس واحة الديمقراطية في الصحراء العربية.




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-08-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سلوى المغربي، سيد السباعي، تونسي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، وائل بنجدو، الهادي المثلوثي، د- محمد رحال، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، مراد قميزة، إسراء أبو رمان، كريم السليتي، د - شاكر الحوكي ، محمد شمام ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أشرف إبراهيم حجاج، سليمان أحمد أبو ستة، محمد اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، يزيد بن الحسين، منجي باكير، رضا الدبّابي، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، د. صلاح عودة الله ، عزيز العرباوي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، خبَّاب بن مروان الحمد، نادية سعد، كريم فارق، د. أحمد بشير، محمود فاروق سيد شعبان، محمد عمر غرس الله، د- جابر قميحة، ياسين أحمد، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي، أحمد بوادي، عبد الرزاق قيراط ، فتحي العابد، صالح النعامي ، أحمد الحباسي، أ.د. مصطفى رجب، د - الضاوي خوالدية، محمد الطرابلسي، محمد يحي، محمد العيادي، محرر "بوابتي"، د. طارق عبد الحليم، د. عبد الآله المالكي، رمضان حينوني، فتحـي قاره بيبـان، فوزي مسعود ، سفيان عبد الكافي، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، يحيي البوليني، د - صالح المازقي، أنس الشابي، فهمي شراب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح المختار، د - المنجي الكعبي، ضحى عبد الرحمن، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، العادل السمعلي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمود سلطان، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، صلاح الحريري، علي الكاش، سامر أبو رمان ، حميدة الطيلوش، الناصر الرقيق، المولدي الفرجاني، عراق المطيري، جاسم الرصيف، سلام الشماع، صباح الموسوي ، ماهر عدنان قنديل، صفاء العربي، علي عبد العال، أحمد النعيمي، محمود طرشوبي، رافع القارصي، أبو سمية، رافد العزاوي، أحمد ملحم، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، د - عادل رضا، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، طلال قسومي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله الفقير، محمد الياسين، صفاء العراقي، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، مصطفي زهران،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء