البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

هزيمة اليسار العربي دعيّ الحداثة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1223



هو العيد وسنحتفل وفي فمنا ماء، ولكننا سنحتفل. نحن نشهد هزيمة ماحقة لليسار العربي من المحيط إلى الخليج، وسنغفل مؤقتا أن في الخليج العربي النفطي منه بالخصوص يسارا مؤمنا باليسارية (رحم الله جبهة ظفار في السلطنة)، ولكنها العبارة تستقيم لنا في طقوس الاحتفال المبكر بهزيمة اليسار العربي.

اليسار العربي وشقه القومي العروبي المضطرب بين المحافظة الدينية واليسارية السياسية سيتحمل في قادم السنوات كلفة عطش مصر، تلك كلفة إسناد الانقلاب العسكري على الديمقراطية الناشئة في مصر. سيتحمل اليسار العربي كلفة خراب سوريا التي تخفى نظامها تحت ستار الممانعة وباع سوريا للروس، وسيتحمل اليسار العربي كلفة تخريب الديمقراطية في تونس، وسنفصل قدر ما تسمح لنا ورقة بمساحة محدودة.

كلفة تخريب الديمقراطية

الوعد الديمقراطي سابق على الربيع العربي، ولكنه انبثق كفجر جليّ مع ثورة الشباب الذي نشأ خارج الأيديولوجيا اليسارية والقومية. لقد تحركت الشوارع العربية مؤمنة بمستقبل جديد يبنى عبر الصندوق الانتخابي، وقدمت براهينها على نضج سياسي لم يرد في كراسات اليسار العربي القديمة، وأعلنت نهاية الاستئصال السياسي الذي هو معركة مزيفة خلقتها الأنظمة وعاشت منها، ومولت لغاياتها الاستئصالية الفاسدة اليسار وفسحت له الطريق ليدفع معركة الاستئصال إلى مداها الأقصى، ويقبض ثمن خدمة الدكتاتوريات. وليحذر كل معترض على قولي فأنا شاهد على حقبة ابن علي ومبارك.

لم يفهم اليسار ما جرى، أو لعله فهم وأصرّ على المعركة نفسها ودفع فيها بكل قوته، وكان ذلك من غبائه لا من إيمانه بنظرية ثورية. انحاز اليسار العربي في تونس إلى فلول نظام ابن علي، وخدم الباجي قائد السبسي على أمل أن يقدم له الخدمة التي انتظرها من ابن علي (ذبح الخصم التاريخي لليسار). لم يفعل الباجي ذلك لحساباته الارستقراطية الخاصة، وخسر اليسار معركة كبيرة في الأثناء. ولكنه أصر على البقاء في موقعه، فساند نظام الانقلاب العسكري في مصر على أمل أن القضاء على إخوان مصر سيقضي على إخوان تونس (والجزائر والمغرب وحتى السنغال ومالي). لكنه خسر معركته وهو الآن يشاهد عطش مصر على يد العسكري الانقلابي الذي تهاون في حق مصر التاريخي في النيل (النيل الذي أوجد مصر).

لهذه الخسارات الشعبية ثمن وهو يُدفع الآن، وسيذهب العسكري المصري ولو تأخر ذهابه، لكنه سيحمل معه فلول يسار الاستئصال الذي سانده، وغني عن القول أنه سيحمل معه أيضا التيار القومي العربي الذي أعلن ذات انقلاب أن السيسي وريث عبد الناصر. وأنا لا أمارس الشفقة على حمدين صباحي.

للطرفة فقط، لقد اندثر حفتر وجر معه إلى هاوية سحيقة كل تقدمي عربي (يساري بالخصوص) راهن عليه، رغم أنه كان يشاهده يستقوي بتيار المداخلة المتخلف عن الوهابية نفسها. يحق لنا الاحتفال، فنهاية حفتر أمام احتمالات الصندوق الانتخابي في ليبيا واعدة بفرح كبير. فرح التخلص من كذبة اليسار العربي التقدمي فاتح مغاليق الحداثة.

نراجع فصول التاريخ القريب

هل كان هناك يسار عربي فعلا، أم أننا كنا نستلذ وهْم اليسارية العربية فنتخيل جيفارا عربيا يقود الجماهير إلى ثورة جذرية؟ نحن عشنا حقبة ابن علي ومبارك، وشهدنا عشرية الدم في الجزائر، ورأينا اليسار العربي يتخلى عن كل رومانسية مزيفة تعلن حماية الطبقة العاملة وتدفع إلى العدالة الاجتماعية. لقد خدم اليسار العربي طابورا مساندا للأنظمة القمعية وقبض ثمن خيانته لشعبه في كل قُطر. لقد حدد هدفه الخاص، ولم يكن في الواقع إلا هدف الأنظمة العميلة الفاسدة والخائنة للأمة. كانت الأنظمة قادرة من فسادها على الدفع وقد دفعت وكان اليسار (أحزابا وشخصيات ونخبا) مستعدة للبيع والقبض، وقد باعت وقبضت وتمتعت، فأين متعتها مما فازت به الأنظمة التي تركت لليسار فتات المال العام؟

الثورة وعدت بأمر مختلف وانتظرت اليسار العربي أو توهمته في موعد ثوري جيفاري، فإذا هو في موقعه القديم يساند فلول الأنظمة التي أسقطتها الجماهير بعفويتها الجاهلة أو الأمية أو الفطرية، بحسب ما قد يرى كل محلل لحركة الجماهير. لقد حكم اليسار العربي على نفسه بنهاية وبيلة، لقد انحاز ضد شعب طموح رغم فقره إلى نظرية ثورية. وماذا أفادت نظريات اليسار الثورية ذات الكراسات العريقة شعبا لم يشبع من الحرية بعد؟

لم تصل الثورة العربية إلى اليسار العربي من المحيط إلى الخليج، وقد شهدنا على اليسار العربي يقف مع كل طاغية وفاسد من أجل نفس الهدف القديم (هل كان ذلك هدفه أم هدف الأنظمة؟). لقد ارتزق من الخطاب الثوري، وظن أن الجماهير من الحمق بحيث تصطف معه في موقعه الخياني ولم يحصل.

لم يتطور الوضع كثيرا لجهة تقدم الديمقراطية، وما زالت كثير من الصعوبات تقف في طريق بلورة نظام حكم ديمقراطي عربي في كل قُطر على حدة، لكن هناك مكسب مهم لن تبنى الديمقراطية مع اليسار أو بواسطته. لقد حسم قوم كثير أمرهم: لن يكونوا مع اليسار في أي صندوق انتخابي. أغلب الناس الآن في موقع اختبار الإسلاميين (عدو اليسار وهدفه)، ويجدون لهم هنات وضعفا في السياسة وفي الفكر وفي الأخلاق أيضا، ويقدمون لهم نقدا جذريا لكنهم لا يصنفوهم في الخونة.

لنحتفل بنهاية اليسار العربي

نعم يحق لنا الاحتفال وإعداد مقابر لائقة لزعماء كذبة. ونحذر بوعي أننا نؤمن بالعدالة الاجتماعية ونقاوم الخيانة الوطنية والقومية، ونساند كل مقاوم للظلم والقهر في العالم ونحارب كل سمسار بالوطن وبأحلام الناس، ولكن بغير وسائل اليسار العربي السفيه وخارج تنظيماته الخائنة.

لقد أنهت الثورة إلى الأبد الإرباك الأخلاقي الذي كان يسببه لنا يسار عربي سفيه، عندما كان يعتلي المنابر ويتحدث عن الثورة الشعبية. لقد شفينا من مرض اليسار (ونحن مدينون للثورة بهذا الشفاء المعرفي والنضالي)، وخرجنا من دائرة الوهم: لا وجود ليسار عربي، توجد يسارية عربية (وهذا من إيماننا بوجود طبقة برجوازية خونة مستعدة لبيع الأوطان تقابلها طبقة مفقرين عرب تزداد اتساعا) لن يقوم بها هذا اليسار، مثلما توجد أمة عربية لن يقوم بها قوميون عرب يساندون بشار الأسد وحفتر ويبكون القذافي في ليلهم الطويل والحزين.

في سياق الاحتفال بنهاية اليسار لن نبرر لخصومهم من الإسلاميين، فهؤلاء يحملون في الخطاب الظاهر، وفي كثير من الممارسة السياسية أعراض مرض اليسار العربي. وقد لاحظنا لديهم استعدادات خيانية، لذلك سنحتفل لاحقا وفي عيد قادم بنهاية إسلاميين يصطنعون اليسارية ولا يتقنونها، غير أننا لن نقف ضدهم على طريقة اليسار العربي الخياني طابور الأنظمة الفاسدة؛ خائنة أوطانها ومعطشة شعوبها.

يحق لنا الاحتفال، فالثورة تصفي الكذبة قبل أن تنبي نظامها. ليبارك الله عيدا عربيا بلا يسار كذوب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

اليسار، التبعية، اليسار العربي، الغرب، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-07-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فوزي مسعود ، مجدى داود، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، أبو سمية، سلام الشماع، منجي باكير، إياد محمود حسين ، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، د- محمود علي عريقات، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، ماهر عدنان قنديل، د. مصطفى يوسف اللداوي، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، فتحي الزغل، رافد العزاوي، عبد الرزاق قيراط ، المولدي الفرجاني، خالد الجاف ، محمد اسعد بيوض التميمي، د - شاكر الحوكي ، مصطفي زهران، سلوى المغربي، د- جابر قميحة، رشيد السيد أحمد، جاسم الرصيف، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الغني مزوز، عواطف منصور، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. صلاح عودة الله ، ضحى عبد الرحمن، صفاء العربي، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، سعود السبعاني، د - الضاوي خوالدية، كريم السليتي، الناصر الرقيق، فتحـي قاره بيبـان، حسن الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن عثمان، سامر أبو رمان ، رافع القارصي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله الفقير، يحيي البوليني، أحمد الحباسي، حميدة الطيلوش، سامح لطف الله، مصطفى منيغ، د. أحمد محمد سليمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد الياسين، محمد أحمد عزوز، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، حاتم الصولي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- محمد رحال، محمد العيادي، أحمد ملحم، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، صباح الموسوي ، صلاح المختار، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عبد الآله المالكي، د. أحمد بشير، أشرف إبراهيم حجاج، وائل بنجدو، علي الكاش، أحمد بوادي، أنس الشابي، فتحي العابد، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، د - عادل رضا، أحمد النعيمي، صلاح الحريري، د - محمد بنيعيش، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، د - مصطفى فهمي، عراق المطيري، محمد يحي، صالح النعامي ، طلال قسومي، سفيان عبد الكافي، عمار غيلوفي، إسراء أبو رمان، تونسي، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، سيد السباعي، فهمي شراب، رضا الدبّابي، كريم فارق، علي عبد العال، محمد شمام ، رحاب اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، عمر غازي، سليمان أحمد أبو ستة،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء