البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

تونس: الإقصاء مناخ سياسي وفكري يعيق الديمقراطية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1298



المتأمل في التاريخ السياسي الحديث في تونس (ويمكن دومًا التعميم عربيًّا)، يرى أن العمل السياسي تقدم دومًا عبر آلية الاستيلاء السياسي على الأفكار وتملُّكها واتخاذها قاعدة لإقصاء المختلفين.

فعبر تاريخ دولة الاستقلال، كانت هناك عمليات متتابعة من الاستيلاء التجاري على أصول الأفكار المؤسسة، أعني الاستحواذ السياسي واحتكار التكلم باسمها، ومن ثمة إقصاء كل من لا يتبع المستولي.

هذه العملية الاستحواذية تكشف من ناحية وجود مشتركات سياسية، ولكنها تكشف أيضًا أن المشتركات لم ترتقِ إلى عنصر موحد جامع، تبنى عليه الديمقراطية، وذلك لقصور نظر سياسي عند النخب المتصدرة للشأن العام، يعود بالأساس لطبيعة تكوينها غير الديمقراطي، ولكسلها الفكري، وقد أخّر هذا الأمر بناء الديمقراطية وأجّل التمتع ببنائها والبناء عليها.

الزعيم الاستحواذي
استولى الزعيم على فكرة الاستقلال وقيادة حرب التحرير، ثم استولى على البناء، واستعمل كل هذه الرمزيات في ترسيخ مكانته في السلطة وأقصى كل معارضيه، حتى صار هو الدولة، فغابت كل الأسماء وانعدم التاريخ إلا تاريخ الزعيم.

وظل العالم لا يعرف مِن تونس إلا وجه الزعيم، وابتسامته المنتصرة. لم تكن هناك دولة كان هناك الزعيم وحده، حتى ظنّ عوام الناس في الداخل أن المطر ينزل بأذنه. وسيمر ربع قرن كامل على هذا الحال، حتى يبدأ هؤلاء العوام ينتجون نصًّا ساخرًا من وهم الزعيم.

منعَ ذلك تبلور أفكار المشاركة في إدارة الشأن العام، وحصر القرار بيد فرد، ما منع بناء الديمقراطية.

خيبة نخبة الاستقلال التي أقصاها الزعيم وطمسَ تاريخها، ستفسح الطريق لميلاد نخب أخرى خارج سردية الزعيم، لكن الإيمان بدور زعيم وحيد سيستمر على شكل معتقد جذري في بقية مكونات المشهد السياسي، وهي رؤية مشوَّهة للعالم ملخصها لا يمكن إنجاز شيء من دون زعيم فذ.

وحتى اللحظة تعيش الكتل السياسية من الداخل وضعًا مشابهًا لحزب الدستور (البورقيبي).

اليسار هو الحداثي الوحيد
لاحقًا، وعند اكتشاف الشبيبة المتعلمة الأفكار الثورية والتقدمية، حين كانت موضة عالمية تتوسع بنجمة تشي جيفارا، استولى اليسار على فكرة العدالة الاجتماعية من السلطة ومن المعارضين الجدد، وكانوا قلة ليبرالية ذات منشأ أرستقراطي، وطُرد منها كل من ليس يساريًّا أمميًّا، حتى القوميين القائلين بالاشتراكية العربية، وكانت موضة شرقية تبحث عن مواءمة مستحيلة بين العرب والماركسية.

وعندما سيخفت اهتمامه بالمسألة الاجتماعية، نتيجة مواجهة فاشلة مع الزعيم الأوحد ونظامه، سيولي وجهته إلى الحرب الثقافية، وسيستولي على فكرة الحداثة بصفتها قلب العمل الثقافي الثوري، ويحتكر تمثيلها ويقضي على كل من ليس حداثيًّا على طريقته.

كانت لديه صيغة واحدة للحداثة، وكل ما عداها باطل أو تحريفي أو فكر يميني رجعي. تحول الأمر إلى ما سميناه في كتابة سابقة بإكليريوس الحداثة، وهناك بوابات دخول ضمن الطائفة الحداثية، أولها أن يعدم المرء من فكره كل احتمال لوجود حداثة مغايرة.

والساحة الثقافية التونسية تعيش حتى اللحظة حالة من التكفير الحداثي، يصل تطرفها إلى قطع أرزاق من لم يؤمن مع اليسار بحداثته الخاصة، ويكفي أن نتأمل منطقة نفوذ/ تحرك اليسار الحداثي حول وزارة الثقافة، لنرى المستفيدين ونحسب الضحايا.

الإسلاميون يستولون على الإسلام
عندما ظهر الإسلاميون، استولوا على الإسلام وتكلموا كما لو أنهم المؤمنون الوحيدون، ووضعوا خلف الخطاب التربوي والوعظ قائمةً بأفكار كافرة، وعملوا على أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اختصاصًا أو منطقة نفوذ.

وعندما اكتشفوا أن الدين سابق عليهم، وأن هناك مؤمنين آخرين، بدؤوا في تعديل الخطاب، فاكتشفوا الخطاب الاجتماعي وفكرة الحداثة والديمقراطية السياسية، وعملوا على أخذ قسطهم من كل ذلك.

وهنا اختلطت مسائل كثيرة. فقد حارب النظام واليسار احتكار الإسلاميين للإسلام، وصار هناك تكفير للتكفير، وعندما عدلوا موقفهم من النقابات وأداورها افي محاولة للاستحواذ على حديث العدالة الاجتماعية، دخلوا منطقة نفوذ اليسار فطردهم منها، فصاروا على جبهتين يدفعون عنهم غائلة السلطة محتكرة الدين، وغائلة اليسار محتكر العمل النقابي/ الاجتماعي

فلما تبلور حديث الديمقراطية، خففوا حديث الوعظ وتقدموا للمشاركة، ففتحت عليهم الجبهة الثالثة: هم أعداء الديمقراطية، وحوكموا على النوايا لا على الأفعال، التي كانت متطابقة مع بقية أفعال الديمقراطيين، مثل طلب العمل الحزبي القانوني وإصدار الصحافة والمشاركة في الفعاليات المدنية.

وعندما تبلور خطاب الحداثة، خاصة في مفتتح القرن الـ 21، وُضعوا خارجه باعتبارهم يمينًا دينيًّا معاديًا للتقدم، وكانوا في كل هذه المراحل يتنقلون بين سجون النظام ويواجهون آلته الدعائية التي استولي عليها اليسار وتيار الحداثة عامة، ومنعهم من التعبير عن ذواتهم.

لقد كرست فكرة نهائية إن الإسلامي معادٍ لمدنية الدولة، مهما فعل من أفعال مدنية بما فيها تغيير سحنته واسمه. ورسخت الآلة الدعائية المسيسة أفكارًا وحوّلتها إلى مسلّمات غير قابلة للمراجعة. فلا يمكن أن يكون الفرد الإسلامي حداثيًّا أو ديمقراطيًّا، ولا يمكن أن يصطف مع الفقراء ويدافع عنهم.

مناخ إقصائي لا يراجع نفسه
تولد الديمقراطية التونسية في هذا المناخ الإقصائي، لذلك تتعرض إلى عوائق من داخلها قبل العوائق المعادية لها من الخارج.

ومن وسائل الترسيخ الطرق المتواصل على المسلّمات/ المغالطات، وعدم السماح بقلب السؤال: هل كان الزعيم الأوحد زعيمًا فعلًا؟ هل الحداثي التونسي حداثي فعلًا وتنويري فعلًا؟ وهل الديمقراطي التونسي ديمقراطي فعلًا؟ وهل الإسلامي التونسي هو المؤمن الوحيد؟

لقد كان يجب مرور وقت طويل نسبيًّا ليُطعن في شرعية الزعيم النضالية، ويعاد توزيع الحقوق التاريخية على أصحابها الذين حملوا الكثير من وزر معركة التحرير، وكان هذا نتيجة لضغط مستمر على مراجعة مسلّمة الزعيم.

ونعاين أن الضغوط السياسية، وبعضها بوسائل أمنية، قد جعلت الإسلاميين يعدّلون دومًا من مواقفهم وأفكارهم، ونرى أن بقاء اليسار وتيار الحداثة عمومًا خارج كل الضغوطات التي يسلطها هو على غيره، تركه حتى الآن في منطقة مريحة، وهذا الاستراحة الفكرية ستؤدي إلى انحساره إذ تؤجّل كل مراجعة نقدية.

ونظن أن وقتًا آخر سينفق قبل دحض بقية المسلّمات الرائجة عن حداثة الحداثي، وعن عروبة العروبي، وعن إيمان النخبة السياسية عامة بالديمقراطية. حينها سندخل الديمقراطية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، بقايا فرنسا، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-06-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
نادية سعد، المولدي الفرجاني، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، منجي باكير، د- جابر قميحة، عبد الله زيدان، أحمد ملحم، سامر أبو رمان ، محمد العيادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، مجدى داود، مصطفي زهران، خالد الجاف ، د - الضاوي خوالدية، كريم فارق، حسن عثمان، رافد العزاوي، الهيثم زعفان، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، مصطفى منيغ، سلام الشماع، فتحي الزغل، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، العادل السمعلي، د. أحمد محمد سليمان، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، عراق المطيري، محمود طرشوبي، علي عبد العال، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، سلوى المغربي، كريم السليتي، أنس الشابي، د. طارق عبد الحليم، أحمد النعيمي، إسراء أبو رمان، علي الكاش، تونسي، رافع القارصي، محمد شمام ، محمود فاروق سيد شعبان، سيد السباعي، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، محمد أحمد عزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حاتم الصولي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الناصر الرقيق، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، صلاح الحريري، د.محمد فتحي عبد العال، جاسم الرصيف، عبد الله الفقير، عبد الغني مزوز، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد الياسين، عواطف منصور، د - صالح المازقي، سليمان أحمد أبو ستة، عمر غازي، د. عبد الآله المالكي، د - عادل رضا، حسن الطرابلسي، حميدة الطيلوش، فوزي مسعود ، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، إياد محمود حسين ، رضا الدبّابي، د- محمد رحال، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، د - مصطفى فهمي، فتحي العابد، سعود السبعاني، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، صالح النعامي ، يزيد بن الحسين، ماهر عدنان قنديل، محمد عمر غرس الله، محرر "بوابتي"، أحمد الحباسي، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، يحيي البوليني، طلال قسومي، فهمي شراب، صفاء العربي، صفاء العراقي، ياسين أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد بشير، وائل بنجدو، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - شاكر الحوكي ، أبو سمية،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء