البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

تونس ومصر.. الثورة في ضيافة الانقلاب

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1090



مثلت زيارة رئيس تونس المنتخب إلى مصر خلال الأيام القليلة الماضية أبرز حدث في السياق الانتقالي التونسي بكلّ اهتزازاته وتراجعاته وصراعاته. أسالت الزيارة حبرا كثيرا في الداخل والخارج وكثرت التكهنات والقراءات والتأويلات، فكيف لرئيس منتخب ديمقراطيا أن يزور عسكريا انقلابيا ارتكب من المجازر أبشعها وحوّل مصر إلى زنزانة كبيرة؟ ما جدوى الزيارة والنظام المصري تحوّل شحاتا دوليا وثقبا أسود يبتلع المليارات من القروض والهبات والمساعدات؟ لماذا هذه الزيارة إذن ولماذا في هذا السياق وهذا التوقيت بالذات وتونس على كفّ عفريت بسبب الرئيس نفسه؟

ربيع تونس وربيع مصر

يمكن القول دون مجازفة تحليلية إنّ ربيع مصر وثورتها ما كان لهما أن يكونا لولا ربيع تونس وثورته. ليس هذا الإقرار استنقاصا من حجم مصر ولا من قدرة شعب مصر المناضل بل هو تذكير بالسياق الثوري الذي عرفته المنطقة العربية منذ عشر سنوات خلت. كانت ثورة تونس الشرارة التي أيقظت المارد المصري من سباته بعد أن أدركت الجماهير أن النظام السياسي العربي قابل للسقوط وأن الاستبداد ليس قدر الأمة. إثر الانفجار المصري ومشهد الملايين من البشر في الساحات والميادين يغزو شاشات العالم نسي المراقبون ثورة تونس وتراجع الاهتمام بها والخوف منها، لأن ثورة مصر قد أكدت أن الحركة الانفجارية العربية لم تكن حركة عفوية ولا صدفة تاريخية.

تتالت الأحداث وسقطت أهمّ الثورات العربية في فخ الانقلابيين وتمت الإطاحة بواحدة من أندر المشاهد الديمقراطية في تاريخ البلاد وفتّحت البلاد على المجازر والمعتقلات. عاد نظام العسكر أشرس مما كان عليه وانطفأت شعلة الثورة. أما في تونس فلم تنجح كل المحاولات الانقلابية التي قادتها الثورة المضادة بل تمكنت البلاد من إنجاح أكثر من مناسبة انتخابية وتتالت الحكومات بشكل سلس رغم كل الأزمات التي تعرفها البلاد وخاصة تلك المتعلقة بتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي. نجحت تونس في ما فشلت فيه مصر لأسباب يطول شرحها فمنها ما هو متعلق بالسياق الداخلي ومنها ما هو متعلّق بالسياق الخارجي والمصالح الدولية.

الزيارة المريبة

وصل قيس سعيّد إلى الفوز برئاسة تونس بعد انتخابات شعبية وضعته وجها لوجه في الدور الثاني أمام شخصية أجمع التونسيون على الحذر منها وهو رئيس حزب قلب تونس. أغرق سعيّد التونسيين في الشعارات الفضفاضة وفي الشعبويّة المُستهلكة فكان شعار "التطبيع خيانة" و"الشعب يريد" على رأس المقولات التي أثثت حملته الانتخابية. حسبه كثيرون على الثورة وهو الذي لا يُذكر له مقال يتيم في معارضة النظام بل كان جزءا منه وساهم في التشريع له عبر المحاضرات التي كان يُلقيها خدمة لدستور دكتاتور تونس بن علي.

لكن لم تمرّ على رئاسته أسابيع قليلة حتى انكشف القناع عن المشروع الانقلابي الذي كان يحمله الرئيس الجديد وهو الذي أعلن في أكثر من مناسبة أنه الرئيس الوحيد وأنّ البرلمان لا قيمة له وكذا الحكومة. تمرّد الرئيس على الدستور نفسه وأمعن في إهانة النوّاب وبالغ في محاولة العودة بالبلاد إلى مربّع الحكم الرئاسي المطلق سليل الدكتاتورية.

في هذا الإطار من محاولات الانقلاب على البرلمان وعلى النظام السياسي للبلاد تأتي الزيارة المريبة لمصر وهي الدولة التي فقدت بعد الانقلاب كل الاحترام الذي كانت تحظى به عربيا ودوليا إثر ثورة يناير. قراءات كثيرة رأت في الزيارة سعيا للبحث عن دعم لمشروعه الانقلابي على النظام السياسي. تتأسس هذه القراءة على التصريحات المريبة لرئيس تونس الذي تحدث عن تطابق الرؤى والمواقف بين تونس ومصر. فكيف تتطابق رؤى دولة تبني مسارها الانتقالي في أجواء ديمقراطية وبين نظام عسكري انقلابي لا يعترف بالأحزاب ولا بالمعارضة ولا بالرأي الآخر؟

التجربة التونسية والتجربة المصرية يقفان على طرفيْ نقيض وهو الأمر الذي أثار حيرة كثير من الملاحظين في تونس وخارجها. لكن من جهة أخرى لم يعد المشروع الانقلابي للرئيس يخفى على أحد وهو الذي يتسبب اليوم في تعطيل تشكيل الحكومة وإنشاء المحكمة الدستورية بعد أن استحوذ مستشاروه على القرار السيادي لقصر قرطاج.

أخبار كثيرة وتسريبات عديدة من مصر تحدثت عن لقاءات سرية بين الفريق الرئاسي وشبكة الانقلابات الإقليمية التي يقودها الفلسطيني دحلان. كما أن حديث الرئيس عن محاربة الإرهاب وفق الرؤية العسكرية للنظام المصري تعني أنه يندرج في خطاب الثورات المضادة ورؤيتها للإرهاب الذي يقصد به الحرب على المعارضين الإسلاميين.

لم تكن زيارة الرئيس التونسي مخيبة للآمال فقط بل اعتبرها كثيرون خيانة لثورة تونس وخيانة لشهداء ثورة مصر وشهداء رابعة وتحالفا مريعا مع منظومة الانقلابيين وانخراطا صريحا في سياق الثورات المضادة. لم تحقق الزيارة أية مكاسب اقتصادية أو تنموية أو مشاريع مشتركة قد تخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية الخانقة بل كانت مناسبة زار فيها الرئيس السائح معالم القاهرة التاريخية في موكب رئاسيّ لا غير. الزيارة كانت من وجهة نظر أخرى مناسبة فاز فيها الجنرال الانقلابي باعتراف تونس مهد الربيع العربي به رئيسا لمصر وحاكما على أطلال ثورة يناير.

الثورة مسارات ومنعرجات وموجات متعاقبة وانكسارات ونجاحات وهو ما يجعل من ثورات الربيع فاتحة لموجات متعاقبة من التغيرات التي لن تتوقف مهما أوغلت الآلة الانقلابية في التنكيل والبطش. الثورات دروس وعبر وتراكمات لا تتوقف حتى تحقق الشروط التي انطلقت من أجلها مهما حاول الانقلابيون والمتحايلون السطو عليها أو حرف مساراتها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مصر، قيس سعيد، السيسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-04-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - مصطفى فهمي، محمد عمر غرس الله، د- جابر قميحة، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، تونسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، صفاء العربي، محمد يحي، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، أبو سمية، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فوزي مسعود ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، مراد قميزة، محمد أحمد عزوز، صلاح الحريري، حاتم الصولي، د. أحمد بشير، أ.د. مصطفى رجب، رشيد السيد أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحـي قاره بيبـان، حسن عثمان، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، فتحي الزغل، ياسين أحمد، محمد الياسين، د. ضرغام عبد الله الدباغ، المولدي الفرجاني، وائل بنجدو، رافع القارصي، سامح لطف الله، عمر غازي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عواطف منصور، محمد شمام ، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، عراق المطيري، د. طارق عبد الحليم، الهيثم زعفان، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد النعيمي، سلام الشماع، العادل السمعلي، رافد العزاوي، عبد الله الفقير، مجدى داود، د - الضاوي خوالدية، د- محمود علي عريقات، د - محمد بن موسى الشريف ، د - صالح المازقي، حسن الطرابلسي، كريم السليتي، عبد الله زيدان، سعود السبعاني، سلوى المغربي، سيد السباعي، رمضان حينوني، محرر "بوابتي"، خالد الجاف ، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، حسني إبراهيم عبد العظيم، عزيز العرباوي، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، د. خالد الطراولي ، د. أحمد محمد سليمان، د - شاكر الحوكي ، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، فتحي العابد، نادية سعد، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، أحمد ملحم، محمد الطرابلسي، خبَّاب بن مروان الحمد، علي الكاش، أنس الشابي، إيمى الأشقر، رضا الدبّابي، محمود فاروق سيد شعبان، د - عادل رضا، منجي باكير، فهمي شراب، أحمد بوادي، سليمان أحمد أبو ستة، د. مصطفى يوسف اللداوي، سفيان عبد الكافي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود سلطان، إياد محمود حسين ، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، الهادي المثلوثي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء