البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

هل نجحت تونس في انتقالها الديمقراطي السياسي؟

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 1346



رغم ارتفاع سقف الآمال التي أوجدتها تونس باعتبارها بلد "الثورة الأم" للربيع العربي، ورغم أنها ما زالت تمثل استثناءً في مسارات تلك الثورات ومآلاتها، لا يخفى على أي مراقب للشأن التونسي حدة الأزمات الدورية التي عصفت - وما زالت تعصف - بمجمل مسار "الانتقال الديمقراطي" وتهدد بالانقلاب على مكاسبه الهشة. وقد بيّنّا في مقالات سابقة الجذر "التأسيسي" لتلك الأزمات - أي ارتباطها بالمرحلة التأسيسية للجمهورية الثانية - بصورة تنفي إمكانية تجاوزها في المدى المنظور، خاصة بعد احتلال "الفاشية" لمركز الحقل السياسي، وإصرار الرئيس قيس سعيد على أن يكون عامل تأزيم يضاف إلى بقية العوامل السابقة.

ما هي جذور الأزمة السياسية الحالية؟

عندما تولّى السيد إلياس الفخفاخ رئاسة الحكومة السابقة، عبّر في خطاب التكليف عن "وهم معمّم" من أوهام النخب السياسية، ألا وهو نجاح "الانتقال السياسي" مما يستوجب التركيز على "الانتقال الاقتصادي والاجتماعي". لقد كان اختيار السيد الفخفاخ نفسه يعبّر عن وجود أزمة سياسية بين رئاسة الجمهورية ومجمل التشكيلات الحزبية الرئيسية في مجلس النواب، وكان ينذر – من جهة أولى - بتعميق الهوّة بين النهضة وحلفائها وبين رئاسة الجمهورية (باعتبار أن الفخفاخ لم يكن خيار النهضة ولا خيار أغلب الكتل البرلمانية)، وكان ينذر - من جهة ثانية - بظهور "تقاطعات موضوعية" أو تحالفات/ تسويات بين بعض القوى "الثورية" وبعض ممثلي المنظومة القديمة وواجهاتها الحزبية (كان الفخفاخ مرشح حزب "تحيا تونس" الذي هو أحد شقوق نداء تونس وأحد الواجهات الحزبية لورثة التجمع، وكان الفخفاخ أيضا مرشح التيار الديمقراطي المعروف بتوجهه الثوري، وهو "تقاطع" سيدعمه رئيس الجمهورية وسيكون له ما بعده من جهة "تأزيم" المشهد السياسي وترسيخ الانقسامات السياسية والاجتماعية).

لم يكن اختيار الفخفاخ هو المظهر الأول لهشاشة الانتقال الديمقراطي في المستوى السياسي، وبالتالي لم يكن هو أول دليل موضوعي على استحالة المرور إلى الانتقال الاقتصادي والاجتماعي - خاصة ملف مكافحة الفساد - وما يقتضيه من استقرار سياسي ومن تحالفات سياسية صلبة. فاختيار السيد الفخفاخ لرئاسة الحكومة – بعد انتقال حق الترشيح إلى رئيس الجمهورية - كان نتيجة سقوط حكومة السيد الحبيب الجملي (مرشح حركة النهضة باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية) وعدم حصولها على تزكية مجلس نواب الشعب.

كان سقوط حكومة الحبيب الجملي قد أعاد هندسة الحقل السياسي بصورة تجعله يتباعد تدريجيا عن انتظارات أولئك الذين استبشروا خيرا بإمكانية بناء حكومة "إصلاحية"؛ تُحرج النهضة وتخرجها من منطق "تبرير" التوافق مع المنظومة القديمة، لأنها ستسندها بالقوى "الثورية" الصاعدة من جهة التمثيل النيابي، خاصة "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب".

سطوة الأيديولوجيا وفشل مشروع "الكتلة التاريخية"

بعد انتقال حق الاختيار إلى رئيس الجمهورية ، كان واضحا أن حركة النهضة تتوجه عمليا إلى ترشيح شخصية من "المنظومة القديمة" وإلى الاستمرار في سياسة التوافق باعتباره خيارا استراتيجيا جاء "إسقاط" الحكومة لتأكيد وجاهته. أما التيار وحركة الشعب فقد كان واضحا أن دورهما في إسقاط حكومة الجملي -والتقائهما موضوعيا مع بعض مكوّنات المنظومة القديمة، مع تواتر الرسائل"الإيجابية" الموجهة لرئيس الجمهورية - قد أوجد شرخا كبيرا في علاقتهما بحركة النهضة، وهو شرخ سيزداد اتساعا بعد تحولهما إلى ما يشبه "الحزام الحزبي" لرئيس الجمهورية، وبعد تبنيهما "واقعيا" منطق اليسار الثقافي القائل بالتناقض الرئيس (مع حركة النهضة) والتناقض الثانوي (مع الفاشية ومجمل ورثة التجمع وحلفائهم داخليا وخارجيا).

عندما نربط الأزمة السياسية الحالية بأسبابها التأسيسية أو بمقدماتها التي أسفرت عن وجهها بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، فإنها تصبح أزمة طبيعية في نظام سياسي مشوّه "بنيويا". وليس أدل على على هذا التشوّه من المـآلات الكارثية لجميع الوعود الانتخابية، سواء أتلك التي أطلقتها الأحزاب المحسوبة على الثورة أم تلك التي أطلقها رئيس الجمهورية.

وقد يبدو من باب التناقض أن نقول إن الصادق الأعظم في الحقل السياسي التونسي هي "الفاشية" التي بقيت وفيّة لأطروحاتها منذ هروب سيدها إلى السعودية. أما باقي الفاعلين فقد غلب عليهم الانفصام أو ازدواجية الخطاب والمواقف، وهو وضع جعل "المنظومة القديمة" تستيعيد احتلال مركز الحقل السياسي، وجعل التحالف معها هو الخيار الاستراتيجي الحقيقي لكل "الثوريين" و"الإصلاحيين" منذ المرحلة التأسيسية.

التحالف الموضوعي بين "أدعياء الثورة" وأعدائها

إن الحديث عن نجاح الانتقال الديمقراطي السياسي في تونس - وما يعنيه من عقلنة وأخلقة للفعل السياسي - هو مجرد مجاز تأتي كل الوقائع لتأكيد مجازيته. فذلك النجاح الموهوم كان يفترض وجود توافقات عقلانية صلبة لا مجرد توافقات براغماتية هشة، كما كان يفترض الانتقال من سلطة "المشاعر" و"التخييل" (سواء في تمثل الأنا الجماعية أو في تمثل الآخرين) إلى سلطة "الأفكار" وما تتأسس عليه أية عقلانية من مراجعات جذرية ونقد ذاتي.

ولا شك عندنا في أن النخبة التونسية في مجملها ما زالت أسيرة المشاعر والصور النمطية والمجهود الذهني الأدنى المتماهي مع مبدأ الرغبة والخادم للقضايا "الصغرى" (التموقع في منظومة التخلف والتبعية وتحسين شروط التفاوض لخدمة نواتها الصلبة)، لا المتماهي مع مبدأ الواقع ومع استحقاقات الثورة، وما تعنيه من قطع مع الترسبات المنتمية إلى المنظومة السابقة بمنطقها ورهاناتها ورساميلها المادية والرمزية.

ولا شك عندنا أيضا في أن الرابح الأعظم من هذا الوضع هو كل الأطراف التي لا يمكنها أن تعيش "الثورة" إلا باعتبارها "آلة صيد" أو باعتبارها لعنة، وهو ما ينتهي عادة بالتحالف بينهما - ضد كل الانتظارات المشروعة لعموم المواطنين - كما هو حاصل الآن، وكما سيظل حاصلا في المدى المنظور بحكم غياب الشروط الفكرية والموضوعية لتجاوز هذا المأزق التاريخي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الأزمة السياسية، قيس سعيد، الفخفاخ، حركة النهضة، اليسار التونسي، التيار الديموقراطي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-03-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافد العزاوي، ياسين أحمد، محمد شمام ، عبد الرزاق قيراط ، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، أبو سمية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد الحباسي، أحمد النعيمي، محمد عمر غرس الله، محرر "بوابتي"، الهيثم زعفان، سامر أبو رمان ، كريم فارق، محمد الطرابلسي، كريم السليتي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إيمى الأشقر، صلاح المختار، سعود السبعاني، د - محمد بنيعيش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد بشير، أنس الشابي، عمار غيلوفي، د- جابر قميحة، عمر غازي، عبد الغني مزوز، محمد يحي، طلال قسومي، د - مصطفى فهمي، حاتم الصولي، سلام الشماع، صفاء العربي، يزيد بن الحسين، د. عبد الآله المالكي، عراق المطيري، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، أشرف إبراهيم حجاج، مصطفى منيغ، علي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، منجي باكير، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - عادل رضا، مصطفي زهران، عواطف منصور، د- محمود علي عريقات، د - صالح المازقي، د. طارق عبد الحليم، صلاح الحريري، أحمد بوادي، عبد الله زيدان، د. صلاح عودة الله ، عبد الله الفقير، صفاء العراقي، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي الزغل، فوزي مسعود ، محمد أحمد عزوز، رافع القارصي، د. أحمد محمد سليمان، محمد الياسين، أحمد ملحم، مراد قميزة، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، ماهر عدنان قنديل، فهمي شراب، محمد العيادي، نادية سعد، الهادي المثلوثي، مجدى داود، حسن عثمان، د - الضاوي خوالدية، جاسم الرصيف، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، رمضان حينوني، سامح لطف الله، تونسي، سيد السباعي، د.محمد فتحي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن الطرابلسي، سفيان عبد الكافي، خالد الجاف ، د- محمد رحال، سليمان أحمد أبو ستة، الناصر الرقيق، المولدي الفرجاني، إياد محمود حسين ، د. خالد الطراولي ، فتحـي قاره بيبـان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء