البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

أزمة سياسية مصطنعة في تونس لكنها الكاشفة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1309



لم تكن تونس محتاجة أزمة إضافية فـ"ما فيها كان كافيها"، لكن هناك من رغب في المزيد. وقد جر البلد بلا سبب وجيه إلى شفير هاوية لا تتبين سبل النجاة منها، فالذي أحدث الأزمة لا يرغب في حلها وإلا ما كان أحدثها. نحاول هنا تصويب النظر إلى الأزمة المختلقة وما قد ينجز عنها لاحقا، ولن نزعم قدرتنا على توقع حل خارج المعجزة ولو أنها ستكون معجزة مصطنعة بدورها.

ليست أزمة فهم للدستور

القوانين السارية في البلد بما فيها الدستور ليست غامضة بحيث تؤدي الى تأويلات متناقضة. هناك مهام محددة بالدستور لكل مكونات الحكم (أو الرؤوس الثلاثة كما سادت التسمية منذ أرسي النظام الجديد). وقد سار الأمر بسلاسة منذ تكليف الرئيس للسيد المشيشي، وشكل الرجل حكومته وصادق البرلمان، وظننا أننا تجاوزنا العراقيل التي ظهرت مع حكومة الفخفاخ، فإذا عدد من الوزراء يتجاوزون عهدتهم فتم عزل بعضهم وسقط آخرون في قضايا فساد سيمثلون من جرائها أمام القضاء. وكان هذا سببا للتعديل الوزاري الأخير، لا شيء خارج عن مألوف الحكم في أعرق الديمقراطيات.

لكن ما لم يُقل علنا وإن تتبعه المواطنون بانتباه هو أن التعديل اتجه إلى رفع يد الرئيس وفريقه عن الحكومة. بصيغة أخرى، إيقافهم عند حدهم الذي رسمه الدستور، وهذا هو السبب الحقيقي لغضب الرئيس. لقد انكشفت نيته في التدخل في مجال عمل الحكومة ومراقبتها من الداخل، أي أن يجعل من رئيس الحكومة وزيرا أول في أفضل الحالات يأتمر بأوامر الرئيس وينفذ سياساته. لقد رفض المشيشي ذلك بل استقوى بألد خصوم الرئيس (حزب النهضة وحزب غريم الرئيس قلب تونس) ليتمرد عليه ويرسم له خطوطا حمراء. ولم يتقبل الرئيس ذلك، وأحدث الأزمة بذرائع لم يقدم عليها دليلا يرجح رأيه في الوزراء الذين اتهمهم بتضارب المصالح وليقنع الناس بهذا الرأي.

وكي لا تظهر المسألة كخصام حول التسيير اصطنع للأزمة غلافا من خلاف حول تأويل النص الدستوري، وذهب الرئيس في قراءة أحادية بأن أداء اليمين ليست جائزة دستوريا، فتوسع الخلاف بين الحكومة والبرلمان من جهة؛ والرئيس وأنصاره الجدد من ناحية أخرى.

وأجدني مضطرا لتوضيع قولي بالأنصار الجدد للرئيس. لقد حدثت هجرة جماعية إلى الرئيس فأصبح فجأة قائد تيار الحداثة والتقدمية، بعد أن كان داعشيا متخلفا وفي بعض الروايات زمن الحملة الانتخابية بيدق حزب النهضة في السباق الرئاسي.

كل المثقفين الذين صوتوا لخصومه في الدور الأول، وخاصة أنصار المرشح الزبيدي، وزير دفاع بن علي، وصوتوا للقروي في الدور الثاني ضد قيس سعيد النهضوي الداعشي؛ صاروا الآن من أنصاره ويدفعونه إلى تصعيد الأزمة مع البرلمان ومع الحكومة. لقد تغيرت المعركة في الواقع من خلاف حول أمر شكلي إلى صراع استقطاب/ استئصال، على أمل أن يذهب فيه الرئيس حتى النهاية، ويبدو أنه يفعل ذلك بحماس ربما لم ينتظره أنصاره الجدد.

لسنا في أزمة تأويل نص دستوري ليكون واضحا، بل في فصل جديد من حروب الاستئصال التي يصب خراجها لصالح فرنسا وأنصارها في الداخل. (وجب الربط هنا مع زيارة الرئيس إلى فرنسا وتقبيله كتف رئيسها، ونفيه لاحقا أن يكون الاحتلال الفرنسي احتلالا وعدوانا وإنما هو عهد حماية قانوني). عودا على بدء إذن، كلما قلنا إننا خرجنا من حروب الاستئصال أضيف إليها موسم جديد.

لن يقف الأمر عند رفض قسم الوزراء

كيف ستحل الأزمة؟ لست قادرا على التوقع السليم، فالوسطاء والخيرون يسعون في حل دستوري ولكنهم يصطدمون بمزاج الرئيس الذي لا يعرف حدود حركته ولا نتائجها المتوقعة. (التسريبات عن الوساطات الأولى تؤكد فشلها) وقد وضع ضده كل أساتذته من فقهاء القانون الدستوري الذين أثبتوا عليه الجهل بالقانون، وحرموه امتياز التأويل الذي احتكره لنفسه باسم المنصب لا باسم الكفاءة العلمية والقانونية. (تصدر نصوص ساخرة الآن في السوشيال ميديا عن جهل الرئيس بالقانون الدستوري).

رفض الرئيس استقبال الوزراء في حفل القسم جعل رئيس البرلمان يصرح ولا يكتفي بالتلميح أنه يمكن المرور إلى وضع نظام برلماني بالقوة (أمر واقع)، وهذا يعني اتساع الشرخ بين الحكومة والرئيس. بحيث لن يكون ممكنا للحكومة أن تعمل مع الرئيس الذي يعتبرها غير دستورية. وكل نص قانوني تقترحه الحكومة ويصادق عليه البرلمان لن يحظى بإمضاء الرئيس فلا يصدر في الجريدة الرسمية، فتجد الحكومة نفسها عاطلة، إلا إذا اشتغلت بالمناشير الوزارية بما يربك علاقتها مع البرلمان.

هذا الوضع لا يمنح الرئيس صلاحيات حل الحكومة وإعادة التكليف، وهذا الحكومة يمكنها العمل مكتفية بالشرعية التي منحها إياها البرلمان. سيكون هناك خطابان يزعم كل منهما أنه الشرعي الدستوري. وكل المؤشرات تدل على أن الحكومة ذاهبة في هذا الاتجاه (ويسندها البرلمان)، ولن تسقط الوزراء الأربعة الذين قال عنهم الرئيس إنهم في وضعية فساد وتضارب مصالح؛ لأن أي تراجع أو مجاملة ستسقط اعتبار الحكومة وتفقدها شرعيتها أمام أنصارها وحزامها البرلماني الذي بلغ ثلثي البرلمان.

مؤشرات اتساع القطيعة تزداد، ودلائل عناد الرئيس أيضا.، والخروج الإعلامي الأخير لرئيس البرلمان تؤكد قيام حلف الحكومة مع البرلمان ضد الرئيس.

الحدود تتضح والمسؤوليات تحدَد، والجمهور العريض رغم قرفه من كل المشهد يتكلم بلسان فصيح. وعلى ألسنة الأغلبية سؤالان: من هذا الرئيس؟ وماذا يريد؟ أما حادثة التسمم فقد كشفت الكثير، ولأنها فضيحة كاملة فقد خجلنا من توضيحها، خاصة وقد صدقها السيسي.

البلد لم يعد يحتمل كل هذا العبث

لكن لا منتصر في الحقيقة، بل المنتصر هنا مهزوم أمام قضايا الشعب التونسي التي تتجاوز شكليات تأويل الدستور، ووحدهم أعداء الثورة الذين يعددون صور فشلها يضحكون في هذا المشهد القاتم الذي تنتعش فيه الفاشية. لقد صار البعض يتمنى قرصة أذن تأتي من الخارج لإلزام الرئيس، ولكن هذا الحل وإن حصل لن يزيد الأمر إلا سوءا لأنه العلامة الفاضحة على فقدان السيادة وكسر القرار الوطني.

لقد تحرك الشارع الغاضب ولم يسكته إلا تفطن شباب غاضب إلى الذين قفزوا إلى رأس التحرك لقطف ثمرته، فتراجع الشارع الحقيقي مؤقتا ولم تبق الا فئات خلطت مطالب الفقراء بمطالب تحرير تجارة المخدرات والحرية الجنسية. وهي مطالب تنتعش في مثل هذه الأزمات لأن أصحابها لا تمسهم الأزمات الاقتصادية، فهم ينزلون المظاهرات بكلابهم المدللة التي تأكل أكثر من عائلة تونسية متوسطة.

أزمة عميقة لكننا محّصنا الرئيس، وهذا مكسب ووضعنا علامات على المتظاهرين بكلابهم المدللة، ونظن رغم سوء الأحوال في الجملة أن غربال الثورة شغال، لقد سقط الرئيس ولن يسقط الدستور.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، قيس سعيد، الفوضى، تنسيقيات قيس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-02-2021   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد النعيمي، د- محمد رحال، أحمد الحباسي، د - المنجي الكعبي، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، رافد العزاوي، حسن عثمان، عراق المطيري، سيد السباعي، عمر غازي، محمد شمام ، محمد الطرابلسي، وائل بنجدو، يحيي البوليني، سلام الشماع، أحمد بوادي، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، إياد محمود حسين ، د. أحمد بشير، د- محمود علي عريقات، د. طارق عبد الحليم، محمد يحي، أشرف إبراهيم حجاج، صلاح الحريري، حميدة الطيلوش، صفاء العربي، مصطفي زهران، صباح الموسوي ، محمد الياسين، عبد الله الفقير، عمار غيلوفي، عبد الله زيدان، د. عبد الآله المالكي، عبد الغني مزوز، رافع القارصي، الهيثم زعفان، خبَّاب بن مروان الحمد، علي الكاش، طلال قسومي، حسن الطرابلسي، عواطف منصور، محمد عمر غرس الله، العادل السمعلي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم فارق، سعود السبعاني، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، د- جابر قميحة، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، سليمان أحمد أبو ستة، تونسي، فتحي العابد، فتحي الزغل، د. أحمد محمد سليمان، رمضان حينوني، حاتم الصولي، المولدي الفرجاني، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، أنس الشابي، د - شاكر الحوكي ، رضا الدبّابي، علي عبد العال، د. خالد الطراولي ، محمد العيادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد أحمد عزوز، محمود سلطان، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - مصطفى فهمي، جاسم الرصيف، فوزي مسعود ، صلاح المختار، مجدى داود، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم السليتي، أحمد ملحم، د - محمد بنيعيش، ضحى عبد الرحمن، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلوى المغربي، إيمى الأشقر، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، د - عادل رضا، سامر أبو رمان ، فهمي شراب، الناصر الرقيق، صفاء العراقي، رشيد السيد أحمد، سامح لطف الله، مراد قميزة، د. صلاح عودة الله ، ماهر عدنان قنديل، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، فتحـي قاره بيبـان، منجي باكير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الرزاق قيراط ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء