البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

ماذا بقي من الثورة التونسية؟

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 1329


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


رغم حرص الخطاب الرسمي على تبرير الإجراءات الوقائية الاستثنائية الأخيرة بأسباب تتعلق بالوقاية من جائحة كورونا، يبدو أن تزامنها مع الذكرى العاشرة للثورة التونسية يجعلها أكبر من مجرد إجراءات صحية ترتبط بفرض التباعد الاجتماعي، خاصة وقد أثبت التعاطي مع الجائحة أن الدولة قد تبنت منطق مناعة القطيع.

وليس يعنينا في هذا المقال أن ننتقد السياسات الحكومية في مواجهة كورونا، بل منتهى ما يعنينا من الجائحة هو أن التعامل معها كان وما زال تعاملا يعكس (على غرار التعامل مع أغلب الملفات الوطنية الكبرى) ضعف الدولة وهشاشة الحقل السياسي. وقد يكون احتفال الكثير من التونسيين "قلبيا" بثورتهم في زمن كورونا مدخلا جيدا لنطرح السؤال التالي: ماذا بقي في قلوب التونسيين وواقعهم من الثورة وشعاراتها؟ أو ماذا أبقت النخب التونسية لمواطنيها بعد عشر سنوات من ثورتهم على النظام الجهوي- الزبوني التابع والمتخلف؟

الثورة التونسية أو الزمن السياسي الجديد المجهض

مهما اختلفنا في توصيف ما وقع في تونس بين 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 و14 كانون الثاني/ يناير 2011، وسواء اعتبرنا ما وقع انتفاضة شعبية أو انقلابا أو ثورة مجهضة، فإن ذلك "الانكسار البنيوي" في المنظومة السلطوية التونسية كان حدثا مفصليا في التاريخ التونسي، بل في التاريخ العربي بحكم تداعياته على أحداث ما سُمي بـ"الربيع العربي".

وبحكم المآلات الكارثية لأغلب الثورات العربية، بدا النموذج التونسي (رغم كل انتكاساته وإخفاقاته التي لا ينكرها إلا مكابر) استثناء في محيط إقليمي ارتد بالثورات الأخرى إلى حروب أهلية أو انقلابات عسكرية، بدعم من "محور الشر" (أو محور التطبيع) الإماراتي السعودي. وهو ما يعني أن سردية "الاستثناء التونسي" لا تكتسب شرعيتها من عوامل موجبة (أي من مشروعية الإنجاز القابل للتكميم أو الإحصاء أو الذي يمكن أن يستشعره المواطن بصورة عفوية) بقدر ما تكتسب تلك الشرعية من عوامل سالبة (تجنب الحرب الأهلية أو الانقلاب العسكري).

هل فشلت الثورة أم فشلت النخب التقليدية؟

إن سؤالنا عما تبقى من الثورة التونسية، هو في الحقيقة سؤال مزدوج. فهو يتعلق من جهة أولى بما تحقق من شعارات الثورة ومطالبها، وهو من جهة ثانية يرتبط بما تبقى من "إيمان" بقيم تلك الثورة و"روحها"، بعد كل ما حصل من ارتدادات وخيبات لا يمكن أن تحجبها نقطة الضوء الباهتة والمتمثلة في بعض المكتسبات الهشة والمهددة بالانتكاس في كل أزمة عميقة بين الفاعلين الأساسيين.

لقد كان "التشغيل" و"الحرية" و"الكرامة الوطنية" أبرز مطالب الثورة التونسية، وهي مطالب لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل مشروع وطني جامع عملت أغلب النخب التي تصدرت المشهد العام بعد الثورة على إفشاله. ولا شك في أن غياب ذلك المشروع أو عجز النخب عن تحقيق شروطه الفكرية والموضوعية كان وراء الفشل في إدارة أغلب الملفات الكبرى، رغم تغير الحكومات والتحالفات السياسية. فالدولة قد فشلت في استرجاع الأموال المنهوبة وفي محاربة الفساد البنيوي الذي يكاد يتحول إلى ظاهرة مافيوزية (العجز عن توفير موارد إضافية للتشغيل)، وفشلت أيضا في تسوية وضعيات ضحايا النظام السابق بلحظتيه الدستورية والتجمعية (العجز عن تحقيق الكرامة لأكثر الناس استحقاقا لها)، وفشلت أخيرا في التخلص من مناويل التنمية الموروثة من النظام السابق والمتسببة في تأبيد وضعية التخلف والتبعية، والاستباحة الخارجية الممنهجة للفضاء الوطني (العجز عن بناء مشروع الحرية والسيادة الوطنية).

الهوّة بين احتياجات النخب واحتياجات عامة المواطنين

لا شك في أن الاحتفاء بثورة لم تحقق إلا القليل اقتصاديا واجتماعيا ولم تقطع مع المنظومة القديمة ونواتها الصلبة (أيديولوجيا وماليا وجهويا)؛ هو أمر يستدعي وعيا استراتيجيا يتجاوز الظرفي والسياقي ويتسلح بالأمل متخلصا من حظوظ النفس "الآن- وهنا". إنه وعي "نخبوي" لا يمكن أن نلوم المواطن العادي على عدم التماهي معه. فهذا المواطن مشغول بتوفير حاجياته الأساسية، أي تلك الاحتياجات التي تقع في أدنى هرم ماسلو مثل الاحتياجات الفيسيولوجية والحاجة للأمان والاحتياجات الاجتماعية، وهو غير مشغول بإشكاليات النخب ورهاناتها، كالحرية والديمقراطية والكرامة التي تلبي الحاجة للتقدير وتحقيق الذات.

ولذلك فإننا لا نستغرب تزايد نسبة الكافرين بالثورة حتى ممن لا ينتمون إلى المنظومة القديمة أو إلى قواعدها الانتخابية وشبكاتها الزبونية، خاصة وهم يرون النخب (يمينا ويسارا) يتحولون إلى سبب مركزي في تعميق أزمتهم مما يغريهم (ولو بصورة لا واعية) على مقايسة منجز الثورة على عهد المخلوع، أو حتى على الحنين إلى أيامه رغم بؤسها.

هل نجحت النخب في مأسسة شعارات الثورة حقا؟

إن الحرية والديمقراطية ولا مركزية السلطة والتداول على السلطة والتعددية الحزبية (أي ذلك المنجز الذي اعتبرته النخب عملية مأسسة لشعارات الثورة) هي في التحليل الأخير مطالب نخبوية بالأساس. وهي مطالب لا يمكن أن تغري عامة الشعب إلا عندما تنجح النخب في تحويلها إلى أداة لإصلاح الواقع، أي إلى برامج سياسية يرى عامة المواطنين رأي العين تأثيرها في تحسين وضعيتهم الاجتماعية وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ولكن واقع الثورة التونسية منذ رحيل المخلوع لا يشفع لتلك القيم النخبوية، بل يجعلها كلمات ذوات "سمعة سيئة" لأنها ساهمت (من منظور الوعي العام الذي تشكله وسائل الإعلام المرتبطة وظيفيا بالمنظومة القديمة) في تعفين الوضع العام وتأزيم حياة المواطنين اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. ونحن لسنا هنا في وارد نقد هذا الوعي أو نقد الأطراف التي تعمل على تشكيله في عصر "ما بعد الحقيقة"، ولكننا نكتفي بوصف الواقع الذي يُبنى إعلاميا بصورة تجعله أكبر عدو لأي نفس ثوري أو إصلاحي، وأكبر حليف لكل السرديات الفاشية (ورثة المخلوع وحلفاؤهم) والشعبوية (ساكن قرطاج ومشروعه السياسي الهلامي).

افتضح الأدعياء والأعداء ولكنّ الثورة باقية

رغم كل حملات الترذيل الممنهج للثورة والتطبيع المشبوه مع أعدائها في الداخل والخارج، فإن الثورة التونسية لم تخسر في الحقيقة إلا أدعياءها وأعداءها الذين حرفوها عن مداراتها الأصلية إلى مدارات موهومة لم يستفد منها إلا القليل. ولكن الثورة التونسية باقية لا محالة (على كره منهم) بحكم جوهرها التقدمي وغير المتصادم مع حركة التاريخ من جهة أولى، وبحكم عجز النخب "الرسمية" جميعا عن تنزيل تلك الشعارات في الواقع من جهة ثانية.

ولذلك، فإن ما تبقى من الثورة التونسية في التحليل الأخير هي راهنية استحقاقاتها، واستحالة أن تستويَ على سوقها مشروعا للحرية والكرامة دون توافق وطني عابر للأيديولوجيات (كتلة تاريخية)، أي دون كلمة سواء بين مختلف الفاعلين الجماعيين، كلمة تتحرر من الدوغمائيات والسرديات اللاوظيفية ومن سلطة الذاكرة وفتنة أحادية الصوت. وهو مطلب عزيز قد لا تكون النخب المتصدرة للشأن العام قادرة على الوفاء بشروطه (بحكم ارتباطها فكريا وواقعيا بمنظومة الفساد والتبعية)، ولكنه يظل رغم ذلك مطلبا قابلا للتحقق بنخب أخرى ما زالت تحمل الثورة في قلوبها (لا على ألسنتها فقط) وإن دفعت بها موازين القوى إلى هامش الفعل والتأثير.. لكن إلى حين.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، ذكرى الثورة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2021  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ياسين أحمد، سامح لطف الله، فهمي شراب، كريم السليتي، محمد الطرابلسي، صباح الموسوي ، علي الكاش، فتحي الزغل، عبد الله الفقير، عبد الرزاق قيراط ، فوزي مسعود ، سعود السبعاني، إياد محمود حسين ، مجدى داود، رافد العزاوي، محرر "بوابتي"، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، محمد اسعد بيوض التميمي، فتحي العابد، إسراء أبو رمان، د - محمد بنيعيش، سامر أبو رمان ، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، الهادي المثلوثي، محمود فاروق سيد شعبان، محمد يحي، صفاء العراقي، رافع القارصي، أحمد ملحم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، مصطفي زهران، د - محمد بن موسى الشريف ، علي عبد العال، يزيد بن الحسين، صلاح الحريري، عراق المطيري، أحمد بوادي، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، محمد الياسين، سلام الشماع، محمد عمر غرس الله، د. عبد الآله المالكي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، د.محمد فتحي عبد العال، أبو سمية، د - عادل رضا، د. أحمد بشير، عواطف منصور، الناصر الرقيق، محمد شمام ، طلال قسومي، عمر غازي، كريم فارق، د- محمد رحال، منجي باكير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، د. مصطفى يوسف اللداوي، أ.د. مصطفى رجب، د - الضاوي خوالدية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد العيادي، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، فتحـي قاره بيبـان، د - مصطفى فهمي، ماهر عدنان قنديل، وائل بنجدو، حسن الطرابلسي، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، سيد السباعي، سليمان أحمد أبو ستة، رمضان حينوني، محمود سلطان، د. طارق عبد الحليم، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- جابر قميحة، سلوى المغربي، د. صلاح عودة الله ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يحيي البوليني، د - شاكر الحوكي ، رشيد السيد أحمد، د. خالد الطراولي ، تونسي، عمار غيلوفي، إيمى الأشقر، عبد الغني مزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد أحمد عزوز، صفاء العربي، العادل السمعلي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، جاسم الرصيف، أنس الشابي، صلاح المختار، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، حسن عثمان، حاتم الصولي، د. أحمد محمد سليمان، د - المنجي الكعبي، رضا الدبّابي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء